د. : الطويل والبحث عن البدائل , المحاذير والفرص !
تصفحتُ ملياً ولأكثر من مرة , مقالان نشرا بأكثر من موقع , للكاتبة المصرية , الدكتورة :أماني الطويل ,حمل المقال الأول عنوان : " المعارضة وبدائل كنانة " والثاني بعنوان : " كنانة بين الفرص والمحاذير " , ولعل هنالك الكثير من النقاط التي تسترعِ الانتباه وتشد القارئ المتأني والمهتم بتطورات الأحداث المرتبطة بأزمة دارفور وما أستجد حيالها من تحرك حكومي " وشعبي " يقوده حزب المؤتمر , متمثلاً فيما يعرف بمبادرة أهل السودان أو ملتقى أهل السودان أو ملتقى كنانة في رواية ثالثة , أياً كان المسمى , فالغاية المعلنة كانت تهدف إلي إيجاد حلٍ جذري " سوداني " لأزمة دارفور , ثم يستتبع حصيلة ذلك الملتقى وما يتمخض عنه من نتائج وتوصيات ـ ترفعها لجانه وهيئتها الرئاسية ـ ملتقىً آخر يعقد في الدوحة ـ قطر , ليكتمل بذلك سيناريو الحل المأمول , في هذا الإطار كتبت الدكتورة أماني الطويل المقالين آنفا الذكر , سنحاول من جانبنا أن نناقش بعض النقاط التي وردت فيهما :
أولاً : عتبت الدكتورة أماني في مقالها الأول على فعاليات المجتمع السوداني غيابها الشعبي في الضغط على القادة السياسيين قبيل الملتقى لأجل الوصول لحلول ناجعة أسوةً بما " فعله اللبنانيون " على الرغم من وجود مخاطر ـ حسب زعمها ـ تكتنف المشكل السوداني ربما تصنف بأنها الأخطر كما ورد في مقالها الأول , وهنا نقول للدكتورة نعم إننا جد متفقون معك بأن الوضع السوداني بأزماته الراهنة , هو الأخطر ليس عربياً و إفريقياً بل ربما عالمياً , ولعل الكارثة التي أحاقت بإنسان دارفور ويشهدها العالم أجمع هي أكبر الدلائل ولا نحتاج بعدها لأكثر من ذلك على الرغم من توفر أدلة أخرى لا حصر لها , لكن بخصوص السؤال الذي أثارته : لماذا لا تتحرك فعاليات المجتمع المدني ؟ ولماذا لا تخرج في مظاهرة وتشكل ضغطاً على الفاعلين السياسيين ؟ , فهنا مربط الفرس وهنا المفارقة وهنا الاختلاف الذي يسم المشكل السوداني , يكمن أُس المشكلات السودانية الراهنة في العزلة التامة بل والقطيعة بين القيادة والشعب أو بعبارة أكثر دقة بين حزب المؤتمر الوطني والشارع السوداني " المثقف " الذي بوسعه أن يتفاعل مع الأحداث ويقرأها ويوظفها من ثم لتحريك الشارع العام له أو عليه , ولنكن أكثر قرباً من المعنى والمقصد في الإجابة عن التساؤل الذي طرحته حضرة الأستاذة : فحتى فكرة أن يكون هنالك ملتقى " جامع ولا يستثني أحد " كما عبر الرئيس , قد ولدت فاقدةً لبعض علامات النجاح اللازمة للتأهل , ففكرة ملتقى كنانة ـ كما عبرتِ ـ قد تمت بل حيكت بعيداً عن نبض الشارع السوداني ومشاركته , أُهمل الشارع بكل أطيافه , أحزابه ومثقفيه وعماله بل وجميع منظماته المدنية , هذا إن وجدت منظمات مجتمع مدني لا يسيطر عليها حزب المؤتمر الوطني ولا يوجه أفكارها ويحدد مسارها فحتى رئيس إتحاد عام عمال السودان قيادي بارز في الحزب الحاكم إذن فأين الحياد و أين الشارع , بله الديمقراطية والشورى ؟! وبالتالي يكون من الطبيعي بمكان أن لا يوجد الإحساس الشعبي بما يدور وبما يجري من فعاليات كنانة أو سواه مما يطرحه حزب المؤتمر الوطني , هذا إذا افترضنا حسن النية والجدية والمصداقية من جانبه , ثم أن الشعب وبرغم تسابق أولوياته الملحة , ليس بغافل عن معاناة دارفور وليس بناسٍ أو لاهٍ وإن طال بياته , فهو وبالتجربة , يعد من الشعوب الرائدة في المنطقة والمعلمة في فن تفجير الثورات وإسقاط الدكتاتوريات وأنتِ العليمة بما أقول , أنتقل إلي نقطة أخرى وردت أيضاً في المقال الأول :
ثانياً : وهي أن الدكتورة قد شنت هجوماً شرساً على بعض الأحزاب التي قاطعت الملتقى , ووصفت ما صدر عنها من بيان بالعمومية وعدم تحديد الآليات حول الحقوق المشروعة لأهالي دارفور , حيث قالت : [ ولكن اللافت للانتباه في البيان الصادر عن اجتماع دار الحزب الشيوعي للمعارضين , اعتماده على خطاب عام يتجاهل تعقيدات مهمة بكل بند من بنوده ] , وقد ذهبت الأستاذة لأكثر من ذلك بأن اقترحت على تلك الأحزاب , بأن تقاتل من أجل المشاركة بدلاً عن الإدانة والشجب بعدم الدعوة للمشاركة ! , لست هنا لأقول بأنني مفوضاً من قبل تلك الأحزاب بالترافع عنها , ولكن أردت القول بأن لي رأيٌ كما للأستاذة الجليلة رأيها , فيما يتعلق بتلك الأحزاب فلأيٍ منها برنامجه السياسي الواضح لحل مشاكل السودان بشكل عام وله رؤيته الخاصة والواضحة لحل مشكلة دارفور , وربما تلتقي تلك الرؤى في بعض النقاط وتختلف في أخرى ولكن القاسم المشترك الذي تتفق فيه جميعاً هو عدم المصداقية لحزب المؤتمر وعدم أخذه في الاعتبار للرأي الآخر , وحتى لا أقع في فخ العمومية الذي نصبته الدكتورة سأورد الشواهد التالية : أولاً عدم إشراك أحزاب سياسية بعينها ـ كما أشار مقالك المذكور ـ عُرفت بقوة رأيها وتمسكها به , مثال الحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي , ثانياً التعتيم الإعلامي الذي أكتنف إعلان الخطوط العامة للمبادرة وعدم نشر أجندتها مما أوحى بالنزعة الأحادية والتفرد بالرأي , ثالثاً توقيت المبادرة أي لماذا الآن بالذات ؟ ودارفور تستعر نارها منذ سنوات ؟ , رابعاً تكوين هيئة رئاسية للجان الملتقى ـ منتقاة سلفاً ـ ومنحها من الصلاحيات ما من شأنه التعديل والحذف والإضافة والإلغاء ! ,خامساً تصريحات مصاحبة للملتقى أطلقتها قيادات فاعلة بحزب المؤتمر الوطني مفادها عدم قبول أي حل من شأنه إخراج إقليم دارفور عن هيمنة المركز , سادساً تصريحات دكتور نافع بأن الملتقى ليس ملتقىً تفاوضياً بقدر ما أنه للخدمات الإنقاذية قصيرة وبعيدة المدى , و لك أن تتصوري ماذا يمكن أن يحدث بعد أن ينفض السامر ويتفرق المؤتمرون أيدي سبأ , سابعاً الأحزاب التي شاركت مع الوضع في الحسبان لثقلها السياسي والتاريخي إلا أنها لم تجد المباركة من غالبية القواعد التي تسندها من سواد الشعب الذين تكتوي جموعهم بشظف المعاش اليومي الذي فرضته عليهم سلطة المؤتمر الوطني , وحتى تلك القيادات التي شاركت أيضاً لها خطوطها الحمر التي لا يمكن تجاوزها أو تخطيها , كل تلك الشواهد التي أوردناها وغيرها كفيلةٌ بأن تحبط أية محاولة للتعاون أو المشاركة وكفيلة أيضاً بأن تجهض أي توصيات يمكن أن يخرج بها الملتقى بله أن يشكل ذلك " فرصاً متجددة للتوافق الوطني " المرتجى الذي ذهبت إليه الدكتورة في مقالها الثاني , أنتقل إلي نقطة أخرى في المقال الأول :
ثالثاً : وحول المعارضة كذلك ذكرت الدكتورة ما يلي : [ إن تكثيف ضغوط المعارضة في إطار الحل الوطني الشامل , وإدارة حوار وطني تفصيلي في إطار المعارضة , لابد أن يزيد من الوزن السياسي للمعارضة السلمية ويكسبها مصداقية مطلوبة لدى رجل الشارع العادي والبسطاء , كما يكسبها الوزن المطلوب لدى الفصائل المسلحة التي أطلقت تعبيرات سخيفة وغير لائقة حول العطالة السياسية للبعض ] , د . الطويل , وهنا نود أن نشكر الدكتورة أماني على هذه الملاحظة الذكية حول أهمية تكثيف جهود المعارضة السلمية , وتكاملها بالتالي مع المعارضة المسلحة , إذ أن هذا ما نحتاجه لكن بشرطٍ واحد هو أن لا تقترح علينا الدكتورة بأن يكون ذلك في إطار موائد الحوار المترفة التي يدعو لها المؤتمر الوطني , حيث أن الشعب السوداني قد سأم ومل تلك السيمفونية التي ظلت تُزف وتُعزف وتُستنزف طوال تسعة عشر عاماً بالتتالي دون أن تطربه وتحرك مشاعره , بل قد زادته ضيماً وأحزاناً وفرقةً وشتاتاً , أردت أن أقول للدكتورة : أن الوضع السوداني الراهن لم يعد ليتقبل أو يتعامل مع أية عقلية إصلاحية أو حلول توفيقية , خلُصت في ذلك النوايا أو أضمرت الأنفس ما أضمرت , وللدكتورة أن تسألني البديل , إذ أن عقليتها الأكاديمية البحتة كما يبدو أنها لا تقبل بأنصاف الحلول ولن ترض بأشباه الأجوبة , ولها نقول : بأن البديل الوحيد المطروح أمام أبناء الشعب السوداني , هؤلاء البسطاء , الفقراء , الكادحون , من أهل الهامش , هو إسقاط هذا النظام السلطوي المتجسد في حزب المؤتمر الوطني وإقصائه عن القصر بكل الوسائل بل ومحاسبته عن كل تلك الجرائم التي أرتكبها في حق الشعب السوداني عامة وفي حق أهل دارفور بشكل خاص , وبعدها يمكن الاستماع لأي رأي ما شأنه أن يسهم في بناء السودان الجديد .
رابعاً : أشارت الدكتورة إلي تغير نبرة الخطاب الرسمي للمؤتمر الوطني حيث كتبت : [ملاحظة الغياب النسبي للخطاب الشعبي والتعبوي سواء في الإعلام أو في الخطابات السياسية والذي كان له انعكاسات خارجية وداخلية سلبية ] , ولعل الإجابة على هذا التساؤل قد عفتنا الدكتورة في البحث عنها حيث ضمنت الإجابة عليه في نفس الفقرة حين أشارت بقولها إلي : " الضغوط الواقعة على الحكومة راهناً , من حيث التغير الكيفي ذلك أن تطور المحكمة الجنائية وما تفرضه من تحديات إلي نظام الحكم , وما استجلبته من ضغوط عربية وإفريقية وضح فيها استقرار مبدأ عدم الإفلات وإقرار العدالة " , شكراً جزيلاً إلي هذا الحد فهذه هي الحقيقة التي لا تحتاج إلي دليلٍ بعدها , فدوافع تغير الخطاب الرسمي للمؤتمر الوطني بل وكل مواقفه وممارساته رهينة بتلك الضغوط وتلك الأزمة المشار إليها وهي ليست بأي حال من الأحوال دوافع وطنية لرفاهية الشعب السوداني وإسعاده وحل مشاكله , ففي حال انتفاء تلك الضغوط أو زوالها " فستعود حليمة " .
خامساً : أما المقال الثاني للدكتورة والذي جاء تحت عنوان " كنانة بين الفرص والمحاذير " , فقد تأرجح بين عدة محاور سادتها الروح التوفيقية المستبطنة بالمحاذير , للجمع بين أطياف سودانية متباينة الأمواج , رأت الكاتبة أهمية أخذها في الاعتبار من قبل المؤتمر الوطني ـ على مائدة التفاوض ـ لما لتلك الكيانات من دور مؤثر في مجرى الأحداث وصناعة القرار , وفي هذا الإطار فقد خصت بالذكر اليسار بكل أطيافه المتعددة , لما له من " القدرات الكامنة " كما عبرت , وكذلك الإسلاميين ممثلين في "الشعبي " على الرغم من ما وجهته من انتقادات لزعيمه الشيخ الترابي بقولها " رغم الاستهداف المباشر الذي يمارسه الدكتور حسن الترابي ضد النظام حالياً " , وفي هذا الإطار لا نملك إلا أن نقول للدكتورة : ما قلناه سابقاً وهو أن الشعب السوداني ممثلاً في قطاعاته الواسعة وفي أحزابه وحركاته المقاتلة في الأدغال , قد أدرك حقيقة واحدة وهي عدم مصداقية المؤتمر الوطني وعدم جديته في الوصول لحلول تستوعب كل قضايا السودان وأزماته وعلى رأسها بكل تأكيد أزمة دارفور , وأن ما يجري باسم مبادرة أهل السودان وما يتلو ذلك باسم المبادرة العربية ما هو إلا البحث عن مخرج من أزمة الجنائية الدولية وبالتالي لا خوف من المحاذير ومن ضياع الفرص ..
حاج علي ـ السعودية
Thursday, October 30, 2008
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة