زفرات حرى
الطيب مصطفى
متى تُزال حبال غسيل »الكهرباء« من عاصمتنا؟!
خبر صغير لكنه كبير ومفرح كشف عنه وزير الطاقة والتعدين الزبير أحمد الحسن بقوله إن عام ١١٠٢م سيشهد خفض كلفة الكهرباء إلى النصف وفصل مدير الهيئة القومية للكهرباء المهندس مكاوي محمد عوض ما أجمله الوزير بقوله إن كلفة الكهرباء ستصبح »٠١« قروش للكيلو واط وتحدث عن الخطة ربع القرنية لهيئته.
إنه خبرٌ كبير بالنظر إلى تداعياته على مُجمل الأوضاع الاقتصادية بل على التنمية الاقتصادية والاجتماعية سواء على الاقتصاد الوطني أو على الأحوال المعيشية للمواطنين وبالقطع فإن أهمية الخبر لا تكمن في تخفيض سعر الكهرباء فحسب وإنما في أن الكهرباء ستكون متاحة وسنخرج من حالة »مباصرة النُّدرة« التي لا نزال نعاني منها على مستوى الأفراد أو على مستوى النشاط الاقتصادي بما فيه التنمية الصناعية التي ذاقت الأمرَّين من قلة التوليد الكهربائي خلال العقود الماضية.
لم أدهش أن يكون عنوان الورشة التي عُقدت بشأن التخطيط للطاقة الكهربائية هو (الكهرباء رأس الرمح في الإستراتيجية ربع القرنية) . نعم إنها رأس الرمح لأن تدني التوليد الكهربائي والأسعار الحالية للكهرباء تعتبر من أكبر معوِّقات الاستثمار في البلاد كما أن الأسعار الحالية للكهرباء تعتبر من أكثر عوامل تشويه موازنة الأسرة وإلا فبربكم خبِّروني كم يمثل الاستهلاك الكهربائي في موازنة الأسرة السودانية سواء الميسورة الحال أو محدودة الدخل هذا إذا تناسينا »الإظلام« في البيت السوداني جراء ارتفاع سعر الكهرباء.. كم يمثل استهلاك الأسرة في السودان مقارنة بالاستهلاك في الدول المجاورة مثل مصر؟!
يتحدث الناس عن أن مستوى دخل الفرد أو قل الحد الأدنى للأجور في السودان أعلى منه في مصر لكنهم ينسون الفرق في مستوى الأسعار خاصة الكهرباء بين كل من الدولتين وتأثيرها على كلفة المعيشة.
أصدق ـ بعد تجربة عملية ـ من أخبرني أن ما يصرفه على الكهرباء شهرياً في السودان يستطيع أن يعيش به شهراً كاملاً في القاهرة شاملاً الصرف على الكهرباء شبه المجانية في مصر!!
الفرق يكمن في التوليد المائي المتمثل في السد العالي في مصر مقارنًا بالتوليد الحراري الذي نعتمد عليه كثيرًا في السودان حتى اليوم ولكن مع دخول كهرباء مروي وتعلية خزان الروصيرص فإن الأمر سيختلف كثيراً كما أن المضي في مشروع الطاقة النووية سيكون له أثرٌ كبير وهذا ما يدعوني إلى القول إن تخفيض الكهرباء إلى النصف ليس كافياً البتة لإزالة التشوُّه الذي يُحدثه الاستهلاك الكهربائي على موازنة الأسرة السودانية.
لا ينكر إلا مكابر ما قام به المهندس مكاوي ومعاونوه من جهدٍ كبير في سبيل زيادة التوليد الكهربائي الحراري لتلبية الطلب المتزايد بشكل مدهش على الكهرباء خاصة مع تمدد العاصمة القومية أفقياً على حساب كل مدن السودان وولاياته الأخرى وتضخُّمها بالأحياء الراقية ذات الاستهلاك العالي في الكهرباء.
لقد تحدَّث مكاوي عن أبرز ملامح الخطة ربع القرنية وافتقدتُ أمراً أراه مهماً للغاية بل لعله هو الذي دفعني لكتابة هذا المقال ألا وهو هذه الأعمدة »القبيحة« وهذه الأسلاك »المنشورة« كحبال الغسيل في سماء العاصمة القومية فما من عاصمة في الدنيا تنطفيء كهرباؤها لمجرد هطول بضع قطرات من الأمطار أو لمجرد هبوب رياح أو هواء مهما كان ضعيفاً وذلك خوفًا من حدوث »شورت« جراء ارتطام الأسلاك الكهربائية بعضها ببعض ولا يعلم أحدٌ إلى متى نستمر على هذا الحال خاصة ونحن لا نسمع أو نقرأ عن أية خطة لتغيير هذه المشاهد غير الحضارية بكوابل أرضية تخلِّصُنا من هذه القطوعات العشوائية.
أعلم أنه أمرٌ مكلف يستدعي تضافر عدة جهات لكن هيئة مكاوي هي المسئول الأول عن ستر عورة أعمدتها المنتشرة في كل مكان ويتعين عليها أن تضع خطة متدرجة حتى ولو كانت عشرية لحل هذه المشكلة وهذا المظهر غير الحضاري وليت الأمر يشمل تمرير الغاز من خلال الشبكة الأرضية والصرف الصحي.
الاتصالات والحيطة القصيرة
شعرتُ بحزن شديد أن عجز الموازنة المترتب على انخفاض أسعار البترول وزيادة العرض على حل بعض المشكلات السياسية مثل أزمة دارفور.. إن ذلك العجز يُسدُّ بزيادة الضريبة على قطاع الاتصالات.. تلك الحيطة القصيرة التي يعتبرها صُنَّاع القرار الأيسر والأسهل لامتطائها كلَّما ألمت بهم جائحة!
بالرغم من تقديري للظروف التي اقتضت اتخاذ القرار إلا أني كنت أتمنى أن يدرس المسؤولون تبعات هذا القرار ويُلموا بكل آثاره وتداعياته من مختصين فلو علموا لربما أحجموا عن المساس بهذا القطاع الذي أراه مكبَّلاً بقيود كثيرة ليس هذا مجال الغوص فيها والتطرُّق إليها.
إن الاتصالات باتت تُعرف منذ زمن ليس بالقصير بأنها قاطرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولذلك فإن أيَّ قرار بفرض ضرائب على الاتصالات يمثل تعويقاً للقاطرة من أن تنطلق ولا أجد ما أستطيع أن أشرح به آثار القرار أفضل من هذه العبارة التي جمعت فأوعت ويمكن للإنسان أن يتخيل عدد ونوعية »المتاريس« التي يضعها مثل هذا القرار على عجلة القاطرة.
العجيب في الأمر أنه في نفس اليوم الذي صدرت فيه معلومات عن الموازنة تحدث المهندس مبارك محمد أحمد مدير المركز القومي للمعلومات التابع لمجلس الوزراء والذي تشرفت في وقت سابق برئاسة مجلس إدارته.. تحدث عن مشروع الحكومة الإلكترونية التي قال إنها ستنطلق في ديسمبر القادم ولكنه لم يتحدث عن الآثار السالبة لقرار زيادة الضريبة على الاتصالات على مشروع الحكومة الإلكترونية وعلى تطور قطاع الاتصالات وتقانة المعلومات بصورة عامة.
كذلك تحدث مبارك عن »التغلغل« أو الكثافة الهاتفية في السودان اليوم والتي قال إنها بلغت تسعة ملايين هاتف متحرك ومليوناً ونصف مليون هاتف ثابت لكنه لم يتحدث عن أثر القرار الأخير على الحد من الكثافة الهاتفية التي تعتبر من أهم عوامل تحديد مركز الدول تقدماً أو تخلفاً أو أثر القرار حتى على إيرادات الدولة التي ستنخفض تلقائياً جراء أية زيادة في الضرائب يتبعها انخفاض في الاستهلاك.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة