البســـاط التشــادي
الشعبية... في بلاط العدل والمساواة
تقرير: خالد البلوله إزيرق
ورحلة البحث عن سلام دارفور تتواصل مسيرتها دون توقف، والكل يلهث وراء كل بصيص أمل يضىء الطريق المعتم، والحركة الشعبية تمضي مع اللاهثين وراء السلام المفقود، وبعد جهودها الداخلية لتوحيد الحركات، اتجهت خطاها الى تشاد حيث حركة العدل والمساواة، ومن غير إعلان مسبق يلتقي وفدها الزائر الى هناك بالدكتور خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة.
رحلة وفد الشعبية الى تشاد المباركة من قيادات المؤتمر الوطنى، لطى الخلافات مع تشاد وبحث سبل تحقيق السلام في دارفور، يبدو أنها زيارة أعد لها بعناية، وأن توقيتها يبدو أكثر مواءمة لأجندتها، فالوفد بقيادة باقان أموم وياسر عرمان، جاءت زيارته في وقت بدأت تشهد فيه العلاقة بين الخرطوم وإنجمينا نوعاً من الإنفراج، بعد جهود الوساطة التى تقودها ليبيا، بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بعد إنقطاع بسبب الإتهامات المتبادلة بدعم كل طرف لمعارضة الآخر، وقد لعبت الشعبية دوراً كبيراً في عودة العلاقات لطبيعتها عبر جهود وزير الخارجية دينق ألور.
وقد اكتسبت الزيارة بعدها الأكبر في لعب دورها على المسرح الداخلى، بعد لقاء الوفد بالدكتور خليل إبراهيم، وهو لقاء يبدو أنه كان المقصد الأساسي لزيارة الوفد، كما لا يستبعد محللون أن يكون اللقاء تم بإيحاء من المؤتمر الوطني، لإعتبارات موضوعية وضرورية حتمتها مجريات الأحداث المتسارعة، وفي وقت يبتدر فيه المؤتمر الوطنى سلسلة حوارات مع القوى السياسية لجهة جمع الصف الوطني لمواجهة التحديات التى ستفرزها مذكرة توقيف الرئيس البشير من قبل مدعي المحكمة الجنائية الدولية، وقد تمخضت تلك اللقاءات عن مبادرة أهل السودان التى أطلقها رئيس الجمهورية اثناء زيارته مؤخراً لدارفور. وكان وزير الخارجية دينق ألور قد قال في المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير الخارجية المصري أول أمس «ان المباحثات التي تمت بين الحركة الشعبية ورئيس حركة العدل والمساواة، تصب في اطار اسهام الحركة لتهيئة المناخ لمفاوضات الدوحة، مشيرا الى ان د. خليل، أبدى استعدادا وتفهما للمبادرة العربية وأكد لوفد الشعبية استعداده للمشاركة في مفاوضات الدوحة، واصفاً الخطوة بالمهمة لجهة تهيئة الأرضية المناسبة لانطلاق مفاوضات الدوحة، وجدية الحكومة في الوصول لحلول للأزمة عبر المبادرة القطرية.
وفي قراءته للقاء الشعبية والعدل والمساواة وما يتمخض عنه، ذهب د.آدم محمد أحمد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهرى في حديثه لـ»الصحافة» الى أن «المؤتمر الوطنى العلاقة بينه والحركات تشهد تباعداً، وتبدو الشعبية اكثر قرباً من هذه الحركات، والمرحلة تتطلب التحرك لإحداث السلام في دارفور عبر المفاوضات، ولا يمكن ان يتم ذلك إلا بمشاركة الحركات، ولإنجاح المبادرة العربية ومبادرة أهل السودان لا توجد جهة مؤهلة داخل الحكومة سوى الشعبية للإتصال بالحركات، كما أن الشعبية تريد بالخطوة ضرب عصفورين بحجر واحد، تحقيق السلام والتنسيق للتحالفات المقبلة، وتحركها ليس بعيداً عن رؤية الوطنى لإنجاح المبادرتين».
ويبدو أن ما حفز الشعبية للإلتقاء بخليل كون حركته بين معظم الحركات المسلحة في دارفور بدت الأكثر إستعداداً لقبول التفاوض مع الحكومة عبر المبادرة العربية التى تقودها الدوحة، وهى خطوة توقعها متابعون للخلفية والمرجعية الفكرية التى تنطلق منها، فهي ذات مرجعية فكرية إسلامية، وقطر معروفة بدعمها للجماعات الإسلامية وإستضافتها للتنظيم العالمي للجماعات الإسلامية، ومن هنا تبدو مباركة المؤتمر الوطني لزيارة وفد الحركة لإقناع خليل بمفاوضات الدوحة المرتقبة لطي الأزمة المتصاعدة في الإقليم، وهو ما ذهب إليه أمين الشؤون السياسية بالمؤتمر الوطنى د.محمد مندور المهدي في تصريحات صحفية بقوله «»انه يؤيد خطوات الحركة الشعبية في الاتصال بتشاد لتحسين وتطبيع العلاقات، ويرحب بلقاءاتها مع الحركات المسلحة بدارفور خاصة حركة العدل والمساواة، حول قضية المشاركة في مفاوضات الدوحة وتليين المواقف المطروحة للوصول الى السلام العادل في دارفور.»
ويكتسب اللقاء بين الشعبية والعدل بعده على ضوء التقاطعات والإختلافات بين الطرفين، فالخلفية الاسلامية التى تنطلق منها حركة العدل والمساواة تصطدم بالرؤية العلمانية للحركة الشعبية، لذا يلحظ أن الشعبية كانت تبدو أكثر قرباً من حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور والحركات الأخرى منها لحركة العدل والمساواة، كما يشير محللون الى أن هجوم العدل والمساواة على أم درمان في مايو الماضي والذي وجد الإستنكار من الحركة الشعبية، بل أنها وضعت قواتها بالخرطوم تحت تصرف القوات المسلحة حال الحاجة إليها لصد أى هجوم على أم درمان، موقف أظهر بعد خطوات التقارب بين الجانبين، ولكن مراقبين يرجعون خطوة الشعبية تلك الى حرصها على إتفاقية السلام، لأن الشعبية تدرك أن أى تغويض للنظام القائم ربما يؤدي لإجهاض إتفاقية السلام، ومن هذا المنطق ربما جاءت زيارة وفدها لتشاد، والإلتقاء بدكتور خليل ابراهيم من أجل إزالة هذا الهاجس الذي يؤرق الحركة الشعبية. ولكن د.آدم يقول « لا أعتقد أن هناك خلاف كبير بين الشعبية والعدل، فما يجمع الطرفين هو التهميش كقاسم مشترك، وأن حركة العدل أعلنت أن تمسكها بالآيدولوجية الإسلامية ليس ذو اثر لأنها أصبحت حركة مطلبية».
وقد اتفق وفد الشعبية مع العدل والمساواة على أن يلتقيا عبر لجان مشتركة في جوبا بعد إسبوعين لطرح رؤاهما لحل الأزمة للوصول لرؤية مشتركة بينهما، على أن يلتقي بعد ذلك نائب رئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية سلفاكير، بدكتور خليل إبراهيم في جوبا للتباحث والتنسيق لإنجاح مفاوضات الدوحة. وقال ياسر عرمان للزميلة «أجراس الحرية» ان الطرفين اتفقا على ان السلام يجب ان يظل الاستراتيجية الثابتة لجميع الاطراف، وشدد على ان حركته ليست وسيطاً في قضية دارفور، واضاف نحن اصحاب مصلحة وطرف سوداني اصيل في قضايا السلام العادل والاستقرار والتحول الديموقراطي والتنمية المستدامة، وقال نرى ان تكون المبادرة قطرية افريقية ودولية وان تشمل الاتحاد الافريقي والامم المتحدة والا تستثني دول الجوار.
ورغم التقاطعات بين الطرفين، كانت حركة العدل والمساواة قد شاركت في جهود بذلتها الشعبية لجهة توحيد الحركات المسلحة في دارفور بجوبا، وقد فشلت جهود الشعبية وقتها في التوصل مع الحركات الكبرى لرؤية لتوحيدها أو إيجاد موقف موحد للحركات للتفاوض به مع الحكومة.
وقد أولت الشعبية منذ تقلدها السلطة بعيد إتفاقية السلام ملف دارفور كثيراً من الإهتمام، وقد قادت جهوداً لجهة الوصول لتسوية القضية حيث شاركت بوفد في مفاوضات أبوجا التى أسفرت عن توقيع إتفاقية «أبوجا». وبعد تصاعد أزمة الإقليم بعد ذلك، كلفت أبرز قادتها السيد إدوارد لينو ليتولى ملف دارفور في الحركة الشعبية، والذي أحالته أخيراً للقيادي العائد عبد العزيز آدم الحلو.
ويبدو أن الحركة قد إختارت المدخل الصحيح لمفاوضة خليل إبراهيم أو الإتفاق معه على خطوط تواصل لجهة طى أزمة دارفور، فالشعبية تدرك جيداً تأثير الرئيس التشادي إدريس ديبي ودعمه لحركة العدل والمساواة، والعلاقة الوثيقة التى تربطهما، والتى تجلت بصورة أكبر إبان هجوم المعارضة التشادية على العاصمة إنجمينا العام الماضي حيث قاد خليل إبراهيم مقاتلي حركته، للقتال الى جانب القوات التشادية برئاسة ديبي، والتى فقد فيها خليل أحد اشقاءه قبل أن يتم دحر المتمردين وتعود من جديد لسيطرة ديبي، لذا إبتدار وفد الحركة الشعبية لمفاوضاته بتشاد مع الحكومة التشادية لطي ملف التطبيع بين البلدين، ويبدو مدخل ارادت به الشعبية أن تطمئن على الدعم التشادي لجهودها مع خليل إبراهيم إن لم تكن تطمع في أن تشاركها تشاد جهود التوسط لإقناع خليل بالإنضمام لمسيرة السلام المرتقبة عبر مفاوضات الدوحة، بعد تطبيع العلاقات بين البلدين.
فيما تعكس زيارة وفد الشعبية الى تشاد من الجهة الأخرى، ان الحركة بدأت تدشين مرحلة جديده في تعاطيها مع قضية دارفور، بعد أن وصمت لفترة بأنها تستخدمها ككرت ضغط على شريكها المؤتمر الوطنى. ولكن يبدو أن أوراق اللعبة قد تغيرت، فقد بدأ موقف الشعبية في الآونة الأخيرة أكثر وضوحاً لحل الأزمة، فقد رمت بكل ثقلها على غير ما كان متوقعاً لدعم وإنجاح مبادرة أهل السودان، والتى شارك سلفاكير كنائب لرؤوساء هيئة المبادرة، كما ترأس أمينها العام باقان أموم لجنة التنمية والخدمات.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة