صوفية باقان .. وابداعات عرمان (4)
وقفة عند عبدالفتاح عرمان
Email: [email protected]
د. عباس محمد السراج
طبيب نفسى ببريطانيا
اخيرا بدأ بعض الصحفيين فى رمى بعضهم بعضا ، بالجنون واختلال العقل والاضطراب النفسى . ومن أحدث ما طالعناه فى هذا الشأن ما كتبه الاستاذ عبدالفتاح عرمان عندما كتب مقالا يتهم فيه السيدين الطيب مصطفى وزميله اسحق فضل الله باختلال العقل ، وينصح بعرضهما على طبيب نفسى ، للفحص والعلاج . وساق عدة حجج كى يدلل على ما ذهب اليه . ثم تبرع وأعلمنا ببعض الامراض الى يعانون منها فقال مثلا :
(إسحق وصحبه من الأصوليين مصابون بما يسمى في علم النفس الحديث بimperceptions أي إضطراب الإدراك وهو يعتبر أحد أعراض الإضطرابات أو الأمراض النفسية وينجم عنها، كإدراك أشياء لا وجود لها في الواقع الفعلي، مثل الهلاوس. ومن أنواعه أيضاً ما يعرف بسوء التأويل، حيث توجد أشياء في الواقع لكن لا تدركها الشخصية كما هي عليه فعلاً في الواقع بل تدركها محرفة وأحياناً تقوم بتحريفها بحيث يتفق هذا التحريف مع حالتها النفسية. أيضاً كتابات إسحق وأخيه الطيب مصطفى تأخذ طابع الإنفعال وشخصنة القضايا ويستخدمان لغة عدوانية وتتسم بالغطرسة والتعالي، وهذا ما يطلق عليه في علم النفس ب"psychological arrogance" وهو كما عرفه عالم النفس فرج طه في بعض دراساته في عام 1990 بأنه يعبر عن الحالة التي يسلك فيها صاحبها سلوكاً يشير إلى مزيد من الغطرسة والتعالي والإستعلاء؛ وأيضاً الأهواء والإنفعالات التي تتسم بها كتابات الإخوة إسحق-الطيب مصطفى هي حسب التعريف النفسي اضطراب عنيف يصيب الوجدان لجهتي الفرح والحزن، كالغضب، والحب محدثاً آثاراً جسدية، نفسية وفكرية.
وأيضاً إسحق وإخوته يتقنون لغة الشكوى والإدانة التي أنتجت المآزق والإخفاقات والخيبة والإحباط من المشروع الذي كان نتاجه الجوع والفقر وامتداد الحرب في كل جهات السودان لذلك راحوا يختلقون الكذب والقصص التي لا تأتي إلا من خيال مريض وهو ما يسمى في علم النفس هوا الكذب (Mythomania) وهو عرض يشير إلى إضطراب نفسي ) .
وطالما ان الاستاذ عبدالفتاح لم يدعى انه عالم من علماء النفس ، أو طبيبا من اطبائها ، فلن اتناول حديثه هنا بالتعليق والجرح والتعديل ، فما أظن أنه أراد أن ينصب من نفسه خبيرا بعلوم النفس ، وعالما بادوائها ، بقدر ما انه يريد أن يغيظهما ، ويجرح مشاعرهما ، ويؤذى نفسيهما . وطالما أن الأمر كذلك ، فاننى فقط اطلب من القارى الكريم أن يأخذ الحذر الشديد وهو يطالع مقاله هذا . وأن يرد الأمر الى اهله . حتى لا تضيع الحقوق ، وننزلق الى حفرة جديدة من حفر الباطل.
هذا ولقد كنت من أول الداعين الى ضرورة اخضاع كل المشتغلين يالسياسة الى فحص نفسى وعقلى قبل أن يتبوأ احدهم كرسى السلطة . وكنت قد تحدثت فى ندوة بزيورخ فى منتصف عام 2006 عن هذا الأمر . وذكرت بأن دستور جمهورية السودان يشترط ( العقل ) فيمن سيتولى أو يترشح لأى منصب دستورى . غير أن الدستور لم يتحدث عن الألية التى يتحقق بها هذا الشرط . وذلك لأننا فى السودان تعتبر الاصل (كمال العقل) والشذوذ هو ما عكس ذلك . وفى رأيى ، ان الأمر حينما يكون متعلقا بالسياسة ، ومصائر الشعوب ، فاننا يجب ان نعتبر الاصل فى الأشياء هو ( فقدان العقل أو نقصه ) حتى يثبت خلاف ذلك .
والذين كتبو دساتير السودان المختلفة لم يتنبهوا لهذه الألية المطلوبة . وذلك تقليدا لما عليه الوضع فى الدساتير الغربية . ناسين أو متناسين أن الوضع فى الغرب مختلف ، وذلك لوجود الصحافة الحرة . ولوجود الصحفى الحر ، المستنير والمتعلم والواعى بمسئولياته . ولذلك تلعب الصحافة الدور الرقابى ، على السياسيين . فتنقب عن سيرتهم ، وتبحث عن تاريخهم ، وتكشف عن خباياهم ، ولا تترك كبيرة ولا صغيرة ، الا وتقف عندها وتسردها للناس . ولقد رأينا كيف كاد الرئيس الحالى (بوش) أن يفقد فرصة ترشيحه بسب ما اشيع عنه أنه مدمن للخمر. ورأينا كيف دافع هو عن نفسه وأثبت أنه قد عولج وتعافى . والادمان هو من الامراض المثبتة فى دليل الامراض العقلية.
ونتابع الان ما يدور من لغط كبير حول المرشح الديمقراطى ( اوباما) . عن اصله وفصله وعنصره ومعتقده ودينه ، وهل هو ارهابى ، يحمل أفكارا ارهابية أم أنه تربى فى بيئة تدعو للآرهاب .
وكنت قد طالبت الصحفيين فى تلك الندوة فى زيورخ بان يضطلع الصحفييون بدورهم . تماما كما يصنع نظراؤهم فى الغرب. وقلت اذا لم يقم الصحفيوون بهذا الدور، فيكشفوا عن المخبؤ، ويميطوا اللثام عن الميول والطباع والبئات التى تربى فيها السياسيون ، وعن بنائهم الشخصى ، ..الخ فسيكونون مقصرين فى أمانة القلم ومسؤولية الكلمة . وسيكون مشاركيين للسياسيين فى كل الجرائم التى يرتكبونها ، فيتحملون معهم المسؤلية قدما بقدم ، وذراعا بذراع .
وأذكر ان السيدين عادل الباز والطيب ساتى ، لم يعجبهما حديثى ، انذاك ، واستنكرا قولى. ففى حين أن الاول امتنع عن الرد ، ذهب الاخر يرد على ردا طويلا ، وبرغم طوله لم يجب على ما اثرت من نقاط .
وانا لم أترك أحدا من أهل السياسة التقيت به ، الا وأثرت هذا الأمر معهم . لأنى على قناعة كاملة ، بأن المصائب التى تعانى منها دول العالم الثالث هى بسبب المرضى النفسانيين وأولئك الذين يعانون من أمراض عقلية واضطرابات فى الشخصية ، الذين ضلوا الطريق فبدلا من أن يكونوا فى المستشفيات النفسية ، سكنوا قصور الحكم ، واحتلوا قاعات البرلمانات ، وجلسوا فى كراسى الوزارة .
وأعتقد بأن السودان هو الدولة الوحيدة التى تكافىء القتلة ، وقادة عصابات القتل ، والمجرمين ، والخارجين على القانون ، واللصوص وقطاع الطرق ، فتجعل منهم سادة ، واعيانا ، وكبارات ، وقادة مجتمع . وهذا لا يمكن أن يتم الا بسبب خلل جسيم فى العقلية التى تعطى . فحينما يعطى من لا يملك ، لمن لا يستحق ، تكون المصيبة قد استفحلت ، والنهاية قد اقتربت ، والدمار قد وقع .
ونظرة سريعة للمقالات التى تمتلىء بها الصحف ، المطبوعة منها والالكترونية ، تكفى اصحاب البصائر كى يعرفوا حقيقة الوضع فى السودان اليوم . فاذا كان هذا هو فكر الطليعة ( المثقفة) و(المتعلمة ) و (المستنيرة ) ، فماذا عن السوقى ، والجهلة ، وفاقدى البصيرة ؟؟.
لقد كتب السيد عبدالفتاح عرمان ما كتب وهو يساند ويعضد اخاه السيد فائز الشيخ السليك والذى كتب فى عموده ( فضاءات ) في صحيفة ( أجراس الحرية ) حيث طالب فى عموده هذا الى ( اخضاع (ظاهرة) إسحق أحمد فضل الله وأمثاله إلى تحليل نفسي لمعرفة الأسباب الكامنة وراء عدائها لقطاع الشمال أو بالأخص (ياسر-فاقان) .
هذا وبما أننى أكتب عن السيدين ياسر عرمان وباقان اموم سلسلة مقالات ، مستهدفا بنائهما النفسى والعقلى والشخصى ، الا اننى ملتزم تماما باصول التحليل العلمى ، باعدا نفسى _ بقدر المستطاع – عن اى اهواء شخصية أو احكام مسبقة ، أو ميل عاطفى . حيث أن هدفى هو الاصلاح ما استطعت .
ولذلك حرى بمن هو مثلى ، فى اتباع الخط المستقيم ، أن يكون واقفا فى جانب الحق ما استطاع . وهو طريق محفوف بالمخاطر وممتلىء بالمزالق والمطبات ، لذلك فان التأنى مطلوب والتدقيق واجب ، ومخافة الله فرض.
من هنا ما ترددت لحظة واحدة فى أن أرد على السيد الطيب مصطفى فى مقالتى السابقة حينما رأيت انه قد زاغ عن الحق واتبع هواه فى تلك المقالة المنشورة باسمه ، والتى اتضح فيما بعد أنها مقالة مزورة ومنحولة ومدسوسة .
وبهذه المناسبة فكما اعتذرت سودانايل عن خطأها غير المقصود ، اجد من واجبى أن اتقدم باعتذارى للسيد الطيب مصطفى ، عن مقالتى انفة الذكر ، فلقد خدعت كما خدع غيرى من الاف القراء . ونرجو من السيد الطيب مصطفى أن يسامحنى كون اننى نسبت اليه اقوالا لم يقلها . وعذرنا فى ذلك واضح .
ولئن كان على أن أقول كلمة أخيرة فاننى اترجى اخوتنا الصحفيين أن يسهموا معنا فى الدعوة الى تفعيل مادة دستور السودان التى تدعو الى أن يتولى شئون الحكم فينا العقلاء ، الطيبون ، طاهروا الألسن ، عفيفوا الأيدى، والذين لم تتلطخ ايديهم بالدماء ، ولم تتلوث السنتهم بالبذاءات والشتائم ، والذين لم تسود قلوبهم بالأحقاد والسخائم . وأن يحبسوا السنتهم عن قول الخنا، ورمى بعضهم البعض بالأتهامات الجائرة ، وأن ويمنعوا أنفسهم عن الهوى والسقوط فى الطين والأوحال .
والله أسأل أن يهدينا جميعا الى الصراط المستقيم .
نواصل ان شاء الله ....
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة