بسم الله الرحمن الرحيم
المفوضية القومية للخدمة القضائية
بين المثال والواقع
حماية لاستقلال القضاء وحتي لا تخضع إدارة القضاء لأي جهة تنفيذية أو تشريعية أو حتي لادارة فردية متسلطة ، يجب أن توكل مهمة الإشراف الاداري العام علي القضاء والتوصية بتعيين القضاة وترقيتهم ومحاسبتهم ونقلهم ...الخ لجهة مستقلة ومحايدة وأمينة وحكيمة وقادرة وذات إيمان عميق بمبدأ إستقلال القضاء . حتي تستطيع أن تؤدي وظيفتها بكفاءة في إدارة القضاء وحماية استقلاله .
تقنيناً لهذا الفهم نصت إتفاقية نيفاشا كما نص الدستور بأن يدار القضاء بواسطة هيئة مستقلة تسمي المفوضية القومية للخدمة القضائية ، وتم تحديد اختصاصاتها والنص علي استقلالها . وفي الجداول الملحقة بإتفاقية نيفاشا تم تحديد كيفية تكوين تلك المفوضية وهي تضم رئيس القضاء ونوابه وأعضاء آخرين بحكم وظائفهم أو مواقعهم ، مثل وزير العدل ، وزير المالية و نقابة المحامين .
بالفعل تم تشكيل المفوضية القضائية وفق مانصت عليه الاتفاقية والدستور . لكن علي مستوي الواقع نجد أن المفوضية القضائية ليس لها أي وجود يذكر . ففي الوقت الذي يتحدث فيه الجميع عن ضرورة اصلاح وتحقيق استقلال القضاء ليواكب مرحلة التحول العام المنتظر نجد المفوضية القضائية تلوذ بالصمت وكأن الأمر لا يعنيها في شئ . وفي الوقت الذي أعلن فيه السيد / رئيس الجمهورية أن عزل القضاة كان قراراً سياسياً ظالماً وتبرأ من الظلم ووجه برفعه ، تجتمع المفوضية القضائية وفي اليوم التالي تنشر الصحف خبراً مفاده أن المفوضية أجتمعت وقررت تكثيف الاعلام لتذكير المواطنين بأن هناك تنزيلات في رسوم تسجيل الاراضي!! .
لقد اكتفت المفوضية القضائية بتفويض سلطاتها لرئيسها ، الذي هو رئيس القضاء وعضو بالحزب الحاكم وعضو سابق بالمكتب السياسي للحزب وهزمت بذلك الحكمة من إنشائها . بالتالي ظل القضاء يدار بذات الطريقة الأمنية الفردية المتسلطة التي اقعدته عن القيام بدوره طوال السنوات السابقة .
ان المشكلة الاساسية التي تقف في طريق قيام المفوضية القضائية بدورها المنشود هي ان معظم الاشخاص الذين أصبحوا اعضاء في المفوضية بحكم وظائفهم أو مواقعهم هم اعضاء من حزب الموتمر الوطني (الحزب الحاكم ) بالتالي مهما كانت درجة إيمانهم بمبدأ استقلال القضاء فهم ملتزمون بسياسة الحزب القائمة علي الاستمرار في تكريس السلطة والانفراد بالشأن العام بما يستتبع الاستمرار في سياسة العصف باستقلال القضاء ليظل آلية أساسية من آليات ذلك التوجه .
بهذا الفهم نستطيع القول بأن المفوضية القضائية تمارس دورها بكفاءه واقتدار في حماية النظام وتنفيذ سياسة الحزب الحاكم . غير أن الأوان قد آن لنظرة جديدة نحو سلطة قضائية مستقلة وقادرة علي القيام بدورها في التحول الديمقراطي وحماية حقوق الناس وحرياتهم والنظام المؤسسي علي حد سواء .
عبد القادر محمد أحمد
المحامي
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة