صوت من لا صوت له وطن من لا وطن له
الصفحة الرئيسية  English
المنبر العام
اخر الاخبار
اخبار الجاليات
اخبار رياضية و فنية
تقارير
حـــوار
أعلن معنا
بيانات صحفية
 
مقالات و تحليلات
بريـد القــراء
ترجمات
قصة و شعر
البوم صور
دليل الخريجين
  أغانى سودانية
صور مختارة
  منتدى الانترنت
  دليل الأصدقاء
  اجتماعيات
  نادى القلم السودانى
  الارشيف و المكتبات
  الجرائد العربية
  مواقع سودانية
  مواضيع توثيقية
  ارشيف الاخبار 2006
  ارشيف بيانات 2006
  ارشيف مقالات 2006
  ارشيف اخبار 2005
  ارشيف بيانات 2005
  ارشيف مقالات 2005
  ارشيف الاخبار 2004
  Sudanese News
  Sudanese Music
  اتصل بنا
ابحث

مقالات و تحليلات English Page Last Updated: Jul 11th, 2011 - 15:37:55


مطالعة فى طروس كبير العسس و البصّاصين (1)/مصطفى عبد العزيز البطل
Oct 24, 2008, 16:31

سودانيزاونلاين.كوم Sudaneseonline.com

ارسل الموضوع لصديق
 نسخة سهلة الطبع

غربا باتجاه الشرق

مطالعة فى طروس كبير العسس و البصّاصين (1)

مصطفى عبد العزيز البطل

[email protected]

 

 العسس هم الشرطة، و في الزمان القديم كانت العسس هى الجماعة التى تجوب الطرقات ليلا، سهرا علي تأمين الناس و ممتلكاتهم و الحفاظ علي النظام. و أول من إستخدم نظام العسس هو الخليفة الراشد أبوبكر الصديق، رضي الله عنه،  حيث أمر بطواف العسس في الليل للحراسة. و أول من أسندت اليه هذه المهمة هو سيدنا عبد الله بن مسعود، فهو أول عسّاس في الاسلام، نسأل الله أن يتقبل عِساسته للمسلمين، و أن يثيبه عنها  أجزل المثوبة.  أما البصّاصون فهم المخبرون، و كبير البصّاصين هو رئيس المخابرات بلغة عصرنا الحاضر. و البِصاصة هي الرقابة و التخابر و مفردها  " بصّاص ". و هى غير البصبصة  التى مفردها " بصباص "، و  تعني في دارجية  بعض الدول العربية – كما في عامية السودان النيلى - الرجل المنشغل بالنساء والذى لم يسمع بالأية الكريمة ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ...)، و يُقال في شأنه: ( عينو زايغة )! و فى الرواية الشهيرة " الزينى بركات " التى مزجت بين التخييل التاريخى والتأصيل التراثى، إستفاض القاص جمال الغيطانى فى استخدام و تطويع لفظة البصاصة و مشتقاتها و منحها أبعادا عبقرية شديدة الحيوية بحيث يكاد القارئ يحس و يرى، رأى العين، كبير البصاصين، زكريا بن راضى، و أعوانه و هم مستغرقون في شئون بصاصتهم، التى اتخذها الغيطانى رمزا أدان من خلاله أجهزة القمع و الاستبداد في العهد المملوكى، التى ماثل بها أجهزة المخابرات فى مصر الستينات.

و لكن قائد العسس و كبير البصاصين الذى نقلب فى  طروسه و أوراقه، و نتداول صفحات مذكراته المعنونة: ( أوراق من الذاكرة )، لا علاقة له من قريب أو بعيد بعسس و بصاصى  " الزينى بركات " فى عصرهم المملوكى، إذ هو شخصية ماثلة للعيان، فاعلة فى محيط حياتنا الحاضرة المتلاطم، يُغالب موجاتها و تغالبه، تدافعه بسنن التغيير الغاشية و يُدافعها بحنكة الشيوخ العاتية. و قد صدرت مذكرات الفريق أول عبد الوهاب إبراهيم سليمان عن مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية بجامعة أم درمان الأهلية.

تدرج الفريق أول عبد الوهاب إبراهيم، فى سلك العمل الشرطى و الأمن السياسى حتى تسنم  ذري السوامق العوالى من المسئوليات فأصبح وزيرا للداخلية، و رئيسا لجهاز الأمن العام، خلال سنوات بالغة الدقة شديدة الحساسية من سبعينات القرن المنصرم. و قد كان آخر وزير للداخلية يجمع على صعيد واحد بين مهام العِساسة و البِصاصة، إذ شغل – كما ذكرنا - منصبى وزير الداخلية و رئيس جهاز الأمن العام في آنٍ معا. و لكن مقتضيات التمييز والتدقيق تفرض علينا أن نبين فى هذا الصدد جزئية ذات مبنى و مغزى، و هي أن البِصاصة، كإختصاص مركزى سيادى، كانت خلال السنوات الأولي للعهد المايوى منقسمة تناصفا بين كيانين، الأول ذلك الجهاز الذى أطلقت عليه سلطة مايو فى أول عهدها مسمى: " جهاز الأمن القومى "، و قد أنحصرت مهامه رسميا فى جمع و تحليل المعلومات. أما الكيان الثانى فكان هو " جهاز الأمن العام " الذى أضطلع بممارسة الجانب الأمنى التنفيذى العملى و التخابرى. و لكن النظام المايوى عاد في نهاية السبعينات فبدل من أمر هذه القسمة الإختصاصية تبديلا، اذ جمع  فى حاوية واحدة عرفت بإسم " جهاز أمن الدولة " بين العمل المعلوماتي و الاختصاص التخابرى و الأداة الأمنية التنفيذية. و سنّت الحكومة المايوية " قانون أمن الدولة "، الذى خبره معارضو النظام و اصطلوا بناره و ابتلوا بشناره و شكوا منه مر الشكوى، ليكون بمثابة الغطاء الشرعى لعمل ذلك الجهاز.  فأما جهاز الأمن القومى في صورته السابقة الملغاه فقد تعاقب على سُدته كل من الرائد مأمون عوض أبوزيد، الراحل العميد الرشيد نورالدين، و الراحل الرائد على عبد الرحمن النميرى. فلما شبٌ الجهاز عن الطوق و لبس لبوسه التوسعى الجديد، تحت مظلة قانون أمن الدولة، تولى أمره اللواء عمر محمد الطيب، الذى ارتبط إسمه فى مرحلة لاحقة بملهاة تهريب يهود الفلاشا من إثيوبيا إلي إسرائيل. و ظل الأمر علي هذا المنوال حتى أفل نجم مايو و أشرقت شمس الديمقراطية الثالثة، فأعادت حكومة السيد الصادق المهدى الأمر سيرته الاولى، فأرجعت إختصاص الأمن العام التنفيذى الى وزارة الداخلية، ثم إصطنعت جهازا جديدا بإسم " جهاز أمن السودان " إقتصر تكليفه على جمع و تحليل المعلومات و أعمال الاستخبارات المضادة. و عوضا عن أن يتفرغ ضباط ذلك الجهاز لمراقبة أعداء البلاد والمتربصين بها، فإنهم أوقفوا جل همهم على مراقبة و ( جمع المعلومات ) عن رئيس الوزراء الصادق المهدى، و تتبع حركاته و سكناته، فقد كان الرجل الثالث في ذلك الجهاز، و هو ضابط برتبة عميد، و ربما آخرون، علمهم عند الله و الراسخون في الإنقاذ، عناصر ناشطة فى منظومة العمل التخابرى الجبهوى الاسلاموى الذى توجت مجهوداته بإنقلاب يونيو ١٩٨٩. و من الحق أن جهاز أمن السودان، الذى قام فى ظل الديمقراطية التعددية الثالثة، كان من أضعف الأجهزة الأمنية في تاريخ البلاد، و أكثرها  طشاشا و هشاشا و رقة حال. و  لذلك الجهاز طرائف و أعاجيب.  فمن طرائفه و أعاجيبه، بعد أن جعلت الديمقراطية على رأسه العميد (م) عبد الرحمن فرح من قيادات حزب الأمة، أن إحدى أقسام المراقبة فيه وضعت عنصرا أمنيا يرتدى ملابس حديثة، من قميص لامع و بنطال من الحرير و حذاء فاخر أمام منزل السفير المصرى السابق، أحمد تقى الدين الشربينى، لمراقبة زواره و إتصالاته، ووضعت أمام العنصر الأمني الشاب، المدينى الهندام، كومة من البطيخ كى  يبدو  و كأنه يبيع الفاكهة للسابلة. و لم يكن المكان أمام منزل السفير مما يصلح أساسا لمثل هذا النوع من البيوع  فباعة البطيخ، الذين يرتدون في الغالب ( عراريق) بلدية و ( مراكيب )،  يعرضون بضاعتهم فى تقاطعات الطرق الرئيسية لا في المسارات الداخلية المقفرة للأحياء الراقية. ثم أن السفير نفسه كان كادرا مخابراتيا عتيدا فى بلده، تدرج في سلك المخابرات، لا السلك الدبلوماسى، كما ظن الذين لم يعرفوا خلفية الرجل. و عندما جاءت سيارة السفير لتدخل المنزل، لاحظ السفير ما لاحظ، فترجل عن سيارته و توجه رأسا الى بائع البطيخ، و بعد أن قلب بعض المعروض من بضاعته تخير بطيختين كبيرتين، توسم فيهما الحمرة و حلاوة المذاق، ثم توجه الى الشاب الأمنى، وهو يشير بسبابته الى البطيختين، بسؤال مباغت، كاد الشاب يسقط على إثره مغشيا عليه: ( يا إبنى .. بطيخ عبد الرحمن فرح ده بكام ؟؟ )!!

بالرغم من أن الكتاب صغير الحجم بصورة ملفتة للنظر، مقارنة بالمسافة الزمانية الشاسعة التى تغطيها المذكرات، والتى تمتد علي مدى خمس عقود متوالية، و بالرغم من أن الوقائع و الأحداث يجرى أستدعاؤها كليا من الذاكرة، دون أستناد إلى مدونات مكتوبة او تسجيلات مسموعة، بحسب إفادة المؤلف، فإنك تجد بين دفتى هذا الكتاب الصغير رتلا من المعلومات المثيرة التى تلقى بأضواء كاشفة على منعطفات محورية فى تاريخ السودان المعاش. و هي معلومات يسردها الفريق عبد الوهاب بصورة مباشرة و موجزة، مشفوعة و معززة بدعائمها من مصادر و شهود ووثائق و قرائن و مقتضيات أحوال. و يقدم الكتاب صورا ناطقة لمشاهد ووقائع و مواقف ذات تأثير عميق في المجرى العام لحركة الحياة السياسية و الاجتماعية السودانية، عايشها المؤلف مراقبا و مشاركا في بعض الإحيان و صانعا فى أحيان أخرى.  و تضع ذكريات عبد الوهاب المتداعية فى مجملها بين يدى القارئ تصورا موضوعيا و مترابطا يعين علي تقويم العوامل المتضافرة التى أحاطت بهذه الحادثات، و طبيعة الشخصيات الفاعلة و المحركة لها، فضلا عن طبيعة العلاقات المعقدة بين هذه العناصر. 

يلمس القارئ بغير عناء شدة إعتداد المؤلف بإنتمائه و تكوينه الأساسى كضابط شرطة، فصفة ضابط الشرطة مقدمة عنده على كل مسمي مهنى أو دستورى إرتبط بإسمه على طول مراحل مسيرته الإحترافية و السياسية. و المذكرات نفسها و أن كانت تحمل العنوان الرئيس ( أوراق من الذاكرة )، فإنها تحمل أيضا في جزئها الثانى عنوانا مكملا وهو: ( محطات في مسيرة ضابط شرطة ). و غيرة الرجل على قبيلته المهنية، في مواجهة كيانات أخرى في الدولة، لم تمحض جهاز الشرطة ودا كثيرا، تكاد تنطق بلسان.  فقد جاهر الرجل برفضه  دعاوى قادة النظام في السبعينات ممن بشروا بضرورة فصل إختصاص الأمن العام عن كيان الشرطة، بحيث يجد ( الأمن العام ) مجالا لحرية الحركة خارج مظلة العمل الشرطي. و عبّر عن إعتقاد يساوره بأن مثل هذا المخطط إنما إستهدف بالأساس التقليل من دور ووزن الشرطة. و عندما دُعى صاحبنا الى القصر الجمهورى فى أغسطس ١٩٧٨ ليتم إخطاره بنية فصل الأمن العام عن الشرطة توجه بسؤال الي الرئيس نميرى عما إذا كان الأمر مطروحا للبحث و النقاش أم أن القرار قد تم أتخاذه، فأجابه الرئيس بأنه قرار محسوم واجب النفاذ. يقول صاحبنا: ( فسحبت مقعدى للخلف و لم أشارك في النقاش، ولكننى سمعت وزير رئاسة الجمهورية يقول أنه فتح قاموس أوكسفورد ليختار إسما للجهاز الجديد، فعلمت أن الطبخة مكتملة )! و عند إكتمال تدريب قوة كبيرة من الإحتياطى المركزى للشرطة و إقامة إستعراض كبير لها باستاد الخرطوم، و إستحسان الجميع للمظهر و الكفاءة و الإحترافية المتميزة التى تجلت في العرض، فإن أذن الفريق عبد الوهاب لم تخطئ التقاط بعض الأصوات و الهمهمات في المنصة الرئيسية، التى لم يُسر أصحابها و لم يطب بالهم بما رأوا، فتمتموا متسائلين عما إذا كان ما يرونه ( جيش ام  شرطة )؟ و لايخفى أن أصحاب هذه الاصوات التى أثارت حفيظة عبد الوهاب كانوا من كبار ضباط القوات المسلحة.  و تلمس الامتعاض من مواقف هؤلاء عند صدور قرار من جامعة الدول العربية بتوحيد مسميات الشرطة فى كل البلدان العربية، فقد وافق رئيس الجمهورية على مضض على الالتزام بقرار الجامعة العربية بتوحيد و إستبدال مسميات رتب الشرطة من ملاحظ  وحكمدار و قمندان و غيرها بالرتب الجديدة من نقيب و رائد و مقدم و عقيد الي أخر السلسلة. و لكن الرئيس عاد، بناء على إعتراضات و ملاحظات من ضباط الجيش، ليقرر أضافة لفظة ( شرطة ) بعد كل رتبة لتمييزها عن القوات المسلحة. و ذهبت أدراج الرياح  جهود الوزير لإقناع الرئيس بأن الدول العربية الأخري لا تضيف تلك اللفظة أذ أنها لا تعدو أن تكون إضافة متزيّدة لا معنى لها. و  يُلمّح الفريق عبد الوهاب، تلميحا يقرب من التصريح،  بأن قرار الرئيس السابق عام ١٩٧٨ بحل وزارة الداخلية، جاءت تعبيرا عن الضيق بالوزارة ووزيرها، وليس إتساقا مع سياسات الحكم اللامركزى كما سار الإعلان الرسمى. و آيات ذلك عديدة، منها أن أبل ألير رئيس لجنة الحكم اللامركزى قد أكد له شخصيا بأن لجنته لم تناقش أو تُجِز قط توصية بحل وزارة الداخلية. و منها رفض وزير الداخلية المُقال الانصياع لتوجيهات الرئيس بفصل و إيقاف بعض القيادات و منها مدير عام الشرطة. و لكن أنصع الآيات و أكثرها إبانة كانت أجابة الرئيس السابق نفسه، بعد مغادرته مقعد الرئاسة، علي سؤال وجهته اليه صحيفة ( الاخبار ) المصرية فى أطار سلسلة حوارات نشرتها الصحيفة تحت عنوان ( نميرى يتذكر )، جاء السؤال:  ( من كان من وزرائك كثير المشاكسة؟ ) فأجاب الرئيس المعزول: ( وزير كان بطبعه متمسكا بما فى ذهنه إذا تلقى تعليمات منى، و قد أقلت ذلك الوزير مما أثار غضبه، و لكن بقينا على صلة طيبة، و هذا الوزير هو عبد الوهاب إبراهيم وزير الداخلية السابق )! و هناك رواية تتضمنها المذكرات، ربما ألقت مزيدا من الضوء على طبيعة العلاقة بين الرئيس ووزير داخليته ورئيس جهاز أمنه، وقد دارت وقائعها فى إجتماع مغلق بالقصر الجمهورى، و لكنها على حساسيتها لم تعد سرا علي الكثير من المتابعين والمراقبين، إذ أن الدكتور منصور خالد كان قد أتى بخبرها، و سطّرها بنصّها و فصّها في إحدى كتبه. و منصور،  كما هو فى علم الكافة، بصّاص كبير لا يُشق له غبار و لا تخفى عليه شوارد الأسرار. و متن الرواية أن الرئيس السابق كان قد عبّر في جلسة لمجلس الأمن القومى عن ضيقه بأجهزة النظام الإمنية، و قال بأن هذه الاجهزة لو كانت فاعلة حقا لكانت قد تمكنت من القضاء علي الصادق المهدى و الشريف حسين الهندى. و كان مُراد الرئيس و مبلغ مشتهاه أن تضطلع إحدى أجهزته الأمنية بمهمة إغتيال الرجلين، كما تفعل الأجهزة فى بعض الدول العربية، وقد رد الفريق أول عبد الوهاب رئيس جهاز الامن العام علي الرئيس – فى حضور جميع أعضاء المجلس -  بأن جهازه لا و لن و ليس من شأنه أن يقوم بهذه الإعمال و نظائرها، إذ أنه جهاز مهنى وطنى يقوم بواجباته المنصوص عليها فى القانون. كما رد بمثل هذا المغفور له على عبد الرحمن نميرى الذى كان على قمة جهاز الأمن القومى.

تشتمل المذكرات علي نماذج و صور متعددة لأحداث أمنية و إستخباراتية شارك فيها أو أشرف عليها صاحبنا خلال سنى خدمته الطويلة، تؤشر فى مجملها علي كفاءة و فاعلية العمل الأمنى و الإستخبارى تحت المظلة الشرطية. فعلي سبيل المثال، و أثناء عمله قنصلا بسفارتنا بأديس أبابا، في النصف الثانى من الستينات، تمكن من الحصول على معلومات مفادها أن المخابرات الإسرائيلية ( الموساد ) قد جندت و دربت ضابطا سودانيا متقاعدا برتبة العقيد، و إرسلته الى إثيوبيا ليكون همزة وصل مع متمردى حركة الأنيانيا. و عند مداهمة هذا الضابط المتقاعد و مواجهته سجل إعترافا كاملا في خمسين صفحة فلوسكاب، و تم الحصول على بعض المتعلقات ذات الصلة بنشاطة التجسسى و منها الحبر السرى الذى دُرب علي إستخدامه. و قد أورد الفريق عبد الوهاب إسم هذا الجاسوس على أنه ( ع. إبراهيم )! و الواقع أن رتبة العقيد ( القائمقام ) بين صفوف القوات النظامية فى حقبة الستينات كانت شديدة الندرة والمحدودية بحيث يصعب عمليا إخفاء إسم هذا المتهم. غير أن الكتاب لا يوضح عما أذا كان هذا الشخص قد تمت مقاضاته و إدانته أمام القضاء السودانى، بل أنه يكتفى بالقول ( إستلمه الأمن فى الخرطوم و تابع معه )! و لكننى أعلم عن حالة أخرى من حالات التجسس – لم ترد فى مذكرات الفريق - تم فيها القبض على ضابط سودانى برتبة عالية متهما بالتجسس لصالح أسرائيل، و ذلك في حوالى العام ١٩٥٧ حيث تم تقديمه الى المحاكمة وحكم عليه بالسجن لمدة سبعة سنوات. و قد حاولت استعادة المعلومات المتعلقة بهذه الحالة و تعزيزها، و حادثت فى أمرها عددا ممن توسمت فيهم الدراية بأحداث تلك المرحلة فلم يتذكر أحد منهم تفاصيلها برغم تأكيدهم على أصل الواقعة. لكن أحد الملمين بأطراف منها ذكر لى، إعتمادا على الذاكرة، بأن الاتهام و إن تم توجيهه فعلا للرجل، و إسمه ( ع. ج )، بالتجسس لصالح إسرائيل، فأن الإدعاء والقضاء إكتشفا عند مرحلة المحاكمة إنه لم يكن في السودان ذلك الوقت ثمة قانون يُعرّف التجسس و يجرّمه، و لذلك تمت محاكمة الرجل و إدانته بتهم أخرى غير التجسس!  و في سنوات الحكم المايوى كان جهاز الأمن العام، تحت قيادة عبد الوهاب، شديد البأس و الفاعلية في مواجهة النشاط السياسي المضاد الذى كان يباشره تنظيم الجبهة الوطنية الذى تشكل من أحزاب الأمة  و الإتحادى والإخوان المسلمين، و ذلك على الرغم أن صاحبنا كانت تربطه روابط إجتماعية وثقى مع بعض رموز و قيادات العمل المعارض، و هى روابط وصلت الى حد تبادل الهدايا و المكاتيب الودية! و سنأتى الى أمر السجال الأمنى بين الجانبين فى الجزء الثانى من هذا الاستعراض.

 

 غير أننى – على المستوى الشخصى – وقفت على معلومة لفتت نظرى و أنا أطالع بعض ذكريات  الفريق عبد الوهاب في مرحلة نهاية الخمسينات، و هو يتحدث عن ملاحاة بين مدير الشرطة بالإنابة صالح محمد طاهر و القاضى جلال على لطفى، إذ لم تقع بعض حيثيات سطرها القاضى جلال فى أوراق أحد القضايا، و أشار فيها الى عمل الشرطة إشارات سالبة، موقعا حسنا عند صالح فكتب خطابا للقاضى يستنكر الحيثيات، و كان رد القاضى عدائيا. و المغفور له صالح محمد طاهر يمت لكاتب هذه الكلمات بصلة قربى، كما كان صديقا للمرحوم والدى. و لم أكن أعرف أن صالح كان في الأصل عساسا و أنه وصل فى سلك العساسين الى أسمى المراتب. فقد وعيت على الدنيا فى النصف الثانى من الستينات و صالح مدير مديرية، و هى تعادل والى ولاية  بمصطلحات اليوم. و فى المذكرات أشارة الى بعض الاحداث التى وقعت أثناء فترة عمله مديرا لمديرية أعالى النيل. و كان إذا زارنا  في عطبرة زودته ادارة المديرية الشمالية بسيارة همبر فاخرة و سائق حكومى بملابس بيضاء مميزة. و كانت زيارته و ملابساتها التشريفيه تشيع الفخر فى نفسى و تعزز موقعى بين لداتى و أقرانى. رحم الله عمنا صالح محمد طاهر و تقبل منه عساسته لبنى وطنه، وولايته على حضر السودان و مدره، و أنزله منازل الصديقين و الشهداء و الصالحين.

 

عن صحيفة ( الاحداث )


© Copyright by SudaneseOnline.com


ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

أعلى الصفحة



الأخبار و الاراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات و تحليلات
  • تشارلز تيلور يكتب من لاهاي هاشم بانقا الريح*
  • تنامي ظاهرة اغتصاب الاطفال ...! بقلم / ايـليـــا أرومــي كــوكــو
  • مؤتمر تمويل التنمية/د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
  • بين مكي بلايل والعنصرية والحركة الشعبية /الطيب مصطفى
  • قالوا "تحت تحت" الميرغنى ماااااا "داير الوحدة"/عبد العزيز سليمان
  • الصراع الخفي بين إدارة السدود والمؤتمر الوطني (4-12) بقلم: محمد العامري
  • قواعد القانون الدولى المتعلق بحصانات رؤساء وقادة الدول/حماد وادى سند الكرتى
  • هل يصبح السيد مو ابراهيم حريرى السودان بقلم: المهندس /مطفى مكى
  • حسن ساتي و سيناريو الموت.. بقلم - ايـليـا أرومـي كـوكـو
  • الجدوي من تعديل حدود اقليم دارفور لصالح الشمالية/محمد ادم فاشر
  • صلاح قوش , اختراقات سياسية ودبلوماسية !!؟؟/حـــــــــاج علي
  • أبكيك حسن ساتي وأبكيك/جمال عنقرة
  • نظامنا التعليمي: الإستثمار في العقول أم في رأس المال؟!/مجتبى عرمان
  • صندوق إعادة بناء وتنمية شرق السودان .. إنعدام للشفافية وغياب للمحاسبة /محمد عبد الله سيد أحمد
  • )3 مفكرة القاهرة (/مصطفى عبد العزيز البطل
  • صاحب الإنتباهة ينفث حار أنفاسه علي باقان: الصادق حمدين
  • جامعة الخرطوم على موعد مع التاريخ/سليمان الأمين
  • ما المطلوب لإنجاح المبادرة القطرية !؟/ آدم خاطر
  • الجزء الخامس: لرواية للماضي ضحايا/ الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
  • مبارك حسين والصادق الصديق الحلقة الأولى (1-3) /ثروت قاسم
  • ماذا كسبت دارفور من هذه الحرب اللعينة !!/آدم الهلباوى
  • الأجيال في السودان تصالح و وئام أم صراع و صدام؟؟؟ 1/2/الفاضل إحيمر/ أوتاوا
  • النمـرة غـلط !!/عبدالله علقم
  • العودة وحقها ومنظمة التحرير الفلسطينية بقلم نقولا ناصر*
  • المختصر الى الزواج المرتقب بين حركتى العدل والمساواة والحركة الشعبية لتحرير السودان /ادم على/هولندا
  • سوداني او امريكي؟ (1): واشنطن: محمد علي صالح
  • بحث في ظاهـرة الوقوقـة!/فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر
  • سقوط المارد إلى الهاوية : الأزمة مستمرة : عزيز العرباوي-كاتب مغربي
  • قمة العشرين وترعة أبو عشرين ومقابر أخرى وسُخرية معاذ..!!/حـــــــــــاج علي
  • لهفي على جنوب السودان..!! مكي المغربي
  • تعليق على مقالات الدكتور امين حامد زين العابدين عن مشكلة ابيي/جبريل حسن احمد
  • طلاب دارفور... /خالد تارس
  • سوق المقل أ شهر أسواق الشايقية بقلم : محمدعثمان محمد.
  • الجزء الخامس لرواية: للماضي ضحايا الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
  • صاحب الإنتباهة ينفث حار أنفاسه علي باقان أموم/ الصادق حمدين
  • رحم الله أمناء الأمة/محجوب التجاني
  • قصة قصيرة " قتل في الضاحية الغربية" بقلم: بقادى الحاج أحمد
  • وما أدراك ما الهرمجدون ؟! !/توفيق عبدا لرحيم منصور
  • الرائحة الكريهة للإستراتيجي بائتة وليست جديدة !!! /الأمين أوهاج – بورتسودان
  • المتسللون عبر الحدود والقادمون من الكهوف وتجار القوت ماشأنهم بطوكر /الامين أوهاج