|
|
Last Updated: Jul 11th, 2011 - 15:37:55 |
حمادة ـ إغتصاب طفولة : الصادق حمدين
استفزت هذه الحادثة كثيرا من الأخوة الكتاب، حيث قوبلت باستهجان واسع في أوساطهم، لأن العقوبة التي نالها الجاني لا تتناسب وجسامة الفعل الذي ارتكبه، ولا تحقق الغرض من الردع العام، الذي ينظر إليه ويضعه كل مشرع نصب عينيه وذلك حرصا منه لعدم تكرار مثل هذه الأفعال التي توصف بأنها الأخطر، والتي تتخطي آثارها المجني عليه، لتصيب المجتمع كله بحالة من عدم الاستقرار، وانعدام الثقة، وتكريس قانون الغاب الذي يتجلي في أعلي درجات العنف الجسدي، ليتخطاه لتحطيم إرادة المجني عليه ليعيش مع عار يكون ملازما له لن تمحه الأيام، لأن جريمة الاغتصاب تُعتبر من أخطر الجرائم، بل أكثرها وحشية وانتهاكا لخصوصية الإنسان. وجريمة الاغتصاب قديمة قدم المجتمعات نفسها، وإن إتخذت أشكالا مختلفة كان في الغالب محورها المرأة، واتخذت هذه الجريمة أنماطا وأشكالا اختلفت باختلاف العصور، وما يُعتبر فعلا مسموحا به اجتماعيا في عصر ما، يُعًرف في عصرنا الراهن بأنه جريمة إغتصاب، وتجلي ذلك قديما بعلاقات الزواج، حيث كانت المرأة تؤخذ عنوة ويتم الزواج بها مكرهة، وفي مجتمعات أخري كانت تُقدم إلي الكاهن، أو الحاكم لفض بكارتها أو ما يُعرف بحق الليلة الأولي، وشهد العصر الحديث إرتكاب جرائم الاغتصاب كسلاح تدميري في الحروب، لكسر إرادة الشعوب وقهرها، كما حدث في الحروب التي دارت بين الصرب والبوسنة، وفي حروب الهندوس ضد المسلمين، والمسلمين ضد المسيحيين في نيجيريا، وجرائم الاغتصاب التي كان مسرحها إقليم دارفور مؤخرا.!!!!
أطفالنا أكبادنا تمشي علي الأرض، هذا إحساس غريزي يحسه كل أب وكل وأم، وعندما يكون هذا الإحساس معرضا لخطر الإنتهاك، ومهددا بأبشع الجرائم واخطرها، كجرائم الاغتصاب، والتي أخذت مؤخرا في التزايد بوتائر متصاعدة، أصبحت تشكل خطرا علي الإستقرار الأسري نفسه، وناقوس خطر بات يهدد الثقة ويهزها في مجتمع متماسك كانت لوقت قريب هي رأس ماله الذي كان يفاخر به غيره من الأمم، فالمجتمع السوداني عرف الأسر الممتدة منذ القدم، فكان حتى أبن المنطقة أو الحي السكني يشمله ذلك التعريف، والدفاع عن الشرف والعرض كان تضامنيا، فكان كل فرد من المجموعة المعينة يعتبر هذا واجبه والتقاعس عن القيام به يُعتبر عار اجتماعي ربما لازم الفرد ما تبقي من عمره، ولكن الشرخ الإجتماعي الكبير الذي أحدثته واقعة إغتصاب وقتل الطفلة مرام، والتي ما زالت ذكري تلك الواقعة الأليمة تدمي القلوب وتزيد أحزاننا حزنا علي حزن عليها، وربما صارت تلك الجريمة حدث لا يمكن نسيانه أبدا، وإن تطاولت عليه الأزمان، فهنا تكمن خطورة جريمة الاغتصاب، فآثارها لا تقتصر علي المجني عليه وأسرته فحسب، بل تتخطاها لتشمل المجتمع بأثره.!!!
جريمة الاغتصاب المؤسفة التي حدثت مؤخرا بحق الطفل محمد أو حمادة البالغ من العمر عشرة سنوات لا تأتي خطورتها بأن مرتكبها كان رجل ملتحي، أو ظاهر التدين، أو لم يكن مسبل رداءا، أو لم يكن يصافح النساء، وحتى لو ارتكب هذه الجريمة النكراء سكير، عربيد، فاسق، فإن ذلك لا يغير من وصف هذه الجريمة، حيث لا تعتبر الصفات الأولي ظرفا مشددا للعقوبة ولا الصفات الأخيرة ظرفا مخففا لها، فالقانون دائما يأتي مجردا يفصل بين الفكر والسلوك المجرًم، ولكن من يتخذ الدين هاديا لسلوكه، ومنهاجا يتمثله في حياته اليومية، وخاصة إذا كان معلما له فإن، المحافظة علي قيم الفضيلة التي يدعوا لها هذا الدين تكون عبئا إضافيا عليه لتعصمه وتحصنه من الوقوع في مزالق الشهوات الدنيئة ووازعا رادعا له بقوانين وشرائع الدين نفسه. ولكن تأتي خطورة هذه الجريمة بأن مرتكبها مؤتمنا وذو ولاية علي الطفل المجني عليه الأمر الذي عرض قيمة الأمانة نفسها لخطر الاهتزاز وانعدام الثقة، ففي كل القوانين والشرائع يعتبر من يرتكب جريمة بحق من كان تحت ولايته أو كان ذا تأثير معنوي عليه كالمعلم، والطبيب، ورب العمل، فإن العقوبة في هذه الحالة تكون مشددة حتى لا تنهار الثقة في المجتمع، وبما أن المدان في هذه الحالة يعتبر مؤتمنا علي المجني عليه وتحت ولايته فإن إصدار مثل هذه العقوبة المخففة في حقه لابد وأن تكون محل استغراب وتساؤل واستهجان من الجميع.!!!
فالوقائع في هذه الجريمة كما تناقلتها الأوساط الصحفية بأن هناك طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره قد تعرض لجريمة إغتصاب، في إحدى حمامات السباحة، بواسطة معلمه، وتم عرض المجني عليه للطبيب، وجاء التقرير مثبتا للواقعة باعتبارها جريمة اغتصاب كامل، أي لم تكن الجريمة المرتكبة هتك عرض، أو اعتداء جسدي لم يصل مرحلة الاغتصاب الكامل، وأشارت أصابع الاتهام إلي معلمه، وقدم للمحاكمة، ووجدته محكمة الموضوع مذنبا، وحكمت عليه بهذه العقوبة المخففة، والتي لا ترقي لمستوي لو قام بضرب المجني عليه علي خده دون سبب، وفي غياب يومية التحري وملف الدعوي، فإننا نعتبر أن ما تناقلته الصحافة قد جاء متفقا مع ملف الدعوى، وإلا لماذا أدانته محكمة الموضوع؟!!! وبأي نص جريمة تمت إدانته؟!! وهل هناك شك ساور المحكمة في نسبة جريمة الاغتصاب إلي المدان؟!! وإذا كان الأمر كذلك فالقانون يلزم المحكمة بأن تطلق سراح المدان فورا، أم إن المحكمة قد رأت وبما لها من سلطة تقديرية منحه لها قانون الإثبات إن شهادة الطفل غير كافية في إدانة المتهم بهذه الجريمة البشعة وأدانته بغيرها.؟!! إن تعريف الاغتصاب بحسب نص المادة 149 ـ 1 هي من يواقع شخصا زنا أو لواطا دون رضاه ولا تعتد المادة 149 بالرضا إذا كان الجاني ذا قوامة أو سلطة علي المجني عليه، وبحسب نص هذه المادة والوقائع التي تمثلت في التقرير الطبي، وجاءت شهادة المجني عليه معضدة له، كان من الطبيعي والعادل أن تنزل محكمة الموضوع العقوبة القصوي علي المتهم لتوفر ظروف التشديد في هذه الحالة، وخاصة إذا علمنا من دفاع المدان عن نفسه إنه أفاد في أقواله بأن المجني عليه كان راضيا، الرضي في هذه الحالة لا يعتد به كدفع مخفف للعقوبة، بل قد يُعتبر مغيرا لوصف الجريمة، لتصبح جريمة الإغواء كما جاءت بنص المادة 156 وعقوبتها في هذه الحالة قد تصل إلي سبعة سنوات سجن، كما قال المدان في معرض دفاعه، بأن الشيطان قد تمكن منه وأغواه، مسكين هذا الشيطان كل الفظائع والموبقات ترتكب بإسمه وتحريضه، ويبدو فعلا أن للشيطان مأساة، طوال حياة هذا المدان ظل يستعذ من الشيطان ويلعنه سرا وعلنا، وفي لحظة ضعفه الإنساني يرتكب بإسمه جريمة نكراء حتى الشيطان نفسه يعف عن ارتكابها، ويا له من دفاع بائس من ظن أن الشيطان ذلك الكائن المخلوق من نور يمكنه تحمل أوزار شيطان الإنس المخلوق من طين.!!!!
[email protected]
|
© Copyright by SudaneseOnline.com
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة
الأخبار و الاراء المنشورة لا تعبر بالضرورة
عن رأي الموقع