الاختصاص الموضوعى للمحكمة الجنائية الدولية
جرائم الابادة الجماعيةthe genocide ,جرائم الحربwar crimes the , وجرائم ضد الانسانيةthe crime against humanity
فكرة انشاء المحكمة الجنائية الدولية , ومدى مساهمتها فى الدفاع
عن حقوق الانسان ٣----١٠
حماد وادى سند الكرتى
المحامى والباحث القانونى
[email protected]
ورد فى تعريف النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية ( نظام روما ١٩٩٨ م )Rome statute of the international criminal court , ان المحكمة الجنائية الدولية هى , هيئة دولية جنائية مستقلة دائمة , تختص بمحاكمة الاشخاص الذين يرتكبون أشد الجرائم خطورة ضد الانسانية , تلك الجرائم التى تقلق مضجع المجتمع الدولى بأسره , وهى موضع اهتمام المجتمع الدولى ( جرائم الابادة الجماعية the genocide , وجرائم الحرب war crimes the, وجرائم ضد الانسانية the crime against humanity , وجريمة العدوان elements of crimes(لم يعرف بعد )).
فى حقيقة الامر أننا نعتقد أن تلك الجرائم crimes السالف الذكر , بالفعل هى كفيلة فى زعزعة الامن لأى دولة فى العالم بل ويهدد الامن والسلم الدولى برمته , وذلك مثل تلك الجرائم التى وقعت فى اقليم دارفور – المنطقة الواقعة فى غرب السودان , حيث ارتكب أطراف النزاع هناك فضائح جسيمة ضد القانون الدولى (أنتهاكات خطيرة ضد المدنيين العزل ) , مما أضطر العالم بجله أن يكتم أنفاسه من هول , وفظاعة الجرائم ( نعنى هنا جرائم الحرب , والجرائم ضد الانسانية ) .
وفى ذات السياق فْْاءن واضعوا النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما ١٩٩٨ م ) , يدركون تماما أن ثمة روابط مشتركة توحد جميع الشعوب , وأن ثقافات الشعوب يشكل معا تراثا مشتركا , واذ يقلقها أن هذا النسيج الرقيق يمكن أن يتمزق فى أى وقت . وذلك مثل ما نرى الأن , كيف تمزق النسيج الاجتماعى الذى كان مترابطا فى اقليم دارفور , وذلك عندما وقعت جرائم خطيرة فى حق الانسانية , أدى الى فتق النسيج الاجتماعى فى الاقليم , ذاك النسيج الذى كان رتقا . تمزق النسيج المترابط بسبب جرائم عجز البلغاء, والفصحاء , وبجميع لغات العالم الحية عن وصفها تماما , لذا نجد أن واضعوا نظام روما يدركون ويضعون فى أعتبارهم , أنة ملايين الاطفال , والنساء , والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالى ضحايا لفظائع لايمكن تصورها على الاطلاق , هزت الضمير الانسانى , والمشاعر الانسانية فى العالم بقوة كبيرة .
والقارىء لتاريخ البشرية يجد ان الانسانية شهدت مجازر بشرية , خاصة فى العقد الاخير من هذا القرن , جرائم وحشية أرتكبت بضرواة , وعدوانية شديدة , وفى أماكن شتى من بقاع العالم , عجزت الالة السياسية , والعسكرية من وضع حد لتلك المجازر ضد البشرية , مما كان حافزا مشجعا , لأنشاء المحكمة الجنائية الدولية , ويمكن ان نذكر على سبيل المثال لا الحصر , جرائم خطيرة ارتكبت فى حق البشرية على مدار التاريخ الانسانى .( فمثلا فى منطقة القوقاز ( الشيشان بالتحديد ) أرتكب الروس القياصرة جرائم ضد الانسانية , فى حق الشعب الشيشانى , فى يوغسلافيا السابقة تسبب الصرب فى ارتكاب جرائم جسيمة ضد مسلمى البوسنة , ويذكر ان مدينة سربينتشا , شهدت مجازر بشرية فى العام ١٩٩١ راح ضحيتها أكثر من ١٠٠٠٠ مسلم على يد الصرب , وكان معظم الضحايا من النساء والاطفال والرجال المدنيين . فى العام ١٩٩٤ وقعت حرب أهلية خطيرة فى روندا بين قبيلة الهوتو, والتوتسى , اللتان تشكلان الغالبية العظمى من مجموع السكان فى روندا , يذكر أن أكثر من مليون شخص راحوا ضحية الحرب بين الجانبين , هذا فضلا عن الحروب الاهلية التى وقعت فى كل من الكنغو الديمقراطية (زائير سابقا ) , وشمال أوغندا ( جيش الرب بقيادة القس – جوزيف كونى – مطلوب امام المحكمة الجنائية ) , ايضا الحروب الاهلية فى افريقيا الوسطى ...الخ , وفى ظل صمت دولى رهيب , ومريب , وتخاذل عربى , واسلامى واضح, أرتكب الاشرار المجرمين جرائم خطيرة لاتوصف فى حق المدنين العزل فى أقليم دارفور – المنطقة النائية التى تقع فى أقصى غرب السودان , التى تشهد أكبر محنة أنسانية على مستوى العالم فى الوقت الراهن .
نعم لقد ارتكب الاشرار ( أفراد مليشيا الجنجويد ) , ولمن لا يعرف مصطلح الجنجويد يمكن أن نعرف مليشا الجنجويد , فى البدء اختلفت التعريفات بشأن الجنجويد , والى أى طرف ينتمى , غير أن جميع التعريفات تتفق على ان , الجنجويد هم جماعة سيئو السمعة مسئولة عن معظم الانتهاكات الخطيرة التى ارتكبت فى الاقليم , وللتدقيق مسئولة عن نسبة كبيرة من تلك الجرائم , بحسبان ان المتمردين أيضا ارتكبوا جرائم فى حق المدنين , على كل حال , الجنجويد , هى مليشيا تمتطى ظهور الخيل , والجمال , مسلحون تسليحا جيدا , مدعومين دعما كبيرا من بعض الانظمة العربية فى المنطقة , لهم أهداف بعيدة المدى , ليس فى اقليم دارفور فحسب بل فى كل دول غرب ووسط أفريقيا , أفراد الجنجويد هم سيئو السمعة , نزعت من قلوبهم الشفقة , والرحمة , معظمهم وفدوا من خارج السودان , الجنجويد لايبالون بما يفعلون , يفتقرون الى الوازع الدينى , لايخافون من رفع السماء بغير عمد , ولايؤمنون به على الاطلاق . أغتصبوا النساء , والفتيات على نطاق واسع من الاقليم , حرقوا القرى ودمروا وسائل العيش للسكان الامنين فى قراهم , قتلوا الرجال والاطفال فى مكجر , وبنديسى , ووادى صالح , وأرولا, اغتصبوا الطالبات الصغيرات فى مدرسة الطويلة ...الخ (( وان تعدوا الجرائم التى ارتكبها الجنجويد لاتحصوها ابدا )).
كما أن واضعو النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية , يؤكدون للعالم اجمع , أن الجرائم الخطيرة التى تثير قلق المجتمع الدولى بأسره , يحب أن لاتمر دون عقاب , وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطنى , وكذلك من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الدولى , كما عقدوا العزم (واضعوا النظام ) على ضرورة وضع حد لأفلات مرتكبى هذه الجرائم من العقاب , والاسهام بالتالى منع ارتكاب هذه الجرائم .
ان محاكمة المجرمين الذين ارتكبوا جرائم دولية فى اقليم دارفور , هو مطلب عالمى , بل هو مطلب المشردين قسريا فى مخيمات النازحين , ومخيمات اللاجئين الذين أجبروا على عبور الحدود , ومغادرة أوطانهم هربا من جحيم الحرب فى دارفور , ومن هنا فأننا ندرك تماما أن الضحايا يصرخون بشدة من اجل العدالة الدولية , طالما عجز القضاء الوطنى عن ملاحقة المجرمين الذين يتطلعون الى الافلات من العقاب , والمسألة , وأننا اذ ننادى بالعدالة الدولية , نقصد كل شخص تسبب فى ارتكاب جرائم فى حق المدنين سواء من المتمردين , ام من الحكومة السودانية , وافراد مليشيا الجنجويد سيئو السمعة , لذا يجب على الجميع أن يتعاون من أجل المحكمة الجنائية الدولية .
خصائص المحكمة الجنائية الدولية :
اولا : النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية , هو معاهدة دولية , وأستنادا الى اتفاقيتى فينا للمعاهدات ( ١٩٦٩-١٩٨٦ م ) , فان الاتفاق الدولى يعتبر معاهدة دولية بغض النظر عن الاسم الذى يحمل اسم الاتفاقية ( سواء كان , برتكولا – صكا – اعلان – تسوية مؤقتة ...الخ ) , وبموجب اتفاقية فينا ١٩٦٩-١٩٨٦ م , فان السودان ملزم بان يلبى متطلبات العدالة الجنائية الدولية ( القرار ١٥٩٣ – ٢٠٠٥ م ) طالما أن السودان عضوا فى المنظومة الدولية .
ثانيا : أن النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية , تطبيقها على ارض الواقع , هو مستقبلى , اى يسرى على الجرائم التى تقع بعد دخول النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية حيز النفاذ , بعد اكتمال النصاب المقرر من التصديقات (٦٠ دولة ).
ومن الجدير بالذكر ان هناك عدة مميزات تنفرد بها المحكمة الجنائية الدولية , الا اننا نرى , وفى اطار بحثنا المتعلق بأزمة دارفور نكتفى بالمميزات السالف ذكرها .
وهناك مبادىء قانونية هامة تحكم عمل المحكمة الجنائية الدولية , يمكن ان نذكر بعضا منها , وذلك على هذا النحو :
اولا : مبدأ التكاملية : أى أن المحكمة الجنائية الدولية , لاينعقد لها الاختصاص الا اذا عجز القضاء الوطنى , أو كان القضاء الوطنى غير راغب فى ذلك ( حالة اقليم دارفور القضاء السودانى – غير راغب unable – وغير قادرun willing – انظر الى التقرير الدولى الصادر فى العام ٢٠٠٤the repot of the international commission of inquiry on darfur to the united nation secretary general -18 September 2004 , فضلا عن تقرير الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية ٢٠٠٥ ) the report of the icc
أن القضاء الوطنى السودانى , فشل فشلا زريعا , بل وسقط سقوطا مريعا فى ملاحقة مجرمة الحرب , فى الاقليم لذا انعقد الاختصاص للقضاء الدولى , والمتمثل فى المحكمة الجنائية الدولية .
ثانيا : مبدا التعاون الدولى : أى يجب على المجتمع الدولى ان يتعاون وبدون تحفظ مع المحكمة الجنائية الدولية , وذلك فى شأن التحقيقيات التى تجريها , وأوامر القبض , والايقاف فى حق المجرمين التى تصدرها الدائرة التمهيدية التابعة للمحكمة الجنائية الدولية , وخاصة دول الجوار للدولة صاحبة القضية ( بمعنى ان دولة تشاد , ومصر , واريتريا , واثيوبيا , الكنغو الديمقراطية , كينيا , وافريقيا الوسطى , كل تلك الدول يجب عليها ان تتعاون فى شان حالة السودان مع المحكمة الجنائية الدولية ) .
ثالثا: مبدأ عدم تقادم الجرائم الدولية: ( جرائم الابادة الجماعية – جرائم الحرب – جرائم ضد الانسانية – جريمة العدوان ) لا تتقادم مهما مر عليها من الزمن .
رابعا:مبدأ المسؤولية الفردية: أى أن المحكمة الجنائية لاتحاكم اشخاص اعتبارية مثل الدول , وانما تحاكم الافراد بغض النظر عن صفاتهم الوظيفية ( سواء كان خفيرا أم وزيرا , ام رئيسا ) طالما ارتكب جرائم تدخل فى الاختصاص الموضوعى للمحكمة الجنائية الدولية .
فى الختام ان المحكمة الجنائية الدولية هى هيئة دولية دائمة مستقلة لها السلطة فى ممارسة اختصاصها على الاشخاص ازاء اشد الجرائم خطورة , موضع الاهتمام الدولى .
ومن هنا فأننا ندعوا الجميع أن يلزموا الصمت , وان يفسحوا المجال واسعا لكى تقوم العدالة بدورها , طالما الساسة , والالة العسكرية والقضاء الوطنى السودانى عجزوا من وضع حد للمجازر التى مازالت ترتكب فى اقليم دارفور ضد المدنيين العزل , فان المحكمة الجنائية الدولية كفيلة بوضع حد لتلك الجرائم , ومكافحة ظاهرة الافلات من العقاب .
ان العمل من أجل وضع حد لعمليات القتل والترويع والاغتصاب الجماعى لمئات الالاف من النساء , والاطفال فى اقليم دارفور المضطرب , لا يعد بأى حال من الاحوال حملة يشنها رجال القانون المهنيين ضد دولة بعينها , بل انها العدالة , نعم انها العدالة , فليصمت المنافقين الانتهازيين اصحاب المصالح الذاتية اصحاب الضمائر الخربة , الذين يجمعون المال على حساب جماجم وشرف اهل دارفور (سحت سحت ) أكلتم حتى التخمة , وشربتم حتى الثمالة , والقيتم بأهل دارفور نحو مجاهل الحرمان .
فى الختام ونيابة عن الشرفاء فى العالم اجمع فاننا ندعوا الجميع الى تأييد المحكمة الجنائية الدولية بقوة( لأن الله يؤيد الحق ويكره الظلم ) فى موقفها الساعى الى اخضاع المجرمين الى العدالة الجنائية الدولية.
حماد وادى سند الكرتى
المحامى والباحث القانونى
[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة