…
حرية الرأى والتعبير
[جدلية الممارسة على ضوء رؤية مستقبلية]
[email protected]
|
المهندس/ هاشم طاهر شيخ طه |
أوردت الموسوعة الحرة [وكيبيديا] تفسيراً لحرية الرأى والتعبير كونها تعنى: [الحرية فى التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو العمل الفنى بدون رقابة أو قيود حكومية بشرط أن لا تمثل طريقة عرض الأفكار أو الآراء مايمكن إعتباره خرقاً للقوانين أو الأعراف .. أ هـ] . وكذلك تنص المادة رقم 19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان على : [وجوب تمتع جميع الأشخاص بحقهم فى حرية الرأى والتعبير والذى يشمل حريتهم فى إعتناق الآراء دون مضايقة وفى إلتماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها للآخرين بأية وسيلة ودونما إعتبار للحدود] . والسودان من ضمن البلدان الموقعة على ذلك الميثاق .
ونستأنس هنا إستهلالاً ببعض آراء وأفكار عالم الأنثربولوجى "الإنسانيات" العربى الكبير ورائد علم الإجتماع البدوى الدكتور أحمد أبو زيد فنجده يقول : [الإنسان فى العالم الثالث يخضع لتسلط الحكام ، والحاكم بطبيعته يرفض إبداء مايخالف رأيه ويحدث ذلك حتى فى المجتمعات المتقدمة . نعم قد تكون هناك مساحة من الحرية فى حدود لاتهدد النظام ، وأى خروج عن ذلك يكبت فوراً ، والحدود عندنا فى العالم الثالث ضيقة الى حد كبير ، وسقفها منخفض وعلى هذه الشعوب أن تتمرد وتعبر عن رأيها صراحة وتتحمل النتائج وهى وخيمة .. أ هـ] . ومعلوم بالضرورة أن الدول التى تلجأ الى وسائل قمعية وتمارس تكميم الأفواه هى الدول الضعيفة و المهزوزة ، ويحدث ذلك عادة تحت مظلة الشرعية الثورية فى حالة الأنظمة الشمولية التى تصل للحكم عن طريق الإنقلاب العسكرى أبيضاً كان أو أسوداً فالأمر سيان ، فالشاهد أنها تكون أشد فتكاً وشراسة فى بداياتها . ثم تسترخى بعد أن ترسخ أقدامها ولو الى حين وتصبح من ثم واقعاً يتكيف معه الناس شاءوا أم أبوا راغبين كانوا أو مكرهين . وهناك بالطبع الأغلبية الصامتة .. فماذا عنها ؟ وماذا عن [هتاف الصامتين] .. ونذكر هنا أن مابين الحاصرتين هو عنوان كتاب للأكاديمى المصرى وعالم الإجتماع الفطحل الضخم الدكتور سيد عويس ، يتناول فيه مسألة الأغلبية الصامتة التى لاتجاهر برأيها تخوفاً ، وفى مصر من الأمثال الشعبية التى تكرس لثقافة الخوف الكثير نذكر منها : [عش جبان تموت مستور] وكذلك [إن كان لك عند الكلب حاجة قل له ياسيدى].. نعم هكذا .. ولعل ماذكره الشيخ محجوب مصطفى خطيب الجمعة المتفرد بمسجد كلية الهندسة بمدينة بورتسودان يذهب ذات المنحى فقد ذكر ضمن خطبته أن هنالك علماء وفقهاء صامتون كما العامة لايدلون برأيهم يمسكهم الخوف ، وقد ذكر أحدهم ذلك للشيخ دون مواربة أو خجل فقال [إنى أخاف] وليته كان أكملها وقال : [إنى أخاف الله رب العالمين] .. ويا سبحان الله ! وهل الخوف إلا من الله سبحانه وتعالى. ويُذكِّر الشيخ محجوب فى تلك الخطبة الممتازة بما ورد فى الأثر : [نصف رأيك عند أخيك] .. ويتحدث عن الشورى والتناصح .. الخ . ونعود للدكتور العلامة أحمد أبو زيد فنجده يقول : [الدولة تحب تجاوب الجماهير معها والصمت يحيرها وتتساءل لماذا يسكت الناس ، وترى فيما يفكرون ؟ .. فأكثر ما تخشاه الدولة شيئين الثورة والصمت ، وأعتقد أنها تخاف أكثر من الصمت لأنه نوع من السلبية وعدم الرضا . لهذا أرى صمت الأكثرية مقاومة مثل المقاومة التى إنتهجها المهاتما غاندى وهزت أركان الإمبراطورية البريطانية ، ثم يردف متسائلاً : تخيل أنك لو دخلت بيتك وأدار لك أولادك ظهورهم كيف سيكون شعورك ، ثم يختم بقوله : أنا لا أتخوف أبداً من الصمت وأعرف أن هذا الرأى سيختلف معه البعض لأنى لا أراه سلبية بل أعتقد أنه تعبير عن الرأى بالصمت].. إنتهى قوله . أقول لعلى أحد المختلفين مع هذا الرأى فالدكتور رغم مكانته العلمية السامقة وباعه الطويل ومعرفته الموسوعية فات عليه أن هناك أنظمة حكم فى عالمنا الثالث سميكة الجلد لاتستشعر وخزاً ولا يصم أذنيها صراخ دعك عن الصمت ، وحتماً يروق لها ذلك الهتاف المكبوت الذى لا تتعدى ذبذباته الصوتية مصدرها بالكاد ، وبالتالى لايؤثر عليها – أعنى تلك الأنظمة - عملاً بالمبدأ التقليدى القائل [السكات رضا].. وأنا أقول بذلك أجد من يوافق الدكتور رأيه فيقول الشاعر الصاغ محمود أبوبكر "رحمه الله" صاحب [صه ياكنار] :
إن يك الصمتُ رهيباً ** إن فى الصمتِ كلاماً
واليوم العالم من حولنا يتحرك فى نشاط دؤوب والحديث لا يمل عن ما أسموه [بيان الديموقراطية المباشرة] .DIRECT DEMOCRACY MANIFESTO
وهو نسق علمى هدفه تحديد التوجهات السياسية للقرن الحادى والعشرين ويحدد فيه المسئول عن إتخاذ القرار بالنسبة للمجتمع ككل و السلطة التى تخول له ذلك . ومعلوم بالضرورةأن النظام التمثيلى أو النيابى يحصر مهمة إتخاذ القرارات فى أولئك النواب دون غيرهم فهم الذين ينوبون عن مجتمعهم و يستمدون من تفويضه لهم قوتهم تلك ، ولا يعجب القارئ الكريم فكاتب المقال يتحدث عن الوضع الطبيعى للممارسة ويعلم علم اليقين أن هنالك أنظمة نيابية فى أنحاء كثيرة من عالمنا العربى لاينطبق عليها ذلك الأمر بل حتى لايسمع لها ركزاً .
وحتماً تتسع الدائرة عبر ذلك النسق المأمول عبر وسائط تكنولوجيا المعلومات والإتصال الإليكترونى وبالأخص شبكة المعلومات "إنترنت" التى يساء إستخدامها الآن ، ويستغلها البعض لعرض المواقع المبتذلة والإسقاطات وما يليها من فاحش القول والمهاترات ، وهكذا يُفعل دائماً بالأشياء الجميلة . وإذا تحقق كل ذلك وسادت الديموقراطية الإليكترونية وعمت الكثير من دول العالم بحلول العام 2020 كما يخطط لها إن شاء الله ، حينها سيكون الحديث عن الحكومة الإليكترونية والمواطن الإليكترونى الذى يتمتع بقدر أكبر من حرية الرأى والتعبير وبمشاركة فعلية مباشرة فى إتخاذ القرار فى كل مايهم مجتمعه ولاتقتصر تلك المشاركة على الإدلاء بالأصوات فى المواسم الإنتخابية وإنما تتسع الدائرة لتعنى الإسهام الحقيقى مع الآخرين للبحث عن الحلول المناسبة لمشاكل المجتمع والمساهمة فى طرح قضاياه بصورة أشمل وتتم من ثم دراسة هذه الأفكار والمقترحات بصورة علمية جادة أكثر موضوعية بغية الوصول الى القرار المناسب الذى يساهم فيه قطاع عريض من أصحاب الرأى فى المجتمع . فيتحقق بذلك للدكتور سيد عويس ما أسماه [هتاف الصامتين] مع إستحالة المقارنة بالطبع .
وفى الختام نقول : حسناً .. إذا حدث كل ذلك فهناك سؤال يبرز متحدياً : إذاً ماجدوى إختيار ممثلين ونواب بالنظام التقليدى القائم الآن الذى يقول عنه الدكتور أحمد أبو زيد : [ تحت النظام التمثيلى يتولى إتخاذ القرارات بالنسبة للمجتمع كله عدد صغير من الأفراد "الممثلين أو النواب" الذين يستمدون قوتهم من الجهل السياسى لدى معظم أعضاء المجتمع . فالتصويت الذى يعتبر تعبيراً عن الإرادة السياسية للفرد هو فى الحقيقة تنازل عن تلك الإرادة السياسية للشخص المرشح وهو تنازل يتجدد فى كل دورة إنتخابية وبذلك يفقد الأفراد حرية الإختيار ويخضعون للقرارات التى تتخذها تلك الأقلية التى تتمتع بالهيمنة والسيطرة وتسخر مبادئ الديمقراطية فى كثير من الأحيان لخدمة مصالحها الخاصة ] .. إنتهى قوله ، وأعقب عليه مختتماً مقالى .. ليت العالم الجليل أضاف عبارة : [وذلك فى أفضل الأحوال] ولعله فات عليه أيضاً ماذكرنا قبلاً وهو أن هنالك مجالساًً نيابية هى أيضاً صامتة لاجدوى لها و لادور يستشعر تكاد تنعزل عن مجتمعها و لاتنفعل بقضاياه . ولكاتب المقال تجربة شخصية فقد أطلق قبل أعوام خلت ثلاثة أوراق عبر الصحف وشبكة المعلومات "الإنترنت" على فترات متباعدة تناقش قضايا هى من صميم تخصصه تشمل : مشروعات قرى البحر الأحمر النموذجية وطوكر الجديدة و الأبراج المقترحة بسنتر بورتسودان [عمائر خور موج] . فكان يتوقع فى كل مرة أن ينبرى أحد النواب ويتولى طرحها ومن ثم يستضيفه المجلس التشريعى بولاية البحر الأحمر فى إحدى جلساته لمناقشة موضوعاته تلك ، وذلك لأهميتها القصوى. ولكن للأسف لم يعره أحد إهتماماً بل سخر منه البعض ووصف بما وصف . وتناولته الأقلام المرتجفة التى لاتفهم ماتم طرحه بالتجريح والنقد الهازل غير الموضوعى ، وهو لايأبه لكل ذلك بفضل من الله ولكامل
قناعته بجدوى مايكتب ، ولعله ينتظر إنطلاقة بيان الديمقراطية المباشرة ليفيد منه ما إتسعت فسحة الأجل وماكان فى العمر الذى تقدم حثيثاً بقية ترتجى .
ولنعرف قيمة الحرية معلوم أن المولى سبحانه وتعالى خلق الكون لغاية هى عبادته وحده جل شأنه وهو القائل فى محكم تنزيله :[ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون]الذاريات56 . ورغم ذلك جعل الخيار للإنسان فى أن يؤمن أو يكفر ولنقرأ الآيات التالية فالله سبحانه وتعالى يقول مخاطباً رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم:- [...أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين].. يونس 99 وكذلك يقول [...فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر] الكهف 29
المراجع :
1. مجلة العربى الأعداد 595 ، 597 يونيو ، أغسطس 2008..
2. شبكة المعلومات (INTERNET).
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة