(كلام عابر)
أحمـد الميرغـــني
في أواخر سنوات السبعين من القرن الماضي توفي عدد من مواطني جزيرة توتي غرقا بينما كانوا يحملون جنازة على مركبهم لدفنها في شمبات، وكان حادثا مأساويا (البحر ياخد عوامه). فذهبت مع عدد من زملائي في مؤسسة السياحة السودانية ،التي كنت أعمل بها لتقديم العزاء لا سيما وأن عددا كبيرا من زملائنا في المؤسسة كانوا من أهل توتي. تحرك بنا رفاس المؤسسة الذي كان يحمل اسم "حبابكم" من أمام الفندق الكبير وعبرنا لتوتي حيث قدمنا العزاء وقفلنا راجعين لنعبر النهر عائدين للخرطوم . في المشرع شاهدت الركاب وعددا غير قليل من الحمير يتدافعون لركوب المعدية التي كانت راسية بجوار الرفاس. أبصرت على البعد السيد أحمد الميرغني يهم بالركوب. نزلت مسرعا مع سائق الرفاس وذهبت إلى حيث كان السيد أحمد واقفا ودعوته للركوب معنا ، فشكرني وقال إنه لا يود "مضايقتنا" و"الإثقال علينا" وسيركب المعدية. رضخ أمام إصراري فصعد ومرافقاه إلى الرفاس وبدأنا في رحلة العودة للفندق الكبير. كرر السيد أحمد الميرغني الشكر ثم قال إنه يحب أن يتعرف إلينا وكنا أربعة. لم أستغرب عندما ذكرت له اسمي أن يتعرف على أسرتي بحكم ارتباط الأسرة بالحزب الإتحادي وبصفة خاصة عمي أحمد يوسف علقم الذي كان من مؤسسى الحزب نفسه ونائبا عنه في البرلمان، لكني استغربت عندما سألني إن كنت من الجزيرة أم القضارف، فلم أكن أن أتوقع أن يكون ملما بهذه التفاصيل عن أسرتنا التي تتوزع بين الجزيرة والقضارف كما ذكر. كان أحد زملائي الثلاثة من سكان الخرطوم 3 والثاني من الجزيرة والثالث من الشمالية. دهشت أنا ودهشنا جميعنا عندما اكتشفنا أنه يعرف أسر هؤلاء الثلاثة بنفس الدقة والتفاصيل التي يعرفها عن أسرتي. ذكر بعض التفاصيل التي لا نعرفها عن بعضنا. اقترب الرفاس من الشاطيء. طلبت إليه أن يحدد موقف سيارته لنقف جوار أقرب نقطة لها. أصر على وقوف الرفاس في موقفه المعتاد ،أي أمام الفندق الكبير ، ورغم إصراره فقد وقفنا أمام وزارة الأشغال حيث كانت تنظره سيارته. أخجلنا جميعا بشكره المتكرر لنا .
لم يتوقف تعبير ذلك الرجل الودود الجميل عن الشكر عند ذلك الحد بل جاء في اليوم التالي زميل لي في المؤسسة، وهو من أقارب آل الميرغني، ليقول لي إن السيد أحمد كلفه بتكرار الشكر والتقدير ويوجه لي دعوة لزيارته في دارهم ، وهي الدعوة التي لم تمكنني الظروف من التشرف بتلبيتها.
كانت تلك هي المرة الأولى والأخيرة التي أرى فيها السيد أحمد الميرغني ، ولكن تفاصيلها لا تزال مطبوعة في الذاكرة رغم مرور السنين. رحمه الله وأحسن إليه فقد أحبه الجميع وكان دائما فوق صغائر الأشياء والأقوال والأفعال حتى لو كانت بقبح الحملة الصحفية التي استهدفته بعد الإنتفاضة والتي كانت جزءا من مخطط منظم للإنتقاص من قيمة الديموقراطية ورموزها توطئة للإنقضاض عليها.
(عبدالله علقم)
[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة