زمبابوي
في نهاية الصيف قبل شهرين او ثلاثة قابلت الشيخ عبدالله النهيان (ابن عم عبد الله النهيان وزير خارجية الامارات.) في هولندا. وتزكرنا الزكريات القديمة وعندما كان سفيرا في اميريكا وفي اسبانيا ومقابلاتنا في السودان في امدرمان وكينيا وافريقيا . وبعد وجبة عشاء في مطعم رائع دلنا عليه الاخ كابو قال لي شيخ عبدالله فجأة. تتزكر ياشوقي الايطالي في زمبابوي.
قصة الايطالي صاحب المقهي الفاخر في زمبابوي ترك الزبائن وترك كل شيء وجلس معنا وصار يبكي وينتحب كالطفل. فما ان شاهدني و صلاح الامين من العرضة حتي تعرف علينا كسودانيين. واتي هاشا باشا وتحدث عن وطنه السابق السودان وروعة السودان قديما. وبالرغم مطالبة زوجته والحاح الزبائن كان يتجاهل الجميع ويواصل حديثه معنا.
الرجل كان يخطو نحو الثمانين وكان يعرف انها نهاية الرحلة. ولكن ما يؤلمه هو انه اجبر علي ان يترك اعظم بلد في الدنيا حسب فهمه, السودان . وكان يقول السودان كان اعظم من زمبابوي الان. وهذا قبل ما يقارب ربع قرن من الزمان. اي في الثمانينات وزمبابوي كانت رائعة ومتقدمة. وهراري تبدو كعروس وتزري بكثير من العواصم الاوربية. وكنت تري الناس نساء ورجالا يرتدون اجمل الثياب كانهم في طريقهم في حفل. والمدينة تعج بكل انواع المطاعم. وحتي في اثيوبيا لم اري مطعما اثيوبيا بتلك الروعة والنظافة كما في هراري وكانت مطاعم ايطالية وفرنسية. والمتاجر تعج بكل انواع البضائع وهي في متناول اغلب الناس.
الشوارع كانت نظيفة ومكنوسة والرصيف يخلو من اعقاب السجائر كما في الدول الافريقية الاخرى. والناس تقف في طابور منظم في انتظار البص او التكسي. وتشاهد طلبة المدارس الثانوية اناثا وذكورا في حالة جسمانية رائعة والجميع يرتدون ازياء جميلة كل مدرسة لها لونها الخاص ويحملون حقائب متشابهة علي ظهورهم . وعندما كنا نمر امام المدارس كنا نشاهد التلاميذ يلعبون التنس. وتبدو المدارس في حالة رائعة. ولم اشاهد ابدا شحاذا او شخصا في اثمال بالية كما في الدول الافريقية الاخري.
المكاتب كانت تعمل بفعالية رائعة. والموظفون في المطار في غاية التهذيب ولم يطلبوا بقشيشا او حاولوا ابتزازنا كما في كينيا او آلنقوي عاصمة ملاوي. واتذكر انني عندما تركت زمبابوي الي تنزانيا احسست انني انتقل من دولة متطورة الي احدي دول العالم الثالث والفرق كان عظيما. وحتي في المطاعم كان البيض يخدموننا بدون اي تأفف. واذكر بائع احذية اشقر كان يساعدنا في نزع البحذاء وتجربة حذاء آخر ويتعاملون معنا بمنتهي السهولة. والسوداني الذي كنا ضيوفه لم يكن يواجه اي مضايقات وهو متزوج من سيدة شقراء لها ثلاثة من الولاد ولهم حديقة عبارة عن فدانين من الارض وحوض سباحة وخدم.
وكان الجميع في انتظار زمبابوي التي ستسع الجميع . وان ايام ايان اثميث رئيس الوزراء العنصري قد انتهت وان البيض سيعيشوا في امن وامان. في السبعينات ارتبطت بفتاة من الشونة. وهم الاغلبية في زمبابوي وكان هذا في لندن . وعندما كانت تحكي لي عن روعة هراري والمعمار والمستوي المعيشي العالي بالمقارنة مع بقية دول افريقيا كنت اندهش. بل لقد كانت تسخر من غرفتها في هامستد في لندن وتقول ان هامستد قذرة بالمقارنة مع هراري. وانها لم تشاهد كثيرا من الصراصير في هراري كما شاهدت في لندن. وكنت احسب ان كلامها مبالغا فيه . ولكن حقيقة, زمبابوي كانت رائعة في الثمانينات. وكان كثير من الافارقة من دول الجوار يأتون لزمبابوي للعمل. وزمبابوي كانت تطعم اهلها وجيرانها.
والان لاتستطيع زمبابوي ان تطعم اهلها. وصارت طاردة مثل السودان الذي تركه صاحب المقهي الايطالي. فنظام نميري طرد كثير من السودانيين من اصول اوربية. الرجل الرائع زميل الدراسة السفير علي حمد ابراهيم قال انه قابل ابن كونت ميخالوس اليوناني ورجل الاحسان والبر وبكي الابن عندما قابل الاخ السفير علي حمد وقال.( كيف نميري يطردنا ويقول نحنا ما سودانيين . انا مولود في السروراب). وبعض السودانيين لا يعرفون السروراب. ومن ولد في السروراب لا يمكن ان يكون غير سوداني.
كما سلط الله علينا نميري من قبل والانقاذ الان وبوكاسا في افريقيا الوسطي وعيدي امين في يوغندا. سلط الله موقابي علي زمبابوي. ولم يضايق موقابي البيض فقط بل ضايق الافارقة الاخرين . فالماتابلي زولو هاجروا بعد حروب شاكا ملك الزولو والذي هزم الجيوش البريطانية في الاول ثم هزم في معركة بلدي ريفر الي الشمال من جنوب افريقيا . والحقيقة ان المتابلي كانوا متعطشين للدماء وقد فتكوا بالشونة اهل البلاد الاصليين. في كتاب الرحال البريطاني سيلوس صفحة 81 يقول الماتبلي زولو تحت قيادة زعيمهم امزيلي سيطروا علي بلاد ماشونة في كل الاتجاهات. والماشونة الذين لايعرفون فن القتال عاشوا في مجموعات صغيرة متفرقة في كل البلاد بدون سلطة مركزية. سقطوا ضحايا للغزاة . واختلطت كل مياه الانهر بدمائهم ووجد النسور والضباع وليمة في جثثهم التي انتشرت حول منازلهم المهدمة.
وفي صفحة 400 يتحدث عن الاله الاسد الذي تفوق سلطته سلطة الملك مندورو وهذا الاله يتحصل علي سلطته عن طريق الميراث وهو انسان ويعامل كاله وتقدم له القرابين ويسكن في مكان اسمه زمبابوي وتعني مكان الصلاة وتقديم القرابين . ولكن زمن غزو الماتابلي للشونة قد انتهي. والماتابلي زولو بزعامة المناضل جشوا انكومو هم الذين حاربوا البيض وقدموا الضحايا وتحملوا العبء الاكبر من الشهداء.
. وموقابي وقتها كان في السجن وتحصل علي ستة شهادات عليا. وان كان البعض يقول انها سبعة شهادات السابعة في قهر شعبه وتحطيم بلده. ولقد نجح نجاحا باهرا في زرع الفتنة وتأجيج الكراهية بين البيض والسود والسود والسود. علي عكس ما فعل مانديلا. واضطهد الاقليات الاخري.
ام ابنتي نفيسة لها صديقة اسمها ايفا وايفا كانت متزوجة لسننين طويلة بمن كنت احسبه استراليا. وكان يعاملني بمعقولية. ثم عرفت في ما بعد انه واثنين من اصدقاءه افارقة مثلي كما كانت تقول ايفا . فلقد ولدوا في زمبابوي ولكنهم اجبروا لتركها. وتركوا زكرياتهم واماكن لهوهم وزملاء دراستهم وتفرقوا في الدنيا. واحسست باكبار للرجل لانه لم يحسسني بأنني احد الافارقة الذين طردوه من وطنه.
لقد قال حسن الكد والد خالد الكد( ان الذين اشتركوا في عملية تحرير بلادهم وابلو بلاءا حسنا , لايعني هذا انهم سيكونوا حكاما جيدين )لان الحكم يختلف عن التحرير. وسيفسد الحكم الصورة الجميلة التي خلقها الشعب للزعيم المحرر.
اظن ان الايطالي صاحب المقهي قد انتقل الي جوارربه والا لكان عمره الآن يقارب المئة سنة. ومن الممكن انه قد اجبر مرة اخري علي ترك زمبابوي كما اجبر علي ترك السودان كسير الخاطر.
التفرقة العنصرية والكراهية هي نفس الشيء حتي اذا مورست بواسطة السود.
التحية
شوقي,,,
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة