هل تستجيب الحركات المتمردة لمبادرة أهل السودان !؟
الأربعاء 22/10/200م آدم خاطر
قلت في مقالي السابق أن التوجهات العامة التي عكستها أجواء الاجتماعات بكل من ( كنانة – الخرطوم ) بشأن مبادرة أهل السودان لتسوية المشكل في دارفور، والوقت المقدر الذي خصص والآليات التي وضعت ، نتجت عن روح موجبة وتفهم عميق لغالب القوى الوطنية تجاه ما يجرى ، وهى في طريقها لرسم خارطة جديدة بإجماع وطني وتوافق كبير حول المحاور السبعة التي شخصت الأزمة وجوانبها وحددت مواطن الداء وطرائق الحل لكل . وأشرت أن المؤتمرين قاربوا الخطى لإصدار التوصيات والمقررات لهذا الملتقى والتي أضحت محل ترقب وترحيب في أوساطنا المحلية وأهل دارفور على نحو خاص بحكم الخصوصية التي منحها المؤتمر لقضيتهم والتجاوب غير المسبوق معهم والحرص في الوصول إلى نهايات و سلام لمعاناتهم .هذه المبادرة التي صوبت بكاملها لأجلهم وحل قضيتهم وأفرزت هذا التعاطف ، لزم أهلنا في دارفور أن يقابلوها بنفس طيب ولسان شاكر كعادتهم وأخلاقهم التي لا تعرف الأحقاد ، وتعاون يتجاوز ذاتهم إلى ذات البيت والهم الكبير ( السودان ) والتمرد هو من أطلق شرارة الحريق ووضع البلاد بكاملها ، وأصاب أمنها واستقرارها في مقتل وجعلها عرضة للفرقة والمؤامرات والأجندة الخارجية وتوافد منظمات الشر تحت الغطاء الانسانى وتوفير الخدمات للمتأثرين ! . مطلوبات كثيرة يلزم الدولة وأجهزتها أن تنهض بها لأجل إنفاذ ما تواضع عليه أهل السودان في ملتقاهم الجامع لأجل دارفور لا تقف عند تسريع إعمال القرارات وتوفير المال والمتابعة . وتعبئة واسعة وسريعة ونفرة أهلية مخلصة تنتظر الأحزاب السياسية والقيادات الدينية والزعامات القبلية وكافة قطاعات المجتمع التي انخرطت في هذا النفير أن تقوم بها للتبشير بما تم وحشد الدعم والمساندة لمقرراتهم استكمالا للفرح الكبير . بل الجميع يتوق إلى جهد دبلوماسي واعلامى ثبور ومتصل مأمول لضمان ديمومة هذا النفس حتى يبلغ أشواطه لتعزز الجدية التي برزت في هذا اللقاء الوطني الحاشد .
وبالمقابل ثمة مخاوف كبيرة أن تضيع هذه الفرصة الذهبية النادرة لا عن افتقر لمطلوبات الحل فيما توصلت إليه المبادرة من خيارات وحلول ، ولا عن قصور في الدولة وكياناتها ومن ناصروها من قوانا الوطنية وشرائح المجتمع خلال هذا الملتقى ، وإنما بتعنت وصلف حركات التمرد في دارفور كما ظلت تفعل من قبل . والذي راقب ردة فعلها في الفترة التي جرى فيها هذا الائتمار يقف على تباعد المسافة بينها وما يتوقع أن يسمع لها من صوت وتعبير يؤيد أو يساند ما تطلع إليه الناس وسهروا لأجله !. شواهد كثيرة وعقبات عدة كأداء تجعلنا لا نفرط من التفاؤل وقد تابعنا حركة قادتها وفعالهم النكراء التي لم تكن من بينها دارفور وسلامها ولا طمأنينة أهل السودان واستقرار الوطن . أسباب وافرة تجعلني أنبه من قاموا على أمر الملتقى أن يستصحبوها وهم يضعون سيناريوهات التفاوض مع هؤلاء بالدوحة إذا ما قدر لها أن تقوم بوجود حركتي العدل والمساواة وتحرير دارفور جناح عبد الواحد ، لأن المشهد السياسي يدعونا أن نتهيأ لبعض المفاجاءات غير السارة أو المتوقعة من قبل قادة الحركات إن لم يحسب لها حساب سيكون لها مردود سلبي على مستقبل العملية السلمية برمتها . من بين هذه الأسباب وأبرزها فيما أراه ما يلي : -
1/ خلفيات الصراع بدارفور وطريقة ميلاد وتكوين هذه الحركات في سياقها العرقي والاثنى وهى ولدت متزامنة مع توقيع اتفاق السلام الشامل لجنوب البلاد ، وتباين منطلقاتها وارتباطاتها الداخلية والخارجية ومسيرتها لجهة الحرب والتفاوض والمواقف التي انتهت إليها يكشف عن ضعف في الرؤية الكلية وتصيد الفرص ، وغياب للعقيدة والمبادئ لديها وضبابية المنهج في الوصول إلى هدف بعينه وهى تقتات على حرب العصابات واستنزاف الحكومة وابتزاز ما يسمى المجتمع الدولي والمانحين وتعمد للإثارة والفتن بأجندة كالرمال المتحركة تستوجب التحليل المتعمق !.
2/ استمرار التنافس والانشقاقات والانقسامات والانشطارات ظلت سمة بارزة رفعت عدد هذه الحركات من اثنين إلى أكثر من 33 حركة كلها تدعى المشروعية وتمثيل أهل دارفور ، وتحمل في ثناياها خلافات طاحنة وثارات بالية ومرارات متأصلة يصعب حيالها التحاور وتحديد المواقف التفاوضية وتوحيدها ، حتى وان تم التوصل إلى اتفاق ستواجهه عقبة التمثيل والمناصب وما أعظمها في فتنة في نفوس قادتها ،ومناوى الذي اختاره الوسيط الأمريكي زوليك في أبوجا يومها ما ضمن لاتفاقها البقاء والصمود ولا ندرى كيف سيكون مستقبله إذا استلزم الأمر بعض التنازلات !.
3/ تمويل هذه الحركات وتشوينها وتوفير إمدادات الخطوط لها والتدريب والعتاد لم يكن له ضابط ولا داعم محدد ، وانفتحت خياراتها على الدول والمنظمات ،واتصلت علائقها بتنظيمات معروفة داخل البلاد ، وتشابكت مصالحها مع تمرد الجنوب والشرق ، الأمر الذي يجعلها كثيرة الشبهات متعددة الارتباطات مرهونة القرارات بين الولايات المتحدة – بريطانيا – فرنسا – ألمانيا - إسرائيل وغيرها من الحلقات الأخرى لمجموعات الضغط واللوبي والقوى الدولية التي تعمل على توطين الإستراتيجيات الهادفة لزعزعة استقرار السودان وإضعافه وتكريس هذه الحالة .
4/ الارتباطات الإقليمية لهذه الحركات وخصوصيتها مع كل من تشاد وليبيا وتدخلهما الذي تجاوز الجوار الحسن و ما يمليه من مطلوبات ، بل فاق مستحقات الوساطة والحيدة وخلوص النوايا لجهة الحل وقربها لتعقيد النزاع بانخراطها المباشر تمويلا ومساندة وإفساحا للاراضى والحدود و أضاف عبئا آخرا بابتكار الأزمات فاقم من ويلات الحرب والخراب وعقد مطلوبات الحل باتجاهها ، وبات من الصعب جدا فك هذه العلائق وطلاسمها بعيدة التاريخ وفواتيره القديمة واجبة السداد ! .
5/ المواقف الدولية للاعبين الأساسين في القضية ( أمريكا – فرنسا – بريطانيا وغيرها ) لا تعكس أدنى الرغبة أو الجدية في إيجاد حل للمشكل وهى الأقدر إن رغبت ، وعلى النقيض من ذلك ترسل من الإشارات السالبة في كل موقف وتطور مما يساعد هذه الحركات في المزيد من التعنت والمغالاة وبما يبعدها عن ساحة التفاوض ، وهذه القوى غير راغبة في السلام أصلا وهى ترسل بأجندة الحرب وتمويلها وتروج لها وتحتضن قادة التمرد، وهى من تضع خارطة مسيرهم وترسل المستشارين والسلاح ، وإصباغ صفة الوساطة عليها يصيبني بالحيرة والدهشة على أهميتها وبلادنا لم ترى لها جهدا موجبا وتجاربنا القريبة معها في التعاون الثنائى كاشفة .
6/ هذه الحركات خارج مظلة الاتفاق تراهن الآن على الخيارات المستجلبة من الخارج كانت المحكمة الدولية وسيناريو أوكامبو مما يجعلها تطيل من أمد الوقت وعامل الزمن في التجاوب مع المبادرة حتى وان رغبت لترى ما ستسفر عنه تطورات اتهامات الجنائية الدولية لرئيس الجمهورية . بل هي ما تزال ترهن خياراتها لصفقات أخرى قادمة في سياق التفاعلات السياسية دوليا وما ستخرج عنه الانتخابات الأمريكية القادمة !؟ .
7/ قادة هذه الحركات غير الموقعة بهم عقدة مشربة من كل ما هو عربي أو اسلامى وتراشقاتهم مع الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامى فيما سبق وتعاطيهما مع المشكل يكشف عن تعقيدات قادمة وتقاطعات لجهة الثقة ، بل خلافهما مع الوسطاء الأفارقة كبير جدا ونزعتهم وثقتهم في العنصر الأبيض أكبر وهو ولى النعمة ومن يوفر الملاذ !.
8/ قضية معسكرات النازحين واللاجئين باتت هي الأخرى ملف قائم بذاته تقف عليه دول بعينها ارتبطت مصالحها بهذه الزاوية ، تعمل على استثماره واستخدام من بداخل هذه المعسكرات كدروع بشرية ، ذات الدول هي من تحرك المنظمة الدولية وحملتنا إلى قراراتها لننتهي إلى المحكمة الجنائية وهى تعلم أن الأمر بكامله مسيس ولكن تريد أن تكون معالجته عبر القانون الدولي !!.
9/ بعض هذه الحركات تسيرها أحزاب داخلية تعمل على تحريضها ولن تقبل بأي معادلة حتى وان كانت محل الإجماع والتراضي الوطني أن تتم دون أن يكون لها نصيب فيها ، وهذه القوى تناهض اى تقارب مع النظام القائم وتوالى تعكير مسارات التقارب داخليا وخارجيا بنهج مغالى مما يحتاج لجهد خاص ومعالجة متأنية وصبورة تحفظ ما تحقق من مكاسب !.
10 / هنالك اتفاقات قائمة والتزامات قطعتها الدولة مع أطراف داخلية لصالح السلام واستدامته ، وأي إخلال بها أو تعارض معها أو تجاوز في الاستجابة لسقوف مطالب الحركات ومن يقف وراءها وهى من تسعى لذلك من شأنه أن يولد نتائج عكسية ومطالب هنا وهناك قد تنسف ما توافر كسبه ،مما يستوجب معالجة شاملة تستصحب هذه المعادلات في الحصول على صيغة لا تقوم على المحاصصة والكسب الشخصي على حساب الوطن مع النظر لما يمكن أن تقدمه الحركات ومن يوالونها من ضمانات في التزام التطبيق واستدامة الأمن و السلم المجتمعي ، وليس هنالك من إرهاصات أو أشراط تقود إلى حسن نواياهم وإحسان الظن بهم إلا أن تكون غيبا !! . والله الموفق،،،
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة