غربا باتجاه الشرق
مفكرة القاهرة ( 1 )
المهندسين – 9 نوفمبر:
أصبحنا وأصبح الملك لله. اليوم يوم الراحة والاستجمام العالمي، وقد عزمت أن أقضيه مستلقيا علي ظهري ومنبطحا علي بطني فوق سطح هذا السرير العريض الوهيط في دار ابن الباز . تعبت من وعثاء التسفار بين قارات ثلاث ، كما تعبت من قلة النوم، ومن الكرم الذي أغدقه علىّ اغداقا أحباب وأصدقاء في هولندا وأبي ظبى. أنتويت أن أواصل القراءة خلال ساعات الاعتكاف في حزمة الأوراق الضخمة المسماة "حوارية لاهاى"، والتي برّني بها الاعلامي المثقف الاستاذ أحمد محيسى قبيل مغادرتي أبي ظبى. تضم الحزمة السميكة بين دفتيها نحواً من مائة وخمسين ألف كلمة، وهي عبارة عن مساجلات- شارك فيها أحمد نفسه – بين الدكتور حيدر ابراهيم علي والفنان التشكيلي والناقد الدكتور عبدالله بولا، وكنت قد سمعت عنها ولم اطلع عليها. ولكنني سرعان ماتوصلت الي قناعة مؤداها أن الابحار فى لجج هذه الحوارية ربما يتناقض مع فكرة "الراحة والاستجمام"، اذ بعد أن اكملت المقال الثالث من أصل ثلاثة عشر مقالا للدكتور بولا شعرت بحمى وسخونة شديدة في الدماغ. تركت حزمة الأوراق جانباً. مالى أنا ومال بولا وحيدر وخلافاتهما الفكرية والشخصية ؟!
اتجهت الي كومة كبيرة من الصحف المصرية. أخترت من بينها الصحف الصادرة غداة اعلان نتائج الانتخابات الامريكية. بدأت بمقال أسامه سرايا رئيس تحرير (الأهرام ) أكبر الصحف في منطقة الشرق الأوسط. قرأت فقرتين او ثلاث فاذا بى أجد نفسي في قبضة مشاعر هي مزيج من الدهشة وخيبة الأمل والصدمة. لم أصدق أنني أقرأ لرئيس تحرير صحيفة تعد من منابر الريادة والقيادة ويفترض أنها تحمل مشاعل الوعي السياسي والاشعاع الثقافي في (الوطن العربي) كله. أول ما لفت نظري فداحة الاخطاء الموضوعية والمعلومات المغلوطة. اقرأ مثلاً قوله: ( إنني من المتابعين لباراك اوباما منذ انتخابه للكونغرس كأول سناتور افريقي ) . والمعلومة بطبيعة الحال لا أساس لها من الصحة, فأوباما لم يكن أول افريقي يصبح سيناتوراً، المفارقة أنه أحدثهم علي الاطلاق فعمره في مجلس الشيوخ لم يتعد ثلاث سنوات فقط لا غير، بينما هناك أمريكيون أفارقة عديدون دخلوا الكونغرس بمجلسيه - الشيوخ والنواب – قبل حوالى أربعين عاما, اى عندما كان اوباما تلميذا في الابتدائية!
ثم يكتب رئيس التحرير عن حوار مستفيض, حول ترشيح اوباما واحتمالات فوزه, جرى فى وقت سابق بينه وبين شخص يسميه: ( الكاتب الامريكي من أصل عربي وصاحب مؤسسة استطلاعات الرأي الشهيرة جيمس زغبي ) ، وقد انتهي الحوار - بحسب رئيس التحرير – برهان من جانبه بأن اوباما لن يفوز, ثم يسلم بأنه خسر الرهان لصالح محاوره جيمس زغبى. عظيم. والآن خذ هذه منى: فى الولايات المتحدة شخصيتان تحملان نفس الاسم, الاولى جيمس زغبي والثانية جون زغبى. الأول يجوز ان يطلق عليه صفة ( كاتب) وهو اكاديمى امريكى من أصل عربى ويرأس المعهد العربي الأمريكى بواشنطون . ولكن جيمس زغبى هذا لاعلاقة له من قريب أو بعيد بمؤسسة استطلاعات الرأي الشهيرة التى يشير اليها صاحبنا. بيد أن الشخصية الاكثر لمعانا هي جون زغبى الخبير المتخصص في استطلاعات الرأي وهو "الرئيس التنفيذي لمؤسسة زغبي الدولية لاستطلاعات الرأي". وأغلب الظن أن رئيس التحرير المسكين التقى احدى هاتين الشخصيتين دون أن يعرف حقيقة خلفيته وطبيعة نشاطه, أو انه ربما قابل احدهما ثم قرأ في مطبوعة ما عن الشخص الآخر فظن انه هو نفس الشخص الذي قابله وحاوره وراهنه. أو انه لم يلتق بأى من الشخصيتين, ولكنه " نجر" الموضوع نجراً, كما يجرى المصطلح فى اللغة الباطنيه للصحافه السودانية، وان كنت شخصيا استبعد الاحتمال الاخير، اذ لا يعقل ان يكون رئيس تحرير أعرق صحف خير أمة أخرجت للناس " نجاراً "!
قلّبت فى باقي كومة الصحف ولا شئ غير أوباما و نصره. الكل يحلل ويعلل ويشخص وينظّر. احدي الصحف خرجت بمانشيت عريض:( أول القصيدة كفر: أوباما يختار يهودي رئيسا لموظفي البيت الأبيض )!
ولكن الذي أدهشني حقا فى كل الدراما القاهرية الأوبامية هو رد الفعل الأسرع من الضؤ للمغني الشعبى الشهير شعبان عبدالرحيم الذي خرج فور إعلان النتيجة بأغنية صاخبة تقول بعض كلماتها: ( أنا شايف الابتسامة على الوشوش / بس أوعى اوباما يكون زى بوش / بوش الله يخرب بيته باعنا وضيعنا سنين / اوباما الناس بتقول هيكون صلاح الدين / أوووووه ). ولعله يقصد صلاح الدين الأيوبى.
ضحكت ... ولكنه ضحك كالبكاء!
عن صحيفة ( الاحداث )
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة