في الخرطوم
حسني مبارك...أى مفاتيح الحل يحمل
تقرير: خالد البلوله إزيرق
دون إعلان مسبق ووسط تكتم إعلامي، حطت الطائرة الرئاسية المصرية بمطار الخرطوم صبيحة الأمس وعلى متنها الرئيس المصري محمد حنسى مبارك، الذي تعد هذه الزيارة الثالثة له للخرطوم بعد توتر العلاقات بين البلدين إثر محاولة إغتياله التى جرت بالعاصمة الاثيوبية اديس أبابا 2005م، لتعود العلاقة بين البلدين بعد إنقطاع دام خمس سنوات للتعاون المشترك، حتى بدت القاهرة في قضايا كثر تدافع عن النظام في الخرطوم في المحافل الدولية.
وبعد إعتذارين للرئيس حسني مبارك خلال ثلاث أشهر فترة القمتين الإفريقية والعربية اللتين عقدتا بالخرطوم مطلع العام 2006م، وبعد إنتهاء القمة العربية التى عقدت في مارس 2006م بأيام، هبطت طائرة الرئيس المصري حسنى مبارك بالخرطوم التى لم يمكث بها لأكثر من ساعات. وهي ذات الطائرة التى حطت به في مطار الخرطوم صيف 2003م في وقت كانت تتعثر فيه المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية بعد صدور وثيقة ناكورو التى رفضها الوفد الحكومى، ليتم بعد تلك الزيارة تصعيد الوفد الحكومى ليكون بقيادة النائب الأول على عثمان محمد طه مع الراحل د.جون قرنق.
وغدت زيارات المسئولين المصريين للسودان إحدي مؤشرات تعقيد قضاياه، فالغياب الشهير للرئيس المصري عن المشاركة في القمة الإفريقية بالخرطوم بحجة إصابته بـ"نزلة برد" وقتها وهو غياب ازعج الخرطوم كثيراً وهي في أمس الحاجة لدور المصري لظفر برئاسة الإتحاد الأفريقي، كانت القاهرة تدرك حجم الضغوط الممارسة على الدول الإفريقية لعدم ترأس السودان للإتحاد الإفريقي، فيما أرجع محللون غيابه وقتها الى أن الرئيس المصري قلل مشاركاته في القمم الإفريقية منذ محاولة الإغتيال التي تعرض لها في أديس أبابا، وأنه لرغبته في حضور قمة الخرطوم أرسل فريقاً أمنياً مصرياً لدراسة ترتيبات تأمين الرؤساء، ولدي عودة الفريق الأمني المصري لبلاده حمل تقريره أن الترتيبات الأمنية لا تمثل سوى "40%" من المعدل المطلوب حسب التدابير الأمنية المصرية، وهو ما يفسر سر التكتم على زيارته أمس.
وبعد عودة العلاقات بين البلدين لتحسن نهاية التسعينات بعد القطيعة التى شهدتها، إكتفت القاهرة بإيفاد وزير خارجيتها ومدير مخابراتها عمر سليمان للخرطوم، الذين تكررت زياراتهم، التى دائماً ما ترتبط بتطورت داخلية كبري. فقد وصلا إبان الخلافات التى نشبت بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى، أتيا للمساهمة في طى الخلافات بين شريكي نيفاشا بعد تجميد الحركة الشعبية لنشاط وزارئها في الحكومة المركزية مطلع العام 2007م، والتداعيات التى أفرزتها تلك الخطوة، وكان وزير الخارجية وقتها ومدير مخابراتها قد حلا أيضاً على الخرطوم في زيارة شبية كانت بعيد وقوع المفاصلة الشهيرة بين الرئيس البشير وعراب نظامه الدكتور حسن الترابي مطلع العام 2000م فيما أشتهر بتسميته بقرارات رمضان.
وينظر مراقبون الى زيارة الرئيس المصري حسنى مبارك المفاجئة أمس الى الخرطوم بغير القليل من القلق لما تحمله في طياته من مؤشرات على تعقد الأزمة مع المحكمة الجنائية الدولية، خاصة وأن القاهرة شهدت الإسبوع الماضي زيارات لمسئولين كبار تقدمهم الدكتور نافع على نافع ود.مصطفي عثمان إسماعيل وعدد من القيادات التى شاركت في مؤتمر الحزب الحاكم بمصر. وكان مصدر مصري أكد أمس للبي بي سي بأن مبارك "سيجري محادثات مع الرئيس عمر البشير تتناول إتهام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، والعلاقات الثنائية". وينبه مراقبون الى الدور المصري في نقل المواقف الدولية الى الأطراف العربية في قضاياها المختلفه في مثل هذه القضايا كما حدث مع الرئيس العراقي صدام حسين. فالرئيس المصري وصل الخرطوم وربما في جعبة مزيد من أوراق الحل التى يعرضها على الخرطوم فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، خاصة وهو قادم قبل إيام من العاصمة الفرنسية باريس التى تلعب دوراً كبيراً في موضوع المحكمة الجنائية الدولية، بل تقدمت بأربعة شروط للخرطوم لتنفيذها مقابل تجميد إجراءات ملاحقة الرئيس البشير لمدة عام قابل لتجديد وفقاً للمادة "16" من ميثاق روما، وتأتى الزيارة في وقت يعكف قضاة المحكمة الجنائية الدولية على دراسة الأدلة التي عرضها المدعي العام لويس مورينو اوكامبو في يوليو الماضي لمعرفة ما اذا كانوا سيصدرون مذكرة توقيف في حق الرئيس عمر البشير. فيما أشار أوكامبو الذي طلب منه قضاة المحكمة الجنائية معلومات إضافية حول الإتهامات في مدة أقصاها شهراً تنتهي منتصف نوفمبر الجاري، أشار الى أنه لا يتوقع أن يصدر قضاة لاهالي مذكرة قبل يناير القادم.
ويبدو أن تحرك الرئيس المصري يأتي ضمن مساعيه لإنقاذ موقف الخرطوم، متزامناً ذلك مع تقارير صحافية تحدثت عن إتجاه الحكومة لتوكيل مكتب قانوني بريطاني ليتولى الدفاع عنها في المحكمة الجنائية الدولية، قدرت تقارير تكلفته بـ"16" مليون دولار، خطوة عدت تقدماً حكومياً ناحية اللجوء الى تغليب الخيار القانوني لمناهضة مذكرة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ضمن المسارات الثلاث التى تتحرك بها الحكومة وهى المسار السياسي والدبلوماسي والقانوني.
وتعكس زيارة الرئيس المصري مدي القلق الذي يسيطر على مصر جراء تداعيات الأوضاع في السودان حال صدور مذكرة من قضاة لاهالي بتوقيف الرئيس البشير يناير المقبل، كما ان الزيارة ترسل إشارت غير إيجابية لما يجري داخل كواليس لاهالي إتجاه البشير، وهو ما يجعل بعض المراقبون يرجحون أنه إحدى أسباب الزيارة المفاجئة للرئيس المصري للخرطوم.
ولكن ما الذي يحمله الرئيس حسنى مبارك في جعبة للخرطوم، أسئلة مشرعة تدور في خلد كثير من المراقبين وتذهب التخمينات إتجاهها مذاهب شتى، خاصة بعد أن رمت مصر بيضتها فيما يتعلق بموضوع المحكمة الجنائية في سلة الجامعة العربية التى قادت تحركات مكثفة عقب صدور مذكرة التوقيف من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير، وقد تمخضت التحركات السياسيه للجامعة العربية عن المبادرة العربية لمعالجة الوضع في دارفور والتى أوكل أمر إنجازها لقطر، فيما إنتهت تحركاتها في ملف الجنائية، والتى يبدو أن خطتها قد إصتطدمت بالموقف الحكومى المتعنت من التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، الى تصريحات الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي حينما سأل في مؤتمره الصحفي المشترك مع نائب الرئيس على عثمان محمد طه إبان زيارة الأخير لمصر للمشاركة في إجتماعات اللجنة الوزراية المشتركة بين البلدين بقوله "إن على الخرطوم وحدها فعل الكثير" في إشارة الى أن حل أزمة لاهالى بيد الخرطوم لا غيرها.
والرئيس المصري وهو يحط رحاله بالخرطوم، يهفو فؤاده الى عاصمة الجنوب جوبا التى اضحت تشكل بعداً آخراً ضمن محور العلاقات بين البلدين، حيث إلتقي برئيس حكومة الجنوب ونائب الرئيس سلفاكير ميارديت ورئيس لجنة معالجة أزمة المحكمة الجنائية الدولية التى كونت عقب صدور طلب مذكرة مدعي لاهالي، وكان سلفاكير قد شدَ الرحال الى القاهرة مرتين منذ توليه دولاب الحكم بعيد رحيل الدكتور جون قرنق، ويأتي الإهتمام المصري بالجنوب السوداني من واقع حرص مصر على الوحدة السودانية، التي تعني الكثير لها من ناحية الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية في جنوب الوادي، والمتمثلة في تأمين حصة مياه النيل الذي يمثل شريان الحياة وسط أطماع وتقاطعات إقليمية حوله كان آخرها ما اثارته كينيا أمس بإستحواز السودان ومصر على مياه النيل. إدركت القاهرة هذا الدور باكراً لذا قامت بإفتتاح قنصلية لها بجوبا لرعاية مصالحها بالجنوب، كما سارعت لمد جسور التواصل مع الجنوب من خلال إنشاء فرع لجامعة الإسكندرية بنمولي، وواصلت قبول بعثات من جنوب السودان للتعليم العالي والتأهيل في مختلف المجالات.
ويشكل الجنوب أيضاً بعداً إستراتيجياً لمصر من واقع تحكمه في مجري النيل، فبسبب الحرب تم إيقاف أكبر مشروع سوداني مصري مشترك في الجنوب لتوفير مليارات الأمتار من المياه بمشروع جونقلي للبلدين، وهو مشروع تسعى مصر الى ضخ الحياة فيه للإستفادة من فاقد التبخر لمياه النيل بمنطقة البحيرات، لذا توليّ الحكومة المصرية هذا الملف أهمية قصوى.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة