سوداني او امريكي؟ (1):
"والدي سوداني ووالدتي امريكية"
"فخورة بأمريكا، وللسودان نكهة خاصة"
واشنطن: محمد علي صالح
هذه اول حلقة من سلسلة جديدة اسمها: "سوداني او امريكي؟" ستكون بدون اسماء (الا اذا وافق اصحابها). وذلك بسبب حساسية الموضوع. وهو عن الجيل الجديد من السودانيين في اميركا: الذين ولدوا، او تربوا في امريكا:
هل هم سودانيون اكثر منهم اميركيون؟ او امريكيون اكثر منهم سودانيون؟ ما هو مدى التصاقهم بالسودان؟ هل يزورون السودان؟ كيف يختلفون عن آبائهم وامهاتهم؟ هل يعيشون في "عالمين"، كما يقول بعض امثالهم؟ ما هو "العالم الامريكي" الذي يعيشون فيه؟ طريقة التعليم؟ طريقة التفكير؟ معاملة الوالدين؟ "بوي فريند"؟ "قيرل فريند"؟ التعري؟ الجنس؟ الخ ... ؟
------------------------------
الحلقة الاولى:
اسمي ( ... )، وعمرى عشرون سنة، وادرس في جامعة ( ... ).
والدي سوداني ووالدتي امريكية.
مثل بقية الاطفال، تدريجيا عرفت الاشياء. وتدريجيا عرفت ان والدي سوداني ووالدتي امريكية. ومثل بقية الاطفال، في البداية لم الاحظ ذلك، وعندما لاحظته، لم اهتم به، وعندما اهتممت به، لم اهتم به كثيرا.
اتذكر اول مرة وانا في المدرسة الابتدائية، عندما جاء اطفال معي الى المنزل، ولاحظوا ان والدي اسود، ووالدتي بيضاء. وقالوا لي ذلك. بل تندر بعضهم بطريقة عفوية، بدون اساءة. ولم اعترض، ولم اهتم كثيرا.
لم اتحدث مع والدي ووالدتي في هذا الموضوع الا بعد ان دخلت المدرسة الثانوية. واستغربت لانهم لم يكونوا يتحدثون عنه. ربما ابدا. لم اسمعهم، ابدا، يتحدثون عن لون هذا او لون ذلك. الا بعد ان بدأت انا، وشقيقي الاكبر (ثم شقيقتي الاصغر) نسألهما. اسئلة المراهقين والمراهقات الذين يريدون معرفة اصلهم وفصلهم.
فوجئا في البداية. واصابهما حرج واضح. وقالا لنا انهما لم يتكلما في هذا الموضوع ابدا.
طبعا، الان كبرنا، ونتحدث في الموضوع، ونتبادل النكات، بل يكتب عنه والدي في الصحف الامريكية.
هذا عن اللون.
ماذا عن السودانية؟
----------------------------------
كما قلت، تدريجيا لاحظت ان والدي يتكلم لهجة اجنبية. ثم كان يتكلم لنا عن السودان. ثم اخذ شقيقى الاكبر معه الى السودان اكثر من مرة. وهكذا، صار للسودان معنى خاص في ذهني:
في حصة الجغرافيا ابحث عن السودان في الخريطة. وفي حصة التاريخ، اقرا باهتمام عن استعمار البريطانيين لدول افريقية كثيرة من بينها السودان. وفي حصة علم الاجتماع، ادرس باهتمام عن عادات وتقاليد القبائل الافريقية.
لكنى لاحظت ان والدي ليس افريقيا فقط. لاحظت تأثير الثقافة العربية والاسلامية الكبير عليه. العربية هي لغة والديه، ولغة عمله، ولغة كلامه مع اصدقائه السودانيين، والعرب، عندما يزورنا في البيت.
ولاحظ ذلك الاطفال من المدرسة الذين كانوا يزورني في البيت. كانوا يسألون: لماذا لا يتكلم والدك مثل السود الاخرين؟ لماذا لا يغني مثلهم؟ لماذا لا يمشي مثلهم؟ لماذا لا يأكل مثل اكلهم؟
لاحظوا ان والدي يشترى رغيف "البيتا" (الرغيف العربي)، والبقلاوة، والكنافة، والحمص، وبابا غنوج. ويعمل "باربكيو" (شواء) بلحم الضان. ويطبخ لنا (واحيانا لهم) اكلات لم يأكلونها ابدا: فول مدمس، جبنة "فيتا" (بيضاء)، شوربة دجاج بالارز، ملوخية، عدس، بتزا عربية، الخ ...
-----------------------------------
لكن، لاحظوا شيئا آخرا اهم من الاكل والشراب، وهو حرص والدي على اخذنا الى مساجد ومدارس اسلامية. وكان كل شئ بالنسبة لهم غريبا. كان ذلك قبل هجوم 11 سبتمبر (سنة 2001). وقبل ان تعرف اغلبية الامريكيين اي شئ عن الاسلام والمسملين. كانوا يسالونني: اي دين هذا؟ ولماذا تركعون على الارض؟ ولماذا تتوضئون؟ وكانوا يعتقدون ان ما نفعل شئ غريب وغير صحيح، لأنه ليس مسيحيا، ولاننا لا نضع الصليب على اعناقنا.
لكن، ولحسن حظنا، بل لأكثر من ذلك معنى وقيمة، كان والدي يأخذنا ايضا الى كنائس، ومعابد يهودية، وبوذية، وهندوسية. كان يقول لنا: "اريدكم ان تنظروا الى الاديان بعقل مفتوح."
ومرة اخرى، كان الذين يعرفون ان والدي يفعل ذلك لا يصدقون ابدا انه يفعل ذلك: كيف يصلي مسلم في كنيسة؟ وماذا عن الصلاة مع اليهود؟ الا يكهرون بعضهم البعض؟ حتى اليوم، وانا في الجامعة، لا يصدقني الناس عندما اقول لهم ذلك. لكن الذين يصدقوني يحترمونه ويحترموني.
وهذا فضل لن انساه لوالدي ابدا.
------------------------------------
طبعا، تربيت بنتا اميركية حرة جدا، ومفتوحة العقل، ومستعدة لقبون الافكار الجديدة وحتى الغريبة. واؤمن بمبدا "‘عيش، ودع غيرك يعيش." لكن والدي تفوق حتى علينا نحن الامريكيين. ان عقله اكثر انفتاحا من عقل اي اميركي اعرفه. بدليل انني لا اعرف مسيحيا يأخذ اولاده الى مسجد، ولا يهوديا يأخذ اولاده الى كنيسة.
احيان، اسال نفسي: لماذا؟
لم اساله ابدا هذا السؤال مباشرة.
لكني اعتقد ان سودانيته سبب رئيسي. خاصة بعد ان عرفت ان السودان متعدد القبائل، والاديان، والاعراق، والالوان، والحضارات.
اسفا، لم اختلط مع سودانيين وسودانيات. لكن لاحظت وسط الذين قابلتهم، سواء في المدارس، او عندما يزوروننا في البيت، "نكهة خاصة". واقول لنفسي: هؤلاء السود ليسوا مثل بقية السود (مخدرات، جرائم، عدم ثقة بالنفس، كراهية للبيض، عائلات متفككة، الخ ... ).
ما هي هذه "النكهة الخاصة"؟ لا اقدر على وصفها، لكن، اعتقد انها خليط من ثقة بالنفس، وفخر، وهدوء، وطيبة.
----------------------------------
طبعا، احب والدي ووالدتي كثيرا جدا. لكني لاحظت ان طيبة والدي السودانية تقابلها جدية والدتي الالمانية (جدودها من ابيها هاجروا من المانيا). هو عاطفي اكثر من عقلاني، وهي عقلانية اكثر من عاطفية.
لهذا، اقدر على ان اقول انني، من دون البقية، قريبة الى والدي.
انا "سودانية".
وضعت "سودانية" بين قوسين لاقول باني، طبعا، اميركية قلبا وقالبا. لكن، احيانا، نحن الامريكيين والامريكيات نقسم بعضنا حسب بلاد جدودنا، وعاداتهم، وتقاليدهم: "انا الماني منتظم"، "انا ايطالي حار الدم"، "انا بريطاني صامت"، الخ ... واقول انا: "أنا سودانية فخورة بنفسي."
واقول لهم، وبعضهم يستغرب: "والدي يكرر لي كلمتين يسميهما: بي أند بي: بريتي آند براود" (جميلة وفخورة).
وسط هذه الثقافة المسيحية البيضاء العملاقة، التي تحيط بي من كل مكان، احتاج الى ان اكون فخورة بنفسي.
هل لو لم يكن والدي سودانيا كنت ساكون فخورة بنفسي هكذا؟ لا اعرف. لكني احمد الله انه سوداني.
وهل لو لم اكن انا امريكية كنت سأكون فخورة بالجانب السوداني في هكذا؟ لا اعرف، لكنى احمد الله انني اميركية.
مع كل احترامي للشعوب الاخرى، اعتقد ان امريكيتي تعطيني ثقة بنفسي لا يوجد لها مثيل. ربما لهذا صرت اعتز بالجانب السوداني في. وانا افعل ذلك، لا اخاف من ازدواج شخصية، او لخبطة هوية. افعل ذلك لأني "ولدت في الولايات المتحدة"، كما تقول اغنية سبيرنقستين.
------------------------------------
اول مرة، عرفت "ماريا" صديقتي الالمانية في المدرسة الثانوية عندما جاءت من المانيا للدراسة لسنة واحدة. والآن، كل صيف ازورها في المانيا واسكن مع عائلتها، او تزورني وتسكن مع عائلتي. مثلما قلت انا في البداية، قالت ان والدي يختلف عن اي افريقي قابلته، او سمعت عنه، او قرأت عنه.
لكن، لا اريد ان اكرر الحديث في هذا الموضوع.
فقط اريد ان اقول انني وجدت العنصرية وسط الالمان اكثر منها كثيرا عن هنا. خاصة نحو الاتراك والافارقة. لكنهم يضعون اعتبارا خاصا، بل احتراما واضحا، للامريكي والامريكية، مهما كان اللون.
عندما ازور المانيا، ينتبهون سريعا للوني الاسمر. ويسألون. واقول لهم ان والدي من السودان. ويفهمون.
لا اعرف كيف كانوا سيعاملونني لو كنت سودانية. لكني اعرف ان امريكيتي "اوبر اوول" (فوق الجميع)، (اشارة الى الشعار الالماني: "جيرماني اوبر اوول").
-----------------------------------------------
[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة