عدم الشفافية والفساد يسيطران على اعاطيها مع الايرادات البترولية
أسلحة الحركة الشعبية.. اليورانيوم حاضر
د. ياسر محجوب الحسين
ما زالت الارتدادت الزلزالية لفضيحة شحنة الأسلحة التي حاولت الحركة الشعبية استيرادها تحت جنح الظلام وبأموال الشعب المسكين في جنوب البلاد تتوالى فيما يخيم قيادات الحركة الصمت تارة والارتباك تارة أخرى.
هذا المسلسل الفضائحي مستمر وحجمه يتعاظم بمتوالية هندسية، ومن حسن الطالع أن البينات والمعلومات التي تترى حول شحنة أسلحة الحركة الشعبية تأتي من مصادر غربية ودولية لا يمكن أن يشك أحد في عدم وقوفها بجانب الحركة، لقد كشفت منظمة (إيكوتيرا) انترناشيونال ان سفينة الاسلحة الت كانت في طريقها إلى جنوب البلاد والتى يحتجزها القراصنة الصوماليوٌن، لاتحتوى فقط على 33 دبابة بل تحتوي أيضاً على الاقل على ألف من المعدات العسكرية الثقيلة الأخرى بما فيها (14) ألف قذيفة دبابة وكميات ضخمة من القذائف المميتة، والأدهى والأمر أن تلك القذائف تحتوى كذلك على يورانيوم مستنفد خارق، ولا يستبعد ان يكون ضمن تلك الذخائر قذائف مكسوة ومغطاة بتبطين من اليورانيوم المستنفد وذلك لزيادة القوة القاتلة.
واليورانيوم وما أدراك ما اليورانيوم إن كان في حالته الطبيعية أو منضبا (مستنفدا). فالأخير لا يعني للوهلة الأولى أنه لا يحتوي على نشاط إشعاعي وغير خطير، فتأثيرات اليورانيوم المستنفد على صحة الانسان تكون مركبة بسبب الصورة الكيميائية التي يتسرب بها الى الجسم. واليورانيوم المستنفد - وهو المحرم دوليا - هو في الأساس فضلات رخيصة جداً لأن كلفة التخلص منها مرتفعة جداً بل هائلة، وحفظه شبه مستحيل، لذلك فكر مجرمو الحرب وتجار السلاح فيه بالتخلص منه عن طريق استعماله مجدداً للاستفادة من "ميزاته". إن هذه السموم حين تدخل الجسم لا تستطيع كل أجهزته طرحها بشكل كامل قبل 25سنة ولاسيما من العظام ولا يوجد أي دواء لعلاجه بعد أربع ساعات من الإصابة به على الإطلاق.
هكذا بلغ العبث بحياة المواطنيين السودانيين سواء كانوا في الجنوب أو في الشمال، إن الحركة الشعبية التي تشتري الأسلحة الفتاكة بأموال البترول التي أضحت أموالا سائبة، تستهتر ليس باتفاقية السلام فحسب وإنما بالإنسان والبيئة في السودان. لذلك كان من الطبيعي أن تدعو حكومة السودان الامم المتحدة إلى فحص تلك الحمولة الخبيثة. وقد حذرت تلك المنظمة (إيكوتيرا) أيضا من أن تفجير السفينة من قبل القراصنة سينجم عنه كارثة انسانية وبيئية مميته، والكارثة الحقيقة للسودان هى تمكن الحركة الشعبية من استخدام اسلحة مماثلة دخلت خلسة ضد الجيش السوداني والشعب السوداني والوحدة الوطنية.
وكانت معلومات قد كشفت حول القضية أن منفستو الاسلحة يحمل فواتير لشحنتين اسلحة وليست شحنة واحدة. وبين المنفستو أن الصفقة الاولي تم التوقيّع عليها بين حكومة الجنوب وتاجر سلاح اسرائيلي من خلال وزارة الدفاع الكينية في التاسع والعشرين من ديسمبر عام2006 . بينما الصفقة الأخرى وقّعت بتاريخ الخامس عشر من شهر فبراير عام 2007 م الماضي. وعلم الجميع أن إحداها رهينة لدى القراصنة الصوماليين، أما الأخرى أين هي؟ فهذا هو السؤال.
والجديد الذي أكد قديما معلوما وقوف الموساد الإسرائيلي وبقوة خلف هذه الشحنة التي تحمل الموت والدمار للمواطنين الآمنين في السودان الذين صدقوا معزوفات السلام التي درجت كثير من قيادات الحركة عزفها والتشدق بها. فالسفينة المشؤمة تعود لمالكها المواطن الاسرائيلي فاديم ألبرين، فهي ليست أوكرانية كما أشيع عنها وأن شركة (تومكس تيم) المفترى عليها ليس سوى شركة تشغيل، مقرها أوكرانيا.
وذكرت BBC وهي التي لا يمكن أن تفتري كذبا على ربيب الغرب المدلل (إسرائيل)، أن الإسرائيلي مالك السفينة سبق وأن أطلق عليه (عنصر الموساد) لصلته القوية بجهازالاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، بل أن المدعو فاديم يدير مجموعة من الشركات العنقودية ومن ضمنها شركة تصدير كينية تمارس التجارة مع عدد من االدول في المنطقة، وتستخدم الشركة كذلك لجمع المعلومات الاستخبارية من مصر والأردن والسعودية.
إن تصريحات قادة الحركة الشعبية حول هذه الفضيحة التي أزكمت الأنوف أقل ما يقال عنها أنها مضحكة بل وتُثير السخرية، ففي أول رد فعل على سبيل المثال أنكر قائد استخبارات الجيش الشعبي السفينة، ثم بعد ذلك ظهرت وثيقة الشحن التي قطعت قول كل خطيب. أما فيما يخص الطائرة الأثيوبية فقد أنكر دينق ألو شحنة الطائرة لكن عندما تم فحص الطائرة وتبين محتواها حاول رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب اثبات أن ذلك لا يشكل مخالفة.
من المؤسف أنه بعد ما ظل الجنوبيون ينتظرون تدفق البترول سنينا عددا، املا في تنمية واستقرارا يعم ربوع الجنوب يفاجأون اليوم بأخبار فضيحة الأسلحة المدوية التي ابتلعت الملايين من البترودولار.. فقد تلقت تطلعات الجنوبيين ضربة قاصمة، لأنهم لايرغبون في اندلاع الحرب مجددا فحسب، وانما يتطلعون أيضا إلى الطرق السريعة التي تربط المدن المختلفة وإلى المستشفيات التي تقضي على الامراض المستوطنة، وإلى المدارس والجامعات التي تمحو الأمية المتفشية، وفوق ذلك يتطلعون إلى علاقات أخوية مع أخوتهم في الشمال لا يعكر صفوها بناء ترسانات الأسلحة، لكن الحركة الشعبية تأبى إلا أن تهزم هذه التطلعات المشروعة، فقد ظن الكثيرون خطأ أن توقيع اتفاقية نيفاشا تعني التزامها بالسلام.
وما يخشاه الحريصون على السلام أن تكون هذه الشحنة القاتلة التي اكتشفت صدفة وأوقعها حظها العاثر في أيدي القراصنة الصوماليين، ليست إلا قمة جبل جليد غطته المياه عدا قمته. فكم من شحنة دخلت خلسة إلى الجنوب؟!.. المنطق يقول أن عددا كبيرا من الأسلحة دخلت، لأن عدم الشفافية والفساد يسيطران على تعاطي حكومة الجنوب مع الايرادات البترولية، فضلا عن مظاهر البؤس والفقر التي لازالت تتشح بها قرى ومدن الجنوب.