) استقلال القضاء الوطنى (قضية ستظل مطروحة ومطروقة (2)
لعله مما يحمد لحكومة الانقاذ إنها وفى اطار التزامها بالتحول نحو دولة المؤسسات والحقوق والحريات تدرك اهمية دور القضاء فى ذلك التحول وتقر بما لحقه من تسييس وتلتزم بالاصلاح بدليل ماوردفى اتفاقية نيفاشا والدستور من نصوص واضحة تقنن لاعادة هيكلة القضاء بما يضمن حيدته واستقلاله .
كذلك نصت اتفاقية القاهرة بدعم ماجاء فى اتفاقية نيفاشا بشان القضاء وتم تحديد آليات مشتركة لتنفيذ اتفاقية القاهرة ومن بينها الية انيط بها مهمة اعادة ترتيب اوضاع السلطة القضائية بما يضمن استقلالها . وتم تكرار ذات الشئ فى المصفوفة الموقعة بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية .
واذا كان شيئا من ذلك لم يطأ ارض الواقع فمرده عدم وجود الاراده الحقيقية لحكومة الانقاذ فى تنفيذ الاتفاقيات والالتزامات الدستورية وتغليبها لخيار تكريس الواقع وتجاهل متطلبات التحول الديمقراطى . وبطبيعة الحال لم يكن امر القضاء استثناءا من ذلك . لتكون النتيجة النهائية هى الازمات الشاملة والمتلاحقة التى تعيشها بلادنا اليوم . وكلما حدث حراك نحو الخروج من تلك الازمات برزت حقيقة عدم استقلال القضاء ، من هنا فهى قضية يجب ان تظل مطروحة ومطروقة .
ان قضية استقلال القضاء الوطنى تكمن فى المفارقة بين التشريع الذى يقنن ويحمى استقلال القضاء والواقع الذى يناقض ذلك التشريع . من هنا فان المطلوب لتحقيق استقلال القضاء هو مواءمة الواقع بالتشريعات القائمة . ولتوضيح ذلك سأتناول اثنين من اهم مطلوبات استقلال القضاء وهما القاضى وادارة القضاء ونقارن وضعهما تشريعا وواقعا .
القاضى : تاكيداً وحماية لاستقلال القضاء نص الدستور على ضرورة ان يتمتع القاضى بالحيده والنزاهة والاستقلالية والمصداقية. بتطبيق ذلك على الواقع نجد ان حكومة الانقاذ وفى سبيل التمكين وحماية امنها السياسى قامت بفصل العديد من القضاة باسم الصالح العام وتم الابقاء على البعض واحلال البعض بخلفياتهم السياسية . وبرزت مفاهيم جديدة ودخيلة على الوسط القضائى بموجبها اصبح مسموحًا للقاضى بالانتماء الحزبى واعلان ولاءه السياسى والجمع بين الوظيفة القضائية وعضوية الحزب الحاكم وجهاز الامن ثم التسابق نحو معسكرات الدفاع الشعبى والجهاد السياسى , فكانت تلك من اكبر الاخطاء التى ادت الى تسييس السلطة القضائية ومست هيبتها وهزت ثقة المواطن فيها .
أدارة القضاء : ـ حماية للقضاء وللقضاة من تسلط الادارة الفردية وتدخلات السلطتين التنفيذية والتشريعية نص الدستور بأن يدار القضاء بواسطة المفوضية القومية للخدمة القضائية كهيئة مستقلة وذات ايمان بمبدأ استقلال القضاء حتى تستطيع ان تؤدى وظيفتها بكفاءه وشجاعة فى ادارة القضاء وحماية استقلاله .بالفعل تم تشكيل المفوضية من اعضاء السلطة القضائية واخرين من خارجها مثل وزير المالية ووزير العدل ونقابة المحامين .
على مستوى الواقع نجد ان المفوضية ليس لها أى وجود يذكر فقد اكتفت بتفويض سلطاتها لرئيسها وهزمت بذلك الحكمة من انشاءها, علمًا بان رئيسها هو رئيس القضاء المنتمى سياسيًا للحزب الحاكم فهو عضو بالمؤتمر الوطنى وعضو سابق بالمكتب السياسى .
على ضوء واقع حال السلطة القضائية الذى استعرضنا جزءا يسيرًا منه يبقى السؤال ماهو المطلوب لتحقيق استقلال القضاء ؟
وقبل ذلك لابد من التأكيد بانه يجب ان لاتترك مهمة الاصلاح القضائى للجان الحزبية سواء داخل الحكومة او خارجها . كما يجب ان لاتترك للمفوضية القضائية الحالية لان فاقد الشئ لايعطيه . فى تقديرى ان هذه المهمة يجب ان توكل فى بدايتها لمفوضية الدستور فهى المسئولة عن ضمان استقلال المفوضية القضائية بموجب البنود 2/10/1 ـ 2/12/9 من اتفاقية نيفاشا. ولها بموجب تلك النصوص ان تقوم بوضع التفاصيل والشروط والاليات التى تضمن استقلال المفوضية القضائية . وبعد ان تفرغ مفوضية الدستور من القيام بدورها تجاه مفوضية القضاء تصبح الاخيرة مؤهلة للقيام بدورها فى عملية إعادة الهيكلة والاصلاح القضائى المنشود وفق موجهات عادلة وشفافة وموضوعية . من واقع متابعتى كمواطن حريص على إستقلال القضاء يمكننى ان اشير لبعض النقاط كمحاور حوار نحو مفوضية قضائية مستقلة : ـ
§ ان استقلال المفوضية القضائية لن يكون الا بالالتزام بما ورد فى الاتفاقية وفى الدستور من ضرورة ان يكون رئيسها ( وهو رئيس القضاء ) منطبقًا فى حقه شروط الاستقلاليه والحيدة والمصداقية والنزاهة والكفاءة .
§ ان معظم الاشخاص الذين اصبحوا اعضاء فى المفوضية القضائية بحكم وظائفهم او مواقعهم هم اعضاء فى الحزب الحاكم , بالتالى ماهى امكانية الفصل بين واجبهم فى تنفيذ سياسة الحزب الحاكم وإلتزامهم نحو ضمان تحقيق استقلال القضاء خاصة عندما تكون سياسة الحزب سلبية تجاه مبدأ استقلال القضاء ؟ .
§ هل بالفعل الضروريات العملية تحتم وجود اشخاص من خارج السلطة القضائية بحكم وظائفهم أو مواقعهم كأعضاء فى المفوضية القضائية ؟
§ اذا كانت الاجابة بنعم ماهى إمكانية تغليب العنصر القضائى داخل المفوضية القضائية على بقية الاعضاء ؟.
§ هناك ايضًا نقاط يمكن وضعها امام المفوضية القضائية المستقلة وهى تقوم بمهمة الاصلاح القضائى : ـ
§ على المفوضية ان تقوم بدورها كاملاً تجاه القضاء والقضاة دون تفويض سلطاتها لرئيسها .
§ ان عزل القضاة تحت ستار الصالح العام أو الاصلاح القضائى أو اعادة الهيكلة اوغيره من المسميات امر مخالف للدستور والقانون .
§ ان ذلك لايحول دون محاسبة أى قاضى فى أى درجة قضائية يكون قد ساهم فى افساد الحياة العدلية او انتفت فى حقه شروط الحيده والمصداقية والاستقلالية والنزاهة الى درجة السلوك المشين . ويبقى من حقه ان يرد على التهمة ويسمع دفاعه بعيدأ عن اى قناعات مسبقة .
· مع كامل احترامي للسادة قضاة الاحوال الشخصية بالمحكمة العليا أري أن تكون دوائر الطعن الجنائي والمدني والإداري مقصورة علي القضاة المدنيين .
· علي المفوضية التفكير في الوسائل التي من شأنها بث المفاهيم الصحيحة لاستقلال القضاء وكبرياء القاضي مع ضرورة تفعيل وجود القضاة بدارهم وتكوين لجنة فعالة للقضاة تهتم بشئونهم المهنية والمادية والاجتماعية .
· مراجعة اوضاع القضاة السابقين والذين كان عزلهم قرارأ سياسياً ظالماً كما أورد السيد رئيس الجمهورية ,بما يعني إعادة من يرغب فيهم للخدمة والتعويض الفورى لمن لايرغب .
· فى حالة وجود وظائف شاغرة فى الدرجات القضائية العليا يمكن توجيه نداء لكافة القانونيين من ذوى الخبرات داخل وخارج السودان للتقديم لملئ تلك الوظائف للمساهمة في ترفيع الاداء المهني وتحقيق الكفاءة المطلوبة .
أخيراً أقول للأخوة الذين يقولون بأن الاصلاح القضائي واستقلال القضاء لن يتم إلا بحل السلطة القضائية, علينا أن نقبل بالحلول الموضوعية الممكنة ويكفينا تداول المرارات . وللذين يقولون بأن القضاء مستقل وكوفء ولايحتاج لاصلاح ويتوعدون من يقول بغير ذلك بفتح بلاغ في مواجهته ومحاكمته ، نقول عليكم أن تصحوا من سباتكم وتواكبوا ما يجري في البلد من حراك نحو الانفراج الشامل لكل أزماته .
نسأل الله الهداية والتوفيق
عبد القادر محمد احمد
المحامى
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة