تاملات في الشان السوداني
جمال عنقرة
حول زيارة الرئيس مبارك للسودان
أعجب للذين زعموا أن زيارة الرئيس المصري محمد حسني مبارك للسودان جاءت رداً علي ما أنجزته ليبيا في التوفيق بين الخرطوم وأنجمينا وتوج بعودة البعثات الدلوماسية للعاصمتين،وكذلك الزعم بأنها محاولة لتحقيق انجاز يسبق ما يتوقع ان تحققه قطر بعد أن دنت المبادرة التي تقودها من آفاق النجاح المحتملة بعد لقائها أكثر فرقاء قضية دارفور تباعداً ووصولها معهم إلي مناطق وسطي.
فالذين زعموا ذلك وحاولوا الترويج له لا يعرفون الرئيس مبارك ولا يعرفون دولته مصر ام الدنيا وكنانة العرب، ولا يعرفون عمق العلاقات السودانية المصرية. فلا الرئيس مبارك ولا بلاده بهذه السطحية. وما بين مصر والسودان يجعل كل دولة تفرح بكل خير يصيب الأخري أنى كان مصدر هذا الخير. ثم أن كل الذي يجري في السودان مصر ليست بعيدة منه. ومصر هي الأكثر معرفة بالسودان وقضاياه، وهي كذلك الأكثر حرصاً علي حلحلة كل قضايا وطننا الشائكة ومشكلاته. ليس لأنها تتأثر بكل ما يجري في أرضنا فحسب، ولكن مصر مع السودان كالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي.
فزيارة الرئيس المصري للسودان جاءت تحمل دلالات عديدة. وأهم دلالة حملتها هى معني الزيارة ومغزاها. ففي الوقت الذي يتداعي فيه الجميع علي السودان كما تتداعي الأكلة علي قصعتها جاء الرئيس المصري إلي السودان ليؤكد عملياً تضامن بلده مع شقيق الجنوب، وليبرهن أنه لن يتخلي أبداً عن السودان. فزيارته مثل رمية الحقيبة القديمة التي تقول (الزول الصديق بي اسمه ماهو صديقك لكن الصديق الشاركك في ضيقك .... في كل الصعاب تلقاهو ديمة رفيقك والناس تتوهم تقول ده أخوك شقيقك) وأي شقيقين أقرب لبعضهما من مصر والسودان؟
فمعركة السودان الأكبر مع المحكمة الجنائية الدولية كانت مصر أول وأقوي من وقف معه فيها. ولقد أعددت مع الزميلة ست البنات حسن كتاباً توثيقياً عن هذا الموقف أسميناهة (مصر ومعركة السودان الدولية) رصدنا فيه كل أشكال المناهضة المصرية لقرارات محكمة الجنايات الدولية ابتداء من التصريح الأول للرئيس حسني مبارك في العاصمة الفرنسية وحتى آخر لحظة. وتأتي هذه الزيارة لتأكيد هذا التضامن، مع الموقف المصري الثابت الداعي لاكمال التسوية السلمية لقضية دارفور وكل قضايا السودان الخلافية.
ولقد أكدت الزيارة كذلك علي الجهد المصري لجعل خيار الوحدة خياراً جاذباً. ولعل الناس يذكرون عندما حدث الخلاف بين شريكى نيفاشا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وسحبت الحركة وزراءها في الحكومة الاتحادية كانت مصر أول من سارع وسعي لاصلاح ذات البين حتي لا يكون التباعد خصماً علي فرصة الوحدة المرجوة. وزيارة الرئيس هذه لجوبا من بعد الخرطوم تأتي في هذا الاتجاه الذي تسير فيه مصر. وهي لم تكتف بالقول فقط ولكنها تتبع القول العمل لجعل خيار الوحدة خياراً جاذباً من خلال ما تقدمه من دعم سخي للتنمية والخدمات في الجنوب لتؤكد به وقوفها مع السودان كله. وقد يأتى الجنوب علي رأس أولويات مصرية كثيرة، لما لقضاياه من أولوية. فهو احوج إلي التنمية والتعمير. ولم تقف مصر عن رفد هذا الجانب بخبراتها وامكاناتها منذ توقيع اتفاق السلام الشامل في العاصمة الكينية نيروبي فمصر بدأت منذ الأيام الأولي لتوقيع اتفاقية السلام بتقديم خدمات طبية مميزة للجنوب، وهو كان في حاجة لها. ثم شرعت في المساعدة في دعم البنيات الساسية للتنمية في جنوب السودان. وتأتي محطات الكهرباء الأربعة التي قدمتها الحكومة المصرية للجنوب علي رأس هذه الدعومات التنموية. ولقد توجت هذه الزيارة بتفعيل مشروع جامعة الاسكندرية في حاضرة الجنوب جوبا. ومعلوم الدعم الذي تقدمه مصر للتعليم في جنوب السودان. وهذا عهده سابق لاتفاقية نيفاشا للسلام بين الجنوب والشمال.
ولم تقف جهود الرئيس مبارك وحكومته ودولته عن دعم سلام دارفور من خلال التقريب بين الحكومة ومعارضيها المسلحين من حركات دارفور المسلحة. وبذات القدر الذي تتواصل فيه مصر مع الحكومة تتواصل أيضاً مع الحركات المسلحة بلا استثناء وتدعوها لقبول الحوار. ولم تخل زيارة الرئيس مبارك هذه عن دعم لهذا الحوار. ولعله كان من أجندة الرئيس مبارك المتقدمة.
جريدة الأخبار المصرية الثلاثاء 18/11/2008م
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة