بإمكان مصر صون السلام وإنقاذ وحدة البلاد !؟
الأربعاء 12/11/2008 م آدم خاطر
العلاقات والأواصر الأخوية التي تربط السودان بمصر تبدأ بالتاريخ والمصير المشترك لشعبي وادي النيل في شماله وجنوبه منذ قرون ضاربة في القدم . ولا تنتهي عند الجغرافية والطبيعة التي يغذيها هذا الشريان فحسب ، وهو الممتد بالخير العميم والرفاه الذي لم يبلغ غايته بأسباب وقطيعة واهية لا تستند إلى موروث مستبصر . ولا تقف عند الأمن القومي للبلدين ومطلوباته في الالتحام والتلاقي على نقاط ارتكاز وأرضية صلبة لما تواجهه المنطقة من ظروف وتحديات تمهد لإضعافها وفنائها عبر أساليب القرصنة والابتزاز الامبريالي الصهيوني ، تحتاج لتضافر وتعاون نوعى يتجاوز الهموم العارضة مهما كان الاختلاف والتباين في وجهات النظر وتقدير المصالح الآنية . ونقاط الالتقاء مع الشقية مصر حتمية ولا تقبل التجزئة والإرجاء بعيدا عن العواطف والمنقصات ، والعواصف السياسية العاتية تشتد من داخل مصر بسياسة شد الأطراف من الداخل ، وأحن السودان ومصائبه لا تنتهي وهو يدخل إلى مراحل حساسة بفعل الهيمنة الدولية والاستهداف العالمي . والخيارات أمامه تدفعه للمواجهة وكتابة تاريخ رجولي وملاحم يحتاج فيها لعضد الأشقاء في مصر ومساندتهم لان الحريق يراد له أن يلتهم المنطقة بكاملها . شراك عديدة نصبت للإيقاع بين بلدينا والفصام الأبدي بينهما أدت إلى ما كان من قطيعة وعداء وجفوة كادت أن تذهب بركائز العلاقة إلى نقطة اللا عودة لولا لطف الله وحكمة القادة . وقد تابعنا كيف تجاوزت مصر والسودان ما كان بينهما من خلاف وسوء تفاهم وانتظمت علاقات البلدين على نحو مؤسس وضابط تحرسه اللجان الوزارية عالية المستوى والزيارات الرفيعة ، واتصلت الوفود الرسمية والفنية والشعبية والحزبية والبرلمانية ، وانتقلت دواليب العمل إلى ما يدفع بعلاقات الشقيقين نحو تجسيد ما توافروا عليه من اتفاقيات وعهود لأجل الأماني الحلم من تكامل ووحدة لا ينبغي أن تكون على الشعارات واللافتات والاحتفالات والمهرجانات دون أن تترجم إلى واقع ملموس ظل ينشده شعب الوادي في أناشيده ( ضمنا الوادي فقل لا عاش من يفصلنا ) . وعلى الرغم من هذه الخطى الحثيثة إلا أن المطلوب لتأمين استقرار وأمن ورفاه وتنمية هذه العلاقة ما يزال عرضة للمهددات والمطامع التي تدركها مصر وخبرها السودان في حروبه ونزاعاته المستمرة لم توقفها اتفاقيات السلام ومساعيه الثبورة حيالها .
يضيف إلى أهمية التواصل مع الشقيقة مصر هذه الزيارة التاريخية والخاصة لرئيسها مبارك للخرطوم وجوبا على قصر مدتها ليوم واحد في العاشر من نوفمبر 2008 م والتي تعتبر ثالث زيارة له للبلاد والأولى من نوعها لجنوب السودان لرئيس مصري منذ العام 1962 . وكيف ما كانت الأهداف والنوايا التي رمت إليها الزيارة من قبل مصر وما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعالمية حيالها تظل خطوة متقدمة ومطلوبة في سياق اطراد الهواجس والمخاوف التي تحيط ببلدينا . فمصر دولة لها مكانتها في محيطنا والعالم بأسره ورئيسها يمثل رمزية لدلالات وتقاطعات في السياسة الدولية لا يمكنها أن تتجاوزه ودولته في أي تفاعل يمضى أو إبرام وتعزيز ما هو قائم من تشكلات . فبقدر حاجة مصر إلى مبتغاها من وراء هذه الرحلة للسودان وما تريده من تطمينات لمخاوفها كانت من البشير وحزبه وبرامجهم المستقبلية التي يتوخى أن تراعى مصر ومكانتها ومصالحها التي هي أسس العالم في التعاطي دعك عن علاقات أزلية كالتي تربط السودان ومصر . فان السودان كذلك في حاجة لأن يرى جهدا مغايرا وعملا ملموسا لمصر وانخراطا موجبا بمالها وإنسانها وأفكارها ومواردها بحجمها وقدرتها على العمل ، في قضاياه التي دعيت لها أطراف أخرى لم تكن بالقرب و الأهمية والأولوية التي عليها علاقات البلدين . ليس مستغربا أن يكشف الأشقاء عن ما يعتملهم من هموم ومهددات أو ما يؤرقهم من سياسات من هذا الطرف أو ذاك حتى تستقيم علاقات البلدين على هدى ووضوح لا يقبل الشك . فالسلام الذي وقعه السودان مع الحركة الشعبية لامس الخطوط الحمراء لمصر والتي قبلته كخيار قدره أهل السودان وطرفي النزاع طالما حقن دماءهم وأسدل صفحة سوداء من تاريخهم ، ولكنه بالمقابل فتح أرض الجنوب برغبة حكامها في الحركة الشعبية لوجود أجنبي كثيف غير معلن ضم إسرائيل ومخابراتها ، وحشد جيوشا جرارة من تشكيلات المخابرات الأمريكية ولم يستثن وكالات الغوث الأجنبية المتعددة وما تحتضنه من وصاية وأجندات للدول الغربية والمشاريع التي تستهدف أمن البلدين والمنطقة في ظل الاستراتيجيات المرسومة سلفا . مشاريع كثيرة أبرمت وأخرى يجرى تنفيذها في الجنوب تقوم على الري والزراعة وغيرها يوشك أن تكون خصما على أمننا الغذائي والرعوي من واقع الجهات التي تقف عليها والتي عرفت بمعاداتها لاستقرارنا وأمننا وهذا ما يبعث القلق . مصر بوسعها ووضعيتها لدى رموز الحركة الشعبية وتواصلها معهم ودعمها المشهود لهم عبر مشاريعها المختلفة وبشهودها على وثيقة السلام الشامل وحرصها عليه تستطيع أن تصونه وتدفع به إلى غاياته المرجوة . مصر الشقيقة هي المؤتمنة في أن تمضى بين إخوتنا في الجنوب وتحييد الغلاة من دعاة الانفصال وتجييرهم لصالح وحدة البلاد التي هي من وحدة مصر وأمنها . مصر التي يعرفها أهل السودان يتطلعون أن تكون جزءا أصيلا من الوحدة الجاذبة التي يرومونها ، فتعززها مصر بالمشاريع الكبيرة والوجود الفاعل فهي الأولى بحراثة الأرض واستصلاحها وجني ثمارها بالإخاء الذي يجمعنا . وهى الأقدر على البذل والعطاء كأرض للكنانة ومهد للحضارة بمركزها الذي يسع الإقليم والعالم في تقريب الشقة وردم الهوة وإغلاق شرور الأعداء وكشف مستورهم !.
مصر التي ينتظرها أهل السودان هي من تؤمن مخاوفهم وتعوضهم عن سنوات الغفلة والتدابر ، وهى من رعت أنظمتنا المعارضة على اختلافها وتباينها ما سمحت لنفسها أن ينطلق على بلادنا السلاح من أراضيها أو تصيب أرض السودان ويلات التمرد من خراب ودمار ، فأرست بذلك أدبا في الجوار والوشائج سبقت به يمكنها من أن تقود الحملة لإطفاء الحرائق والأزمات والفتن التي تلفها دول الاستكبار على عنق أمتنا . مصر بقبولها الدولي ونفوذها الاقليمى قادرة على دحر مخطط المحكمة الجنائية ولفه على رقبة من أرادوا بالبشير وإخوته ومن خلفهم مصر هذا الامتهان للكرامة والسيادة والرموز الوطنية . مصر التي نتطلع نريد أن يتجاوز دورها في إنهاء أزمة دارفور مجرد الحوار والتوسط وهى مؤهلة له وقادرة عليه إلى العمل السياسي والتنموي وبالرجال والسلاح إن لزم الأمر لأن المعركة أكبر من أن تكون بين الدولة ومواطنيها . مصر برصيدها صادقة في ودها وعدائها تدرك متى تفصل بين المصالح والثوابت وعارضات الدهر لا تخلط الأوراق ولا تتنكب الطريق كما فعل بنا بعض جوارنا ممن أسندنا إليهم بعض شأننا عن ثقة وتقدير. مصر التي نتطلع هي مفتاح الحل لتراضى يعيد ماضي هذه العلاقة ويرتب أولوياتها باستدعاء اتفاقيات الدفاع المشترك وصون الآمن والحدود وسلامة الجوار وبلادنا تنزف دما من أطرافها وأمن مصر يتهدد بتداعياته والفتن في متوالية لا تعرف الفتور أو الانقطاع . الرئيس المصري هو أحد رموز وأعلام أمتنا لا نقبل أن يكون دوره مهرجاني وعارض والشراكة التي نرجوها تعقد عليه الآمال العراض بما توافر له من كسب و خبرة ودراية بكل ما يراد بنا وبأمتنا . حكمة مبارك ورؤيته بإمكانها أن توقف الشرور والرياح العاتيات لأن السودان لم يعرف في تاريخه هذه القرارات الأممية الجائرة إلا من واقع الفتنة التي أصابت علاقته بمصر . مصر الحاكمة والدولة موجودة في كل تنظيماتنا وقوانا السياسية بعلائقها الممتدة ورجاءاتها وخاطرها الذي لا يرد . وهنالك من يعتب على تأخر الخطى من مصر باتجاهنا في سياق أخوى شفوق ينبغي أن لا يردنا على التعويل على هذه الزيارة كإحدى الحلقات المفقودة والتي وان جاءت متأخرة إلا أنها في زمانها ومكانها ونتائجها لن تخيب إن صدقت النوايا والتقت الإرادات . وليدرك الآخر أن مصر ستدفع ثمن هذا التقارب الذي يقف آخرين ضده ويعملوا لأجل التباعد والعداء والعزلة ولكن نظرة مبارك الثاقبة ستتجاوز هذه الأصوات وعندها سيعرف أهل السودان الإخاء الحقيقي لمصر وهى تسعى للتعاطي والتجاوب مع إشكالاتنا وتركيبتها المعقدة بغية إيجاد الحلول ورصف الطريق على ما به من صعاب . هذا السلام الذي يهدد يحتاج لثقل مصر وقوتها وسندها لأشقائها ومكانتها في هذا السبيل لا يسدها غير مبارك ومقامه بين أهلنا . وهذه الوحدة المهددة بدعاوى ومخاوف لبعض أبناء جلدتنا من صنع الأجنبي ، ليست أصيلة في واقعنا يلزمها دور مصري محوري نرجو أن تكون قد خاطبته زيارة مبارك وأوجدت له من الحلول والتطمينات ما يجعلنا نثق في تحقيقها بعد يأس كاد أن يسيطر على غالبية العقول والأفئدة ! . لتكن هذه الزيارة بما أحاطت من موضوعات وما قطعت من عهود ومواثيق أخوية أضحت هي مفتاح الخيرات بين بلدينا وشعبينا على مصراعيه وما ذلك على مصر ببعيد .
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة