مادة الأدب الإنجليزي لن تُحسّن مستوى الطلاب
هاشم بانقا الريح
[email protected]
سآتي لهم بها من الآخر و كفى.. سأقول لهم إن إدخال مادة الأدب الإنجليزي لن يحسّن من مستوى الطلاب في مادة اللغة الإنجليزية.. إذا ظن القوم أن التوجه الحالي و الخطوات المزمع القيام بها لتنفيذ قرار تدريس مادة الأدب الإنجليزي ابتداءً من العام المقبل، سيرفع من مستوى الطلاب في مادة اللغة الإنجليزية، إذا ظنوا ذلك – و هذا مما يبدو من واقع التصريحات التي رشحت – فليسمحوا لي أن أخالفهم فيما ذهبوا إليه، و أقول لهم" "إن جهودكم في هذا الشأن و بهذه الطريقة و الإستراتيجية التي تخططون لتطبيقها مصيرها الفشل و هي مضيعة للجهد و المال."
عفواً أيها القارئ العزيز إذا أخذتك هكذا دون مقدمات، لكن ربما تجد لي العذر إذا علمت بحالي بعد أن قرأت ما قرأت من سعي مجموعة من الخبراء و المسئولين في التعليم، لإدخال تدريس مادة الأدب الإنجليزي في المدارس و ربما جعلها إجبارية و ذلك – و العهدة عليهم – يهدف إلى رفع مستوى الطلاب في لغة الخواجات.
و قد ورد في هذا الصدد أن وزارة التربية و التعليم بولاية الخرطوم قد تسلمت في وقت سابق من هذا الشهر كتب مادة الأدب الإنجليزي من شركة "ماكملان للنشر" توطئة لتنفيذ القرار الخاص بتدريس المادة ابتداءً من العام الدراسي المقبل. وفي ذات السياق طالب الخبراء ومسئولو المحليات بولاية الخرطوم في اجتماع عقدوه مؤخراً بأن تكون مادة الأدب الإنجليزي إجبارية كما طالبوا بزيادة عدد حصص المادة من (4) إلى (8) حصص. و يقضي التوجه أن يتم تعميم التجربة في بقية ولايات السودان بعد تنفيذها في ولاية الخرطوم.
لا أدري إلى متى يستمر الإصرار على معالجة مشاكلنا "بالقطاّعي". فالجميع – خبراء و غير خبراء- يعلمون أن تعليمنا كله يحتاج إلى معالجة، و أن التردي و الضعف الذي حدث في مستويات خريجي طلاب الجامعات في السنوات الأخيرة ما هو إلا نتيجة حتمية لتردي أوضاع التعليم في مرحلتي الأساس و الثانوي. هاتان المرحلتان أصبحتا "تفرّخان" طلاب بمستويات متدنية و تدفع بهم لمؤسسات التعليم العالي، و أصبحت الأخيرة ، أي مؤسسات التعليم العالي، حسب اعتراف الدكتور بيتر أدوك نيابا، وزير التعليم العالي- تخرّج طلاب بدرجات قليلة الفائدة و مشكوك في قيمتها الأكاديمية.
لو كنا نسمع أو نعقل لكانت كلمات السيد الوزير في مؤتمره الصحفي، الذي عقده في أكتوبر المنصرم، حديث الشارع و لعقد البرلمان جلسة طارئة استدعى فيها جيش المسئولين في وزارة التعليم العالي و لطالب، و على وجه السرعة، بوضع خطة إسعافية عاجلة لمعالجة الوضع، لأنه لا حاجة لتكوين لجان و لجان تنبثق منها لجان مادام الأمر واضح لكل شخص حتى للشخص العادي الذي لا علاقة له بالتعليم و خططه و استراتيجياته.
الكل يكتب و يجأر بالشكوى من ضعف مخرجات التعليم، و لكن لا أحد يفعل شيئاً. و ليسمح لي القارئ العزيز أن أذكّره ببعض الإحصائيات عن حال مؤسسات تعليمنا العالي. هذه الإحصائيات أوردها الدكتور أحمد أبوشوك، في مقال له نُشر مؤخراً بعنوان (التعليم العالي في السودان: الثورة و الواقع). يشير الدكتور أبوشوك إلى تراجع تصنيف الجامعات السودانية ضمن الجامعات الأفريقية و العربية و العالمية. ففي التصنيف الخاص بالجامعات الأفريقية كانت جامعة الخرطوم في المرتبة (41)، تليها – على مستوى السودان- جامعة السودان للعلوم و التكنولوجيا في المرتبة (57). أما على مستوى الجامعات العربية فكان تصنيف جامعة الخرطوم في المرتبة(51) و جامعة السودان للعلوم و التكنولوجيا في المرتبة (68). و رأفة بك عزيزي القارئ لن أسير على هذا المنوال و أورد وضع جامعاتنا على مستوى تصنيف الجامعات العالمية، لكنني سأشير فقط إلى أن التقرير المشار إليه ، و الخاص بتصنيف جامعات العالم، ظل منذ العام 2004م، يصدر مرتين في العام في شهري يناير و يوليو و يمكن الرجوع إليه في الموقع http://www.webometrics.info
لديّ كامل القناعة، مثلما قد يكون للكثيرين مثلي، أن حال تعليمنا واضح و لا نحتاج للرجوع لتقرير و تصنيفات من مؤسسات عالمية لكي نتبيّن و نتيقّن من مواطن الضعف و الخلل. لكن قصدت من إيراد هذه المعلومات، و إن اختلفت مع الجهة في آلية التصنيف و طرقه- التأكيد على أنه عندما كانت مؤسسات تعليمنا العالي تتبوأ مراكز متقدمة على قوائم التصنيفات الإقليمية و العالمية، لم نكن نعاني من ضعف و تردي في مستويات الطلاب الذين يتم قبولهم بهذه المؤسسات، فقد كان خريجو المدارس الثانوية الذين يتأهلون للدراسة في الجامعات و المعاهد العليا من ذوي المستويات الجيدة في معظم – إن لم يكن – كل المواد الدراسية، و تأهلوا على يد معلمين مؤهلين و مدربين، فأين نحن الآن من كل هذا؟
و عوداً على بدء فإذا ما أردنا إصلاح حال التردي الذي أصاب اللغة الإنجليزية في مدارسنا – و هو تردٍ أصاب كل مخرجات التعليم و ليس اللغة الإنجليزية فقط و أنظروا إلى حال اللغة العربية_ أقول إذا أردنا أن نصلح هذا الشأن فعلينا البدء في إصلاح حال التعليم ككل و النظر بإستراتيجية شاملة و متكاملة تضع النقاط على الحروف و توفر الموارد اللازمة و النية الصادقة لمعالجة الوضع. أما أن نعتقد أن مجرد إدخال مادة الأدب الإنجليزي و التعاون مع مؤسسات عالمية لإعداد المادة و التدريب عليها، هو الذي سينقلنا من حالة التردي الحالية، فهذا نوع من الوهم و محاولة يائسة لمعالجة جزئية و إصرار ليس فقط على دفن الرؤوس في الرمال و لكن دفن الجهود و المال العام معها أيضاً.
* مترجم و كاتب صحفي يعمل بالمملكة العربية السعودية
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة