د. حسن بشير محمد نور- الخرطوم
مرتبات من ؟
الحديث الذي يدور الان حول زيادة المرتبات في الموازنة العامة المدرجة للاجازة هو حديث يهمل العديد من الجوانب الاقتصادية المهمة. اولا عن أي مرتبات يتم الحديث؟ المقصود بالطبع هي مرتبات العاملين بالحكومة الاتحادية؟ اذا افترضنا ان تلك المرتبات تحتاج الي التصحيح بحكم الارتفاع الكبير في مستويات الاسعار فهل تلك الزيادة ستحل مشكلة ام ستخلق مشاكل اضافية؟ الا تحتاج مرتبات العاملين في الولايات و القطاع الخاص للتصحيح؟ اذن فان مسألة الاجور تحتاج لاصلاح شامل يرتبط بكفاية المرتبات و الاجور و تصحيحها بشكل مرن يستجيب للتغير في مستويات الاسعار، كما يشمل ذلك الاجور المعاشية و حقوق ما بعد الخدمة و التأمين الاجتماعي الي اخر الاستحقاقات الخاصة بالعمل. هنالك حقيقة مهمة و هي ان معظم العاملين بالدولة لا يعتمدون في معاشهم علي المرتبات و انما اصبحت هنالك عشرات الطرق و الاساليب المشروعة و غير المشروعة للكسب من خارج المرتبات كما ان هنالك احتمال ان لا تدفع الحكومة أي زيادات تقوم بتحديدها عبر الموازنة العامة. اذن فان المرتبات و الاجور عند اصلاحها تزيد عن طريق العلاوات السنوية و الترقي في العمل و ترصد تلك الميزانيات بشكل مبرمج سنويا في الموازنة العامة و يتم توزيعها عبر بنود معتمدة علي المؤسسات و الهيئات و الادارات الحكومية عبر تبويب و هيكلة الموازنة العامة. اهم من ذلك كله يجب ان تشتمل الموازنة العامة علي فرص جديدة للعمل علي المستوي الاتحادي و هذا اجدي و انفع لتقليله من حدة البطالة و تغذية الخدمة العامة بالعاملين الجدد و بتوسيع فرص الكسب و الدخول و لكن ذلك لم يحدث و يتكلم الناس عن زيادة المرتبات.
من ناحية ثانية هنالك الاثار المحتملة لزيادة مرتبات العاملين بالحكومة الاتحادية و من اولها الاستجابة الفورية للاسعار لتلك الزيادة كما ظل يحدث باستمرار في السودان. أي زيادة في الاجور تصحبها زيادة في الاسعار تلتهم تلك الزيادة فورا و تتخطاها ، و من الاجدي هنا تثبيت الاسعار و زيادة الصرف علي الخدمات العامة كالتعليم و الصحة لتدعم الاجور و المرتبات مع المحافظة علي توازن الاسعار . الاثر الاخر هو انعكاس زيادة المرتبات سلبا علي اصحاب الدخول المحدودة الذين لا يعتمدون في كسبهم علي عنصر الدخل من الدولة مثل المزارعين و الحرفيين و اصحاب الاعمال الصغيرة. هنا تؤدي زيادة المرتبات المتسببة في ارتفاع الاسعار الي زيادة تكلفة اعمالهم و تقليص دخولهم الحقيقية و تفرض عليهم اعباء اضافية تضاف لعبء الضرائب و الرسوم المفروضة عليهم اما بشكل مباشر علي دخولهم و اما بشكل غير مباشر عبر الضرائب المضمنة في اسعار السلع و الخدمات.
من كل ذلك نخرج بضرورة النظرة الاقتصادية الشاملة للموازنة العامة بدلا عن بعدها المالي او المصلحي او الفئوي ، اذ الموازنة العامة هي برنامج العمل الرئيس للحكومة و تعكس توجهها و فلسفتها السياسية و الاجتماعية لذلك لكل حكومة خياراتها و توجهها مما يستدعي العمل علي تحسين الاداء الشامل للموازنة العامة و الخروج بها كموازنة لحكومة الوحدة الوطنية . هذا بالطبع اذا كفي ما تبقي من زمن لذلك الاحتمال.
Dr.Hassan.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة