أكتوبر المسخ عاد من جديد
نبيل منصور
عملية قتل الأب الرمزية لفرويد تتم فى حياة كل جيل بشكل او بآخر ، قد تنجح أحياناً ولكنها أيضاً تصاب بالفشل أحياناً أخر ولكنها فى الغرب نجدها قد حققت النقلة الفاصلة فى نهاية القرن الثامن عشر بنجاحها فى إحداث القطيعة التى أطلقت عصر ما يسمى بالحداثة . إذ انه و بهذه القطيعة تم تجاوز النظام الأبوى وخطابه التراثى وتحقيق العبور الى النظام العلمانى و الوعى العقلانى الذى حدد معالم حضارة الحداثة فى الغرب وميزها عن كل الحضارات التى عرفها التاريخ .
وفى حين دخل الغرب عصر الحداثة والتنوير بقيت الحضارات الأخرى ترزح تحت الهيمنة الأبوية وذلك بإستيعاب الآباء لثورة الأبناء وقتلهم فى كل جيل ومن ثم القضاء على مشاريع تجديدية مستغلة تقوم على فهم الواقع ومتطلبات المستقبل .
ونظرية أو أسطورة فرويد الرمزية حول قتل الأب تتلخص فى أن يقوم الأبناء بقتل أب الرهط البدائى الذى إستحوذ لنفسه على نساء الرهط وقمع أبناءه وكبتهم , وبعد قتل الأب يُصيب الأبناء شعور بالذنب يدفعهم الى عقد إتفاق فيما بينهم يحّرم الزواج بنساء الرهط ويؤدى تالياً الى تأسيس القانون والديانة الأولى فى التاريخ الإنسانى ، بهذا المعنى يشكّل قتل الأب تحرّر الأبناء وبداية حياة جديدة تقوم على القانون والمساواة لا على إرادة الأب وشريعة الغاب .
والإحتفال ب 21 أكتوبر من كل عام هو للأسف إحدى عمليات القتل المنظّمة للأبناء والتى يقوم بها " أب " فرويد الإفتراضى الذى صوّره فى رمزيته ، وهذا الأب الإفتراضى فى واقعنا لا يرمز لشخصية أو شخصيات محددة وإنما سلوك وممارسات وأساليب ظلّت تهزم و بإستمرار التجديدى والنهضوى منها الى أن وصلنا لهذه المرحلة من الخنوع و الإستسلام . لم يكتف الأب بذلك بل دربّنا ومنهجنا على إعادة إنتاجه فينا الأمر الذى أصبح بعده لا يوجد أبناء كأبناء فرويد الرمزيين لتكتمل الصورةالطبيعية للأجيال ومن ثم الخلاص ، أو إذا أردنا تطبيق أسطورة فرويد نقوم للأسف بقتل أنفسنا لا أباه الإفتراضى .
وإذا نظرت عزيزى القارى الى ماذا حدث بعد أكتوبر وطوال هذه السنوات الأربعة و الثلاثين ستجد أن أكثر المتشدقين بصناعة أكتوبر هم أو من " بصقوا " على مبادئها وتنكّروا لقيّمها وتعاليمها . كانت أكتوبر من أجل الحريات و الديمقراطية والتداول السلمى للسلطة ، هكذا قالوا وهكذا ما إنفكّوا يقولون ، فأنظر ماذا فعل الإتجاه الإسلامى عموماً بالديقراطية والحريات وهم الذين إدّعوا ليس ملكيتها فقط بل وحتى " القرشى " رمزها !!! . أنظر ماذا فعلوا بأ كلنا وشربنا ومعاشنا دعك من الحريات والديمقراطية ؟ هل تخيّلت عزيزى القارى ماذا كان سيحدث إذا قدّر لانقلاب 19 يوليو النجاح ؟!!! ، أما كان هؤلاء من ضمن صنعة أكتوبر أيضاً . أنظرت الى الأكثر من عشرين ألف من أبناؤكم الذين إجتمعوا فى أرتريا لاحداث ذلك التغير الذى نتحدث عنه والذى يحتاجه السودان ماذا فعل بهم صنّاع أكتوبر الذين كانوا على رأس التجمع ؟ أما تركوهم ما بين قتلى وجرحى ومشردين و أصحاب عاهات مستديمة وأنسربوا لكراسى البرلمان و الوزارات لا يلوّون على شى دون أى ذرة من خجل أو حياء و بدعاوىٍ ما تصيب منك إلا التقيؤ.
هذا هو بإختصار أكتوبر عزيزنا القارى فغن ما شاء لك الغناء إن كنت ترجو منه شيئا
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة