الجزء الخامس لرواية: للماضي ضحايا
الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
جبال الأوراس: في الجزائر وهي محضن مملكة قبيلة أوربة الصامدة والأوراس جبال عالية من أعلى القمم في شمال أفريقيا وأعلاها قمة الشيليا وهذه الجبال كانت المحاضن والقلاع الحصينة لكل ثوار التحرر والدفاع عن الذات وهوية البلاد عبر التاريخ البعيد والوسيط والمعاصرة وهي نفسها عرين القائد المؤسس والزعيم الأول أوراسيا الذي سميت باسمه ومنها كان التصدي لكل الغزاة بصلابتها وصمودها وهي تعتبر الموطن التاريخي لقبيله أوربه الصامدة ومنها أيضاً كانت انطلاقة طلائع المليون شهيد ومن قبل كانت منها مقاومة كل الغزاة المحتليين الوندال والبيزنطيين والروم والقوط الغربيين والشرقيين والمغول والترك الهون والمسلمين الفاتحين وأيضاً كانت لهؤلاء الأوراسين الهجمات التوسعية المدونة للقاءاتها في مواجهة جيوش سلطنة الفور على سيادتها في المناطق الشمالية الغربية وتعتبر جبال الأوراس حاضرة ولاية باتنة.
فقبيلة أوربة من قبائل الأمازيغ البرانس هوارة وصنهاجة وكانت أقوها شكيمة وسيادة قبيلة صنهاجة وذلك لطبيعة أرضها ولقلاعها الحصينة ومن أشهر زعماءه في الفتح الإسلامي الملك قبائل البرانس كلها وأشهرهم مقاومة الملك الزعيم أكسل بن أيزم الذي خلفته الكاهنة والملكة دهيا بنت ينفاق الجراوية وكانت أوربة وثنية المعتقد في ظل الحراك البشري الذي عبر ديارها ثم كانت تحولها إلى الديانة اليهودية والنصرانية ثم كان أسلام الملك الزعيم أكسل بن أيزم على يد المجاهد الداعية إسماعيل بن عبد الله بن أبو المهاجر دينار في عهد عقبة بن نافع وإمارته على برقة ثم كان اعتناق قبيلة أوربة كلها للإسلام ثم تبعتها هوارة وصنهاجة من قبائل البرانس ومن أعظم قادتها المسلمين المجاهد طارق بن زياد الصدفي أمير طنجة وفاتح الأندلس والفقيه يحيي بن يحيي بن كثير في قرطبة والمبدع المخترع عباس بن فرناس الأمازيغي.
وتمتد حدود سيادة مملكة قبيلة أوربة ما بين تاهرت ووهران وتلمسان وكان ملكاً وزعيماً عليها عبر التاريخ المدون صاحب الجبل أرواسيا وأكسل بن أيزم والكاهنة دهيا فهؤلاء أبطال الدفاع عن الذات وهوية الوطن وحماة مصادر الثروات في شمال أفريقيا كما جاء ذلك في معني أسمهم أمازيغ والذي يعني الرجال الأحرار وأهل النبل والشجاعة والشهامة والإقدام إذ يأبون الظلم أياً كان قبلته مضمراً أومعلناً فهو الذل والهوان وهذا شأن كل أفريقيا منذ عهود الأهرامات في بلاد النوبة وقصر الصندل في دارفور والعاصمة بيرمي في كانم وتنبكتو في غانا وكانو وبنين في الصحراء ومقر رث الشلك وإلههم نيكانج في فاشودة وإله الدينكا نيال وإله النوير كورث وإله الزاندي توري في الغابات الاستوائية وكل الملوك في جوبا وملكال وبقلين ومملكة هجر البجاوية على تلال البحر الأحمر وجبل البركل المقدس وأقصر مينا وقاهرة المعز على ضفافي النيل.
الملك الزعيم أكسل نمر أوربة وأسد البرانس كان عرينه جبال الأوراس وعندما آلة الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان عزل عقبة بن نافع الذي فتح برقة وزار بلاد واداي فقد عين سلمة بن مخلد الأنصاري والياً على مصر وأفريقيا وهذا بدوره عين المجاهد الداعية إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر أميراً على أفريقيا وظل فيها لمدة سبعة سنين وكان مركزه السياسي وقاعدته العسكرية والدعوية برقة ومنها كون المجاهدين من شتي المشارب القبلية لا يجمع بينهم إلا العقيدة الجديدة والهدف الواحد وانطلق الأمير الداعية إلى مدن شمال أفريقيا فبلغ غرب الجزائر ولم تقاومه القبائل الأمازيغية ولا السودانية إلا أنه وجد مقاومة من المحتلين الروم فهزمهم وهنا كان إسلام الملك الزعيم أكسل وقبيلته أوربة ثم بهم كان للإسلام سبيل في الجزائر.
توفي الخليفة معاوية وخلفه ابنه يزيد وأعاد عقبة بن نافع للإمارة أفريقيا وحينها لم تكن العلاقة بين الوالي عقبة بن نافع والداعية أبي المهاجر دينار والملك أكسل وثيقة فأسرهماعقبة وكان في كل الحملات يصحبهما فتحامل أكثر على الملك أكسل فخرج عن طاعته وأعد له العدة من قبيلته والمحتليين المهزومين الروم وكان اللقاء الفاصل في نهر الزاب واستشهاد عقبة في تهوده بتونس وعمل أكسل على أن يتراجع المسلمين إلى برقة وقد كان له ذلك فأصبحت سيادته من جبال الأوراس وقسنطينة في الجزائر إلى القيروان.
وعندما توفي يزيد بن معاوية وآلت الخلافة لعبد الملك بن مروان أرسل حملة عسكرية بقيادة قيس بن زهير البلوي لإعادة فتح أفريقيا وحسم الملك أكسل بعد انسحاب وتراجع المسلمين من القيروان وقد كان لهما اللقاء في تونس بممش وعندها كان استشهاد الملك أكسل مدافعاً عن النفس وعزة أوربة وشموخ جبال الأوراس وهوية أفريقيا بعد خمسة أعوام من هزيمته للمسلمين وتراجع المسلمين إلى برقة وعندها تغيرت القيادات وزادة الإمدادات بعد موت الملك أكسل خلفه على الملك والزعامة الكاهنة دهيا ثم عين الخليفة عبدالملك بن مروان أميراً على المغرب المجاهد حسان بن النعمان الغساني وكانت الملكة الجديدة لم تقل مكانة عن الملك أكسل سواء في الجسارة أوالإقدام في مواجهة حملات الفتح الإسلامي فكانت متناهية في التخطيط للمعاركة وبارعة في المواجهات القتالية من أجل أوربة ومقر الكهانة وهوية أفريقيا.
وأما سيرتها فهي الملكة دهيا بنت ينفاق الجراوية موطنها جبال باغية قرب مسكيانة بسفوح جبال الأوراس فكانت الملكة والكاهنة المرأة الأفريقية الجميلة لا كما في نظر واعتقاد البعض أن المرأة الأفريقية قبيحة فدهيا إمرأة أفريقية العرق جميلة المنظر وذلك تجده واضح في غلاف الرواية دليل بأنها جميلة كدلالة اسمها دهيا ومعنى عرقها الأمازيغي فهي كحلاء المقل واسعة بيضاء في وسط سواد ناعم ترى فيهما صورتك كاملة وحين تخرج من محجرها تفتك بلا سهم ولا وتر بجانب أنها واسعة الصدر بارزة النهد طيبة المقرب وعند المنتصف ضامرة الخصر جملة أنها معتدلة القد ولينة البدن وكل شيء فيها وسط وحسن روحانية المعشر وفي واجبها الإنساني لم تقصر قط فانجبت الأمراء الذين خلفوا مكانتها بجدارة واقتدار ومن مآثرها التاريخية التي ظلت باقية في الذاكرة ومدونة مواجهتها لحملات الفتح الإسلامية بالاستراتيجيات المتناهية في التخطيط الحربي من أجل حماية الذات وهوية أفريقيا وحرية أوربة واستقلالها فهزمت المجاهد حسان بن النعمان الغساني في مواقع كثيرة من قلاع باغية المقدسة فتراجع حسان بعد هزيمته في وادي مسكيانه ونهر بلي إلى تونس ثم برقة وعرفت تلكم المعارك بمعارك البلاء واستخلف على أفريقيا المجاهد أباصالح وأرسل حسان أخبار معارك البلاء إلى الخليفة مع طلب الإمدادات.
وتعتبر تلكم المعارك من أكبر الهزائم التي مني بها المسلمين خلال مراحل الفتح في أفريقيا وفي العام الخامس لسيطرتها أعاد حسان الحملة عليها والتقي الجمعان فكان مصير الكاهنة الملكة الزعيمة الجميلة ومسك ختامها كما رسمه كل مدون أنه كان بالشجاعة والباسلة المطلوبة ومن ثم أصبح السبيل إلى أفريقيا والأندلس ممهد للوالي موسى بن نصير اللخمي والقائد الأوربي المقدام المجاهد طارق بن زياد أمير طنجة وفاتح الأندلس.
[email protected]
تابع