تاملات في الشأن السوداني
جمال عنقرة
حوار حول مطالب حركات دارفور
ليس أمام أهل السودان خيار سوي التوصل إلي حلول جذرية للمشكلات التي تعاني منها البلاد وفي مقدمتها منطقة دارفور التي لم تعد مشكلة لأهلها وحدهم ولا للحكومة القائمة، وإنما صارت مشكلة تواجه السودان كله، وقد يمتد تأثيرها السالب ويصيب دول أخري مجاورة عربية وأفريقية. لذلك لم يعد هناك خيار سوي الحل الشامل. وبعد أن تراضي أهل السودان جمييعاً علي الحل السلمي، فلم يعد هناك خيار سوي الحوار. ولقد توصلت الحكومة والحركات معاً لهذه القناعة بعد أن تأكد للفريقين استحالة تحقيق أجندتهما بالسلاح. فلا الحكومة قادرة علي القضاء على الحركات المسلحة عسكرياً، رغم ما بذلت من دعم وتسليح للعمل العسكري، ولا الحركات قادرة علي نزع السلطة من الحكومة رغم وصولهم قلب العاصمة الوطنية ام درمان. وفضلاً عن هذا فإن الحوار هو الأصل وما عداه لا سند له. والعودة للأصل أدعي للشكر والحمد معاً.
ولقد باتت أجندة الحوار واضحة وجلية لا تخفي علي أحد. ولقد زادها مؤتمر أهل السودان الذي عقد في كنانة الأيام الفائتة وضوحاً. فلقد نادي كثيرون من أهل الداخل بمثل ما تنادي به حركات دارفور. ولا يستطيع أحد أن يدعي الغلبة لأي طرح، ولكنا نقول أن الحوار هو الفيصل في تبيان الراجح من المرجوح. وهذا الحوار يقتضي مقدماً التأكيد علي لازمة مهمة، ولا بد من اعتبارها مسلمة لا جدال فيها، وهي أن كل الخيارات المطروحة لا بد أن تجد الفرصة للنفاذ متي ما نالت الغلبة، وهذا يعني ألا يكون هناك أي فيتو علي أي طرح قبل أن يتداوله الناس. وعلي هذا الأساس يمكن أن تتم مناقشة القضايا المطروحة.
قد لا تكون هناك خلافات جوهرية حول التعويضات وجبر الضرر ومحاسبة المخطئين. ولكن المشكلة تكمن في مطلبين أساسيين هما منصب نائب الرئيس الذي تنادي به حركات دارفور لأهل الإقليم، ثم طلبهم بأن تعود دارفور إقليماً واحداً مثلما كانت قبل الإنقاذ. وفي هاتين القضيتين أجد ملاذاً آمناً فيما طرحه الزعيم الإتحادي الأستاذ علي محمود حسنين من مخارج لأزمة دارفور. فبالنسبة لقضية الإقليم الواحد كان طرحه يقوم علي تجميع الولايات في أقاليم كما كان العهد سابقاً، فيجمع ولايات دارفور إقليم واحد هو إقليم دارفور تكون له سلطة الولاية القائمة الآن وتأخذ الولاية سلطات المحلية أي المحافظة وتصير المحليات إلي سلطة أدني في الحكم. وذلك الذي يطبق في دارفور يتنزل علي بقية الولايات الأخري، فتجتمع ولايات كردفان في إقليم كردفان، وولايات القضارف وكسلا والبحر الأحمر في الإقليم الشرقي، وولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض والنيل الأزرق في الإقليم الأوسط، وولايات نهر النيل والشمالية في الإقليم الشمالي، وتبقي الخرطوم علي حالها في ولاية الخرطوم بحدودها المعروفة ومحلياتها القائمة. فتكون بذلك ولايات الشمال قد جمعت في ست أقاليم. ويظل حكم الجنوب علي ذات مستوياته الحالية التي أقرتها إتفاقية نيفاشا للسلام.
أما بالنسبة لمسألة نائب الرئيس كان رأي الأستاذ حسنين أن تعود رئاسة الجمهورية إلي الجماعية التي كانت عليها أيام أنظمة الحكم الديمقراطية علي أيام مجلس السيادة ومجلس رأس الدولة. ويكون الرئيس قومياً كما حدده الدستور يتم انتخابه بواسطة أهل السودان كلهم في الشمال والجنوب معاً. ويكون له نائب أول من الجنوب حسبما حددته إتفاقية نيفاشا وأقره دستور البلاد، ثم يتم اختيار ست نواب من أقاليم البلاد الست يختارهم أهل هذه الأقاليم يشكلون مع الرئيس ونائبه الأول مجلس رئاسة الجمهورية الموجود في الدستور.
بهذه الطريقة نكون أولاً قد حافظنا علي روح إتفاقية نيفاشا التي يهددنا أصحابها بالحرب إذا خرجنا عن سقوفها، ويعتبرون أي حديث عن أن الإتفاقية ليست قرآناً ولا انجيلاً تهديداً للإتفاقية ومساساً بها يستوجب العودة إلي الغابة وحمل السلاح. ثم بعد ذلك لا نكون قد حققنا مطلب أهل دارفور فحسب، وإنما نكون كذلك قد أطفأنا كل شرارة يمكن أن تنطلق منها نار محتملة. ولا يخفي علي أحد أن ذات ما يطالب به مقاتلو دارفور يلوح به غاضبون من مناطق أخري في السودان في الشرق وفي كردفان وفي الشمال أيضاً. وميزة هذا الحل لو ارتضيناه أو بحثنا عن شبيه له يحقق الغاية المرجوة بأفضل منه أنه لا يقصر الحل علي حاملي السلاح وحدهم. فنكون بذلك قد سنينا سنة نرجو أن يكون لنا أجرها وأجر من عمل بها ممن يأتون بعدنا.
أما بالنسبة لقضية التنمية فتقوم علي أسس واضحة حسب دراسة حال كل إقليم. ويوضع للأقاليم تصنيف واضح تحدد علي أساسه الأولويات، ويقوم صندوق قومى لدعم تنمية الأقاليم حسب ما نتوصل إليه بالدراسة والتحليل. وبذات النهج الذي تم به تقسيم البترول بين مواقع الإنتاج والمركز، يتم توزيع كل الثروات السودانية مثل الثروة الزراعية والحيوانية والمعدنية وثروات البحار بين الأقاليم المنتجة لها والمركز. ويكون توزيع السلطة علي أساس الكثافة السكانية، فلو وجد أن أهل الجنوب يمثلون 34% (28+6) من أهل السودان يكون هذا هو نصيبهم في السلطة المركزية، ويزيدون إن زادوا وينقصون إن نقصوا. ويكون هذا هو الأساس الذي يتم عليه توزيع السلطة في السودان ـــ علي الأقل سلطة البرلمان ــ.
جريدة الأخبار المصرية الثلاثاء 4/11/2008م
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة