زفرات حرى
الطيب مصطفى
(وشهد شاهد من أهلها)
الفريد تعبان رئيس تحرير صحيفة (الخرطوم مونتر) رجل يتحلى بكثير من المصداقية والاخلاص لقضية جنوب السودان... قد تختلف معه حول منطلقاته المتحاملة على الشمال وعلى الهوية العربية الاسلامية لكنك لا تملك إلا أن تحترم مصداقيته ومهنيته فقد عرفته منذ أن كنت أعمل في وكالة السودان للأنباء في بداية التسعينات من القرن الماضي.
الفرد تعبان الذي كان قد انتقد تشكيل حكومة جنوب السودان عقب توقيع اتفاقية نيفاشا وتحدث عن هيمنة قبائل بعينها على الحكومة وتجاوز كثير من القبائل والأحزاب بل تحدث حتى عن عدم تمثيل المسلمين في تلك الحكومة كتب بتاريخ ٤/١١/٨٠٠٢حول (أنشطة الجيش الشعبي في جنوب السودان) معقِّباً على تصريحات أدلى بها اللواء بيتر بير نيانق نائب رئيس الأركان بالإنابة في الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي كان قد نفى من خلال تلك التصريحات اتهام الجيش الشعبي بالفساد وبوجود منازعات في صفوفه.
مما قاله الفرد تعبان في تعقيبه على اللواء بير نيانق إن الجنوبيين يريدون أن يعرفوا ما يحدث داخل الجيش الشعبي (لكن ما يريده الناس حقاً هو أن تكون هناك مؤشرات تغيير في سلوك الجيش الشعبي باتجاه المواطنين المدنيين... لقد طفحت اتهامات كثيرة وخطيرة ضد الجيش الشعبي في مناطق كثيرة في جنوب السودان خلال الأشهر القليلة الماضية لكن اللواء بير نيانق لم يتفوه بكلمة حول تلك الاتهامات... في مدينة نمولي وبعض مناطق قبيلة المادي ظل السكان يشتكون بمرارة عن إخراج الجيش الشعبي لهم من أرض الأجداد... لقد ذكروا أسماء بعض ضباط الجيش الشعبي الذين ظلوا يستولون على الأراضي ويرتكبون الفظائع ضد المواطنين بما في ذلك التعذيب والاعتقال غير القانوني والتحرش).
ثم قال الفريق تعبان (إن صراخ ودموع أهالى مدينة جوبا وياي حول أراضيهم المسلوبة تشبه قرع الطبول، ماذا فعل اللواء بير نيانق بشأن هذا الأمر؟ هل شكَّل لجنة تحقيق لتقصي الحقائق؟ الطريقة الفوضوية التي جُرد بها المدنيون من سلاحهم في مدينة رومبيك من قبل الجيش الشعبي مؤخرًا أحدثت كثيرًا من المرارة والمعاناة لسكان المدينة).
ثم أضاف: السكان كانوا يتوقعون أن يتم اتخاذ إجراء ضد المعتدين وأن (يخبرنا اللواء بيرنيانق بما تم فعله لأولئك المجرمين.. لا شيء من ذلك حدث ولا يزال أهل رومبيك يبكون)!!
أخطر ما كتبه الفرد تعبان هو أن اللواء بير نيانق قال (إن هناك أعداء لجنوب السودان يعملون على شق الجيش الشعبي وذلك بغرض إضعاف الجنوب)... ثم قال تعبان إن ما ذكره بير نيانق صحيح. (لكن رغم ذلك فإن الجيش الشعبي هو الذي يزود هؤلاء الأعداء بالذخيرة التي يحتاجون إليها لتمزيق جنوب السودان... إن الجيش الشعبي يبرهن على أنه العدو الأكبر لنفسه لأن شعب الجنوب الذي يُفترض أن يوفر له الحماية يعيش الآن في خوف بسبب سلوك الجيش الشعبي)!!
ومضى الفرد تعبان في فضح حال الجيش الشعبي ويقول عنه ما لم يقل مالك في الخمر حيث قال (إنه جيشنا لكن عندما يرتكب جرائم ويسيئ السلوك لا ينبغى أن يتوقع منا أن نسكت... سنتحدث بصوت عالٍ ليس لأننا نريد أن يكون الجيش الشعبي ضعيفاً وإنما لأننا نريده قوياً ويكون قدر تحديات الفترة المقبلة).
عندما تأتي الشهادة من رجل في وزن ومصداقية وثقافة الفرد تعبان المنتمي للحركة الشعبية باعترافه هو في مقالات سابقات فإن الأمر لا يحتاج الى تأكيد فهي شهادة شاهد من أهلها وقد سبق لكثير من الكتَّاب أن قالوا ما قاله الفرد تعبان وقد أوردنا نماذج من تلك الكتابات...بل تحدثنا عن ممارسات عصابات النقرز و (الخارجين على القانون) الذين ينتمي بعضهم إلى الحركة الشعبية والجيش الشعبي.
ولعلكم تذكرون المقال الذي لخصناه قبل أيام قليلة والذي خطه يراع جون ليمي في صحيفة »سودان تربيون« بتاريخ ٧٢/٧ /٨٠٠٢ وتساءل فيه عن أسباب الفوضى التي تجتاح مدينة جوبا، حيث قال الرجل ( إن بعض المقاتلين من أجل الحرية يستخدمون أسلحتهم للتحرش بالمدنيين ليلاً وفي كل وقت)، وأضاف أن بعضهم يفعلون ما يشاءون ويتصرفون مثل رعاة البقر في أفلام الكاوبوي فيقتلون وينهبون كما لو كان من يصادفونهم في الطريق أعداءهم الألداء... وتساءل الكاتب هل هذه هي الحرية التي كنا نصبو إليها؟ وختم مقاله الباكي بأن الكثيرين باتوا يحنُّون إلى أيام الحرب قبل نيفاشا وتولي الحركة الشعبية زمام الأمور في جنوب السودان والتي أذاقوا شعبهم من خلالها صنوفاً من العذاب لم يشهدها من قبل.
كدليل ناصع آخر يكشف عن تفاقم المشكلة في جنوب السودان وضلوع الجيش الشعبي والحركة الشعبية اللذين يفترض أنهما السلطة الحاكمة في جنوب السودان المنوط بها حماية المواطنين وتوفير الأمن لهم كتب جوزيف لوكودو في نفس العدد من (الخرطوم مونتر) مقالاً بعنوان (أين القانون في جنوب السودان)؟! Where is the law in southern Sudan? في مقاله شن لوكودو هذا هجوماً شديداً على الدينكا الذين قال إنهم يحتلون ويستولون على أراضي القبائل الأخرى خاصة في الاستوائية الكبرى وقال الرجل! »لقد كان سكان الاستوائية يعيشون في سلام ويتقبلون زملاءهم من الدينكا للعيش معهم تماماً كما هو الحال بالنسبة للاستوائيين الذين يعيشون في أرض الدينكا إلا أن التهديد الحالي لبعض الاستوائيين من قبل بعض الدينكا كان شيئاً سيئاً للغاية في هذه البلاد«... (إن للدينكا أرضهم في ولاياتهم وكذلك فإن لقبيلتي البارية والمادى أراضيهم في الاستوائية وكذلك الحال بالنسبة للنوير في أراضيهم) وقال إنه بالرغم من أنه يحق لكل فرد أن ينتقل إلى أي أرض أخرى في جنوب السودان (نظراً لأننا جميعاً جنوبيون وأفارقة بدون دم أجنبي يعيش بيننا وكنا نعمل سوياً كاخوان لتحرير أرضنا) بالرغم من ذلك وبالرغم من (أننا نحمل رؤية واحدة ظللنا نناضل من أجلها حتى لا تهيمن علينا حكومة المؤتمر الوطني الاسلامية)... فإن هذه الحقائق لا ينبغى أن (تجعلنا نصدق أن قيادة الحركة والجيش الشعبي تُستخدم ضد شعبنا) ثم قال إن (مطاردة الدينكا من الاستوائية وقتل وتعذيب الاستوائيين في أرضهم وإطلاق الرصاص في ولاية البحيرات كلها عبارة عن مظاهر لانفراط عقد الأمن في هذه المنطقة من جنوب السودان وتحدث عن ممارسات بعض الدينكا الذين قال إنهم يبيعون الأرض للغرباء (ويستولون على الأراضي بالقوة من المواطنين العاديين ويهددون الضحايا ويحرمونهم من حرية الكلام حول حقوقهم)!!
وطالب الكاتب حكومة جنوب السودان بحل هذه المشكلات نظراً لأنه كما قال لا ينبغي أن (ننتظر الآخرين من أمريكا وبريطانيا للحضور وحل مشكلاتنا)!؟
بقي لي أن أتساءل: بربكم هل هذا هو السودان الجديد الذي بشَّرنا به باقان وعرمان وغيرهما من الحمقى عندما تحكمنا الحركة وجيشها الشعبي..؟!
أما آن لأبناء الشمال أن يتحسَّبوا لمثل ذلك اليوم المشؤوم كما فعلوا عقب يوم الاثنين الأسود؟!
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة