تاجوج والمحلق (رؤية مُغَايرَة) .......
مصعب المشــرّف
[email protected]
مداخلة في (مأساة) تاجوج والمحلق
بتاريخ 2/11/2008 جرى نشر مقال عبر سودانيز اون لاين نقل لنا قصة (تاجوج والمحلق) وفق رؤية او بالأحرى رصد وتحقيق المؤرخ محمد صالح ضرار .. وابدى كاتبه الرغبة في مداخلة الغير لمزيد من الإثراء ....
وفي رايي ؛ انه وعلى الرغم من الجهد الكبير المقدر الذي بذله المؤرخ الشهير إلا أننا كمجتمع لا نزال وكما يقال ؛ نحوم حول الحمى ولا نرغب أن نقع فيه لأسباب تتعلق بأسلوب التربية المحافظة التي نشأنا عليها في المجتمع العربي الشمالي على نحو خاص . وحيث الحذر في تناول العلاقات الجنسية والعاطفية بين الزوجين بوضوح وشفافية ..... بل وربما أوقع الحديث في مثل هذا الأمر صاحبه تحت طائلة ممارسة العيب واقتراف المُخْجِلاتْ.
تأتي قصة أو بالأحرى (مأساة) المحلق وتاجوج من التعقيد والتركيب النفسي بمكان لايمكن إزائه الاكتفاء بمجرد السرد السطحي لهكذا علاقة عاطفية متشعبة الأركان ، تطفو فوق لجة متلاطمة من العقد والفِصَام وهواجس غائرة لأسباب متعددة انغرست في القاع ، ولسعت وحرقت نيرانها وحفرت معاولها واجتثت أمواسها الكثير ؛ طولا وعرضا وعمقا في الشخصية السودانية وطالت الأعضاء التناسلية للمرأة وحتى مخارج ضبط كلمة (حُـبْ) في شفتيها .
ولأجل ذلك ؛ لا أجد نفسي على قناعة بما ذهب إليه أستاذنا الجليل محمد صالح ضرار في أن سبب الخلاف بين المحلق وتاجوج بعد زواجهما كان تغزل المحلق في غيرها، أو أنه ثقب خباء مخدع الزوجية ليرى ويتلصص منه ابن عمه على زوجته وحليلته !! .. فما كان للمحلق الفارس سليل البيوتات الشريفة أن يكون دَيُـوثاً خنزيراَ لا يغير على أهله .. وما كانت تاجوج بعاهرة أو ساقطة حتى ترتضي لنفسها أن ترقص عارية أو مرتدية قميصا خفيفا ، وهي تعلم أن هناك من يتلصص على مفاتنها وعورتها بتدبير من زوجها وعن سبق إصرار وترصد ..
ثم أين أعين القبيلة من هكذا سيناريو وجميعنا يعلم أن مضارب القبيلة مفتوحة أخبيتها على بعضها وتحرسها الأعين الساهرة.
وفي جانب اقصاء فرضية إصرار تاجوج وأبيها إعمال مقص الرقيب على منتجات المحلق الشعرية ومصادرة خياله الجامح . أو على الأقل وقفه حصريا على الزوجة الحليلة ؛ فلا آظن أن العقل والمنطق يستسيغان ذلك لاسيما وأن الشعر انتاج ذهني حر غير قابل للمصادرة . وما من متلقي إلا ويعلم أنه وفي مجال الغزل والمدح والفخر والحماسة على نحو خاص ، فإن عادة الشعراء أن يطلقوا لخيالهم العنان ويقولون ما لا يفعلون ... ولو كانت كل حليلة تحاسب زوجها الشاعر على ما يقرضه من شعر لما بقيت زوجة على حبل أحدهم .... ولا يزال يقال: (أجمل الشعر اكذبه) غير انني أضيف: (أصْدَقُ الشّعْر أكْذَبـَهُ) ....
وفي لقاء تلفزيوني مع الشاعر أبو آمنة حامد رحمه الله سئل عن (وشوشني العبير) .. فقال لو نظمتها في حبيبتي بعد زواجي بها لقلت : (وشوشني العَويرُ) يقصد شجر الهبيل المعروف .... وربما لو سئل الشاعر عن (سَالَ من شَعْرِهَا الذهب) على نفس النسق لأجاب ، كنت اقول : (سال من شعرها الوَدَكْ) و (رائحة تحمير السمك).
وقد سئل الشاعر المصري احمد رامي ، لماذا لم يتزوج أم كلثوم وهي المرأة الوحيدة التي أحَبْ ؟؟ فاجاب انه لو تزوجها كيف كان يقول: (سهران لوحدي) . وروائع من قبيل (رَقْ الحبيب) ؟
ثم أن اسباغ لوثة الجنون على المحلق وتاجوج لا تزال في حبله ومتناول يديه ليست بمقنعة ، وتؤثر على تماسك القصة في رواية الاستاذ ضرار .... بل وكل الاحداث التي تلت طلاق المحلق الثاني لتاجوج وبعد زواج ابن عمها منها ومصارعته له ، تدل على أن المحلق ظل متمتعا بقواه الجسدية وبالتالي العقلية كاملة... ثم هناك روايات أخرى يجمع معظمها أن المحلق قد خاض مع فرسان قبيلته حروبا ومعارك عديدة ضد قبائل أخرى بعد طلاقه لتاجوج . وأن أخبار بطولات المحلق كانت تصل لأسماع تاجوج فتسعدها ، وتقض مضجع زوجها الآخر وتثير في نفسه الهواجس والشكوك.
إن قصة تاجوج والمحلق لا تنفصل ولا تتجزأ عن سيادة الأمية والجهل آنذاك ، ومعوقات عضوية أصيبت بها عواطف ورغبات المرأة في مقتل ؛ وأهمها الختان الفرعوني ثم ضرب الشفة السفلى منها بالإبر الممزوجة بمسحوق الأثمد .. وكل هذا وذاك بهدف قتل الأحاسيس الجنسية فيها . وعلى زعم بأن هذه أسلم وسيلة للحفاظ على شرف العائلة وسمعة القبيلة . وحيث الأنثى الفتاة العذراء وحدها هي التي تتكبد مشاق وعناء ومسئولية الحفاظ على هذا الشرف وصيانة تلك السمعة النقية بوصف أن الشرف هو أن لا تعشق العذراء ولا تمارس الجنس ولا تحبل دون زواج شرعي.
والمضحك أن مصطلح الشرف في جانب آخر لا يمس ممارسات سلبية وجرائم مثل الغش والخداع وخلف المواعيد ونكص العهود وخيانة الأمانة ، وقبض الرشى واستغلال النفوذ ، والتكسب الحرام من المنصب وسرقة المال العام .. فكل هذه الأفاعيل إذا فعلها الذكر أو الأنثى على حد سواء ، نرى المجتمع يصنفها في خانة الفَلاحَة والشيطنة والشطارة وتأمين المستقبل والتمكين ليس إلا.
ومن جانب آخر فإن الشرف كمصطلح اجتماعي نراه حتى وهو مكرس لمصلحة الجنس وحده ؛ فإنه لا يمس الذكر من قريب أو بعيد عند إساءته استخدام أعضائه التناسلية حين يغمسها في غير ما أذن له الشرع بها…..
ومن ثم فقد شكل هذا عبئا نفسيا إضافياً على عاتق الأنثى ، يصحبها من المهد إلى اللحد ، ويؤثر في علاقتها العاطفية مع زوجها . ويجعلها تشعر كأنّ عضوها التناسلي منقوشٌ رسمه وتفاصيله (كذنوب بني إسرائيل) على جبهة وجهها …. وبحيث أصبح إبداؤها الصريح لرغباتها الجنسية أمام زوجها وغنجها ودلعها والإعلان عن شبقها وتلذذها خلال ممارستها الجنسية معه من الموبقات السبع في عرف المجتمع.
……………
إن القصة التي رويت في الموروث الشعبي المتداول عبر حجاوي الحبّوبَات داخل الأسرة الممتدة ، وخرقت الآذان وتغلغلت وتجذرت في أعماق ودواخل العقل الباطني للعديد منا ذكورا وإناثا منذ الطفولة ، نراها قد لخصت مأساة المحلق وتاجوج في أنها لحظة كبرياء وشرف ثارت فيها تاجوج لما ظنت أنه كرامة مهدرة ، حين أصرّ المحلق على تخطي الخطوط الحمراء المسموح بها حسب العرف والتقاليد . وقرر استباحة حرمة جسدها وتجييره لنزواته الشيطانية الطائشة وأجبرها على التجرد والرقص أمامه عارية كأنها عاهرة أو جارية وملك يمين تباع وتشترى.
……………
ولكن الحقيقة من منظار آخر أن المحلق وإن كان قد حاول كسر التابوهات والتقاليد إلا أنه لم يتخطى الشرع حيث لا عورة بين الرجل وزوجته .. ولكن التقاليد أحيانا أبقى وأقوى اتباعاً لدى عامة المجتمع في ظل الجهل ، وأشد رسوخا وسلطة من الشرع. وقد أصبحنا بعد رحيل الجيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم نختار من الشرع ما يحلو لنا ونترك ما نكره .
وتكفل الشريعة الاسلامية للزوج أن يتجرد عن ملابسه أمام زوجته وأن يحث ويغري الزوجة على خلع ملابسها كاملة ويراها عارية .. ودليل ذلك ما ورد في موطأ الإمام مالك في باب (الصداق والحباء) . عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب : [أيّمَا رجل تزوج إمرأة وبها جنون ، أو جذام ، أو برص ، فمَسّها ، فله صداقها كاملا ، وذلك لزوجها غُرْمٌ على وليها]. .. بمعنى أن الزوج لا يسترد الصداق منها إذا طلقها ولكن وليها يغرم هذا الصداق فيعطيه للزوج المطلق عوضا له …
وجاء في البداية والنهاية لإبن كثير رجمه الله . عن سهل بن زيد الأنصاري قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم إمرأة من بني غفار ، فدخل بها ، فأمرها فنزعت ثوبها ، فرأى بها بياضا من برص عند ثدييها ، فاشمأز رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ﴿ خُـذِي ثوبك ﴾ ، و أصبح فقال لها : ﴿ إلحقي بأهلك ﴾ فأكمل لها صداقها.
ومما تقدم يتضح لنا أن خلع المرأة لثيابها ليس عيبا أو تقليلا من قدرها ولا يحط من قدرها أو كرامتها وإلى غير ذلك من مزاعم نشأت عن عادات وتقاليد وثنية تراكمت بمرو الزمن وزيد عليها من مهوى مبتدعين مصابون بأمراض وعقد نفسية غسلت بها عقول الإناث منذ نعومة أظفارهن.
جاء في النص القرأني الكريم :
﴿نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ﴾ .. أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات وعلى حرف (جَنْب) وواقفات وجالسات وحيثما يخطر ببالك من أوضاع بحسب قدرات الزوجين ومواهبهما الشخصية وتوافقهما على الإبداع والابتكار .
ثم قوله صلى الله عليه وسلم مجيبا على سؤال عمر بن الخطاب : ﴿ أقبلْ وأدْبـِرْ واتَّـقِ الحَيْضَةَ والدُّبُـرِِ ﴾ وبما يعني أنه لا يحدد أوضاعا معينة للجماع على العكس مما كان يفعل اليهود في غيهم وجهلهم.
ويكاد الفقه الإسلامي يحتم على الزوج الكشف عن جسد زوجته وتجريدها كما ولدتها أمها في ليلة الزفاف من باب لا ضرر ولا ضرار لما سبق وجرى إيراده في توجيه الفاروق رضي الله عنه ، والأثر المعصوم الشريف في حالة الزوجة الغفارية.
(يتبــــــع)
الحلقة الثانية
(تاجــوج والمحلق ...... قصــة المأســاة)
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة