بسـم الله الرحمن الرحيــم
التكـامل الإقتصــادي الأفريقـي
أشرت في مقالـي السـابق إلى أهميـة التكـامل الأفريـقي الأفريـقي ثقافيـا وإقتصـاديـا وسياسيـا .
في هذا المقـال أود أن أسترسل بإذهـاب في رؤيـة للتكـامل الإقتصـادي بين بلدان القـارة الأفريـقية . وسوف نأخذ نمـوذج للتكـامل بين دولتيـن جـارتين توجد لديهمـا أساسيـات هذا التكامل ، ولو بحده الأدنى ، ألا وهمـا الســودان وإثيـوبيــا . فالبلدان الجارتـان تربطهمـا طرق برية أحدهـا معبد وبعضهـا في طـور التشييـد وهناك طرق بريـة تقلـيديـة يستعملهـا سكـان المنـاطق الحدوديـة للبلديـن في التواصل الطبيـعي بين أفراد القبيـلة الواحدة أو الأسرة الواحـدة التي غالبـا ما تجد أنهـا مقسمـة بين البلدين؛ فجزء من الأسرة يسكن الحمرة الإثيـوبيــة والجزء الآخر منها يسكـن الحمرة الســودانية مثلا ؛ وتربطهم صلة رحم أو أواصر صداقة أومصالح تجـاريـة ومعيشيـة .
المسافة الحدودية التي تمتد الى آلاف الأميـال لا يعوقهـا عـائق سـوى إنسيـاب نهـر النيـل الأزرق وبعض الأنهر والخيران الموسميـة الصغيرة الأخرى التى تصـب من المرتفعـلت الى الوادي في الســودان ؛ وهذا الطريق المائـي كان مستغـلا للنقـل النهـري من " الأسكـلا " بالخرطوم الي " قـامبيلا " داخل إثيـوبيــا . تـوقف هذا الخط النهـري بسبب الحروب في جنوب الســودان إلا انه تم إفتتـاحه مؤخرا بصورة رسمية أمـام الملاحـة بين قـامبيلا وجنـوب السـودلن .
يوجد في السـودان مسـاحات زراعيـة شـاسعة تصلـح لزراعـة الحبـوب والبقوليـات التي تنمـو في الأجواء الحـارة كالقمـح والذره بـأنواعهـا والحبـوب الزيتيـة والقطن ؛ والتي تعاني إثيـوبيــا من نقص حـاد فيهـا . أمـا في إثيـوبيا وبرغم إن الأراضي الصـالحة للزراعـة بهـا لا تتعدى عشرالرقعـة الزراعـية فـي الســودان ، إلا أن هطـول الأمطـار الغزيـرة وتوفـر الميـاه من مصـادر مختلفـة وإعتدال المنـاخ يوفران البيـئة الملائـمة لزراعـة أصنـاف من الحبـوب والخضروات التي لا تنمو في الســودان أو تنمـو فـي فترات الشتـاء فقـط ؛ فيجعـل إثيـوبيا مصدر إستراتيـجي لتلك الآصناف الزراعية ؛ هـذا إذا تم التنسيـق بين الدولتيـن لتشجيـع قيـام مشـاريع إستثمـارية مشتركـة ، سـواء أكـانت للقطاعـات الحكوميـة أو الخاصـة ، لإنتـاج تلك المـواد في كلا البلديـن وتبادلهمـا بإحدى الصيغ التجاريـة التكامليـة كتجـارة الحـدود أو تجـارة المقايضـة ( Barter trade or border trade )؛ دون اللجوء الى فتح إعتمـادات مصرفيـة وتوفيـر نقد أجنبـي وما إلى ذلك ؛ وأهـم من ذلك هو تسهـيل ألإجرائـآت الرسميـة عبر النقـاط الحدوديـة لضمان إنسيـاب التعامل التجـاري بسلاسة وبدون معوقـات .
أما صناعيـا ففي إثيـوبيا بنيـة تحتـية لا بأس بهـا لقيـام مشروعـات صناعـية ؛ أولهـا توفـر الطـاقة الكهربائـية وبأسعـار رخيصة . كما يتوفر في إثيـوبيا العـامل ألأهـم للصناعـة ألا وهو الكوادر الفنـية المؤهـلة والمنضبطة . فقيـام مشروعـات زراعيـة وصناعيـة مشتركـة بين البلديـن لتوفيـر متطلبـات كل بلد من الأخرى . فمثلا تصنيـع الخـام المنتـج في الســودان كالقطـن والجلـود والصمغ العربـي في مصانع إثيـوبية يجعلـه نموذجـا تكامليـا جيـدا يخـدم مصلحـة البلديـن ؛ ونموذج المدبغـة التي أنشئهـا أحد المستثمرين السودانيين في إثيـوبيا هي خير دليـل على ذلك النجاح ؛ فهي الآن أكبر مدبغة جلود في القرن الإفريـقي ويصدر كل إنتـاجهـا لأوربـا الغربيـة. أمـا صنـاعة الملبـوسـات القطنيـة الجـاهزة والصنـاعات الجلديـة من ملبوسـات وأحذيـة للتصدير مؤسس علـى بنيـة تحتيـة جيدة في إثيـوبيـا.
تستـورد إثيـوبيا حاليـا من السـودان يعض المنتجـات البتروليـة والسكـر وملح الطعـام وبعض الحبـوب والعلـف وغزل النسيـج وتستـورد السـودان من إثيـوبيا البقوليـات مثل الفول المصـري والعدس والفاصوليـا والبهـارات مثل الثـوم والحلبـة والكمـون ألأسـود ( حبـة البركـة ) وعسـل النحل والبن وبعض الخضروات في الآونة الأخيـرة ؛ إمـا في إطـار برتوكولات تجـارية بين الحكومتيـن أو تجـارة المقايضـات الحدوديـة . كمـا توجـد مشـاريع تكامليـة في مجـال الإتصـالات وتوليـد الطـاقة الكهربـائية .
برغم من كل ما ذكرناه آنفـا إلا أننا لا نرى إن في هذا الحجم من التعـاملات التجـارية المحدود ما يرضي طمـوحنا وآمـالنا خاصة في الكيفيـة التى يتم بهـا هذا التعـامل . كمـا إننا نأمل أن نرى قريبـا تكـاملا فنيـا وتبادل للخبرات الزراعـية والبيطريـة والطبيـة عمومـا وتوأمـة بين المؤسسـات التعليمـية في البلديـن الجاريـن الشقيقيـن ، ليصبحـا نموذجـا تكـامليا يحتـذى به . نسـأل الله لنا ولهـم التوفيـق لمـا فيه صـالح شعبـي والبلديـن .
هـذه المقـالة مهداة الى القسـم الإفريـقي لفضـائية " زول " آمـلا في أن تقـوم بتوثيـق هذه المعلومـات بالصـورة والقلـم إسهـاما في توجهـاتهـا الإفريقيـة التى نؤيدهـا ؛ ونسـال الله لنـا ولهـم التوفيـق والسـداد .
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة