"سينتصر الشعب لنفسه، بنفسه"
محجوب التجاني
عبر الشعب السوداني الوفي عن أصالته الراسخة وثبات أخلاقه وقيمه الراقية وهو ينتظر بالساعات الطوال ليتبع جثمان المغفور له أحمد الميرغني، نائب رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي رئيس مجلس رأس الدولة السابق، إلي مثواه الأخير، رحمه الله وألهم آل الميرغني وكافة أهله وجماهير حزبه و شعبنا الصامد حسن العزاء والسلوان.
وبالملايين الغفيرة أرسل شعبنا المناضل رسالة واضحة صريحة لا لبس فيها ولا غموض بأنه لم يفارق مبادئه، ولن يبدل محبته وتقديره العميق للمخلصين من أبنائه، المدافعين عن حقوقه، المجاهدين لتقدم أمته وحياته، يبادلهم حبا بحب ويثمن عاليا تفانيهم في خدمته.
يعود مرشد الختمية محمد عثمان الميرغني زعيم التجمع الوطني الديمقراطي رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي إلى الوطن وحالة البلاد في مخاض عسير، تنتقل في ظروف بالغة الخطورة من مأزق سياسي إلى آخر يبزه تعقيداً، يتأرجح في كفة ظلومة جهولة مصير أمة سامها نفر من الضلال عسف الحكم، وظلم الغبن، وخسف النظام، وبؤس الحال، وذل المآل، فبلغوا في الخسران مبلغاً لا يحسدهم عليه خصم،تتجاذبهم قرارات قومية بلا قرار، وأخرى دولية تغتنم الفشل والاخفاق.
غادر زعيم الاتحادي البلاد في مطلع التسعينات، بعد غدر الاعتقال، وتعجل النكير من مراهقي العسكر ومشائخ الانتهاز؛ عجَلت بانقلابهم حمأة اللهث وراء السلطان، ولم تعجل بتريث يُرجى دون البطش والجبروت لمصلحة الوطن وحساسية نضاله المستميت لحفظ وحدته، وصون عزته، ورأب صدع الحروب والخصومة بين أبناء جلدنه وجيرته.
غادر زعيم الاتحاديين الوطن وفي قمة أجندته مواصلة الكفاح للوحدة، والديمقراطية، والسلام في كل عاصمة صديقة، وجارة شقيقة: ثلاثة أعوام سامقة، عُرف بها سودانيو عهود الاستقلال المتعاقبة، يرفعون راياتها ويقاتلون في ظلمها عداوات الجهل والمرض والفقر، والحاجة الدائمة لتأكيد أخوة المواطنة، واختيارات الجماهير الحرة بحركتها الواعية، وتنظيماتها المستقلة، وقياداتها الشعبية الواعدة.
وكان وراءه وهو يغادر الوطن ما كان وظل دائماً أمامه: وحدة السودان، مبرأة من كل دخيل، نقيَة من أي عميل - التراث الرائع الذي تحالف به حزب الوطنية الديمقراطية مع الأحزاب الوطنية الديمقراطية الأخرى على امتداد الحقب والعهود.
وكانت اتفاقية السلام السودانية التي تعانق فيها الميرغني وقرنق، عناق توأمي السودانى جنوبه وشماله، وما حوت من جدول أعمال - لا يزال ماثلاً - هي الظهر والمقدمة، لم تفارق عقل وطني منذ جاءت إلى اللحظة، لا تقارن بها اتفاقات الأنظمة الممقوتة، ولا تقترب من روحها الطاهرة صفقة ظالمة.
سيكتب التاريخ، جيلاً عن جيل، ملاحم الانتفاض الشعبي الواصل، عزماً وارادة لا تقهر، لشعب السودان الباسل المقدام، لا يتقهقر أمام باطش، ولا يعجز عن منازلة، ولا عن انتصار على غاشم.
قال الميرغني في معتقله عام 1990 "سوف يقرر الشعب مصيره"؛ فذهبت مثلاً يتناقله كل مؤمن بوعي الشعب السوداني وقدراته البازلة.
وقال، وقد التفت حوله أحزاب المعارضة ونقابات السودانيين واتحاداتهم في التجمع الوطني الديمقراطي: "سينتصر الشعب لنفسه"، معلياً من شأن حركته الجماهيرية، ونابذاً في تشدد محاولات السلطة إستبدال حركة الشعب الواسعة الباسطة، بدائرة الحكم المحدودة الضيقة.
وظل قائد التجمع على إيمانه الجائش بسمو الوحدة على الفرقة، وعلو الحكمة على التهور. وما أكثر ما أتسع صدره لخلاف أقطاب المعارضة، تدفعهم - كما تقضي السياسة وتحكم الأحوال - وجهات نظرهم القائمة على تداول الرأي، وحاجات الجماعة، وأولويات القرار.
توافر الزعيم الميرغني على احترام الرأي والرأي الآخر لا يخالفه كل من أتيح له إدراكه، مثلما أن توقيره للرأي المخالف، وإن لم يتفق مع الأغلبية، حقيقة يعلمها كل من جهر بخلافه، وأبان منطلقه ومرامه.
خالفت المنظمة السودانية لحقوق الإنسان - القاهرة، التي تشرَف أعضاؤها بلقاءات عديدة مع زعيم الاتحادي قائد التجمع، قرارات مجلس قيادة التجمع باشتراط كفالة حقوق المرأة "بما لا يتعارض مع الأديان".
رأت المنظمة في الشرط ثغرة ينفذ منها أعداء المرأة لضرب حقوقها بدعوى تعارضها مع الأديان - وأكدت المنظمة أن الأديان نفسها في السودان لا تقف موقفاً موحداً تجاه حقوق المرأة: الاسلام يعدها "شقائق الرجال" كما علم المصطفى عليه أفضل السلاة والسلام، وما لهذا السمو نظير بين أديان أخرى.
رأت المنظمة لهذا أن تعدل العبارة بما يصون دون تردد كل ما للمرأة من حقوق، مستدعين نصوص القوانين الدولية لحقوق الانسان، وما أجمعت عليه حركة المرأة السودانية في نضالها الطويل من تمسك وإصرار بحقوقها المرعية.
إستمع الميرغني لوجهة نظر المنظمة، ولم يحجر عليها بقيد أو شرط، ولم يطلب منها تغيير موقفها ليلائم قرارات التجمع. وبقيت المنظمة على رأيها.
وخالفت المنظمة التجمع آونة أخرى، عقب إعلان اتفاقية القاهرة 2005، رأت المنظمة أن الاتفاقية لم تحدد في وضوح حقوق المفصولين من أبناء شعبنا البواسل، الذين شردهم عسكر مشائخ الانتهاز طوال تربعهم على دست الحكم، بلا هوادة أو قرار حكيم. فنالوا بذلك من تراث الوطن الراقي في الإدارة والصناعة والزراعة والفنون، وأهدروا عشرات الألوف من أغلى الكوادر المقتدرة في الخدمة المدنية والخدمة العسكرية والنظامية، وأضاعوا بقراراتهم الطائشة مصالح الملايين من أبناء السودان، أسراً، وأطفالً، وشيوخاً. فأضافوا بكل هذا الاستهتار الذميم صنوفاً من العذاب والمظالم لما فرضوه على القطر من حروب وبؤس لئيم.
وتبقى المنظمة على موقفها، تطالب بحقوق المفصولين كاملة بلا من أو أذى.
في سنوات الغربة، ولياليها الحالكة، سيحفظ التاريخ للميرغني إعلانه لكلمة المعارضة، وتمكين مثقفيها من التعبير الحر المباشر في صحيفة المعارضة "الاتحادي الدولية" الشجاعة.
وسيذكر المعارضون في الخارج، العائد منهم والمقيم، دار الاتحادي الديمقراطي التي احتضنت قاعاتها أنشطة المعارضة على اختلاف برامجها، واستضافت التجمع الوطني الديمقراطي قبل أن يختار الميرغني زعيماً له، منذ اللحظة الأولى لميلاد التجمع.
نكتفي بهذا القدر اليسير من انطباعاتنا، مستبشرين بمساهمات الاتحاديين الديمقراطيين الذين حملت جماهيرهم في داخل البلاد وخارجها هموم الوحدة والديمقراطية والسلام.
وفي عودة الميرغني طاقة جديدة ستبرز بها روعة الصمود والثبات واحترام إرادة الشعب.
"وسينتصر الشعب لنفسه، بنفسه".
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة