احاجي شعبية من ديار فور
الحلقة الاولى
(1-5)
[email protected] ثروت قاسم
مقدمة :
هذه الحلقة الاولى من خمسة حلقات .
تلخص هذه الحلقات الخمسة , لفائدة القارئ الكريم , عشرة احاجي شعبية من دارفور. حجوتان فى كل حلقة.
ربما كانت هذه الاحاجي موجودة , بشكل او بأخر , في الاثر, في اكثر من اقليم وبلد . ربما كانت تحاكي موديل جحا وود نفاش . ولكن العبرة المستخلصة من كل حجوة لها علاقة مباشرة بمحنة دارفور الماثلة . يمكن التدبر من مغزى كل حجوة واسقاطه على محنة دارفور .
فالى هذه الاحاجي الدارفورية- المغزى :
الحجوة الاولى :
يحكى انه في سالف العصر والاوان , فى ديار التنجر, كان هناك زعيم قوم ذا بأس شديد . يخاف منه , ويهابه , ويرتعد من الوقوف امامه الجميع . مجرد ذكر اسمه يبعث الخوف والرهبة في القلوب . اذا بلغ الرضيع لهذا الزعيم فطاما , تخر له الجبابرة ساجدينا . وكان هذا الزعيم يشرب الماء صفوا , ويشرب غيره كدرا وطينا .احضر هذا الزعيم معلما لتحفيظ ابنائه القرآن الكريم . ونجح المعلم في مهمته وانجزها على خير وجه , وصار ابناء الزعيم يرتلون القرآن في سهولة ويسر . سر الزعيم ايما سرور بهذا النجاح وقال مخاطبا المعلم :
يا فكي .... اريدك ان تحفظ حصاني هذا القرآن الكريم , تماما كما فعلت مع عيالي . وان فعلت لصرت من المقربين , والا فسوف تكون من الميتين .
اطرق الفكي برهة ثم قال للزعيم :
يا زعيم . انشاء الله تتم المهمة على خير وجه, وبما يسعدكم ويسركم . ولكنني احتاج لحول كامل لاتمام هذه المهمة .
وافق الزعيم على طلب الفكي, مربتا على رأس حصانه الموعود بحفظ القرآن خلال حول من الزمان .
رجع الفكي الى منزله , وحكى القصة لحرمه المصون , التي بدأت في البكاء والنحيب وهي تصرخ وتولول , نادبة حظها العاثر , والمصيرالمحتوم لزوجها الذي يطعمها وابنائها من جوع . ويأمنهم من خوف . زجرها الفكي بحدة قائلا لها :
يا حرمة امامنا حول كامل ... خلال هذا الحول سوف تمر مياه كثيرة تحت الجسر ... فربما مات الزعيم ... وربما مات الحصان ... وربما مت انا ... فالاعمار بيد الله . وربنا الذي عقدها سوف يحلها , والصبر مفتاح الفرج ... امامنا حول كامل ... نعم حول كامل ...
المغزى :
في تعامله مع مشكلة دارفور يحاكي نظام الانقاذ الفكي اعلاه , الذي يلعب على عامل الزمن , ويفترض خاطئا ان عامل الزمن في مصلحته , مع ان العكس تماما هو الصحيح . يجب على نظام الانقاذ مجابهة الواقع الماثل في دارفور , وتفعيل الحلول المعروفة للكل لانهاء محنة دارفور . كفانا مبادرات وحكي, ولنبدأ التنفيذ والتفعيل .
الحجوة الثانية :
في الاثر الدارفورى , ان اثنين من الصيادين اصطادا وعلا من وعول ود المكي البرية . وطفقا يجران هذا الوعل في اتجاه المكان الذي عقلا فيه راحلتهم . ولكن تشابكت اشجار الشوك والاشجار الاخرى الصغيرة على قرون الوعل الضخمة . واصبح جر الوعل امرا صعبا . فهدا تفكير احدهم الى جر الوعل في الاتجاه المعاكس . وقد كان . وبدأت اشجار الشوك في الفكاك من قرون الوعل, واصبح جر الوعل امرا هينا ميسورا . واستمر الشطار الاثنين في جر الوعل , ولكن في الاتجاه المعاكس لراحلتهم وبعيدا عنها . وربما لا يزالان يجران وعل ود المكي في سهولة ويسر, ولكن بعيدا عن راحلتهم .
المغزى :
نظام الانقاذ يحاكي هذين الشاطرين , فكل صباح يوم جديد يبعد عن راحلته…… "مشكلة دارفور" …….لانه اختار الطريق السهل الهين, الذي لا يتطلب منه جهدا, لانفاذ المطلوب منه من افعال محددة, بدلا من الكلام الساكت, والرغي, والحكي, واطلاق المبادرات ذات اليمين وذات الشمال , وتوقيع الاتفاقيات مع هذا وذاك . وهو باختياره للطريق السهل الذي لا يتطلب جهدا, يبعد عن حل مشكلة دارفور التي لن تختفي هكذا من جراء نفسها , والتي يتحتم على نظام الانقاذ تفعيل بعض الاجراءات على ارض الواقع لحلها , رغم اشجار الشوك التي تتشابك مع قرون وعل ود المكي . بيان بالعمل وليس بيان بالحكي .
الصهيوني اولمرت :
بعد ان استقال ايهود اولمرت من رئاسة الحكومة الاسرائيلية , صرح بالاتي:
انه يتعين على اسرائيل ان تنسحب من "لاراضي المحتلة" بما في ذلك القدس الشرقية ومرتفعات الجولان , اذا ارادت السلام مع جيرانها العرب والفلسطينين .... القرار الذي يتعين علينا ان نتخذه هو القرار الذي كنا نرفض طيلة 40 عاما النظر اليه بعين مفتوحة ."
راحت السكرة وجاءت الفكرة…….. ولكن بعد الاستقالة من رئاسة الحكومة . عندما كان اولمرت رئيسا للوزراء, وقبلها عندما كان وزيرا, وعمدة لمدينة القدس , كانت يداه مغلولتان, وعيناه معصوبتان باعتبارات السياسة الضيقة . لم يكن عنده وقت للتفكير الهادئ , كان يجري من اجتماع الى اخر , ومن مقابلة مسئول اجنبي رفيع الى مقابلة اخر , وهكذا دواليك . ولم يكن لديه الوقت للتدبر والتفكر والتخيل . كان يهرول ليستطيع ان يبقى محلك سر , كان يرى الاشجار وليست الغابة . ولكنه عندما ترك السلطة اصبح :
اولا : عنده الوقت الكافي للتدبر والتفكر .
ثانيا : حرا من الالتزامات السياسية المكبلة, وضغوط اللوبيات التي تقيد يديه وحركته , وتجعله يفضل الابقاء على الوضع كما هو, دون تغيير, حتى لا يثير غضب هذه اللوبيات .
ثالثا: يرى الامور بعين مفتوحة كما اعترف هو بذلك . اصبح يرى الفيل وليس خرطومه .
المغزى :
المغزى الذي يمكن ان نستخلصه من تجربة اولمرت الماثلة امامنا يمكن تلخيصه فيما يلي :
اولا : كما اولمرت عندما كان في السلطة , فان القوم في الخرطوم مشغولون 24/7 ... 24 ساعة على 7 ايام . يجرون من اجتماع الى اخر , ومن مؤتمر الى الثاني , ومن لقاء جماهيري الى لقاء اخر , وكذلك السفر خارج البلاد . القوم ليس عندهم الوقت الكافي للتفكير الهادئ , والتدبر , ورؤية الامور على حقيقتها , واستنباط وتخيل الحلول الناجعة لمحنة دارفور, والتي يمكن اختزالها في تفعيل الحلول المعروفة للكل .
ثانيا : على عكس اولمرت , فان القوم في السودان , لا يستقيلون . ونفس الطاقم الذي استولى على الحكم بالسلاح في يونيو 1989 , لا يزال هو هو في السلطة لم يتغير . لا تبادل سلمي للسلطة في السودان , كما في اسرائيل, وجنوب افريقيا مؤخرا, وباقي دول العالم المتحضرة .
ولذلك فان سكرة السلطة لن تروح عن قوم الخرطوم. ولن تجئ الفكرة , ورؤية الامور على حقيقتها في دارفور .
التبادل السلمي للسلطة , يفتح عيون من في السلطة لكي يرى الفيل باكمله وليس جزءا منه . التعقيدات والمماحكات والشطارات والمزايدات السياسية تكبل عقول ساسة الخرطوم, ولا تجعلهم يرون الامور بوضوح , بل تجعلهم يوقنون , باطلا , ان حاملي السلاح في دارفور يزمعون قلب نظام الحكم في الخرطوم . ولذلك تراهم يزايدون ويرفضون تفعيل الحلول المعروفة لمحنة دارفور , خوفا من احتمالات زوال سلطتهم , وهي احتمالات لا تعشعش الا في مخيلتهم . هذه هي محنة الدكتاتورية , ومحنة القرار الفردي المركزي الذي اودى بحياة 300 الف مواطن, وشرد اكثر من ثلاثة مليون دارفوري .
دعنا نأخذ العبر من الصهيوني اولمرت ونتدبر فيما قاله, وهو خارج الحكم, بعد ان اصبح يرى الفيل بكامله, وزالت الغشاوة عن عينيه .
ولكن متى تزول الغشاوة عن اعين القوم في الخرطوم ؟
ومنهم من يستمعون اليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون . ومنهم من ينظر اليك , أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون . ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون
"42-44 – يونس"
عامل الزمن :
اللعب على عامل الزمن وترك المشكلة لتحل نفسها بنفسها لن يفيد نظام الانقاذ شيئا , بل يعقد المشكلة اكثر . جريمة تبديد الوقت لا تغتفر . الحل الذي كان يمكن تحقيقه بسهولة في عام 2003 لا يمكن تحقيقه اليوم . والحل الذي يمكن تحقيقه اليوم في عام 2008 , لا يمكن تحقيقه بعد خمسة اعوام في عام 2013 . يجب ضرب الحديد الساخن الان وليس غدا . يجب تفعيل الحلول المعروفة للكل وفورا .
بيان بالعمل :
معادلة دارفور تنقصها الارادة السياسية المخلصة لتفعيل الحلول المعروفة للكل . لا وقت للمناورات , لا وقت للتكتكة , لا وقت للزوغان , لا وقت للملوص , لا وقت لموص الاتفاقيات "ابوجا" وشراب مويتها , لا وقت للمبادرات "الجامعة العربية" التي تهدف حصريا لتجميد اجراءات المحكمة بدلا من حل محنة دارفور , لا وقت للوساطات التي لا يتكلم وسطائها لغة القوم "باسولي" . لا وقت لكل هذه الشطرنة من نظام الانقاذ. فقد انكشف المستور , وامسك المجتمع الدولي بنظام الانقاذ من اليد التي توجعه "امر قبض الرئيس البشير " . تجاوزنا كل امور الثلاثة ورقات, ووصلنا الى وقت التنفيذ والتفعيل . تفعيل نظام الانقاذ للحلول المعروفة هو بيت القصيد الذي يحل المشكلة وفورا . وبدون تفعيل نظام الانقاذ للحلول المعروفة , فان محنة دارفور سوف تتدحرج من الوضع السيئ اليوم الى الأسوأ غدا .
زمن الكلام قد ولى , زمن المفاوضات قد انقضى . زمن الاجتماعات قد انتهى , زمن الوساطات قد فات . وصلنا الان الى محطة التنفيذ للحلول المعروفة . محطة البيان بالعمل . المحطة التي سوف تحل مشكلة دارفور وتقذف ب اوكامبو ومحكمته الى الجحيم .
خاتمة :
هذه المحطة تحتوي على خمسة مكونات مطلوب من نظام الانقاذ البدء في تنفيذها وفورا وهي :
اولا : ترحيل القبائل العربية الوافدة من دول غرب افريقيا "النيجر , مالي , تشاد" الى بلادها .
ثانيا : نقل حرس الحدود "الجنجويد" خارج اقليم دارفور الى الحدود مع مصر وباقي دول الجوار . ونزع سلاح مليشيات الجنجويد الاخرى .
ثالثا : وقف اطلاق النار .
رابعا : تغيير طواقم الحكم الحالية في دارفور .
خامسا : البدء بصرف التعويضات للمستحقين, والبدء في اعمار ما تهدم ابان الحرب من مدارس ومستشفيات وآبار .. الخ
يتبع الحلقة الثانية ..
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة