أورويل في البيت الأبيض!*
أنيتا رَوْدِك**ْ
خلال حوارٍ تنافسيٍّ رئاسيٍّ بين آل قور وجورج و. بوش في عام 2000، سأل وسيط الحوار بوش عمّن كان فيلسوفه المفضّل. بعد لحظةٍ من صمتٍ بُهِتَ فيها الذي سُئل و استبانَ فيها جليّاً للرّائي و هو ’ يَكْشُطُ ‘ حوافَّ دماغه عساه يلقى هناك بقيّةً من مقرّرِ كليّةٍ كان قد نسي، دهراً، ما درسه فيها أجاب بابتسامةٍ زهوٍ وارتياح:- " إنّه السّيّد المسيح! "
يا ليت لو كان الأمر ـ على عِلاّتِ بوش ـ كذلك! ذلكم لأنه لو كان المسيح (عليه السلام) أنموذجه الفلسفي ما كان سيغدو داعياً متبادلي الأموال إلى داخل المعبد. ثمّ ما كان، كذلك، مُحَوّلاً سنان المحاريث إلى سيوفٍ. ثمّ ما كان، أيضاً، مُرتّباً الشؤون بحيثُ يجعلُ الأغنياء ورثَة الأرض.
الحقيقة هي أن جورج أورويل هو أقرب إلى أن يكون الموجّه الفلسفيَّ لبوش. فبدلاً عن أن يستشفَّ بوش في حكاياتِ جورج أورويل صورةَ ناصحٍ ونذيرٍ مبين بدا و كأنه قرأ روايتيه الموسومتين 1984 ومزرعة الحيوانات حرفيا، ومن ثمّ اتخذهما دليلين مرشدين في مجالي العيش و القيادة.
لا غرو في ذلك، فإن إدارة أبي بوش هي التي يُرَدُّ إليها أصلُ عبارة ’ الخراب الثانويّ ‘ التي ابتغت بها أن تُهَدّأ روع الجماهير إزاء حرب الخليج الأولى. ثم لا غرو في ذلك أيضاً، ما دام ’ الخرابُ الثانويُّ ‘ هو شيءٌ يتيسّر للتصوّر أن يقبله أكثرَ من الإقرارِ ب" قتلِ نصفِ مليونٍ من بني الإنسان الأبرياء، ما يُستثنى منهم الأطفال ".
إن بوش الصّغير إنما يتّبع الآنَ تقليدَ العائلة المتمثّل في " صَحَفِيَّة (أو قل ’ سطحيّة ‘) الحديث " و
" ازدواجيّة التفكير ". وشاهدُ ذاكَ قائمٌ في برامج مثل برنامج ’ لائحة الولاء الوطني ‘ (التي تُسائلُ الولاء الوطنيَّ لأيّ مواطنين يمارسون حقوقهم الديمقراطيّة في الاختلاف) و برنامج ’ الوعي المعلوماتي الشّامل ‘(الذي هو برنامجٌ ’ ضدّ الإرهاب ‘ معنيٌّ بتطويرِ وإدارةِ راصدِ معلوماتٍ مركزيٍّ ضخمٍ يشتمل على معلوماتٍ شخصيّة عن المواطنين والمقيمين بأمريكا تكن متاحةً، عند الطّلبِ، للحكومة). إن يُؤخذ هذان البرنامجان معاً سيُؤسّسان ذاتَ تمظهرِ ( تبدّي) صورة ’ الأخ الأكبر ‘ كما رسمها السرد الروائيّ لجورج أورويل.
قد حثّ بوش الكونجرس على أن يجيز استخدام القوة في العراق بقوله لأعضائه:- " إن تكن تريد أن تحافظَ على السّلام ينبغي عليكَ أن تُخَوّلَ سلطةَ لاستخدام القوّة ". أما قوانين ’ ازدواجيّة التفكير ‘ في رواية 1984 فقد طرحت ذات الشيء كما يلي:- " الحربُ هي السّلام ".
ونحن نفكر هنا بأنه حتى أورويل نفسه ما كان ليحلم بصياغةِ عبارةٍ تلخّص جوهر’التفكير البوليسي‘ أو ’ بوليس الفكر ‘ مثل التي قالها بوش:- " إما أن تكون معنا أو مع الإرهابيّين ".
إنّ ’ التفكيرَ المزدوج ‘، في توصيف جورج أورويل، لا ’ يُرشدنا ‘ فقط إلى أنّ ’ الحرب هي
السّلام ‘، لكنّه يضيفُ إلى ذلك أيضاً أنّ الجّهل قوّة وأنّ الحريّة عبوديّة. و لئن نحنا احتكمنا إلى سياسات بوش وتصريحاته سيبدو ذلك متماثلاً، حتى الآن، مع توجّه بوش الرئاسيّ.
إنّ الجمهورَ الأمريكيَّ قد أُنبأَ بأنّ تضحياتٍ معيّنة ستكون ضروريّة لكي يتمَّ النّصرُ في الحرب ضدّ الإرهاب. كما و أنه أُنبأَ، كذلك، بأن التضحيات إيّاها ستأتي، أساساً، على هيئةِ حَجْرٍ على الخصوصيّة والحريات المدنيّة. بعباراتٍ أخرياتٍ، ذلكم مؤدّاه أنه إن يُرد المرءُ أن يصون الحريّة و الليبراليّة فإنّ عليه أن يدمّرهما!
كان جورج أورويل معنياً بشأن السلطة وقدرة اللغة على الاستمالة وكيف أنّ الكلمات، إن يُسلّم زِمامُها للأيدي الخطأ، تستطيع أن تقتل، تُقيّد، تُدمّر، تضعضع القوى، تستعبدَ، ثمّ تكن هدّامةً للحضارة.
إن قضيّة جورج و. بوش، الذي لم يكن معروفاً كرجلٍ ذي تمكّنٍ من اللغة الإنجليزيّة، تُمثّل لنا، من حيثُ لا نحتسب، شاهداً واقعياً على أنّ جورج أورويل كان على حقٍّ.
* عن مجلّة "انبعاث"، العدد 218، مايو\ يونيو 2003.
** أنيتا رودِك هي منشئة المؤسسة المعروفة باسم "زِي بودي شوب".
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة