د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
الأمم المتحدة و مهام اكل العيش
بمناسبة الذكري الستين لتشكيل اول قوة لحفظ السلام تحت راية الامم المتحدة و التي صادفت يوم 11 نوفمبر الجاري نذكر بالواقع المرير الذي تعيشه قوات حفظ السلام اليوم علي قول السيد ميغيل دسكوتو رئيس الجمعية العامة للامم المتحدة. يتزامن ذلك التاريخ مع بداية النزاع العربي الاسرائيلي و الذي سجل بداية لآليات التدخل الاممي وفقا للمواثيق الدولية التي تم التعاقد عليها بعد انتصار الحلفاء علي دول المحور في الحرب العالمية الثانية، ذلك التعاقد الذي شكل الاساس لفض النزاعات الكبري عبر الشرعية الدولية التي تستمد تفويضها من الامم المتحدة عبر هيئاتها المختلفة.
الموضوع الرئيسي في هذا المقام هو واقع قوات حفظ السلام الدولية و قدرتها علي تنفيذ المهام الموكلة لها تحت مختلف انواع التفويض التي تحددها القرارات الصادرة عن مجلس الامن و تعطي تلك القوات الشرعية و الصلاحية و يتم بموجبها تحديد طبيعة العمل و فترته و حجم القوات و التمويل اللازم لانجاز المهمة. من المفترض في عمليات حفظ السلام التي تتم تحت راية الامم المتحدة ان تكون قد تطورت لتواكب متغيرات العصر الراهن و ان تتصدي للنزاعات الدولية بكفاءة في انجازها لمختلف المهام التي تتراوح بين مراقبة وقف اطلاق النار و مساعدة المجتمعات الخارجة من النزاعات و الحروب و حتي اشتراكها في اعادة بناء ما دمرته الحرب و بناء المؤسسات الحكومية و تعزيز الديمقراطية و مراقبة الانتخابات. اكثر من ذلك فان القوات الدولية مطالبة اليوم بالتدخل المسلح لحماية المدنيين في مناطق النزاعات و نزع الاسلحة و اعادة تأهيل المقاتلين السابقين.
الي أي درجة نجحت الامم المتحدة في تلك المهام؟ الحال يغني عن الاجابة فالواقع يقول ان هنالك الكثير من الاخفاق و القليل من النجاح. بالرغم من نجاح الامم المتحدة في التخفيف من حدة النزاعات و العمل علي اغاثة و ايواء المتضررين منذ الحرب الاسرائيلية العربية الاولي و حتي اليوم الا ان مصداقية المنظمة الدولية قد تعرضت للعديد من الاضرار بسبب تعدي القوة العظمي في العالم علي المواثيق و القوانين الدولية و تحوير اهداف المنظمة لخدمة مصالحها و حماية حلفائها و حالات خرقها الصريح لتلك المواثيق و القوانين و خروجها علي قرارات مجلس الامن. تم ذلك بمنح حق الفيتو لدول بعينها نجحت في اساءة استخدامه لابعد حدود ممكنة و تكريس حالة من الازدواجية الدولية و عدم العدالة و سيادة قانون الغاب. حدث ذلك في ما يتعلق باسرائيل و في الكنغو في عهد لوممبا و في الحرب الكورية و في يوغسلافيا السابقة وصولا الي خروج الولايات المتحدة علي القانون الدولي بشكل صريح في غزو افغانستان و العراق و اخيرا الفشل في وقف الابادة الجماعية كما حدث في رواندا و الفشل الماثل الان في النزاع بشرق الكنغو الديمقراطية و ذلك الملازم لتكملة مهمة اليوناميد في دارفور. كل ذلك عرض الامم المتحدة لانتقادات جادة و للمناداة بضرورة اصلاح المنظمة الدولية لتتوافق مع متطلبات هذا القرن.
توجد الان حوالي 20 بعثة للامم المتحدة تضم اكثر من 110 الف موظف. تلك البعثات تواجه مشكلات كبيرة و تعاني من ضخامة اعدادها و كبر ميزانياتها مع عدم توفر الموارد اللازمة . يبدو ان الموارد اصبحت المشكلة المؤرقة لمهام بعثات الامم المتحدة خاصة في عهد الادارة الامريكية الحالية التي لم تفي بالتزاماتها في تمويل المنظمة الدولية و هيئاتها كوسيلة للضغط لتمرير اهدافها. لا تزيد الموازنة الحالية لعمليات حفظ السلام عن 5.6 مليار دولار و هو مبلغ يعادل حوالي 1% من الانفاق العالمي علي التسلح. هنالك اختلال كبير بين ضخامة حجم الانفاق العسكري و ميزانية حفظ السلام العالمي . يثبت ذلك تواضع قدرات الامم المتحدة في مواجهة التحديات الماثلة في عالمنا و ظهر ذلك في العجز عن التصدي اللازم للنزاعات مثل ماحدث في منطقة البلقان و التي الت فيها الامور الي تولي حلف الناتو لمهام الامم المتحدة و انجرار المنظمة الدولية خلف الولايات المتحدة و حلفائها في العراق و افغانستان مما جعل العمليات الدولية تابعة للقوات المعتدية و لحلف الناتو بدلا عن حدوث العكس، كما ظهر ذلك بشكل جلي في النزاع الحالي في الكنغو الديمقراطية التي تقول الامم المتحدة ان لديها جندي واحد مقابل كل عشرة الاف مدني ، فكيف يمكنها في هذه الحالة حماية السكان المدنيين؟
بهذا الشكل اصبحت مهمام بعثات الامم المتحدة التي اشرنا اليها مجرد عمليات لاكل العيش لكبار موظفي المنظمات الدولية التابعة للامم المتحدة او للبلدان الغنية . تقوم الدول الكبري بارسال الموظفين و المنظمات للعمل بتلك البعثات و قيادتها و ترافقها احيانا مرافقة الحجل للرجل اضافة للشركات الخاصة التي تتولي الامدادات و مهام اخري مقتطعة بذلك جزءا كبيرا من كيكة تمويل البعثات الدولية. اما الدول النامية فتقوم بارسال الجنود ليعملوا كحطب وقود للنزاعات مقابل حصولهم علي حفنة من العملات و لكنها علي قلتها مقابل المخاطر فانها مغرية جدا مقارنة بما يحصلون عليه في اوطانهم. و لكن حتي الدول النامية استطاعت اختراق تلك المنظمات و ارسال المحظوظين من ابنائها لتولي مهام رئيسية يحصدون منها ثروات طائلة تمكنهم من الترقي في المنصاب و اغتناء المساكن الفخمة في الدول الغنية و الاقامة بها الي ابد الآبدين منصرفين بعدها ليس فقط عن رسالة مهامهم الانسانية و انما عن اوطانهم بانسانها البائس. جعل ذلك حتي من منظمات اقليمية مثل الاتحاد الافريقي منظمات لكسب العيش و الثراء السريع لكبار موظفيها . يدفع كل ذلك نحو العمل من اجل استغلال تغير الادارة الامريكية و تحت قوة الدفع الاولية لاقلاع اوباما في رحلة الرئاسة الامريكية ( Take Off ) من اجل اصلاح المنظمة الدولية و اعادتها لخدمة السلام الدولي و اعادة الاعمار و مكافحة الفقر و نشر قيم الديمقراطية و العدالة في العالم. كل ذلك مع ضرورة ادراك ان باراك اوباما سيكون رئيسا للولايات المتحدة الامريكية و ليس زعيما للفقراء و الغلابة و المهمشين ، كما انه لن يكون رئيسا لكينيا او زعيما لاي قوة اخري او اقاليم طامحة للاستقلال او ما شابه ذلك من اوهام. لذلك فان التغيير المنتظر يجب ان يكون في شكل سياسات و عبر مؤسسات و دول.
|