تشارلز تيلور يكتب من لاهاي
هاشم بانقا الريح*
[email protected]
"تحققت نبوءة تيلور Taylor's prophecy comes true"، هو عنوان المقال الذي أوردته مجلة " نيو آفريكان New African" التي تصدر باللغة الإنجليزية من العاصمة البريطانية لندن، و تعنى بالشأن الأفريقي في عددها لشهري أغسطس و سبتمبر من هذا العام (2008م). لكن و قبل الدخول في التفاصيل المتعلقة بموضوع النبوءة هذا، دعونا نلقي الضوء سريعاً على قصة تشارلز تيلور و ملابسات وصوله إلى سجون المحكمة الدولية بلاهاي.
انتخب تشارلز تيلور، المولود في العام 1948م، رئيساً لليبيريا بعد الانتخابات التي أُجريت في يوليو 1997م برعاية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ECWAS . لكن الأوضاع لم تستقر في ليبريا، وزاد من تفاقم المشكلة إقليمياً أن تيلور اتُّهم بالتورط في الحرب الأهلية في سيراليون المجاورة، من خلال مساندته الجبهة الثورية المتحدة RUF المعارضة بقيادة صديقة القديم فودي سانكوح Foday Sankoh. و في خضم اتهامات و اتهامات متبادلة بين تيلور و بين قوات مجموعة المراقبة العسكرية التابعة للمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا ECOMOG ، انسحبت الأخيرة ليتأجج الصراع بين حكومة تيلور و المعارضة المسلحة. و لم تفلح محاولات تيلور للتقرب و التعاون مع الولايات المتحدة من خلال دعم المتمردين الموالين لها في دولة ساحل العاج في صراعهم ضد الحكومة ، وتأييده المطلق للجهود الأمريكية في مكافحة الإرهاب في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، لم تفلح في تهدئة الوضع و لا في تخفيف الضغوط عليه، بل حدث عكس ذلك إذ زادت الضغوط الداخلية و الخارجية على تشارلز تيلور و ارتفعت الأصوات المطالبة بتنحيه عن السلطة.
وسط هذه الضغوط قبل تيلور عرض الرئيس النيجري أوباسانجو Obasanjo منحه حق اللجوء السياسي في حال تنازله عن السلطة. و حدث ما حدث من تطورات و تعقيدات في وضع تشارلز تيلور، إذ أفلحت الضغوط في قيام الشرطة النيجيرية في 29 مارس 2006م باعتقاله ليجد نفسه في يونيو 2006م يقبع في سجون محكمة الجنايات الدولية بلاهاي.
لكن ما هي نبوءة تشارلز تيلور التي تحدثت عنها المجلة في عددها الذي تمت الإشارة إليه في صدر هذا المقال؟ تشير المجلة إلى أنه منذ بدأت محاكمة تيلور في نوفمبر من عام 2007م ظل يطالب الاتحاد الأفريقي و المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا و بعض القادة الأفارقة للقيام بعدة أمور يرى أنها يمكن أن تؤثر في سير محاكمته شخصياً و على أي محاكمات مستقبلية لقادة أفارقة آخرين في محكمة الجزاء الدولية. و طالب تيلور في رسائله للمنظمات المذكورة و للقادة الأفارقة بأن تكون هناك ضمانات لكافة الحقوق المتعلقة بتقديمه لمحاكمة عادلة و احترام هذه الحقوق، و أن لا تتم إدانته قبل صدور حكم إدانته بعد المحاكمة. و طالب تيلور أن يقوم القادة الأفارقة بتكليف لجنة لمراقبة كل ما يتعلق بمحاكمته في لاهاي و أن تقوم اللجنة بإرسال تقارير يومية للقادة الأفارقة. و طالب تيلور – و هذا جانب مهم في نظري- بتكوين لجنة للنظر في الجوانب السياسية و القانونية التي أدّت إلى وصوله إلى أوربا و مثوله للمحاكمة هناك و تأثير ذلك على القادة ورؤساء الحكومات الأفارقة الآخرين.
لقد كان تشارلز تيلور متفائلاً أكثر من اللازم، أو ربما هو كالغريق الذي يتشبّث بأي شيء، و فات عليه أن الاتحاد الأفريقي لن يهب لنجدته، و هو – أي الاتحاد- لم يقم بدوره في وضع حد للنزاع في القارة ناهيك أن يكون له تأثير و سلطة على محكمة لاهاي. وربما أدرك تيلور ذلك إذ في غمرة إحساسه بخيبة الأمل كتب يقول: "لم يحاول أيّاً من القادة الأفارقة مساعدتي و لو بسنت واحد للدفاع عن نفسي Not one African leader has tried to help me with a cent to defend myself " . و في خضم حالة اليأس هذه كان لابد من أن يرسل
تيلور إشارات تحذيرية لهؤلاء القادة أنهم ربما يلاقوا نفس مصيره و لذا عليهم أن ينتبهوا لذلك جيداً و أن يعوا الدرس اليوم قبل الغد. و من العبارات التي اقتبستها المجلة من رسائله و اعتبرتها نبوءة قد تحققت قوله: "اليوم أنا و الله وحده يعلم من يكون غداً Today it is me and God only knows who will be tomorrow ".
نعم لقد تحقق ما تنبأ به تشارلز تيلور، فقد طلب مدعي محكمة الجنايات الدولية لويس أوكامبو في يونيو من هذا العام توجيه الاتهام للرئيس عمر البشير بارتكابه جرائم حرب، ليصبح أول رئيس في العالم يصدر بحقه هذا الطلب و هو في دست الحكم. كما أصدرت المحكمة في مايو من عام 2008م أيضاً أمراً بالقبض على و تسليم جان بيير بيمبا Jean Pierre Bemba ، النائب السابق لرئيس الحكومة المؤقتة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
و بغض النظر عن ما إن كان تيلور بريئاً أو مذنباً، تبقى ملابسات اعتقاله و ترحيله إلى لاهاي تشوبها الكثير من الشكوك و التساؤلات و الأجندة الخفية. و تبقى، في نفس الوقت، شاهداً على عجز القادة الأفارقة و مؤسساتهم في حل مشاكلهم و خضوعهم، بل و استسلامهم، للضغوط و التأثيرات الدولية، وربما تواطؤهم مع جهات أخرى لا هم لها إلا زعزعة الاستقرار و السلم في أفريقيا.
المفارقة أن الولايات المتحدة التي تلوّح بسوط الجنائية الدولية و تهدد به قادة العالم، رفضت المصادقة على معاهدة إنشاء هذه المحكمة عام 2002م، معتبرة أن المحكمة الجنائية تنال من سيادتها... فتأمّل!!!
* مترجم و كاتب صحفي يعمل بالمملكة العربية السعودية
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة