جمال عنقرة
أبكيك حسن ساتي وأبكيك
جمال عنقرة
عندما نقل لي أخي زين العابدين أحمد محمد نبأ وفاة صديقنا الأستاذ حسن ساتي رئيس مجلس إدارة صحيفة الرأي الآخر لم أكذب الخبر ذلك أن خبر الموت لا يكذب. ونحن نؤمن أن قدر الله نافذ علي كل خلقه. وكل من عليها فان ويبقي وجه ربنا ذو الجلال والإكرام. ولكن عندما اتصلت بأخي مصطفي أبوالعزائم وبادرني بالتعذية انهرت من البكاء كما لم أبك قريباً. فحسن ساتي فوق أنه صديق عزيز ورمز من رموز صحافة بلادنا، فعبره كان مدخلي للصحافة اليومية.
كثيرون كانوا يعتقدون أنني دخلت الصحافة في (الأيام) علي يد الشيخ يس عمر الإمام، إذ جئت للأيام وهو كان رئيساً لمجلس الإدارة والتحرير معاً. ولكنني دخلت عبر بوابة الأستاذ حسن ساتي الذي كان نائباً لرئيس التحرير. وكان دخولي عبر بوابة اليوميات التي يشرف عليها. فكتبت مقالاً بعنون (في ضيافة بيت سوداني) ودفعت به إليه بلا واسطة أو وسيط وبعد يومين اثنين فقط وجدت مقالي في الصفحة الأخيرة ومعه صورة من تلك الصور التي كنت احتفظ بها من بقايا مصر التي جئنا منها خريجين. وبعد نشر المقال جئت لأقدم له نفسي ففوجئ بي شاباً في منتصف العشرينات، وكان يظنني أكبر من ذلك بكثير. فلم يخف إعجابه بما كتبت وبأسلوب كتابتي وشجعني علي المضي قدماً في هذا السبيل. فصرت كاتباً راتباً في فريق اليوميات بصحيفة الأيام ولم يكن يكتب به إلا المعتقون. وكان يضم فريق اليوميات وقتها عمنا الراحل محمد الخليفة طه الريفى والعم صالح بانقا (ابن البان) وأستاذنا محمد سعد دياب، والأستاذ الطيب محمد الطيب وصديقنا الأستاذ مصطفي سند عليهم رحمة جميعاً. وكان صديقنا الأستاذ فضيلي جماع وشخصي من الشباب. وما زال صديقنا زين العابدين أحمد محمد عندما يريد أن يدعم ادعاءه الكاذب بأنه أصغر مني يقول لي (لما كنت بتكتب في اليوميات أنا كنت بكتب في بريد القراء) ولقد كان كل هذا بفضل حسن ساتى من بعد الله تعالي.
وعندما خرج الشيخ يس عمر من الأيام وصار هو رئيساً للتحرير لم يغير في تعامله معي وكان البعض يزعم أنه يتودد بي لرئيس مجلس الإدارة. بل صرت في عهده من كتاب الرأي السياسي الراتبين في الصحيفة. وكان يكلفني بالحوارات المهمة. وما زلت أذكر القضية الشهيرة في محكمة العدالة الناجزة برئاسة الدكتور المكاشفي طه الكباشي التي حكم فيها بقطع يد محاسب مدرسة وادي سيدنا بتهمة اختلاس مال من الخزينة وثار جدل كبير حول الموضوع، طلب مني إجاء حوار حول هذا القضية وهو من الحوارات التي لا زلت أعتز بها. وفي عام 1983م كلفني بعمل صفحة إسلامية في رمضان أنجزناها مع صديقي وابن عمي حسن الرضي وزميلتنا علي ذلك العهد الأستاذة نجوي عوض الكريم التي توثقت علاقتي معها في ذاك الشهر الكريم وتزوجنا بعد أقل من عام وهي ام أبنائي خالد وساره ويسرا. وبمناسبة حج ذات العام طلب مني أن أكتب مقالاً يومياً عن الحج أسميته (تأملات في الحج) وصار بعدها إلي (تأملات) وهو ذات العمود الذي ظل ملازماً لي لأكثر من ربع قرن من الزمان أتنقل به أني حط بي الترحال داخل الوطن أو خارجه.
لقد كانت الأيام علي عهد حسن ساتي صحيفة مفتوحة وكان توزيعها اليومي يزيد عن المائة ألف نسخة. ورغم أن الصحيفة كانت مملوكة للإتحاد الإشتراكي لكنها كانت تفتح صفحاتها لنقد تجربة الإتحاد الإشتراكى. وليت الأستاذ موسي يعقوب يكتب لنا شيئاً عن مساجلات تلك الأيام مع الأستاذة أمال عباس. وليت صديقنا الدكتور التجاني عبد القادر يكتب عن مقالات تلك الأيام النضرة التي كان حسن ساتي فارسها الذي لا يشق له غبار.
وعندما التقينا في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي في العاصمة المصرية القاهرة في هجرتي الثانية لها. تواصلنا وتواصل مع الجميع. وليت صديقنا محمد سيد أحمد المطيب يكتب لنا عن بعض ذكرياته مع حسن ساتي في مصر. وأقول وأكشف سراً مهماً وهو أنه كتب تقديم كتابي (أيام مع جعفر نميري) الذي صدر في مطلع التعسينات، وأصر أن يحمل التقديم توقيعي لأنه رأي أنه لم يفعل شيئاً سوي قراءة للكتاب، وما أعظمها من قراءة.
وبعدما عدت السودان وانفتح الباب أمام قيام صحافة مستقلة دعوته أكثر من مرة ليعود من أجل إصدار صحيفة كنت أتوقع لها النجاح، وكان في كل مرة يتفق معي في الفكرة ويختلف في الزمان. وكان يؤكد عودته في الوقت المناسب الذي يصدر فيه صحيفة تستحق أن تصدر. حتي جاء اليوم الذي عاد فيه حسن ساتي للسودان وأصدر صحيفة (آخر لحظة) مع شركائه مصطفي أبو العزائم والهندي عز الدين وعبد العظيم صالح ومن معهم. واليوم جاءت اللحظة التي يفارقنا فيه حسن ساتي وإنا لفراقه لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي الله (إنا لله وإنا إليه راجعون)
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة