جهاز المغتربين.. الهرّة التي أكلت صغارها
هاشم بانقا الريح*
[email protected]
اسمه الرسمي "جهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج"، و لا أدري إن كان قد أخذ من مسمّاه الرسمي نصيب أم لا؟ فالاسم يوحي أنه الجهة المنوط بها تنظيم و ترتيب شئون أهل الاغتراب، و بكل ما تحمله كلمة تنظيم من معانٍ في اللغة و في سياق الفهم العام، فهل يا ترى فعل الجهاز ذلك؟
يُشير واقع أحاديث العاملين بالخارج و الكتابات في الصحف و مواقع الإنترنت، أن العاملين بالخارج لا يُحسنون الظن بجهازهم، بل يحمّلونه مسئولية عدم التصدي الجاد لحل الكثير من المشاكل و الصعاب التي ظلت تواجههم. و يتضح سوء الظن هذا عند رؤية أي من العاملين بالخارج و هو يَهمُّ بالدخول لمبنى الجهاز في الخرطوم، وجه عابس مكفهّر و توجس و قلق عما يمكن أن يلاقيه بالداخل، هل تسير أموره بصورة سلسة؟ هل تكفي المبالغ التي معه لسداد المطالبات التي تبدأ من شراء استمارة التأشيرة عند مدخل المبنى؟ هل سيتفهّم موظف الخدمات و الزكاة و غيرها من المستحقات، ظروفه؟ هل لا يلح الموظف على مطالبته بجميع الالتزامات المؤجّلة و لا يعطيه درساً في الوطنية و لا يكرر له عبارة : "إذا ما عندكم قروش مسافرين تعملوا شنو؟". هل يحصل على تأشيرة "خروج من وطنه" في وقت قياسي حتى يتفرغ لهموم الإجازة الأخرى من مشاوير و واجبات اجتماعية أو حتى يتمكن من السفر لقريته أو مدينته خارج العاصمة؟ هل ، و هل ، و هل.. كلها تساؤلات مقلقة يحملها معه "المغترب" في إجازته مهما تعددت إجازاته في العام الواحد و مهما قصُرت مدة هذه الإجازة!!
أعرف أن معظم العاملين بالخارج و لظروف الإجازات، على استعداد لدفع الرسوم المقررة عليهم وزيادة عليها مقابل أن يجدوا معاملة طيبة و تسهيلات و خدمات لا تؤرّقهم، بل تقدر ظروفهم و ظروف إجازاتهم و أوقات بعضهم و التي لا تحتمل المزيد من الإضاعة في أورقة مبنى جهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج.
و قد بلغ سوء ظن العاملين بالخارج بجهازهم مبلغاً أن طالبت مجموعة منهم قبل فترة بحله، و فات عليهم، ربما في غمرة سوء الظن هذا و ضيقهم الكبير بما وصل إليه حالهم، أن الجهاز جهة حكومية تتبع لمجلس الوزراء و هم لم ينتخبوا أمينه العام و لا رؤساء إداراته المختلفة، بل لم يُستشاروا في آلية تكوينه و مهامه.. فتأمّل!!
نعم جهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج جهة حكومية و يعتريها ما يعتري الجهات الحكومية من سلبيات و بيروقراطية في ما يتعلّق بآليات التخطيط و اتخاذ القرار. لكن هذا لا يعفي الجهاز من القيام بدوره كاملاً غير منقوص، ما دام يطلب من العاملين بالخارج، بل و يطالبهم، الوفاء بالتزاماتهم المالية المفروضة عليهم وربط بعض الخدمات التي يقدمها بمدى الوفاء بهذه الالتزامات.
لقد مضى وقت ليس بالقصير منذ تأسيس الجهاز، و لذا فقد آن الأوان لمراجعة و تحديث و تعديل و تطوير لوائحه و آليات عمله لتواكب المستجدات الكثيرة و المعقدة التي حدثت في بلاد الاغتراب و تلك المتعلقة بالمغتربين أنفسهم. و لقد آن الأوان أيضاً أن يتفاعل القائمون على الجهاز مع قضايا و مشاكل العاملين بالخارج، و أن تكون العلاقة بين الطرفين مبنية على الشراكة الإيجابية خدمة للطرفين و للوطن.
في ظني أن العاملين بالخارج يحلمون أن يجدوا جهاز تنظيم شئونهم دوماً بجانبهم يشد من أزرهم و يعاضدهم و يتقاسم معهم همومهم. ربما يرى البعض أن هذا حلم مثالي لا أساس لها على أرض الواقع، و هو يبدو كذلك، لكن ما دام مسئولي الجهاز يقولون أنهم مهتمون بشئون و شجون العاملين بالخارج، فدعونا نذكّرهم بذلك و نطلب منهم ذلك.
و ليس بعيداً عن هذا الحلم ما أكّده الدكتور كرار التهامي، الأمين العام لجهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج، في حفل استقبال أقامه الجهاز مؤخراً في الخرطوم للطالبات المقبولات في الجامعات السودانية. أكّد الأمين العام في الحفل المشار إليه اهتمام الدولة بأبناء السودانيين العاملين بالخارج وربطهم بالوطن. و في ذات الحفل أكّد الأمين العام لجهاز تنظيم شئون السودانيين بالخارج تبنّي مقترح يوصي بأن يقوم الجهاز بتكوين آلية لمتابعة الطالبات و الاهتمام بمشاكلهن من خلال استمارة لرصد مشاكلهن الأكاديمية و النفسية و المادية و تعزيز اندماجهن في المجتمع.
لقد أصابت العاملون بالخارج التخمة من التصريحات و التوصيات التي ظلت تُطلق بمناسبة و بدون مناسبة و تؤكّد جميعها على الاهتمام بهذه الفئة و تقديم كل سبل الدعم لها. لكن هل وجدت التصريحات و التوصيات طريقها للتطبيق أم أنها ظلّت تراوح مكانها تزيد من حالة سوء ظن العاملين بالخارج بجهازهم و تحيلهم إلى حالة من اليأس و القنوط أخشى أن لا تفلح معها أي محاولات مستقبلية للعلاج، إذا كنا متفائلين و توقعنا مثل هذه المحاولات.
* مترجم و كاتب صحفي يعمل بالمملكة العربية السعودية
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة