نظام الإنقاذ ومبادرة الزمن الضائع..!
الذي استمع لرئيس نظام الإنقاذ، وهو يلقي خطابه وسط جوقة القوى السياسية الرجعية الانتهازية صاحبة المصلحة في بقاء الأوضاع كما هي عليه خلال الخمسون عاما الماضية، بمناسبة تدشينه مبادرة ما سمي بمبادرة أهل السودان ربما ظن أن ما حل بأهل دارفور من مأساة وكارثة عمره بضعة أيام وليس سنوات، حدثت فيها انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، كان من نتيجتها موت الآلاف من الأبرياء وتشريد الملايين من ديارهم ومزارعهم وقراهم وحوا كيرهم، ليس لسبب سوى أنهم طالبوا بحقوقهم في حياة حرة كريمة شانهم في ذلك شان بقية خلق الله، لكن نزعة الشر والظلم حالت بين النظام وتلك الأصوات التي ارتفعت منادية بالتنمية والعدالة والمساواة، ليس هذا فحسب بل سوغت نزعة الشر ومخيلة الدهاء والظلم لدى النظام وحاشيته وعملائه أن يخلقوا فتنة بين سكان الإقليم من خلال استغلالهم للظروف التي تعانيها اغلب الأطراف وبخاصة إقليم دارفور، الذي يزخر بالتعدد العرقي والثقافي ،وصعوبات وتحديات الطبيعة التي تمثلت في الجفاف والتصحر، في الإقليم ودول الجوار الإفريقي التي دفعت ببعض القبائل من دول كتشاد وإفريقيا الوسطى والنيجر وموريتانيا وغيرها من دول الجوار للهجرة إلى ارض السودان في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ومنافسة قبائل الإقليم التي في اغلبها تمتهن مهنة الرعي والزراعة في الموارد المتناقصة، بجانب نقص الخدمات، وغياب حضور الدولة في الإقليم ، خلال الأعوام الماضية، إلا أن الإقليم ظل متماسكا لتمتع رجال الإدارة الأهلية بمسؤوليتهم وصلاحياتهم التي مكنتهم من الاضطلاع بدورهم الطبيعي في وسط مجتمعهم المحلي بعيدا عن تدخل الدولة في شؤون حياتهم هناك ، لكن بعد مجيء نظام الإنقاذ عبر انقلاب عسكري قد اختلت موازين الحياة في السودان عامة لاسيما في الهامش ، بسبب تدخله الفاضح في تخريب حياة الناس وتفتيته للنسيج الاجتماعي لسكان الإقليم ليس هذا فحسب بل طال حتى وحدات القبائل الصغيرة بغرض إضعافها وكسر شوكتها.
وزاد من الطين بله مكابرته وعدم اعترافه بواقع الحال على الأرض، لذلك جنح إلى القوة والعنف غير المبرر تجاه حركات الثورة التي انطلقت من دارفور في عام 2003 في مسعى منها تعبر به عن عدم رضاها واحتجاجها على حالة الفشل التي لازمت سياسات النخبة الحاكمة في الخرطوم خلال مسيرة نصف قرن من الاستقلال الوطني،التي حولت السياسة والدولة فيها إلى دولة طفيلية فئوية وقبلية مقطوعة عن أطرافها ومعادية لكل الأصوات التي تتعالى بين الفينة والأخرى التي تنادي بتحقيق العدل وبسط الأمن وإطلاق عجلة التنمية بين مكونات البلاد، وهذا ما قاد أهل الجنوب من قبل إلى الدخول في حرب شاملة استمرت عشرون عاما انتهت بنصر تاريخي مؤزر لأهل الجنوب إذ بموجبه تم توقيع اتفاق نيفاشا الذي انتزعوا فيه حقوقهم في السلطة والثروة كاملة في عام 2005،وبدل أن يأخذ نظام الإنقاذ الدروس والعبر من تلك الحرب، وبالتالي يسارع إلى التوصل لحل حقيقي لمشكلة دارفور رأيناه يكابر ويتلاعب بالوقت ويتحايل على الواقع والحقائق على الأرض، ومن خلال وصفه لنضالات الثوار في دارفور بأنها مجرد عصابات للنهب المسلح ، في وقت يدفع المواطن البسيط في الإقليم فاتورة ذلك الصراع الذي يدور في ارض الإقليم للدرجة التي دفعت منظمات المجتمع الدولي ممثلة في الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة للتحرك ورصد ومتابعة وتوثيق الانتهاكات الجسيمة التي ترتكب فيه
فمثل هذه المبادرة كان يمكن إطلاقها قبل سنوات من الآن إذا كان هناك استعداد حقيقي لحل المشكلة،، لكن رغبة المماطلة والتحايل على الشعب والمجتمع الدولي، هي التي كانت توجه وتتحكم بسياسات النظام خلال الفترة الماضية للدرجة أفقدت الكثير من المتابعين لتطورات هذه القضية الثقة في نوايا هذا النظام، بل رسخت قناعة راسخة في عقول وأذهان أهل دارفور وحركات الثورة والمقاومة فيه بان هذا النظام لا يستجيب إلا لمنطق القوة، الأمر الذي قاد حركة العدل والمساواة إلى شن هجوم غير مسبوق من نوعه على عاصمة البلاد في العاشر من مايو 2008 ، أدى إلى كشف ظهر النظام بل أظهره بأنه نمر من ورق، وأخيرا جاءت مذكرة مدعي محكمة الجنايات الدولية وأكملت الناقصة إذ طالبت بتوقيف رأس النظام باعتباره المسئول الأول هذه الجرائم ومن يومها انهار النظام، لذلك ليس من الصعب على احد مهما كانت درجة غبائه أن يجيب على السؤال لماذا تنطلق مبادرة أهل السودان الآن وليس قبل أعوام من الآن,,,؟
وهل مبادرة كهذه ينبغي أن تحمل كمحمل الجد من قبل أهل دارفور وبخاصة الحركات...؟ بالتأكيد الإجابة لا ،، وهذا ما أكدته مواقف الحركات التي سارعت إلى رفض المبادرة من أصلها واعتقد أنها محقة في ذلك وموقفها يعبر عن حالة نضج وحنكة ودارية سياسية عالية، ومثل هذه المبادرة ما كان لها أن تنطلق لولا المذكرة التي وجهها مدعي محكمة الجنايات الدولية التي تطالب باعتقال عمر البشير بناءا على التجاوزات التي تمت في الإقليم، هذه قضية أصبحت محسومة وبالتالي على الثوار أن لا يشغلوا بالهم بالمصير الذي سيلقاه رئيس النظام في لاهاي اليوم أو غد بل عليهم التفكير الجاد في خيارات جديدة مفتوحة على آفاق أفضل وأرحب للسودان وأهله ، آفاق ملائمة تحقق التعايش بين مكونات المجتمع السوداني لتبنى عليه دولة السودان الجديد وتضع حدا للتجاوزات والانتهاكات والمظالم،لان ما يسمي بمبادرة أهل السودان ليس الهدف من وراءها إخراج السودان من عثراته وإنما البحث عن مخرج للرئيس ونظامه في الوقت الضائع !
الطيب الزين/ السويد
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة