بحث في ظاهـرة الوقوقـة!
الوقواق أخبث طائر في مملكة الطيور على الإطلاق بل هو ملك الخبث بلا منازع ، أنثى الوقواق تنصب كميناً لطائر من جنس آخر يحتوي عشه على بيض مماثل لحجم ولون بيضها وتظل رابضة في مكمنها الخفي بصبر وقواقي عجيب حتى إذا ما غادر الطائر عشه كي يتناول ما يسد به رمقه تسارع برمي بيضة واحدة من عش الطائر وتضع بدلاً منها إحدى بيضتيها حتى لا يلاحظ صاحب العش ما جرى ، ثم تكرر نفس السيناريو الخبيث مع طائر آخر وعش آخر وتضع بيضتها الثانية ثم تحلق مع الوقواق الذكر في سماء الحرية بعد أن تخلصا معاً من واجبات الامومة والأبوة الثقيلة المتمثلة في حضن البيض وإطعام الفراخ التي لا تشبع تاركين هذه المهام الشاقة للطائر صاحب العش الذي يتمتع بقدر من السذاجة والغفلة بحيث لا يفطن لتلك المكيدة الوقواقية المحكمة!
ولعل فرخ الوقواق أخبث من والديه بمراحل كثيرة، فما أن يخرج من البيضة وقبل أن يتمكن من الإبصار يقوم بزحزحة البيضة الأخرى وإسقاطها من العش حتى ينفرد وحده بالغذاء، وما أن يشتد جناحه حتى يغادر عش أمه الوهمية ليعيد دورة الخبث الفطري من جديد بشكل أكثر خبثاً وأشد دهاءاً!
هذه السلوك الوقواقي الذي يقوم على سرقة مجهودات الآخرين الغافلين منتشر جداً بين الدول وفي المجتمعات البشرية ، هناك دول وقواقة يعتمد ثراؤها على فوائد الديون المفروضة على الدول الفقيرة فهي تحقق رفاهية شعوبها على حساب جوع ومرض وجهل الشعوب المدينة التي تتراكم فوائد ديونها حتى تفوق المبالغ الأساسية للديون التي استخدمتها حكوماتها غير الرشيدة في مشاريع وهمية لا تغني ولا تسمن من جوع!
هناك وقوقة سياسية منتشرة في دول العالم الثالث حيث تقوم بعض الأحزاب الحاكمة بتحين الفرص والانقضاض على قواعد وكوادر أحزاب المعارضة الضعيفة ومن ثم تقوى مراكزها على حساب تشرزم تلك الأحزاب التي وقعت فريسة للوقوقة الحزبية!
هناك وقوقة وظيفية ، فكثير من الموظفين من ذوي الجهالات المقيمة يسرقون مجهودات زملائهم الغافلين ويرتقون سلم المجد والشهرة دون بذل أي مجهود! هناك وقوقة عاطفية ، فالرجل الوقواق أو المرأة الوقواقة يقومان بالتربص بالشراكات العاطفية الناجحة ثم ينقضان على الضحية الغافلة في لحظة الصفر وينجحان في اصطيادها ثم يستمتعان بفوزهما الدنيء غير عابئين بدموع وآهات الضحية المكلومة، وهكذا يتعدد الضحايا والوقوقة واحدة!
الأغرب من ذلك أن الوقواق الطائر أو الوقواق البشري لا يشعران أبداً بتأنيب الضمير ولعلهما يؤمنان بالمنطق الوقواقي الذي مفاده أن الضحية الغافلة أو الساذجة أو المغلوبة على أمرها تستحق الافتراس لأنه لا أحد يستطيع أن يستغفل أحداً إلا إذا كان مغفلاً وفوق ذلك لأن القانون لا يحمي المغفلين بأي حال من الأحوال، ولهذا فإن التوقوق على الضحية يصبح فعلاً مشروعاً لا غبار عليه بل أنه يدل على الفهلوة والشطارة المثيرتان لأقصى درجات الإعجاب لدى الآخرين!
ما أقبح هذا العالم حين تصبح الوقوقة سلوكاً دولياً أو سلوكاً إجتماعياً سائداً ، ما أفظع هذه الدنيا حين يصبح سارقو مجهودات الآخرين أبطالاً ويصير الضحايا الطيبين مجرد حفنة من المغفلين والمغفلات الذين لا يثيرون شيئاً سوى الرثاء الممزوج بالسخرية!
فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة