بسم الله الرحمن الرحيم
لمصلحة من إفقار ولاية البحر الأحمر؟
الدكتور/ طه محمد بامكار قبسة
ولاية البحر الأحمر تمثل نموذج مصغر للسودان من حيث التركيبة الاجتماعية، وهي تمثل عمق استراتيجي بالنسبة للسودان وموقعها الجغرافي يعطيها ميزة نسبية من حيث الأهمية الاقتصادية والأمنية وهي ولاية غنية وذات أهمية أمنية قصوى بالنسبة للسودان، ودائما نركز في كتاباتنا لأهمية التماسك الداخلي للنسيج الاجتماعي والبعد عن سياسات غالب ومغلوب بين أبناء الولاية الواحدة في السياسة ونكتب عن الاقصاءات السياسية التي ينفونها شفاهه وسطرا رغم إنها واقع معاش انفردت به ولاية البحر الأحمر.
انشغال القادة في ولاية البحر الأحمر بقضايا انصرافية جعلهم ينسون ان ولاية البحر الأحمر قد تحتضر اقتصاديا عما قريب. قديما كان الحال هكذا في مدينة طوكر التي كانت تساهم في انتعاش الاقتصاد البريطاني عبر قطنها الذي يدعم مصانع لانكشير ، فكيف يعقل ان تعيش طوكر في العهد الوطني فجوة غذائية؟ نعم بسبب السياسات الخاطئة تدهور الاقتصاد في طوكر ويمكن ان نقول ثم ماتت طوكر فأصبحت تاريخا يشير لفشل وأهمال ابناء السودان لها كما فشلوا في تشغيل مشروع الجزيرة.
سواكن المدينة التي كانت معبرا لاقتصاديات العالم وتحوي تاريخ الخلافة الاسلامية هي ايضا فقدت موقعها الريادي وتبكي علي أطلال قصر الشناوي الذي أفل نجمه.. والآن المسرح ينتقل الي مدينة بورتسودان رغم انتعاشها في بعض الملامح العامة والمظهر العام الا أن مواطنها سوف يتأثر تأثرا شديدا بتخصيص الميناء وهذا الاثر سيتجاوز العامل الي اسرته وسوف يسهم هذا التخصيص أيضا في تشريد العمال غير المهرة الذين هم ضحايا عدم وجود دراسات اجتماعية تسبق مثل هذا النوع من السياسات. في الولاية نكتب دوما عن ضرورة توفير فرص عمل تستوعب بعض من طاقات الخريجين. جيوش الخريجين بالولاية في حذر ينظرون صوب الحكومة بعد أن ضاقت فرص الوظيفة في القطاع الخاص الذي وقفت مصانعه كلها000كلها . الغريب في الأمر تفتح مصانع جديدة في ولاية نهر النيل(أسمنت) وتقفل المصانع العاملة في ولاية البحر الأحمر.قيام مصنع يعني تنمية الموارد البشرية وتأهيلها وتشغيل العاملين يعني إحياء أسر عديدة من الموات وبعضهم قد لا يفهم أن (العدم) قد يتسبب في المرض والجهل والموت.
واخيرا يقام في عطبرة اكبر محجر في السودان لتصدير الماشية مباشرة من عطبرة الي خارج السودان وبالطبع متجاوزا محجرنا اليتيم الذي لا بواكي له . وهنالك مشكلة التعيين في المؤسسات الاتحادية الذي يتم خارج أسوار وحدود الولاية والكل صامت كأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد وفي الحقيقة كبرائنا يتوارون خجلا امام هيبة المؤسسات الاتحادية التي تستورد الموظفين من ولايات اخري. ومن اغرب الأشياء ايضا والتي لا يسندها المنطق هو جوع وفقر أهلي وعشيرتي في ارياب رغم الذهب الذي ينساب من جبالها مباشرة الي فرنسا. بالله عليكم إن لم يكن هذا إفقار للولاية ماذا يكون؟ هذا الأمر ليس برئ وانما يتم بتخطيط متعمد سكت عنه كبرائنا لا ادري لماذا؟ . ولأغراض توضيح هذه السياسات الخاطئة تجاه ولاية البحر الأحمر والتي تنتهي بإفقار الولاية، وهذا الإفقار قد يجعل أبناء هذه الولاية يفكرون في البحث عن وسائل وجهات أخرى. وهدف هذه الجهات هو تشتيت الوطن. وهنا سوف أوضح للذين يجهلون مزايا ولاية البحر الأحمر من حيث الأهمية الاقتصادية والأهمية الأمنية. لعل ذلك يرد لها بعض الاهتمام الاتحادي الذي تستحقه ويساهم ذلك في علاج كثير من الهموم الوطنية.
الأهمية الاقتصادية :-
ولاية البحر الأحمر تعتبر ثغر السودان الذي يمر عبره أغلب صادرات السودان ووارداته , وتوجد في ولاية البحر عدة موانئ منها ميناء بور تسودان والميناء الأخضر وميناء عثمان دقنة بسواكن وميناء أوسيف بحلايب ,
ولاية البحر الأحمر بها العديد من المؤسسات الاتحادية مثل شركة التعدين بارياب والمنطقة الحرة وجمارك البحر الأحمر ومؤسسات صيد الأسماك وبشاير للبترول , بجانب انها تذخر بكثير من المعادن مثل الفوسفات في مثلث حلايب بجانب اكتشاف حقول البترول وحقول الغاز الطبيعي في البحر الأحمر.
إن الميزة النسبية لولاية البحر الأحمر تجعلها منطقة جاذبة للتجارة الحرة وتجارة الحدود مع مصر وإريتريا، بجانب إمكانية الاستثمار في مجالات السياحة. ويمكن أن تكون مركزاً للصناعات الثقيلة وذلك لسهولة إمكانية توزيع الإنتاج إلى دول إفريقيا ودول آسيا واروبا عبر البحر الأحمر.
ولاية البحر الأحمر يمكن أن تكون نقطة تجارة وسط بالنسبة لحراك تجارة الحدود بين مصر وإريتريا.بالاضافة الي باقي أنحاء السودان عبر ولاية نهر النيل, ويتم ذلك عبر اعتماد سياسة اقتصادية راشدة تساهم في دفع عمليات الصادر بتقوية الصناعات التحويلية حتى لا يتم الصادر خصماً على المواد الخام التي غالباً ما تكون اقل سعراً وأكثر ضرراً لميزان المدفوعات.
تتمتع ولاية البحر الأحمر بساحل يبلغ طوله 740 كلم متر طولي يمتد من الحدود الإريترية حتى الحدود المصرية , ويمكن الاستفادة من هذه الميزة النسبية في اقتصاديات السياحة واقتصاديات الثروة السمكية بإقامة مصانع لتعليب الأسماك. والتي قد تساهم بطريقة غير مباشرة في استيعاب الأيدي العاملة بأرياف الولاية . ويمكن تنشيط وإحياء تجارة السمك الجمبري المرغوب في الأسواق العالمية، بجانب إمكانية زراعة اللؤلؤ .ويجدر بنا هنا أن نذكر أن الأمم المتحدة جعلت من منطقة سنقنيب محمية عالمية لما بها من لؤلؤ ومرجانيات وحياة بحرية يندر وجودها في العالم 0
إن هذا الحجم الكبير للساحل يمكن الاستفادة منه بإقامة موانئ للإيجار التجاري للدول التي ليس لها منفذ بحري وهذا الأمر يمكن أن يدعم الاقتصاد الوطني. بجانب إمكانية استثمار هذا الساحل في السياحة.
بالإضافة إلى كل ذلك تذخر ولاية البحر الأحمر بأراضي زراعية خصبة مثل دلتا طوكر وخور عرب وخور أربعات يمكن ان تدعم الاقتصاد الوطني.
الأهمية الأمنية :-
أهمية الأمن والاستقرار الاجتماعي وأثره على اقتصاديات الدولة من حيث الحراك الاقتصادي الذي تنفذه الدولة أو من حيث الاقتصاد المستقبلي وهو الاستثمار الذي يتطلب قدرا كبيراً من الأمن والاستقرار الاجتماعي حتى تتمكن الدولة من جذب المستثمرين وتشجيع القطاع الخاص في الداخل والخارج .
ولأهمية هذا الأمر لابد من الحكومة أن تتبنى سياسة راشدة على المدى البعيد حتى تجعل هذه الولاية تنعم بالأمن والاستقرار، لأن أي إخلال أمنى يكون ثمنه باهظ التكاليف , وذلك لاختلاف هذه الولاية في ميزتها النسبية عن جنوب السودان وغربه حيث يمكن أن يكون الأثر السلبي للنزاعات والصراعات سريع من الناحية الاقتصادية والأمنية. رغم أن الساحل الممتد 740 كلم ميزة وأهمية اقتصادية إلا انه يمكن أن يكون مصدر خطر بالغ الخطورة وتهديد لأمن الدولة القومي واستقرارها , إذا لم تجهز الدولة نفسها بقوةٍ تحرس وتأمن هذا الساحل الإستراتيجي وثرواته الضخمة .
إن الدول الكبرى والدول المجاورة تطمع في استغلال هذا الساحل أمنيا واقتصاديا وخاصة بعد ظهور ما يسمى بالحرب الوقائية التي تنتهجها أمريكا لدواعي أمنها القومي الذي تجاوز حدودها إلى حدود الدول الأخرى , وما يحدث من انتهاكات للمياه الإقليمية للسودان والحديث عن امن البحر الاحمر وإزدها تجارة القرصنة ما هو إلا تعبير خفي لأطماع الأعداء التي تستهدف ثروات وموقع هذا الساحل، وهذه الخروقات التي تحدث في شمال المياه الإقليمية للبحر الأحمر من قبل السفن الأجنبية الكبيرة للصيد هو بسبب ضعف الرقابة الساحلية بالولاية , ولاحتواء هذه المهددات الأمنية لابد للدولة أن تنتهج سياسة داخلية تلبى طموحات المواطنين حتى لا يكونوا آلية أو وسيلة في أيدي الأطماع الخارجية، ولابد أن تهتم الدولة بالتنمية الهادفة في هذه الولاية حتى تفند دعاوى التهميش وتتبنى قضايا المنطقة عبر تنمية بشرية تهدف إلى إرساء معاني الوحدة الوطنية وبناء مفهوم السلام، وذلك أجدى بكثير من الصرف على الناحية الأمنية والتأمينية التي تصرف على الصراعات والنزاعات التي تحدث لغياب محور تنمية الموارد البشرية. وتحديد محور التنمية البشرية هو هدف في حد ذاته حتى لا تنشغل الحكومة بمحاور أخرى لا تزيل معاني الإحساس بالغبن وسط أبناء الولاية. إن الاهتمام بهذه الولاية باعتبارها صمام أمان للسودان هو عين الصواب واستشراف حقيقي للأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي للسودان وذلك لا يتم إلا بانتهاج خطط تنموية بعيدة المدى .
|