قضية دارفور وجدية المبادرة الرئاسية ومصداقيتها
بقلم احمد حامد احمد هارون
صدق من قال بان المبادرة جاءت متاخرة ، من الشخص الذي من المفترض ان يكون عاقلاً في السنة الاولي لنشوب ازمة دارفور ، وصدق من قال لولا مورينو اوكامبو لما كانت هنالك مبادرة من هذا القبيل ،ولكن رب ضارة نافعة .
فالحكومة التي كانت توصف طيلة سنوات الحرب في دارفور بحكومة ردات الفعل اصبحت فجأة حكومة مبادرات ، وهذا التحول يؤكد بان اصلاح الحال في السودان في حاجة لعدة (( اوكامبوات )) لا اوكامبو واحد . والذين يقولون بان السودانميين قادرين علي حل مشاكلهم بانفسهم بدون تدخل خارجي يجافون الحقيقة ، والتجارب السابقة خير دليل علي ما نقول وذلك لانعدام الثقة .
فالمبادرة التي بدأت الحكومة في تسويقها خارجياً قبل صدور توصياتها عبر وزير الخارجية والمسئول الاول عن ملف دارفور -( نافع علي نافع – اسوأ خلف لاسوأ سلف ) ، توؤكد بان الحكومة مجبورة لحل مشكلة دارفور اليوم ، وليس غداً لا رحمة باهل دارفور ولا حباً في السلام ، بل محاولة لاستباق الاجراءات الاوكامبوية سعيا لانقاذ الرئيس المتهم او تخفيف الضغط عليه في افضل الاحوال ، وهذا ما يؤكد جدية المبادرة ومصداقيتها ، فلو كانت هذه المبادرة سابقة لاطلالة اوكامبو لكانت مدعاة للشك في جديتها ومصداقيتها ولكن الان لا ريب في جديتها ومصداقبتها ولذلك لابد من الترحيب بها ويظل القبول بها مرهون بتوصياتها ، هذا من جهة ومن الجهة الاخري .
فما هي دلائل جدية ومصداقية الاجماع الوطني ، حتي يتسني الترحيب والقبول برؤيته في طرح حلول لمشكلة دارفور .
ففيما يتعلق بالترحيب يمكن القول بان عدم التاثير ، الايجابي لاتفاق سلام دارفور(ابوجا) علي مجريات الاحداث في دارفور والوضع الذي الت اليه الاحوال من حيث اللا سلم واللا حرب يحتمان علي اي فرد من درافور ان يرحب باي مبادرة تطرح حلولاً للمشكلة او تدعو الي بلورة سبل الحل كالمبادرة الرئاسية التي نحن بصدد الحديث عنها ، ويظل القبول بها مرهون بما يتوصل اليه الاجماع الوطني .
فاطلاق العنان من قبل المؤتمر الوطني للاحزاب التقليدية خاصة بعد حرمانها من التعاطي في الشان الوطني طيلة عقدين من الزمن هو ما جعل الاحزاب تتسارع الي القبول بالمبادرة والمشاركة في بلورتها ووضع بصماتها علي مخرجاتها فما هي مصداقية هذا الاجماع الوطني ؟ اذا اخذنا في الاعتبار بان الاحزاب السودانية التقليدية يجمعها قاسم مشترك مع المؤتمر في عدة نقاط مصلحية ، تتعلق بدارفور هذه من ناحية ومن الناحية الاخري جميع الافراد المشاركين محسوبين الي المؤتمر الوطني ، حتي المشاركين من اهل دارفور ، وهذه المصلحة الحزبية تلقي ظلالاً علي مصداقية الاحزاب .
والي ان تصدر التوصيات فنحن علي ثقة تامة بان الاجماع الوطني، قد خاطب جذور مشكلة دارفور من حيث المشاركة في السلطة ، وعدالة توزيع الثروة والتنمية المتوازية ، فالحرية التي اتسمت بها المناقشات كما يقال تفسر مصداقية المبادرة بالنسبة للمشاركين الذين تمت دعوتهم .
ولكن ما هي مصداقية الاجماع الوطني في نظر اهل دارفور ، ؟
هنا يمكن القول بان مصداقية الاجماع الوطني تكمن في تناول النقاط التالية بالاضافة الي ما سبق ذكرها :-
1- مسالة الجنجويد
2- مسالة الحواكير
3- مسالة المرتزقة
4- مسالة عدد القتلي
5- مسالة التعويض العادل للمتضررين والديات للقتلي الابرياء .
فالامم المتحدة والحركات المسلحة والمنظمات الدولية ، تقول حسب احصائياتها بان عدد القتلي يفوق الثلاثمائة الف والحكومة تقول عشرة الاف وهنا الفرق كبير ، وفهل نوقشت هذه المسالة وتوصل الاجماع الوطني لعدد القتلي حسب المنظور الحكومي وهي مسالة تعتبر من الاركان الاساسية لمصداقية الاجماع الوطني هذا من جهة .
ومن الجهة الاخري لابد ان يكون التعويض الفردي والجماعي عادلاً كما يجب علي المفاوض ان يكون مدركاً لحقيقة ان الجكومة لم تقبل بل تدعو للتفاوض نتيجة للهزائم التي منيت بها ، بل لانها مقتنعة بعدالة قضية دارفور واحقية حملة السلاح في القتال ، فهي تملك من الامكانيات والموارد المادية والبشرية التي تمكنها من الاستمرار في القتال لعشرات السنين وابقاء الحال علي ما هو عليه ،ولكن الاقتناع بعدالة القضية هو ما جعلها ترضخ وتدعو للتفاوض بغض النظر عن المؤثرات الخارجية .
لذلك يجب علي المفاوض ان يستغل هذه النقطة للمطالبة بديات القتلي ، الذين قتلوا عمداً عن سابق اصرار وترصد ويمكن الوصول الي العدد الاجمالي للقتلي بطرح الفاقد من العدد الاجمالي للقتلي ، بمعني ان الحركات المسلحة تعرف عدد شهدائها والحكومة تعرف عدد ((فطائسها )) من الجيش والجنجويد والمليشيات المحسوبة اليها ، وهو عدد قليل جداً بدليل ان الجيش كان يفضل الاستسلام علي الموت وحتي الذين قتلوا عمداً او خطأً من قبل الحركات المسلحة يعتبرون محسوبين علي الحكومة ، التي دفعت اهل دارفور لحمل السلاح ، فكل من قتل بسلاح الحركات المسلحة من غير حاملي السلاح يعتبر قد وجد في المكان الخطأ وفي الوقت الخطأ وتتحمل الحكومة مسئوليته . وبعد طرح كل هذا العدد ( الشهداء + الفطائس وغيرهم ) من العدد الاجمالي للقتلي ، اكثر من ثلاثمائة الف تكون الحصيلة هي القتلي الابرياء العزل الذين يجب ان تدفع الحكومة الديات لذويهم .
ومن الجهة الاخري فالجنجويد حسب المتعارف عليه هم افراد من القبائل الدارفورية المستعربة ، التي استخدمتها الحكومة للاستقواء بها لدحر الحركات المسلحة ، واستئصال جذورها المتمثلة في المواطنيين الابرياء ، وقد ترك الجنجويد ذكري اليمة وماسي لا تنسي ولكن بعد كل هذا الاحتراب وسيلان الدماء حتما سياتي اليوم الذي نتذكر فيه القربي وتسيل فيه الدموع طالما نحن من وفي دارفور .
لكن ما بال المرتزقة التي استخدمتها الحكومة من دول الجوار واستوطنتها في حواكير الغير،بعد ان سودنتهم والحقتهم بالمشيخات المستعربة . فان تطرق الاجماع الوطني لما سبق ذكرها من جذور الازمة وتداعياتها فان المبادرة ستكون مقبولة حتما ، ونحن في انتظار صدور التوصيات .
والكلمة الاخيرة للحركات المسلحة التي يجب عليها ان تعد العجة لما سيكون عليه الحال ، فالوضع الحالي لا يروق للمجتمع الدولي حتي وان رضي به الخصوم ، لاسيما وان الحكومة قد استوعبت الرسالة وهي تسعي الان لالقاء الكرة علي ملعب الحركات المسلحة التي يجب عليها ان تنظر رغم تعددها واختلافها في توحيد الرؤي التي يجب ان تنبع من قناعة ذاتية لاعبر وسيط غير محسوب لدارفور ، فجوبا ليست المكان الانسب لتوحيد الحركات الدارفورية .
ومن المسائل التي يجب ان تحسمها الحركات المسلحة مسبقاً هي هل المفاوضات القادمة ستكون علي شاكلة مفاوضات ابوجا (3) حركات ام كل حركة تشارك باسمها وهل ستنطلق المفاوضات من حيث توقفت مفاوضات ابوجا ؟ وهل الاتفاق القادم سيكون ناسخاً لاتفاق ابوجا، ام اضافة له وملحقاً به ؟ و هنالك العديد من النقاط التي يجب المسارعة بحسمها مسبقاً مواكبة للخطوات التي تتخذها الحكومة لاقناع المجتمع الدولي بسلبية الحركات المسلحة .
طرابلس في 2008/11/6
|