حكايات قرية المصباح .. والدكتور عبدالمنعم عبدالباقى...
Email: [email protected]
د. عباس محمد السراج
طبيب نفسى ببريطانيا
من ضمن الكتب المعروضة فى معرض الكتاب الدولى بالخرطوم هذه الايام ، رواية الدكتور عبدالمنم عبدالباقى ، والتى صدرت بعنوان ( حكايات قرية المصباح ) . و ( تستلقى قرية المصباح على جنبها بدلال بين حاشيتى النيل الأزرق وشريط الأسفلت بى يهدهدها مجرى ويوقظها اخر ، كعجوز متصابية ادركتا السنين ترجو طالب متعة ، أوسطها مترهل وضامر طرفاها ، ثديها منهدل وكرشها منبسط وعجزها منبعج ، توسط رأسها دوح الغاب ، وتاج ضفائر الماء خمار ووشاح وحلتها حجر المسيد وقبة الشيخ المصباح....) كما وصفها عبدالمنعم عبدالباقى .
وعبدالمنعم عبدالباقى درس الطب ، وتخصص فى الأمراض النفسية والعقلية ، وتدرج فى وظيفته حتى اصبح استشاريا ، بالمستشفى الذى يعمل به ببريطانيا . وهو ليس من الاطباء النفسيين العاديين ، بل نبغ فى علمه وتخصصه ، وعرف عنه غزارة العلم ، وسعة الاضطلاع ، ووفرة المعرفة ، وهو يتميز بصفاء عجيب فى التفكير ، ونظرة ثاقبة للأمور ، وعمق متفرد فى فهم النفس البشرية ، حتى اذا ما حدثك عنها ألفيت نفسك تستمع الى لسان ذرب، وفصاحة متناهية ، وفهم يـأسر العقول والأفهام .
ولقد زاملت أخانا عبدالمنعم منذ أيام الدراسة ، وجمعتنا بريطانيا فى مجال العمل . وما أعرفه عنه أنه رجل مطبوع ومجبول على حب الأدب ، والثقافة والمعرفة . فهو أديب مصقول . يكتب الشعر منذ نعومة اظافره . وشعره شعر جميل ومنقح وسلس . وكثيرا ما كنت أعيب عليه بخله فى النشر ، فلعل كراهيته لعالم الأضواء والنجوم كان الدافع الأكبر وراء بعده عن نشر ما يكتب . وهو ايضا رجل فنان ومتفنن . يتذوق الفن بكل صنوفه والوانه . وله صوت رائع ، فاذا رتل القران ، تمنيت ألأ يصمت ، واذا ما ترنم وغنى استولى عليك الطرب ، فيأخذك بحلاوة صوته وحسن ادائه الى عوالم اخرى ، تجد نفسك تهتز شوقا وطربا ، ذاكرا قول ابى حامد الغزالى ( من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره ، فهو فاسد المزاج ليس له علاج ) .
والان ، فاجأنا عبدالمنعم بهذا الجزء الآول من روايته ( حكايات قرية المصباح ) وهى حكايات ، بدأت بهذه الحكاية المنشورة فى هذه الاصدارة والتى جاءت بعنوان ( الزهو ) وسوف تلحقها حكايات اخر .
وفى هذه الرواية وما سيلحقها من روايات نجد الكاتب قد نسج شخصوها بحسه الفنى ، وحبك تفاصيلها بعلمه الواسع فى علوم النفس ، ومعرفته العميقة بعلم اهل التصوف ، فجاءت لامّة لجوامع العلوم النفسية والصوفية والفلسفية ، كل ذلك بلغة عربية فصيحة ، وسليمة . وبيان لغوى أخّاذ ، وبلاغة رائعة جمعت بين علم الفصاحة والبيان ، ولهجة اهل السودان ، وبطريقة خلط فيها بين الأصالة والمعاصرة ، وبين القديم والحديث ، وبين العلم والادب . حتى أنك تحار وانت تتطالع فى الرواية ، هل انت أمام اديب جاحظى بعث من جديد ، أم امام عالم نفسى متميز، أم أمام فيلسوف له نظرته ورواه .
والرواية فى نظرى جاءت مشتملة على كل ذلك ، لأن مؤلفها يملك كل تلك المهارات ، وصاحب كل تلك الأدوات ، فهو نسيج وحده . ولأنه يملك كل تلك الأدوات ما كان غريبا علينا ان نرى الأستاذ محمد مبروك محمد يتعجب ويتساءل ويقول :
( من هو دكتور عبدالمنعم عبدالباقى ؟
هل هو قروى من أهل السودان أم مدنها ؟
وهل تلقى تعليمه بمدارس السودان ثم عرج على دار العلوم فى القاهرة ودرس بها اللغة العربية والأدب العربى وعرج على جامعة روما واكسفورد ودرس اللغات المقارنة أم أنه طبيب تخصص فى الطب النفسى ؟
الاجابة فى هذه الحكايات ., ) .
ولعله لنفس هذا السبب قال عنه الكتور عبداللطيف البونى ( الأكثر ادهاشا فى الرواية هو التفجيرات اللغوية التى قام بها المؤلف . لقد استخدم دارجية عربية عفا عليها الزمن ولكن وضّفها فى النص توظيفا موفقا جاذبا ) .
ان عبدالمنعم عبدالباقى بشاعريته الاصيلة يوظف الشعر توظيفا جيدا فى متن الرواية وبطريقة اضفت عليها بعدا جديدا من النادر أن تجده عند الروائيين . فحينما تغنى البنات مثلا ( لخالد عباس ) أحد ابطال الرواية ، ويقلن :
خالد عباس
يا سيد الناس
ما متنا خلاس
رد الاحساس
ودونى العنبر
لى دكتور بعشر
القمحى السكر ..... الخ
فانك تشاهد الصورة أمامك بكل تفاصيلها التى اغنت الكاتب عن الاشارة اليها ....
وحينما يختار أن يكتب شعرا عربيا فصيحا ، على لسان أحد ابطال روايته ، ترى بوضوح اكبر مدى شاعرية هذا الكاتب المتمكن الفحل ، فتعيش مع كلماته الرقيقه ، وانت تحس بالعاطفة الصوفية فى صياغتها ، وتشم نكهة اهل الله فى حروفها ... خذ مثلا قوله :
أحبك فوق انفاس الوجود ونفسى ..
ادسك من عيون الناس فى جلدى وحسى
فتمسى حين نصبح ونصبح حين نمسى ...
هذا ، وقد ألحق فى اخر الكتاب فهرست لمعانى الكلمات الدارجة والمحلية التى استعملها مما يعتبر اضافة جيدة ، وجديدة ، تساعد القارىء على فهم ما أشكل عليه من كلمات .
وتقع الرواية فى 198 صفحة من الحجم المتوسط ، وفى طبعة انيقة وجميلة . وهى صادرة عن ( دار مدارك للنشر بالخرطوم ) .
ان رواية ( حكايات قرية المصباح ) للدكتور عبدالمنعم عبدالباقى رواية جديرة بالقراءة وأهل للأشادة والتقريظ .
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة