اختطاف الطائرات
الاحتجاج... بأرواح الأبرياء
تقرير:خالد البلوله إزيرق
قبل أن يأخذ ركاب البيونج (737) أنفاسهم من عملية الإقلاع التي لم تتجاوز دقائق معدودة من مطار نيالا، فإذا بالقدر يرسم لهم أن يستمروا في قبض تلك الأنفاس التي لم تعرف الهدوء إلا بعد 24 ساعة هي مدة اختطاف «أير صن» التي حطت بالكفرة بعد أن غير الخاطفان وجهتها من الخرطوم إلى هناك.
الحادثة لم تكن الأولي التي تجري فيها عملية اختطاف لطائرة بهذه الطريقة، فالسودان لم يشذ عن غيره في تنفيذ عمليات الاختطاف لأغراض مختلفة يكون منفذها إجراءات السلامة بالمطار وكذلك في داخل الطائرات.
وعلى نسق الحوادث التي سبقت فقد استسلم خاطفا طائرة «أير صن» للسلطات الليبية بمطار الكفرة دون أن يصيبا أحدا بأذى، لتبدأ بعد ذلك رحلة الإجراءات العدلية في عملية تسليم المختطفين لمحاكمتهما، وهي عملية من واقع حوادث الاختطاف السابقه تشير مؤشراتها إلى أن كل الدول التي لجأ لها الخاطفون لم تقم بتسليمهم للخرطوم. السفير الرشيد أبو شامه قال في حديثه لـ»الصحافة» انه من الناحية القانونية في مثل هذه الجرائم يحاكم الخاطفون في الأرض التي قبضوا أو استسلموا فيها، ويمكن للدولة التي تمت فيها عملية الاختطاف أن تطلب تسليمها المختطفين لمحاكتهم إذا كانت علاقات الدولتين جيدة، وإذا كانت هناك اتفاقيات ثنائية لتسليم هذا النوع من المجرمين، أو كان هناك تفاهم كامل بين البلدين بمثل ما حدث في تسليم ليبيا لفاروق حمدالله، وكذلك تسليم الخرطوم لمختطف الطائرة السعودية للرياض قبل ثلاثة أعوام.
ويذهب مراقبون إلى أن الموقف السياسي بين الدول غالباً ما يكون له وزنه في عملية تسليم الخاطفين من عدمها، وهذا يتوقف على تعاطف الدولة مع الخاطفين وقضيتهم بمثل ما حدث لـ «محمد عبد اللطيف»، خاطف الطائره الذي رفضت تشاد تسليمه للخرطوم قبل أن تقوم بمحاكمته على أراضيها. وتتعلل معظم الدول بعدم التسليم في العادة بخوفها من أن يتعرض المجرم لتعذيب أو أن تجري له محاكمات غير عادلة في وطنه.
وقد سجلت مضابط النظام الحالي أعلي حالات اختطاف للطائرات، وإن كانت الظاهرة قد بدأت تنتقل للسودان عبر عمليات القرصنة كتلك العملية التي شهدها حادثة اختطاف طائرة بابكر كرار النور، وفاروق حمد الله القياديين بالحزب الشيوعي اللذين كانا في طريقهم للخرطوم لمناصرة انقلاب هاشم العطا، لتتعرض بعد ذلك طائرتهما لعملية قرصنة تم بها إنزال الطائرة بالجماهيرية الليبية.
وإن كانت طائرة بابكر كرار قد مورست عليها عملية قرصنة جوية، فإن الظاهرة أطلت على المشهد السوداني بعد ثلاثة عقود من تلك الحادثة بعمليات الاختطاف من داخل الطائرات، ففي 1994م لم يكن المسافرون على طائرة البيونج (737) في رحلتها من الخرطوم إلى دنقلا، يطوف بخلدهم أنهم على موعد مع حادثة اختطاف، إلا بعد أن أقتحم «عادل محجوب» الكابينة وأشهر مسدسه آمراً طاقمها بالتوجه إلى القاهرة التي كانت علاقتها مع الإنقاذ في أسوء حالاتها، وقد برر عادل حينها العملية بالصدمة النفسية التي تعرض لها بعد إعدام ضباط رمضان (28) وقد نفذ عملية الاختطاف بعد أن نجح في عبور كل نقاط المراقبة الأمنية بالمطار، وكان على متن تلك الطائرة والى الشمالية الحاج آدم يوسف.
وقد عكست حوادث الاختطاف التي جرت عبر المطارات المختلفة، ضعف الإجراءات الأمنية بالمطارات، وهو ما أشار إليه العميد م. حسن بيومي في حديثه ل»الصحافة» بقوله «الثغرات الأمنية التي ينفذ منها الخاطفون بالمطارات نتيجة ضعف المراقبة في هيئة الطيران المدني»، فيما يرجع آخرون هذا الضعف إلي عدم التنسيق بين الأجهزة الأمنية في المطار وتقاطع الاختصاصات مما يؤدي لمثل هذه الثغرات. وكان معظم الخاطفين قد لجأوا برهائنهم إلى دول تكون علاقاتها مع الخرطوم في حالة توتر، وهو ما يعتقد أنه يؤمن للخاطفين سلامتهم وضعف احتمالات تسليمهم للمحاكمة، باعتبار أن عملية الخطف تخدم قضاياهم السياسية في نظر تلك الدول بحسب اعتقاداتهم، وبحسب محللين، فإن عمليات الاختطاف لم تعد تخدم قضية بل تكون خصماً على القضايا نتيجة التأثير الذي تحدثه العملية على أبرياء لا ذنب لهم، بل قد يكون من ضمنهم متضامنون مع قضية الخاطف، ويصف بروفيسر صلاح الدومة، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية لـ»الصحافة» عملية الإختطاف التي جرت أمس الأول بنيالا، بأنها يائسة وتأتي بمردود سلبي يألب الآخرين على القضية. وأضاف أنها تنم عن جهل، مرجعاً ذلك إلى أن الحركات في دارفور بدأت بالقوة المسلحة قبل الفكر، والصحيح أن تبدأ بالطرح الفكري ثم تتدرج للعمل المسلح مما جعلها في حالة توهان فكري أفضي بها إلى ما يجري الآن.
ولم يمض عام على حادثة اختطاف الطائرة القادمة من دنقلا وتغيير مسارها إلي القاهرة، حتي كانت الطائرة المتجهة من مروى إلى بورتسودان عام 1995 على موعد مع رحلة غير طبيعية، سجلتها مضابط الاختطاف تلك التي نفذها عريس وعروسته قبل أن يتمكن طاقم الطائرة من إقناعهما بالتسليم، ومن ثم الإفراج عنهما بعد مقاضاتهما.
وفي منتصف ذات التسعينات، رسم جعفر إبراهيم صورة أخري لتلك المشاهد عندما اختطف طائرة سودانية في رحلة داخلية أيضا، أجبرها على التوجه إلى أسمراء التي كانت علي خلاف مع الخرطوم نتيجة نشاط المعارضة السودانية التي تنطلق بدعم من أريتريا.
وبعد أن تناسي البعض حوادث اختطاف الطائرات في الفضاء السوداني لأكثر من عشرة أعوام، فإذا بـ «محمد عبد اللطيف» ينعش ذاكرتهم مرة أخري بها عندما قام باختطاف طائرة البيونج (737) التابعة لطيران الغرب في يناير 2007م، على ذات الطريقة التي نفذ بها سابقوه عملياتهم، كما برر أيضاً الخاطف عملية الاختطاف التي هبط بها في أنجمينا بدلا عن مطار الفاشر، برغبته في لفت الأنظار إلى ما يجري بدارفور.
وبعد نجاح السلطات الليبية في تحرير ركاب الطائرة "صن أير" والذين عادوا لأرض الوطن، والكل يتساءل هل ستصحو أجهزة المراقبة الأمنية في المطارات من غفوتها وتضع حداً لهؤلاء المغامرين، وبذلك تكون كتبت النهاية لعمليات الاختطاف في الفضاء السوداني، في ظل تعقيد القضايا السياسية التي كانت سببا في كثير من تلك الحوادث التي شهدها الطيران السوداني.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة