بيتر شيني*:- أحد روّاد الآركيولوجيا الأفريقية الأوائل*
بقلم:- بيتر كلارك
[ترجمة:- إبراهيم جعفر].....
كان بروفسور بيتر شيني، الذي توفّي عن 92 عاماً، أحد مؤسسي الآركيولوجيا الأفريقية. وقد امتدّ تاريخه المهني لمدى 70 عاماً عمل خلالها طياراً في القوات الجوية الملكية البريطانية وفي المخابرات، كما وكان عضواَ في الحزبين الشيوعي والقومي الإسكوتلندي، إداريّاً ومعلّماً ملهماً وإن كان دقيقاً ومحققاً، ثم باحثاً رائداً وكاتباً ذا موهبة.
ولد بروفسور شيني في لندن وكان ابناً لطبيبٍ من مدينة أبردين الإسكوتلندية. وقد تعلم في مدرسة ويستمنستر ومنها ذهب إلى كليّة "كرايست جيرج" في أوكسفورد لدراسة علم المِصريّاتْ. ثم انفتح على تجربته الأولى مع علم الآثار عند قلعة ميدين في دورسيت حيث غدا واحداً من نخبةِ تلاميذِ علم الآثار المنمازين وكان برفقته، حينذاك، مورتمر ويلار وآخرين اشتملوا على استيوارت بيقوت، ج. ديسموند كلارك، بياتريس دي كاردي وراشيل ماكسويل-هيسلوب.
في أوكسفورد تعلّم شيني فنّ الطيران مع فريق الجامعة الجوّي وكان ناشطاً في نادي الشيوعيين بالجامعة الذي ضمّ بين عضويته دينيس هيلي وآيْرِسْ ميردوخ. أثمرت حياة شيني الجامعيّة المكثّفة- التي تعلم خلالها اللغة اليونانية- عن شهادةِ تخرُّجٍ عند "الدرجة الثالثة"، لكنه بقي بأوكسفورد تنظيميّاً في الحزب الشيوعي بأجرةِ ثلاثة جنيهاتٍ في الأسبوع، كما ومساعداً مؤقتاً في "مُتحف آشمولين". ثم التحق بالقوات الجوية الملكية البريطانية حين نشبت الحرب وغدا راكباً قاذفات القنابل، موظفاً مُفسّراً، في المخابرات، للصور الجويّة ومقاتلاً، أخيراً، في المعركة من أجل أثينا حيثُ أغوِيَ بأن يواصل عيشه من بعدِ انقضاءِ الحرب...... لكنه عاد، من بعد السلام، إلى "مُتحف آشمولين" حيث أكمل موسماً من العمل مع ليونارد وولي عند الموقع الأثري العصر- برونزي الكائن في تل العطشانة في تركيا وقريباً من الحدود السّوريّة. ذلك قد فتحه، للمرة الأولى، على اللغة العربية وأعانه على تأمين وظيفته الدائمة الأولى فصار مُفوّضاً مُساعداً لعلم الآثار في السودان الإنجليزي- المصري. رئيسه هناك كان هو أ. ج. آركل، المرجع في أنباء سودان ما قبل التاريخ.
خلال العشر سنوات التالية استكشف شيني الدراسات النوبية وبدأ عمله المتخصص في حضارة مروي، تلك الحضارة المُدوّنة التي نَشَّرَتْ في وادي النيل الأهرامات وأبنيةً متميّزةً أخرى. خلف شيني آركل وغدا مفوّضاً فأقام متحف الآثار القديمة في الخرطوم، أسس مجلة "كوش" وكان دائب الإهتمام بكتابة مخطوطات المسوحات والحفريات.
بعد سودنة الوظائف القيادية العليا كان على شيني أن يُبدّلَ مساره فأصبح هو عالم الآثار المرافق لبعثة جمعية أوكسفورد للإستكشافات الأثريّة التي أُرسِلَتْ، في عام 1955، لإجراء مسح أثري في موقع سوكونزا عند طرف القرن الأفريقي. عمل شيني، من بعد ذلك، مديراً لقسم الآثار العريقة في يوغندا لمدة عامين. وفي عام 1958 تم تعيينه بروفسوراً للآثار في جامعة أكرا لغانا المستقلة حديثاً وقد خلف، على ذلك المنصب، السيد أ. و. لورنس، شقيق ت. إ. لورنس. لمدة ما يقارب نصف قرن ظلت غانا محلّ تركيزٍ أساسيٍّ من بين اهتمامات شيني. كانت زوجة شيني الثانية، أَمَا، أشانتيّةً من منطقة كوماسي وقد أنفق آل شيني أجزاء من معظم سنينهم هناك آناءَ بقيَّةِ حياتِهِ. قد أجرى شيني هناك مسوحات لعواصم دول غرب أفريقيا في العصور الوسطى، كما وقام بأبحاثٍ حول لغات وثقافات شمال غانا، بيد أنّ اهتماماته بوادي النيل لم تتوقف. فمنذ العام 1965 قضى شيني الموسم الأول من مواسمه الإحدى عشر في مروي ثم عاد، من بعد ذلك، إلى السودان ليعمل، في عام 1966، بروفسوراً لعلم الآثار في جامعة الخرطوم. نُشر عمل بروفسور شيني الأكثرَ شهرةً والمسمّى "مروي" في عام 1967 وضمن سلسلة "شعوب وأماكن قديمة". لكن العقد التالي مكّن شيني من تحديد موقع مروي في السياق الأوسع لأفريقيا.
في كلٍّ من غانا والسودان درّب شيني جيلاً من علماء الآثار الأفريقيين، كما وساهم في صياغة مدخل قارّي لتاريخ أفريقيا وآثارها. كانت طاقات شيني الذهنية والثقافية إعجازيّة ولم يكن مهتماً، في هذا السياق، بالمباني والأدوات والصنائع الأثرية فحسب بل بكُلانيّةِ الحضارة. وفيما كان منغمساً في عمله كآثاري قيادي في السودان حاز شيني على مهاراتٍ صيّرته إداريّاً مُلْهِمَاً وذا خيالٍ ووضع عمله، بالنسبة للأفريقيين، ..... الإستعمار الأوربي في سياقٍ أوسع.
غادر شيني السودان في عام 1970 وانتقلَ إلى كندا حيث عيِّنَ في كرسي الأستاذيّةِ في جامعة كالقاري. كان "المجلس الكندي" سخيّاً في دعمه لعمل شيني، وخلال ما بين العشرين والثلاثين سنة التالية رأس بعثة فريق من علماء الآثار الكنديين والأمريكان إلى غانا والسودان. ثم كان مشروعه الميداني الرئيس الأخير هو الجمع ما بين علم الآثار ودراسة الثقافة والتقاليد الشّفاهيّة حتّى تُبْنَىْ، من ذلكَ، صورةٌ للعهدِ الباكرِ لدولة الأشانتي والبادئ منذ القرن التاسع قبل الميلاد.
كان بيتر شيني، حتى آخر أيامه، دوماً ذا رفقةٍ مبهجة، فُضُولاً عقلانيّاً وانتباهاً، كما وكانَ يستمتع بالأحاديث والأخبار والأدب والنّبيذ. لكنّ عواطفه اليساريّة الباكرة قد "لُطِّفَتْ"، من بعدِ ذلكَ، وصارت ذاتَ هيئةٍ إنسانيّةٍ ليبراليّةٍ عريضة.
تزوّج شيني مرتين. وقد كانت زوجته الأولى، مارجريت، عالمةَ آثارٍ مثله وتعاونت معه في عمله بالسودان، كما وقد كانت أمّاً لأطفالهِ الثلاثة الذين تُوُفِّيَ واحدٌ منهم، هو ابنه نِكْ، في عام 2004. إنتهى زواج شيني من مارجريت بالطلاق. أما زوجته الثانية أَمَا Ama، فهي ما تزالُ باقيةً، في هذه الدّنيا، من بعده.
· بيتر لويس شيني هو عالم آثار اسكوتلندي (بريطاني) ولد في 18 يناير 1915 وتُوُفّيَ في 9 يوليو من العام 2007.
· نُشر المقالُ المُؤَبّنُ في صحيفة /القَاردِيَانْ/ البريطانيّة، الثلاثاء، 30 أكتوبر 2007.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة