روبرت فيسك: ثمة أشياء لم اكتبها بعد !
ترجمة معتصم كدكي
" نقلا عن صحيفة سيتي تايمز"
الصحفي اللامع، الخبير بشؤون الشرق الأوسط ، المؤلف، المحاضر، الكاتب التلفزيوني أو الأسطورة.تلك بعض الكلمات التي يمكن أن نصف بها روبرت فيسك خبير "صحيفة الاندبندنت" في شؤون الشرق الأوسط والذي كان دائما حاضراً في قلب الأحداث الكبرى.
استطاع روبرت فيسك أن يتخطي العديد من المصاعب والعقبات العصية أثناء قيامة بتغطية أحداث الشرق الأوسط العاصفة والتي كان أبرز محطاتها الحرب الأهلية في لبنان وقيام الثورة الإسلامية في إيران والغزو السوفيتي لأفغانستان والحرب العراقية الإيرانية والغزو الأمريكي للعراق الذي حدث مؤخراً.نجح روبرت فيسك كصحفي ، بفضل قوة عزيمته وإيمانه بأفكاره، في نقل تلك الأحداث الساخنة معرضاً نفسه للخطر في كثير من الأحيان مما أضفي علي مقالاته الاهتمام الدافق و الحضور المميز خلال الثلاثين سنة الماضية. إضافة لذلك فقد اكسبه التزامه التام بنقل رواية غير متحيزة للحقيقة إعجاب العديد من الناس.
قَََََََدِمَ روبرت فيسك للأمارات للترويج لكتابة الجديد "عصر المحارب"والذي جمع فيه عدد من مقالاته وقد تحدث فيسك إلي قراءة الشغوفين ومهر توقيعه علي النسخ التي تدافعوا لاقتنائها.
صحيفة "سيتي تايمز" التقت بالكاتب البريطاني الذائع الصيت قبل أن يغادر عائداً إلي بيروت التي اختارها مكاناً لإقامته منذ ما يقارب الثلاثين عاماً.
هل كنت تتوقع عندما دخلت إلي عالم الصحافة أن تسير في الطريق الذي سلكته فيما بعد وهل كنت تتوقع أن تكون شاهداً علي العديد من المنعطفات التاريخية؟
لقد بدأت العمل بالصحافة في صحيفة "نيوكاسل ايفننع كرونيكل" قبل أن التحق بالجامعة وعندما التحقت بجامعة لانكاستر بدأت بالعمل كصحفي متعاون في صحيفة "الصنداي اكسبريس"، في ذلك الوقت نشبت أزمة "بلفاست" وأتذكر أنني كنت متحمسا للذهاب إلي بلفاست التي وصلت إليها علي ظهر مركب وقد هالني مرأى الشرطة وهي متحفزة في الطرقات وقلت لنفسي لحظتها: "يا الهي ! لم يسبق لي أن شاهدت شيئاً مثل هذا من قبل".وأصبحت شغوفاً بالكتابة عن حدث حقيقي مقارنة بالكتابة عن قضايا انصرافيه. إضافة لذلك فقد كنت متشوقاً أن أري مقالاتي وهي تنشر.بعد تخرجي في الجامعة تحولت إلي صحفي بدوام كامل في صحيفة "الصنداي اكسبريس".صادف في ذلك الوقت انه كان هنالك صحفي يدعي "كليف كوارد" يعمل مراسلاً لشؤون النفط لدي "صحيفة التايمز" وقد اعتدنا أن نتناول وجبة الغداء سوياً وقد أخبرت "كليف كوارد" برغبتي في العمل في "صحيفة التايمز" التي كانت في ذلك الوقت صحيفة رصينة ومحترمة وبعد حوالي اثنين وعشرين مقابلة عرضوا وظيفة في الشؤون المحلية وبدأت العمل علي الفور بمهام في ايرلندا الشمالية وعندما وصلت لسن السادسة والعشرين كنت قد أصبحت مراسل الصحيفة لشؤون ايرلندا الشمالية. كانت بدايتي موفقة جداً لكننني اصطدمت بالجيش البريطاني الذي كان يري أن مقالاتي تكشف عن أشياء ما كان لها أن تظهر في العلن. وفي وقت معين طلب الجيش البريطاني أن ابُعد إلي خارج بريطانيا. بعد ذلك بسنتين أو ثلاثة رغبت في الانضمام لقسم الشؤون الدولية وبعدها خيروني إذا كنت راغبا في الذهاب لتغطية أحداث الثورة في البرتغال. ذهبتُ إلي البرتغال و مكثت هنالك ثلاثة أشهر قبل أن يصلني خطاب من الصحيفة يشير إلي اندلاع الحرب الأهلية في لبنان وإذا ما كنت راغباً في تولي المهمة هنالك لاسيما وان مراسل الصحيفة كان علي وشك مغادرة لبنان. كنت في التاسعة والعشرين من عمري ومازلت حتي اليوم أتذكر خاتمة الخطاب: "ستكون تلك مهمة محفوفة بالمخاطر وستستمتع بشموس دافئة". كانت تلك فرصة من العسير علي إضاعتها.ومن بيروت منحوني الحرية الكاملة في الكتابة ومن هنالك ذهبت إلي إيران لتغطية أحداث الثورة الإيرانية وهكذا بدأت مسيرتي الصحفية.وفي العام 1988م غادرت "صحيفة التايمز" لأنهم فشلوا في الاحتفاظ بمصداقيتهم المهنية وانضممت ل"صحيفة الاندبندنت" ومنذ ذلك الوقت وانا أقوم بنفس العمل وأعيش في نفس المدينة. كان لدي شغف عظيم بالكتابة عن قضايا كبيرة ومهمة لكنني لم أتوقع أبداً أن أمر بكل تلك الأحداث وان افعل كل تلك الأشياء.
ما الذي يميز الصحفي روبرت فيسك عن الآخرين؟
اعتقد أنني كنت محظوظاً.هنالك قول مأثور يقول " الصحافة الناجحة تقوم علي حقائق قليلة ولغة بسيطة وذكاء خارق". وبالتأكيد أنني كنت أتمتع بهذا النوع من الذكاء.إضافة لذلك فقد ساعدني أنني نشأت في بيئة لها إلمام واسع بالسياسة وقد كان والداي مدركين لتأثير الأحداث السياسية علي ما مجريات الأمور لأنهم مروا بتجربة الحروب العالمية ..وعندما كنت في بيروت أبان الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982م أخبرت والدتي أنني قررت عدم مغادرة بيروت في حين أن اغلب الصحفيين الآخرين كانوا قد قرروا المغادرة. أيد والدي قراري وقد كان هذا موقفاً صعبا علي والدين ذوي بصيرة وحكمة ولكنهم كنا رابطي الجأش أيضاً ويبدو أنني ورثت رباطة جأشي منهم. فعندما كنت شاباً كان لدي اعتقاد أنني عصيٌ علي الهزيمة. فالبطل يبقي دائما إلي نهاية الفلم ولذلك عندما كانت القذائف والطلقات تتطاير حولي كنت دائماً علي يقين أنني سأكون بخير.وهذا الشعور هو ما قادني لتلك الأماكن الخطرة والمقالات المميزة.
من هم أشهر من قابلتهم أثناء عملك بالصحافة؟
بالطبع ليس أسامة بن لادن! لقد قابلت العديد من الأسماء المشهورة علي مدي سنوات طويلة لكنني لا أحب أن التقي بالطغاة فلديهم اعتقاد انه يمكنهم شراؤك أو شراء أي صحيفة في العالم. وفي ذات السياق لا أحب المشاركة في البرامج التلفزيونية العربية أو الإسرائيلية لأنك لا تستطيع أن تتمتع بالحياد في برامج متحيزة. أكثر الذين بقوا متعلقين بذاكرتي أناس وجنود عاديون انقذوا حياتي ووفروا لي الحماية في مواقف خطرة.ثمة أشخاص منحوني دفء بيوتهم في الوقت الذي كانت فيه القذائف تنهمر في الخارج أو جنود وفروا لي الحماية وجنبوني المشقة.هؤلاء الأشخاص هم أفضل من قابلتهم.
هل يمكن أن تحدثنا عن كتابك الأخير وعن خططك للمستقبل؟
كتابي الأخير عبارة عن تجميع لأفكار سبق لي نشرها.لقد اخترت مجموعة مقالات نشرت لي في السابق وقمت بترتيبها ليس بناءً علي الترتيب الزمني ولكن بناءً علي موضوعاتها.وهذه الموضوعات متنوعة فهي تتراوح مابين الوضع في العراق الذي يمثل ثلاثة فصول إلي مقالات عن "تيتانيك".هو كتاب أشبة بعلبة الشوكولاته يمكنك أن تلتقط منه ما يعجبك.
فيما يتعلق بخططي للمستقبل فانا اخطط لأواصل فيما أفعله الآن. لا أفكر الآن في التوقف و التقاعد. اعتقد أن هنالك ثمة أشياء لم أكتبها بعد وربما اكتب شيئاً له صلة بالتأريخ لبعض الأحداث إذا توفر لي الوقت. انني الان استمتع بإلقاء المحاضرات والحديث إلي الناس.وإضافة لذلك فقد اكتب بعض الأعمال التلفزيونية التي تستهويني جداً.في آخر الأمر بالطبع لن أكون بكل هذا الحماس ولكنني في الوقت الحالي مراسل "صحيفة الاندبندنت" الرئيس لشؤون الشرق الأوسط.
اجري الحوار ديفيد لايت
9/6/2008
"Practice makes perfect"