بسم الله الرحمن الرحيم
مناوى- تيراب صراع الرئاسة والأمانة
ما أشبه الليلة بالبارحة
فى الآونة الاخيرة تفجرت صراعات حادة داخل حركة تحرير السودان الموقعة لإتفاق أبوجا ما بين رئيسها منى أركو مناوى وأمينها العام مصطفى محمد احمد تيراب .بدأ الصراع بعد قيام رئيس الحركة بتجميد نشاط الأمين العام وتعيين على حسين دوسه أمينا عاما ,وإحالة هذه القرارت لمجلس التحرير الثورى لإتخاذ ما يراه مناسبا. هذا المجلس يملك سلطات المؤتمر العام للحركة, فهو بمثابة الجهاز التشريعى والرقابى ومن سلطاته تعيين الأمين العام للحركة أو إعفائه . أما رئيس الحركة فهو ينتخب من المؤتمر العام , لكن مجلس التحرير الثورى يمكن ان يعفيه من منصبه بأغلبية الثلثين (عدد عضوية المجلس 70 عضو ).
وقبل الدخول فى تفاصيل صراع الليله مابين تيراب ومناوى لابد من النظر فى صراع البارحة داخل حركة تحرير السودان الذى دار بين رئيس الحركة آنذاك عبد الواحد محمد احمد النور والأمين العام منى أركو مناوى. وهو الصراع الذى نتج عنه إنقسام الحركة بعد مؤتمر حسكنيته الذى إنتخب فيه مناوى رئيسا للحركة وأصبح هناك حركتين بدلا عن حركة واحدة .
صراع البارحة أسبابه كثيرة لا يتسع المجال لحصرها , لكننى سوف أركز على بعض أسباب ذلك الصراع لأنها تقود إلى فهم مسببات الصراع الحالى ,فأول أسباب الصراع هو شخصية مناوى التى تميل الى التسلط والدكتاتورية ومحاولة جعل كل أوراق اللعب بيده وكذلك طموحه بأن يكون هو الرئيس وليس عبد الواحد , ولتحقيق ذلك عقد مؤتمرا بمنطقة قارسلبا بالقرب من كرنوى وكان ذلك فى شهر سبتمبر 2003 وهو المؤتمر الذى لم يحضره عبد الواحد رئيس الحركة لمعرفته نوايا ومخططات مناوى , إلا ان أحلام ومخططات مناوى تحطمت فى صخرة القائد العام آنذاك الشهيد عبد الله ابكر بشير القائد الشجاع صاحب الشخصية القوية الذى رفض تغيير قيادة الحركة لأنه بنظرته الثاقبة كان يعرف ان طموحات مناوى واحلامه من الممكن ان تؤدى لإنقسام الحركة على اسس قبلية ولم يكن لمناوى بد إلا أن يرضخ لذلك مع شخصية القائد عبد الله القوية والذى لولا وفاته لما حدثت تلك الإنقسامات ولا وجد بعض الجبناء الفرصة (للطلوع للناس فوق رؤؤسهم) .
ثانى اسباب صراع عبد الواحد – مناوى هو حول ادارة العمل السياسى من تفاوض وزيارات خارجية وخلافه. فكل منهما كان يرى انه هوالاحق بذلك. وحتى عندما بدأ التفاوض فى ابشى وانجمينا وابوجا كان كل منهما يرسل وفدا للتفاوض باسم الحركة الشئ الذى جعل الوسطاء يبذلون جهدا كبيرا لتوحيد الوفدين فى وفد واحد. واستمر ذلك حتى جولة التفاوض السادسة فى ابوجا . اما بعد مؤتمر حسكنيتة وقع الانقسام واصبح حقيقة واصبح دور الوسطاء هو تنسيق المواقف بين الوفدين
ثالث اسباب الصراع كان بعد استشهاد القائد عبدالله ابكر حول من الذى يعين القائد الجديد. فلم يكن هنالك دستور او نظام اساسي يوضح مثل هذه الاشياء, اويوضح ما يجب اتباعه او عمله. فكان القادة الميدانيون يرون ان يكون لهم الحق فى اختيار القائد العام. الا ان منى اركو مناوى الامين العام للحركة فى ذلك الوقت راى ان الفرصة قد واتته لاختيار قائد عام ضعيف يسيره كيفما اراد بعد المعاناة التى عاناها من وجود القائد عبدالله ابكر قوى الشخصية. وبالفعل أعلن عن اختياره جمعة محمد حقار قائدا عاما للجيش متجاهلا وجود نائب للقائد عبد الله ابكر هو القائد بخيت عبد الكريم ( دبجو ) . ولم يرض رئيس الحركة فى ذلك الوقت – عبد الواحد – بما فعله امينه العام مناوى. واعلن عن قائد عام هو القائد قدورة. واصبح للجيش قائدان. وشهدت هذه الفترة فوضى عارمة . جمعة حقار يصدر بيانا يعزل فيه عبد الواحد ويرد عليه قدورة بآخر يعزل فيه مناوى . واستمر ذلك التناطح حتى انعقاد مؤتمر حسكنيتة الذى قصم ظهر جيش تحرير السودان, واصبح الانقسام معلنا بعد ان كان مستترا واصبح هنالك جناح عبد الواحد وجناح منى
كل ما ذكر اعلاه هو قليل من كثير فى صراع البارحة بين عبد الواحد ومناوى , ما بين الرئيس والامين العام وهى فى اعتقادى خلفية مهمة لفهم بعض اسباب الصراع الدائر حاليا ما بين الرئيس مناوى والامين تيراب.
بعد اشتداد حدة الخلاف بين عبد الواحد ومناوى فكر بعض عقلاء حركة جيش تحرير السودان فى عقد مؤتمر من اجل وضع دستور او نظام اساسى للحركة يمكن الرجوع اليه عند حدوث اى خلاف. وبالفعل تم عقد المؤتمر فى منطقة حسكنيتة الشهيرة. تم فيه وضع نظام اساسى لتنظيم عمل الحركة. الا ان عبد الواحد محمد احمد النور رئيس الحركة قاطع ذلك المؤتمر ولم يحضر جلساته وطالب بضمانات لحياته حتى يحضر. ثم اكتفى بارسال وفد برئاسة القائد احمد عبد الشافع والقائد نصر الدين الذين طالبا بتاجيل المؤتمر لمزيد من التشاور والتحضير. وقوبل الطلب بالرفض وتم طردهما منه، وفى طريق عودتهما الى جبل مرة انقلبت السيارة التى كانت تقلهما ومات القائد نصر الدين فى ذلك الحادث وهنالك شكوك بان ذلك الحادث تم بفعل فاعل. وهو ما اكد لعبد الواحد ان شكوكه وهواجسه كانت فى محلها تماما.
وكيفما كان الامرتم فى المؤتمر انتخاب منى اركو مناوى رئيسا وانتخب د. الريح محمود نائبا له. اما الامين العام فتقرر ان يتم اختياره من جانب عضوية مجلس التحريرالثورى. فتم اختيار مصطفى محمد احمد تيراب امينا عاما بالاجماع. ومجلس التحرير الثورى كما ذكرت سابقا يملك صلاحيات المؤتمر العام ويقوم بالدور التشريعى والرقابى . وله الحق فى تعيين او اعفاء الامين العام . بل حتى اعفاء رئيس ابحركة باغلبية الثلثين اذا راى ذلك.
المهم فى الامر, انتهى المؤتمر. ورغم حزننا على ان الانقسام فى الحركة اصبح امراواقعا, كانت سعادتنا باننا نجحنا فى وضع مؤسسة تحصن الحركة من الخلافات مستقبلا. وكان لنا امل بان تندمل الجراح وتتوحد الحركة فى يوم من الايام.
لكن السؤال الذى يتبادر الى الاذهان هو كيف وقع الخلاف بين الرئيس مناوى والامين العام تيراب بالرغم مما خرج به مؤتمر حسكنيتة.
الاجابة على هذا السؤال بكا بساطة هو ان اسباب الخلافات السابقة والحالية هو منى اركو مناوى رئيس الحركة. فهو رجل يتسم بالديكتاتورية وعدم احترام المؤسسات. وكنا قد تفاجأنا فى الجلسة الختامية لمؤتمر حسكنيتة بتعيينه ابراهيم احمد ابراهيم امينا للعلاقات الخارجية رغم ان النظام الذى وضع ولمايجف حبره بعد ينص على ان الأمين العام هو المخول بترشيح الاشخاص للمنصب وللرئيس حق الموافقة. فرجل ينتهك النظام فى نفس يوم وضعه ماذا نتوقع منه مستقبلا؟
ونحن الان نقر ونعترف بان اكبر خطأ ارتكبناه كان عقد مؤتمر حسكنيتة. فمناوى بعد ان حقق هدفه وصار رئيسا للحركة , قام بتعطيل كل المؤسسات التى قامت فى ذلك اليوم. فمجلس التحرير الثورى بح صوت قائده عيسى بحر الدين من كثرة مطالبته بتوفير الامكانيات المادية لعقد المجلس حتى يقوم بدوره المناط به. الا ان مناوى ادار وجهه لكل ذلك.
سبب اخر للخلاف بين مناوى وتيراب هو الجهل السياسي الذى يتميز به مناوى. فهو حتى لم يتعلم فى جامعات السودان حتى يتعلم ولو القليل من اركان نقاشها. ولم يسبق ان انضم حتى الى لحزب سياسى يتعلم منه ابجديات السياسة. واول تجربة سياسية مر بها هى تجربته فى حركة تحرير السودان. اى يمكننا ان نقول انه تعلم السياسة بطريقة (الحلاقة فى رؤوس الايتام)-ايتام حركة تحرير السودان.
بعد نهاية مؤتمر حسكنيتة كان هنالك جولة للمفاوضات فى ابوجا وهى الجولة السابعة التى وقع فيها مناوى اتفاق سلام دارفور، وحتى لايحدث خلاف بين مناوى وتيراب تم اختيار الوفد المفاوض فى اجتماع ضم رئيس الحركة ونائبه والامين العام والقادة العسكريين . ولم يذهب تيراب فى ذلك الوفد لانه كان فى نيته تنظيم عمل الحركة السياسى فى الداخل والخارج . الا ان مناوى كان يضع العقبات امامه. وتحمل تيراب كثيرا وصبر لحرصه على وحدة الحركة من انقسام جديد.
سبب آخر من أسباب الصراع انه عندما كان يدور الحوار لإختيار الأشخاص الذين يجب تعيينهم فى المناصب المخصصة للحركة حسب اتفاق ابوجا كان رأى مناوى ألا يتم تعيين تيراب فى منصب وانما يتفرغ لعمل الأمانة العامة وهى دعوة حق أريد بها باطل , لأن مناوى يريد المناصب لأقاربه ورغم ذلك كان رأى تيراب انه ليس لديه مانع لكن بشرط ان تملأ كل المناصب بدءً من منصب كبير مساعدى الرئيس من ابناء دارفور من خارج الحركة لأن هذه المناصب مخصصه لأبناء دارفور وإن أتت بها حركة تحرير السودان وبالتأكيد رفض هذا المقترح لأن هناك من أتى الحركة من أجل المناصب والمال.
سبب آخر من أسباب الصراع ان الأمين العام للحركة مصطفى تيراب بحكم موقعه _ أن يقابل ويجتمع بنظرائه من الأحزاب الأخرى ومن ضمنها حزب المؤتمر الوطنى _ لكن ذلك عند مناوى خيانة للحركة وبيع للنفس لأن مناوى لا زال حتى الآن يتعامل مع المؤتمر الوطنى بعقلية الميدان ايام القتال ويريد ان يتم كل شئ معه فقط . حتى زياراته الخارجية التى قام بها يذهب هو ومن يثق بهم أما نائبه وأمينه العام يعرفون بتلك الزيارات من الصحف ولا حتى مجرد التنوير لا يتم لهم .
هذا قليل من كثير وهنالك كثير من الأسباب كان يمكن ذكرها لكنى لا أريد أن أنشر غسيل حركة تحرير السودان الوسخ على الملأ وأحب أن أوضح فى الختام بأنى لست من عبدة الأشخاص فتيراب أيضا له أخطاؤه التى ارتكبها لكن الخطأ الأكبر كان هو الذى ارتكبه مناوى بخرقه وانتهاكه لدستور الحركة بتجميد نشاط تيراب وهذا يجعل أخطاء تيراب لا تذكر .
وكذلك خطأ مناوى بتعيين على حسين دوسه أحد افراد قبيلته كأمين عام جعل البعض يقول بأن قبيلة الزغاوة تريد ان تسيطر على كل شئ , لكنى أقول بأنى احترم قبيلة الزغاوة وأقدرها وليس لها دور فيما يحدث لكنها أخطاء مناوى .
وختاما أقول ان القلب ليحزن والعين لتدمع لما وصل اليه الحال فى حركة جيش تحرير السودان فقد سيطر الإنتهازيون وطلاب المناصب والمال على كل شئ أما أخوانى وأبنائى الجنود فى الميدان وكذلك الأهل فى معسكرات النزوح واللجوء فأقول لهم كان الله فى عونكم . اما اخوتى شهداء الحركة الذين هم خير منا جميعا فادعو لهم بالمغفرة وليتنا كنا معهم ولا نرى مايحدث الآن من بيع للقضية التى ناضلوا من أجلها حتى الموت . ولا نامت أعين الجبناء والإنتهازيين . وأعد القراء بمواصلة الكتابة عن من هو سبب فشل اتفاق ابوجا وعما يدور فى سلطة مناوى الإنتقالية.
عادل محجوب حسين (طيارة)
عضو مجلس التحرير الثورى
قائد شئون الضباط بالحركة.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة