صوت من لا صوت له وطن من لا وطن له
الصفحة الرئيسية  English
المنبر العام
اخر الاخبار
اخبار الجاليات
اخبار رياضية و فنية
تقارير
حـــوار
أعلن معنا
بيانات صحفية
مقالات و تحليلات
بريـد القــراء
ترجمات
قصة و شعر
البوم صور
دليل الخريجين
  أغانى سودانية
صور مختارة
  منتدى الانترنت
  دليل الأصدقاء
  اجتماعيات
  نادى القلم السودانى
  الارشيف و المكتبات
  الجرائد العربية
  مواقع سودانية
  مواضيع توثيقية
  ارشيف الاخبار 2006
  ارشيف بيانات 2006
  ارشيف مقالات 2006
  ارشيف اخبار 2005
  ارشيف بيانات 2005
  ارشيف مقالات 2005
  ارشيف الاخبار 2004
  Sudanese News
  Sudanese Music
  اتصل بنا
ابحث

مقالات و تحليلات : ترجمات English Page Last Updated: Jul 11th, 2011 - 15:37:55


"لا أحدَ أنشأَأفلاماً مثله"* [إهداء الترجمة:- إلى الصديق العزيز والناقد السينمائي الأستاذ:- محمد المصطفى الامين]./ترجمة:- إبراهيم جعفر
Aug 12, 2007, 03:58

سودانيزاونلاين.كوم Sudaneseonline.com

ارسل الموضوع لصديق
 نسخة سهلة الطبع

"لا أحدَ أنشأَأفلاماً مثله"*

 

[إهداء الترجمة:- إلى الصديق العزيز والناقد السينمائي الأستاذ:- محمد المصطفى الامين].

 

قد أذهل انقمار بيرقمان، صانع الأفلام السويدي الذي توفّي بالأمس (30/7/2007)، وألهم أجيالاً من مرتادي دور السينما.  هنا يوضّح بعضٌ من أعظم معجبيه لماذا كان هو فناناً مهمّاً.

 

*********

 

ريك مودي (روائي):-

 

كفنان لم يستلهم بيرقمان مصادره من التقليد السينمائي فحسب، بل، كذلك، من الإرث المجيد لجماع الفن والفلسفة الأوربيين.  فأشخاصٌ مثل إبسن وتشيكوف، توماس مان ونيتشة إنما هم كائنون، بآثارهم، هناكَ في فنه.  إنه قد اغترف من منابع ثلاثة قرون من الادب الأوربي ولم يكن هناللك شخصٌ آخرٌ في تاريخ السينما مهيئاً، بمزاجه الذاتي، لفعل ذلك.  كما وهو قد كان لا مهادناً بشأن حاجته للحديث عن الأسئلة الأساسية للحياة وذلكم على هيئة لم تفعلها السينما، ليس من قبله فحسب بل، بالكاد، ليس كذلك من بعده كذلك.  ذلك لماذا هو قد كان، بالنسبة لي، أكثر الأشخاص المنشئين للأفلام أهمية. 

 

ثمة لحظة بدا لي فيها أنه منتمٍ لإرث أولئك المخرجين السينمائيين الأوربيين المجيدين من أمثال قودارد، تروفاوت وفيلليني.  بيد أننا، عند النظر الما ورائي، نستطيع أن ندرك أنه كان مفرداً وعصيّاً على أن "يُطوّع"، فعمله قد كان شديد التعتيم على نحوٍ لا يُصدّق.  هو قد صنع فلماً واحداً فقط لهوليوود في عام 1971 وقد عرف، بخلاف اسمه السويدي "Beronigen"، باسم "اللمسة" وقام بأدوار النجومية فيه كلٌّ من إليوت قولد، بيبي أندرسون، شيلا ريدو وماكس فون سيدو.  لكنّ ذاك الفلم كان كارثة فبيرقمان حاول أن يجعله خفيفاً في تمثيله وإخراجه.  وذلكم جعل الأمر يبدو وكأنّ بيرقمان ليس له، في الأصل، أيّ "عضلات" مهيّئة لإنتاج أفلام الكوميديا. 

 

انا لم أُعرفْ بأنّي إنسان ذو كتابة متّسمة بالإبتهاج.  لذا تخاطب أفلام بيرقمان حساسيتي.  أنا أحبّ ظلاميّة أفلامه وأداءاتها الباهرة لمشاهد الكراهية والغيظ.  هنالك نسخة تلفزيونية من عمل بيرقمان المسمى "مناظر من زواج" يضرب فيها لف أولمان وأيرلاند جوزيفسون بعضهما البعض ضرباً شديداً ويصرخان في وجه أحدهما الآخر لمدةٍ بدت وكأنها ستّ ساعات [كان طول الفلم 167 دقيقة فيما امتد العمل التلفزيوني السويدي المعني، والذي شاهدته على شريطِ دي في دي فيديو، لمدة 299 دقيقة].  لم أستطع أن أحوّل بصري عن ذلك العرض للحظة، فأنا قد وجدته جاذباً على نحوٍ آسرٍ ولا غرو في ذلك فأنا قد أنشئتُ على مزاجٍ مواتٍ لذاكَ. 

 

أول مرة أختبر فيها عمل بيرقمان كانت عند "جامعة براون" حيث كنتُ أفكر في الإشتغالِ بالسينما.  درستُ هناك مقرراً شاهدت فيه أفلاماً عظيمة لقودارد ودوقلاس سرك، كما وشاهدتُ فلم "الختم السابع".  بدا عمل بيرقمان، للتّوِّ، محفّزاً قوياً لي.  ليس من اليسير عليّ أن ألحظ أثراً بيرقمانياً مباشراً على كتابتي.  لكنّ الطموح الذي اظهره في أفلامه وكان معنياً بمعالجة الأسئلة الكبرى عن الله، الروحانيّة، الإغتراب والتغريب وهّجَ لي سبيلاً.  كان بيرقمان غيرمتهيّبٍ من مناقشة تلك المسائل في السينما حتى وإن كان، آنذاكَ، مخاطراً بأن يُسمّى مُدّعياً.  إنّ ذلكم العناد، وتلكم الجرأة، لنادرين جدّاً. 

 

أنا لا أزال على إعجابٍ بفلم بيرقمان المسمذى "فاني وأليكساندر" الذي يتسم بأنه أخفّ ثقلاً من أفلامه الاكثر قتامة من أمثال "صيحات وهمسات" أو "بيرسونا"، فهو يجمع صرامة الواقعية- والفضل هنا يعود إلى سينماتوغرافيا اسفين نيكفست والأزياء- وسِِجِلَّ الأحلام والفانتازيّات التي تواتينا من المرويّات الفولكلوريّة حيث يكن ذلكَ في خدمةِ الكشفِ عمّا كيف يلجُ ولدٌ صغيرٌ مرحلةَ النّضج.  ذلكم هو، بالكاد، واقعية سحرية.  إنه قائمٌ بجنبِ، وحيثِ، أعمالٍ توماس مان، هينريش فون كلايست، فرانز كافكا وأوقست استريندبيرق. 

 

لا أحدَ هناك- الآن- يمكن مضاهاته ببيرقمان.  إنّ لإسكورسيسي اتّساقاً في الرؤية ورغم أنّ فلمه المسمّى "عصابات نيويورك" ليس على تمامٍ لا يشوبه نقص إلا أنه يظلُّ، مع ذلك، مساهماً في مجمل شريعة اسكورسيسي.  ذاتُ الشيءِ يتصف به بيرقمان.  وذلك لأنه حتى أعماله الباكرة، الأقلّ إبداعاً، تظلّ مُشكّلةً لجزءٍ من مجملِ شريعته (تقليده).  ثمة صناع أفلام كبيرة سواه- من امثال تروفاوت، تاركوفسكي وكيسلوسكي- تعاملوا وقضايا كبيرة، إلا أنّ لا أحدَمنهم فعل ذلك بذاتِ استمراريّةِ وانسجامِ وطموحِ بيرقمانْ. 

 

 

بيبان كيدرون (مخرج سينمائي):-

 

أنا معجبٌ كبيرٌ ببيرقمان.  قد سألتُ، لتوّي، أحدهم أن يؤجّرَ لي "نباتات الفراولة المتوحشّة" عليّ أستطيعُ أن أشاهده الليلة ومن ثم تكن لي سهرتي الخاصة.  إنه واحدٌ من أفلامي المفضلة، كما وهو فلمٌ ذو تداعيات، خاصة بشأن الزمن والأخلاق وكيف أن الزمان يسرع حينما يكون المرء متقدماً في العمر ويبطئ حينما يكون الإنسانُ طفلاً.  إنه يقولُ أشياءَ كثيرةَ في كلماتٍ جدّ قليلة.

 

يتعامل بيرقمان مع المجاز. لذا تكن أفلامه مُقِلّةً جدّاً فيؤ حواراتها مما يفسح مدىً كبيراً للتفكّر والخيالِ في أنفسِ مشاهديها.  قد شاهدتُ، مؤخّراً، "فاني واليكساندر" فيما أنا شارعٌ في رحلةٍ طويلةٍ بالقطارِ فأدركتُ أنّ ذاك الرجل- بيرقمان- إنما هو أستاذٌ عظيمٌ في فنِّ السّينما.  إنه لشيءٌ فوق العادي أن تكون السينما- بالنسبة لذاك الرّجل- هواية ويكون المسرح مهنة.  أنا حزينٌ جدّاً لسماع خبر وفاته، رغم أنه قد هيّأ نفسه، بأزيدَ مما هو لازمٌ أو غالبٌ، لشأنِ الفنائيّة، سيّما وأنّه قد أنشأ عنها أفلاماً عديدة.

 

توماس فيتيربيرق (مخرج سينمائي):-

 

قد شاهدتُ "فاني وأليكساندر" قبل ثلاث ساعاتٍ خلون.  أعتقد أنّه أفضل الأفلامِ إنشاءاً، على الإطلاق.  قد دعوتُ إنسانةً تصغرني في العمر بكثيرٍ لمشاهدته معي فما كان لها، آنذاكَ، إلا أن تغرق في الدموع وتقول لي إنّ ذاكَ الفلم كان أفضلَ شاهدته في حياتها.  هي تبلغ من العمر 19 عاماً وأنا كنتُ فضوليّاً بشأنِ أن أستبينَ إن كان الفلم إيّاه سيكون بطيء الإيقاع بالنسبة لها أو عتيقاً، لكنه لم يكن كذلكَ فيما يبدو.

 

قد تحدّثتُ مع بيرقمان قبل عددٍ من السنين الماضية.  كان رجلاً يرتقي بالنفسِ رقياص شديداً وكبيراً وكان، بالفعلِ، رجلاً سعيداً.  كان يلهو في الارجاء، خفيفَ الرّوحِ جدّاً ولعوباً.  قد محضني كثيراً من النصح الحسن بشأن أشياء مثل كيفية التعامل مع النجاح وكيفية التعامل مع الفشل.  أنا- الآن- أتذكّرُ ذلك كلمةً فكلمةً.  هو قد سألني- آنذاك- عمّا أنوي أن أفعله بعد انتهائي من إخراج فلمي.  لكنه، خينما أجبتُ بأنني لا أدري، قال لي:- "حسناً، أنتَ إذاً منحوس!".  "لماذا؟"، سألته.  أجابني:- "إن الشيء الذي قد يحدث هو أنّكَ إما أن تفشل ولا يكون ذلكَ في صالحِ ثقتك بنفسك أو، وذلكم أسوأ بكثير، أن تنال النجاح وتغدو، حينذاكَ، مُنشلاً به تماماً.  عليه ينبغي لكَ، دوماً، أن تقرر شيئاً بشأن فلمك القادم قبل ابتداء عرض فلمك الحالي.  كم كان هو محقّاً في ذلك!  فالمرءُ ليس له أن يتحول إلى صائدِ نجاحٍ وتقدّمٍ مهنيٍّ محفّزٍ، فحسب، بشأني النجاح أو الفشل بدلاً عن أن يجعلَ قراراته تنطلق، أصلاً، من داخل قلبه.

 

\الشيء الذي لفت انتباهي، كصانعِ افلامٍ ملاقٍ صعوبةً في أن يقرر ما إذا كان مفترضاً له ان ينشئَ أفلاماً باللغة الدينماركية أو اللغة الإنجليزية، هو أن بيرقمان قد لزم مشروعه الخاص فأنشأ أفلاماً في السويد، باللغة السويدية وبمثّلين يخصونه.  وبدلاً عن أن يحاول أن يصبح شخصاً له شأن بمغادرة بلاده بقي هو بموطنه وجعله موطناً له شأن وذلك شيءٌ يدعو للزّهوِ والإفتخار.  طبعاً، العالم كان، حينها، أكبرَ منه الآن، فلندن ونيويورك كانتا بعيدتين.  مع ذلكَ يظلُّ فعل بيرقمان ذاكَ ملهماً.  أعتقد أنّه، قطعاً، أكبر ملهمٍ في اسكننافيا في مجال صناعة الأفلام. 

 

كان "فاني وأليكساندر" هو الفلم الذي له أكبر أثر عاطفي عليَّ.  قد شاهدتُ أفلام بيرقمان الثمانية أو التسعة الأولى عند "مدرسة السينما" فشعرتُ ببعضِ الممل إذ كنتُ، آنذاكَ، متقلقلاً وصغيراً في سنّي، كما وأنّي أظنُّ أنّ بيرقمان قد طوّر أداءهُ السينمائيَّ بمرور الزمان.  ثم، حين شاهدت "فاني وأليساندر" بعد سنتين من تخرجي من "مدرسة السينما"، شعرتُ بحبٍّ تامٍّ لعمل بيرقمان وكان ذاك الفلم هو الملهمك الأساسي لفلمي المسمّى "فيستين".  أنا قد اعترفت، لبيرقمان، بأني قد "سرقتُ" مشهداً من الفلم إياه فضحك.  من بعد ذلك حدثني هو (أو شخصٌ آخرٌ ما) بأنه، بدوره قد "سرق" المشهد إياه من الفلم المسمّى "الفهد"- ذاك المشهد الذي كان فيه البطلان يرقصان حول المنزل.  لكنّ ذلكَ تقليدٌ عامٌّ في الدينمارك والسّويد معاً مما يجعل الأمرُ هنا يبدو، بالفعل، وكأنّ المرءُ كانَ، آنذاكَ، "سارقاً لتقليدْ".  مع ذلك، يظلُّ الأمرُ، بالتأكيدِ، قابلاً لأن يُوصفَ بأنّه "نهب".

 

الشيء الذي أحببته في "فاني وأليكساندر" هو أنني، فيه، تعرّفتُ على عائلةٍ كاملةٍ وكأنّها كانت، بالفعلِ، موجودة.  أولئكَ أناسٌ لن أنساهم أبداً، فأنا سأكونُ، على نحوٍ ما، دائم الإرتباطِ بهم.  سأتذكّرُ دوماً العمَّ الفَسّاءَ الغريب الأطوار.  إنّ تلكَ لقطعةً فعليّةً من الحياة وذاك هو ما أُولع به. 

 

 

هاري كونزرو (روائي):-

 

قرر معلمنا، ذات ظهيرة، أن يستغلّ زمن محاضرتين للدراسات العامة كي يرينا "الختم السابع".  قد رأيتُ، آنذاكَ، ماكس فون سيدو وهو يلعب الشطرنج مع الموت عند الشاطيء (وذاكَ أكثرَ مشهدٍ ثقيل المعدن يُضمّنُ، أبداً، في فلمٍ سينمائي) وعرفتُ أنني سأحاولُ رؤية أيِّ شيءٍ صنعه ذاك المخرج (بيرقمان).  لم أفعل ذلكَ بعد، لكن بيرقمان تبدّى لي، خلال لحظاتٍ محوريّةٍ كثيرةٍ في حياتي، دوماً ككشفٍ أو تحقُّق.  قد رأيتُ "مناظر من زواج" في شقّةٍ خانقةٍ وسألتُ نفسي عمّا كنتُ فاعله مع المرأة التي كانت بجانبي.  قال فون سيدوف، الذي لعب دور الفنان المعذب في "ساعة الذئب" (الذي كان له عنوانٌ، بالسّويديّةِ، أكثر انضغاطاً، أكثر تهديداً، وهو Vargtimmen):- "اللحظةُ قد تبدو كأبديّة- إنها تبدأُ الآن" فعلمتُ أنّ شيئاً قد دُرّسَ لي، حينذاكَ، بشأنِ إنشاءِ الفن:- هنا كانت هنالكَ دقيقةٌ من زمن الشاشةِ، خبرةٌ اقْتُسِمَتْ فيما بين الشخصيات والمشاهدين.  إن بيرقمان كان جيداً لأنه كان دقيقاً، لأنّه كان قادراً على إنزالِ الأشياءِ، بإحكامٍ، إلى حيّزِ الوصف.

 

ميشيل ونر (مخرج سينمائي):-

 

قد أُنشئتُ، آناءَ أيامي في كامبيردج، على أعمال بيرقمان.  إنه ربّ السينما الأصلية، السينما المتفكرة، السينما الخلاقة، كما وهو ذو أثر ضخم على حياتي.  لم يكن هو، فحسب، عبقري سينما وإنّما، كذلك، إنساناً فريداً.  لا أحدَ أنشأ أفلاماً مثله، لا من قبله ولا من بعده فذلك التكثيف المتفكر، ممزوجاً بأسلوبٍ بصريٍّ ساحرٍ، كانا أخّاذينْ. 

 

اتذكّرُ حينما كان "ابتساماتُ ليلةِ صيفٍ" يُعرض في سينما صغيرة في ضواحي كامبيردج.  قال لي مالك السينما حينذاك:- "لا أحدَ سيجيء لمشاهدة هذا الفلم".  لكنه كان هنالك صفٌّ حول السينما لأنّ الفلم كان محتوياً على مشهدِ امرأةٍ عاريةٍ جاريةٍ حذاء البحر لمدةِ 15 ثانية.  في تلك الأيام [1955] كان ذلك ثورياً.  وكثيرٌ من الناس ممن لا يشاهدون، أبداً، أفلام انقمار بيرقمان في أحوالٍ أخرى كانوا، آنذاكَ، منتظمينَ عند صفِّ دخوله. 

 

فلمي المفضل، من بين أفلام بيرقمان، هو "الختم السابع"، فذلك الفلم فيه رمزية غوطية بديعة.  لم يكن ذاك الفلم واحداً من مصادرِ تأثري الرئيسية لكنه، بالتأكيد، مضى إلى داخل بنكِ ذاكرتي.

لن يجد المرء، أبداً، مثيلاً لبيرقمان في أيامنا هذي.  فنحنُ قد انتقلنا إلى نمطِ سينما أكثرَ ميكانيكيّةً وصخباً وصراخاً وعنفاً بحيث غدت السينما الإبداعية صعبةً جداً على أن تُنشأ.

 

شيلا ريد (ممثلة):-

 

كنتُ أمثّلُ، في المسرح القومي، دور السيدة إلفيستيد في "هيدا قابلر".  قد اتصلت بي مديرة أعماله وقالت لي إنه يريدني أن أمثّل في فلمٍ من أفلامهِ.  حين تحققت من أنه لم يكن مازحاً أخذتني الإثارةُ، فأنا مستعدة لأن أمضي معه على أيِّ سبيلٍ يجعلني أتعامل معه ثانية.  أظنّ أنه لا أحَدَ هناك من بريطانيا سواي قد ظهر في فلم لبيرقمان.  ذلك كان دوراً صغيراً في أول فلم لبيرقمان باللغة الإنجليزية كان اسمه "اللمسة" وقد شاركني فيه بالأداء كلٌّ من بيبي أندرسون، ماكس فون سيدو وإليوت قولد.  وللغرابة، أدّيتُ أنا، في الفلم، دور "أخت" إليوت، فهي كانت شخصية طويلة، داكنة اللون ويهودية فيما أنا صغيرة الحجم، اسكوتلندية وفاتحة اللون.

 

مثّلتُ مشهداً واحداً في ذلك الفلم زارتني فيه أندرسون.  كنتُ مدمنةً للخمرِ ولي مشكلة في يدي.  عند الإعداد للمشهد سألني بيرقمان:- "كيف لشقة سكنية إنجليزية أن تبدو حينما تكونين على وشك الرحيل عنها؟"  أجبته:- "قد أجد، آنذاكَ، مكاناً ما فيها لوضع زجاجة الشراب وكرسيٍّ فيما أكون قد أزحتُ، نصفيّاً، بعض الستائر" فقال لي:- "بلى.  ذلك ما فعلناه.  ماذا تقولينَ إن قرع شخصٌ ما جرسَ بابكِ آنذاك؟"  أجبته ثانيةً بأني قد أقول، حينذاك، لذاك الشخص:- "إدْخُلْ.  لا أستطيعُ أن أعدَّ لكَ كوب شاي".  ثمّ أقمنا بروفاتنا للمشهد على ذاك النحو. 

 

عندي صورة له قبل أن يقولَ "آكشنْ!".  كانت يداه، آنذاكَ، على كتفيَّوتركيزٌ مكثّفٌ على عينيه.  أنتَ تستطيع أن ترى أنّه كان يضع طاقته في جسدي وأنني كنتُ متلقّيَةً لها.  بعد ستّةِ شهورٍ من ذلكَ تلاقينا لتناول الغداء معاً.  سألته، وقتها، إن كان يريد أن يتحدث معي عن دوري في الفلم فأجابني قائلاً:- "لا، أنتِ تعرفينها مسبقاً".  كنتُ كذلك بالفعل، فهو قد كتب ذاك الجزء من الفلم لي لأنه قد راقبني جيداً آناءَ أدائي للعرض الإختباري.  كنتُ- آنذاكَ- غير سعيدة ولاحظ هو ذلك. 

 

آناءَ أداءِ طاقمنا للبروفات كان الجميع- بدءاً من صبيان الديكور والإكسسوار فصاعداً- يبذلون انتباهاً كبيراً في آنِ تصويرِ أيِّ مشهدٍ كان من الفلم، الشيء الذي كان غير عادي في أمثال تلك الأحوال.  كانت لطاقم الفلم طاقة كبيرة.  وذات الطاقم اشتغل مع بيرقمان في "هيدا قابلر".  كنا نجري البروفات من 11 صباحاً وحتى الرابعة مساءاً ونأخذ استراحة لمدة عشرين دقيقة فحسب لتناول وجبة الظهيرة وذلك حتى لا تسترخي طاقة التركيز فينا بعد تلك الوجبة.  كان بيرقمان- بالفعل- يشدّ طاقاتنا حتى نهاياتها.  هو قد أفادني بملاحظاتٍ جدَّ معينةٍ عمّن كنتُ أمثّلُ دورها مثل:- "إنها شمعة لا تخبو شعلتها أبداً" و"إنّ لديها شاشةٌ في داخلها منبسطةٌ حتّى منتهى عنقها".  كنتُ محظوظةً جدّاً غذ خُصصتُ بالعمل مع انقمار في المسرح والسينما معاً. 

 

ديفيد ثومبسون (ناقد سينمائي):-

 

قبل رحيله بوقتٍ طويلٍ اختار انقمار بيرقمان العيشَ في جزيرةٍ صغيرةٍ قائمةً حذاء الساحل السّويدي.  كانت تلك طريقةٌ في القولِ بأنه كانَ، آنذاكَ، وحيداً مع عمله ومع أحبّائهِ ولعلّ لا أحَدَ عرف الوحدة أفضلَ من الأحباب، ثمّ الأطفال اللذينَ رأوا كيف هو يضع ابتساماتهم، عيونهم، وجباتهم، وأسِرّتِهم غير المرتّبة، على الشاشة.  كان عليهم أن يعيشوا مع تعامله اللا مهادن واستخدامه الهاجسي لابتساماتهم، لوجوههم وليفاعتهم.  لم يكن ذلك منطوياً على اللا رحمة، كما وهو لم يكن، كذلكَ، شيئاً رحيماً- إن وصلنا ذلكَ بمعنيي التطمين أو الوفاء- فهو كان مخبراً لجميع أفراد الناس بأن كلّ شيءٍ يتغيّر، لكنه يظلّ، مع ذلكَ، هو هو.  عليه اختار بيرقمان أن يعيش في تلك الجزيرة وعساه، من بعدِ ذلك، يُكَفُّ عنه سؤالُ منظّمي مهرجانات الأفلام بأن يأتي إليهم ليُكرّمْ.  هل هم لا يعرفونَ أنّ إنشاءَ الأفلامِ كان هو الشيء الوحيد الذي أبقاهُ حيّاً أو قريباً، بأيِّ درجةٍ ممكنةٍ، من السّكينةْ؟

 

إنّ حقيقة أنّ عمل بيرقمان وألم بيرقمان هما كانا طرفين في معادلة واحدة قد أدركتني، ذاتَ صدفةٍ بالكادِ، في زمانٍ باكرْ.  ففي عام 1957 أنشأ بيرقمان فلمه المسمّى "نباتات الفراولة المتوحشة" وروى فيه حكاية رجلٍ كبير المكانة، بروفسّوراً، وقد كان في سبيله إلى حضور مهرجان فلم لكي يُكرّم فيه بفضل سيرته.  كان اسم ذلك الرجل إساك بورق، وقد لعب دوره فكتور سجوستروم (الشخصية الرائدة في صناعة السينما السويدية ومعلّم بيرقمان).  وإذ كان ذاك الرّجل مسافراً إلى حيث كان سيمنح درجته الفخرية يدخل في حال حلم وتذكّر فيشعر بأنه مصدومٌ بشأنِ فشله وخيبته الخاصّين.  ويستطيع مشاهد الفلم أن يرى، من بين حيثياته تلك، أنه كان رجلاً باردَ الشعور ومجذوباً إلى دفء الآخرين- أعتقد أنّ بيرقمان قد رأى نفسه على ذات الصُّورة.

 

إنّ فلم "نباتات الفراولة المتوحشة" لفلمٌ عظيم، فهو يجاهد لكي يُصالح ما بين الفشل الداخلي والنجاح الخارجي.  أنا قد تحقّقتُ، بعد مشاهدةِ ذلك الفلم، من أنّ "حكايته" كانت هي ذات "حكاية" فلمٍ رأيتُهُ قبل سنينٍ مضينَ وهو الفلم المسمّى "المواطن كين" والذي يموت فيه رجل عجوز وتكن فيه أفكاره (خواطره) الأخيرة ملآنةً بذاتِ التساؤل القاتم:- هل كنتُ أنا شقيّاً في عينِ ذاتِ كلِّ ذلك المجد الذي كان لي؟  ربّما تقول كلّ الأفلام العظيمة ذات الشيء.

 

قد رأى بيرقمان تماثلاً فيما بين رقص الموت العصورَ- وسطيَّ وبين الإنتظارِ الحداثيِّ للقيامة.  لكنّ ذلكَ التّوتّر ما كان هناكَ إلا تضخيماً تصوّريّاً- أو إسقاطيّاً- لقلقٍ صغيرٍ وعاديٍّ:- هل يدومُ الحبُّ أم يخونُ نفسه؟  إنّ المخرج الذي يخطر، بجلاء، لبالي على أنه سلف مباشر لبيرقمان هو أندريا تاركوفسكي، ففلمُ ذاكَ المسمّى "التضحية" إنّما هو فلمٌ بيرقمانيٌّ حقيقيٌّ وشأنه، في ذلك، هو ذاتُ شأنِ فلم أولمان المسمّى "بلا إيمان".  لكنّي أقولُ هنا، مع ذلك، إنّ ايَّ مخرجٍ عظيمٍ- أيَّ مُخرجٍ مكرّسٍ نفسهِ لعمله ومستعدٍّ لأن يعيشَ في جزيرةٍ من حيثُ كونِ أنّ "الجّزيرة" هي المقابل المعاكس لمكانٍ مثل "فندق بيفرلي هل"- سيكونُ قد وجدَ نفسه، بالتّأكيدِ، مُنشئاً تنويعاً سينمائيّاً خاصّاً به على ثيمةِ الفلمِ البيرقمانيْ. 

 

إلقِ نظرةً إلى الخلفِ واسترجِعْ صورَ بيرقمان العظيمة- فيما بينَ "نشارةٌ وبهرج" وبين "فاني وأليكساندر"، ثمّ في ما بينَ "صيحات وهمسات" وما بين "ابتسامات ليلة صيف"- وستجد أنّه ليس هنالكَ، بالكاد، من مؤثّرٍ خاصٍّ في شريعةِ أفلامهِ خلا واحدٌ:- الوجهُ الإنسانيُّ وهو في بَهَجٍ ورعبٍ؛ ضائعٌ أو في حالِ صيرورةٍ سائلة.  ذلك لأنّهُ، عِنْدَ بيرقمان، كان الوجه دوماً هو هو:- دوماً مستديماً؛ ودوماً طريّاً وطازجاً. 

 

[ترجمة:- إبراهيم جعفر].      

 

* صحيفة "القارديان" البريطانية، الثلاثاء 31 يوليو 2007.  


© Copyright by SudaneseOnline.com


ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

أعلى الصفحة



الأخبار و الاراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

ترجمات
  • تشارلز تيلور يكتب من لاهاي هاشم بانقا الريح*
  • المتصوّفون الضّاحكون*/تحريرُ وترجمة:- إبراهيم جعفر
  • اسقاط النظام في ثلاثة أيام!!!
  • روبرت فيسك: ثمة أشياء لم اكتبها بعد !/ترجمة معتصم كدكي
  • fuzzy wuzzy للشاعر الإنجليزي روديارد كبلنج /عبد المنعم خليفة خوجلي
  • لماذا يجب ان يكون الرفيق سلفاكير ميارديت رئيساً للسودان فى 2009 /إزيكيل جاتكوث
  • دكتور: بشير عمر محمد فضل الله – كأحد الخمسمائة زعيم عالمي للقرن الجديد – ترجمة وتقديم : بقادى الحاج أحمد
  • رئيس حركة تحرير السودان يصبح محط أنظار الكثيرين في الوقت الذي يصاب فيه رئيس جمهورية السودان بالهلع و الذعر./بقلم / إستيف باترينو- من صحيفة سودان تريبيون الإكترونية ترجمة- حجرين جاموس
  • المدعي العام لمحكمة الجزاء الذي يريد احضار البشير للعدالة مطالب بالاستقالة ( الديلي تلغراف)/ترجمة مصعب الأمين
  • من هو أوكامبو عبدالله يوسف عبد الله
  • رحيل الماشية وعودتها في بوروندي 1/2 من كتاب: الأدب في أفريقيا- القسم الخامس- النثر المكتوب- أعداد: بقادى الحاج احمد
  • دارفور .... حقيقة أم خيال بواسطة البرفيسور آنن يارتلت /ترجمة / محمد سليمان.
  • تيلهارد دي شاردن: "مكان الإنسان في الطّبيعة"*: مقدّمة وفاتحة وإشارة ومدخل [ترجمة: إبراهيم جعفر].
  • تـقريــر "فـرنسـا والـعولـمة" ترجمة وعرض : مؤيد شريف
  • الفصل بين الأولاد و البنات في التعليم العام* ترجمها بتصرف: محمد عربان
  • أورويل في البيت الأبيض!* أنيتا رَوْدِك**ْ
  • السُّكونُ يُضيءُ عزلةَ الموتْ شعر- عبد المنعم عوض/Translated by: Ibrahim Jaffar
  • قصة الدبدوب السوداني تكشف عقدة الدونية الإسلامية* وليد علي ** ترجمة محمد عثمان ابراهيم
  • بيتر شيني*:- أحد روّاد الآركيولوجيا الأفريقية الأوائل*/بقلم:- بيتر كلارك/ترجمة:- إبراهيم جعفر
  • بيتر هولت.. مؤرِّخ الشََّرق الأوسط والسُّودان-ترجمة الدكتور عمر مصطفى شركيان
  • أهل الخير يمارسون الشر في دارفور/آرلين غيتز*-ترجمة : محمد عثمان ابراهيم
  • من دفاتر المخابرات : أوراق الأحمق/جوناثان بيقينس-ترجمة : محمد عثمان ابراهيم
  • كيف ضل الغرب مالكوم فرايزر*/ترجمة : محمد عثمان ابراهيم
  • الراهب الباطني*/ترجمة:- إبراهيم جعفر
  • فصل من كتاب ** التنمية كاستعمار للكاتب Edward Goldsmith ترجمها عن الانجليزية أحمد الأمين أحمد و حنان بابكر محمد
  • صدقُ الحائر:- حالُ "الحيرةِ" ما بين دريدا وابن عربي...* بقلم:- إيان ألموند/ترجمه عن اللغةِ الإنجليزيّة:- إبراهيم جعفر
  • سياسة التعريب في ( تُلس ) كما وصفتها صحيفة اللوس انجلز تايمز/سارة عيسي
  • "لا أحدَ أنشأَأفلاماً مثله"* [إهداء الترجمة:- إلى الصديق العزيز والناقد السينمائي الأستاذ:- محمد المصطفى الامين]./ترجمة:- إبراهيم جعفر
  • صحيفة /القارديان/ البريطانية تنعى السينمائيّ السويدي انقمار بيرقمان/ترجمة:- إبراهيم جعفر
  • خللَ زُجاجٍ؛ بوضوح:- رحيل انقمار بيرقمان (ترجمة:- إبراهيم جعفر)
  • البــدو (المجاي/ البجا) والفراعـنـة بقـلــم : روبـــرت بيـــرج/ترجمة / محمد جعفر أبوبكر
  • صحيفة "القارديان" البريطانية تنعي سمبين عثمان*/(ترجمة:- إبراهيم جعفر).
  • دارفور: لعبة التسميات* بقلم بروفسير محمود مامدانى /ترجمة الصديق الأمين
  • بحوث تستكشف التخلص من شبكة الانترنت الحالية لصالح أخري حديثة /ترجمة د./ عباس محمد حسن
  • العلماء يقتربون من صنع قناع (عباءة) الإخفاء/ترجمة د./ عبـاس محمد حسن
  • دارفور وسيناريوهات مجلس الأمن ../متابعة وترجمة واستخلاص : توفيق منصور (أبو مي)
  • الثقافه والإعلام فى المجتمع البريطاني المعاصر/ترجمه : أحمد الأمين أحمد..
  • فصل من كتاب: ملامح من المجتمع البريطاني المعاصر/ترجمة:أحمد الأمين أحمد
  • بمناسبة يوم المرأة العالمي: تصوير المرأة في روايات الكاتب النيجيري Chinua Achebe /ترجمة : أحمد الأمين أحمد
  • الجزء الأول من رد الدكتور كول جوك للأستاذ/السنجك/ترجمة : سارة عيسي