د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
المنعطف التاريخي للتغيير
اي كانت النتائج التي ستتمخض عنها رئاسة اوباما للولايات المتحدة فان فوزه سيحقق ثورة كبري في مجال نهوض الاقليات و بحثها عن حقوقها كاملة غير منقوصة. صحيح ان السياسة الخارجية الامريكية هي سياسة دولة لا تخضع كثيرا للفعل الفردي. في نفس الوقت هنالك دور مؤثر للفرد في التاريخ ، كما ان الولايات المتحدة دولة تعطي للخصائص الشخصية فرصا كبيرة في ان تتحول الي افكارا بناءة و ان تترجم تلك الافكار في سياسات عامة. ان ذلك من صميم الادراك الفردي و سلوك الوحدات الاقتصادية الذي ترجع اليه الكثير من مخرجات المجتمع الامريكي في الاقتصاد و السياسة. في حديث اوباما بعد الانتصار لم ينسي ان يحي نضال المواطنين المنحدرين من اصول افريقية و لاتينية كما لم ينسي ان يحي المواطنين الاصلين . لم يكن ذلك صدفة و انما هو من صميم اهداف الترشح و الحملة الانتخابية و من اسباب الفوز و جزءا اصيلا من برنامج عمله غض النظر عن النجاح او الفشل.ان فوز اوباما سيحرك خمود الكثير من الطبقات و الفئات النائمة او الواقفة و سيعطيها شارة الانطلاق لتفعل طاقاتها و تنتزع حقوقها.
حتي يتم توظيف التغيير الذي سيجتاح العالم بفعل الاعصار( اوباما) و حتي يكون ذلك التغيير ايجابيا يجب التأقلم مع هذا الواقع و تهيئة المناخ الملائم للتوظيف الايجابي سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا. سيكون ذلك في مصلحة التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و من اهم عوامل جذب الاستثمار الاجنبي لبلد مثل السودان و لتدفق رؤوس الاموال بمختلف انواعها و لمختلف اغراض التوظيف و مداه الزمني. سيصبح التغيير ريعا اقتصاديا يستحق توظيف الاموال و الافكار لتعظيم عائداته.
تعاني الدول التي نعيش في محيطها افريقيا و عربيا من مختلف انواع التمييز ، هناك التمييز القبلي و الجهوي و من حيث الانتماء الايدولجي و السياسي و اهم من كل ذلك معاناتها من التمييز العرقي و الديني. ينعكس ذلك التمييز سلبا علي جميع نواحي الحياة و يحد من القدرات و يهدر الموارد و يفجر النزاعات العنيفة. الدول الافريقية مطالبة بنبذ تغليب المصالح الضيقة التي تنتجها انواع التمييز المشار اليها و السعي لتحقيق التوافق الاجتماعي و بناء مؤسسات جديدة مستوفية لشروط بناء الاوطان و الامم و تدعم ذلك بقوة الدستور و القانون و الممارسة الديمقراطية.
نفس الامر الذي ينطبق علي الدول الافريقية ينطبق علي الدول العربية. بالرغم من قلة حدة النزاعات القائمة علي التمييز في الدول العربية الا انها تشكل عوامل سلبية كبيرة تحد من قدرات الدول العربية علي التقدم السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و تحد من التمازج الثقافي البناء. ان الدول العربية في حاجة لاحداث ثورة من اجل تغير الكثير من القيم السالبة السائدة في مجتمعاتها . هناك الكثير من الاقليات التي لا تجد حقها الطبيعي في المواطنة مثل الاكراد و الارمن و الشركس و الاقليات الافريقية و الهندية و البدون و غيرهم اضافة لنظام الكفالة و مشاكل العمالة الاجنبية التي اصبحت تهدد الامن الاجتماعي في عدد من الدول العربية و يوجد ذلك بشكل اكثر حدة في الدول العربية الاسيوية. من المعروف ان منظمات حقوق الانسان و المنظمات المعنية بالحقوق الاجتماعية تشير كثيرا الي سوء قوانين العمل و التشريعات التي تنظم الحقوق الاجتماعية في البلدان العربية لدرجة تصل حد الاتهام بممارسة الاستعباد.
فوق كل ذلك هنالك المشاكل التي تثار بسبب الدين و تستغل في اثارة الفتن و الغلاغل و الضغائن و تعتبر شرارة لزعزعة الاستقرار السياسي و الاجتماعي . يحدث ذلك في الكثير من الدول العربية الافريقية و الاسيوية و كان اخرها ما حدث لمسيحي العراق خاصة في الموصل.
ما يخص السودان من كل ذلك هو امكانية تحويل التوجه نحو التغيير - الذي يأتي بالتزامن مع التحول الديمقراطي كسانحة تاريخية نادرة- الي مخرجات ايجابية تستمد من التنوع العرقي و الثقافي و الديني لكي يصبح ذلك عامل قوة محركة توظف ايجابيا في البناء و الترابط الوطني. ذلك لان التنوع في السودان ليس كتنوع الاخرين فتنوع السودان امر طبيعي بحكم الجغرافية و التاريخ. فنحن افارقة بحكم الانتماء القاري و الاعتبارات الاخري العديدة ، فالسودان مكان لتلاقي و تمازج الحضارات و الثقافات و الاديان و الاعراق. ان السودان هكذا و سيظل كذلك حتي و لو انقسم الي عشرة اجزاء. لن تكون هنالك نهضة او ازدهار بدون ان نبني المؤسسات اللازمة لبناء وطن واحد لامة واحدة و نضمن ذلك في الدستور و القوانين و في الممارسة العملية و ان يكون ذلك دون التواء او شياطين تفاصيل و دون تعدد الاوجه. كل ذلك في وقت يذخر فيه السودان بموارد طبيعية و بشرية تكفي لضمان عيش جميع اهله و تفيض الي ان يعم خيرها العالم ، ذلك بالطبع اذا ما احسنا استغلال هذا المنعطف التاريخي بمتغيراته الخارجية و الداخلية.
|