صوت من لا صوت له وطن من لا وطن له
الصفحة الرئيسية  English
المنبر العام
اخر الاخبار
اخبار الجاليات
اخبار رياضية و فنية
تقارير
حـــوار
أعلن معنا
بيانات صحفية
 
مقالات و تحليلات
بريـد القــراء
ترجمات
قصة و شعر
البوم صور
دليل الخريجين
  أغانى سودانية
صور مختارة
  منتدى الانترنت
  دليل الأصدقاء
  اجتماعيات
  نادى القلم السودانى
  الارشيف و المكتبات
  الجرائد العربية
  مواقع سودانية
  مواضيع توثيقية
  ارشيف الاخبار 2006
  ارشيف بيانات 2006
  ارشيف مقالات 2006
  ارشيف اخبار 2005
  ارشيف بيانات 2005
  ارشيف مقالات 2005
  ارشيف الاخبار 2004
  Sudanese News
  Sudanese Music
  اتصل بنا
ابحث

مقالات و تحليلات English Page Last Updated: Jul 11th, 2011 - 15:37:55


العشب أكثر اخضراراً علي الجانب الآخر من السياج (3)/بقلم / عبد العزيز عثمان سام-
Oct 23, 2008, 04:22

سودانيزاونلاين.كوم Sudaneseonline.com

ارسل الموضوع لصديق
 نسخة سهلة الطبع

 

          العشب أكثر اخضراراً علي الجانب الآخر من السياج (3)

                     بقلم / عبد العزيز عثمان سام- الخرطوم / أكتوبر 2008

 

     في هذا الجزء الثالث من السلسلة سأتناول ظاهرة كثرة المبادرات لحل مشكلة دارفور تحت العنوان التالي:

 

رُزمة مبادرات بلا طائل، وجعجعة بلا طحين:

    تجربتي العملية في مسار قضية دارفور، وفّرت لي قدراً من الخبرة تجعلني مدركاً، بقدر معقول، لمقومات نجاح أية عملية تفاوضية وصولاً لاتفاق سلام شامل وعادل ودائم.. وما يجب أن يتوفر لأية جهة تريد إقامة وإدارة منبر(fourm) يجتمع حوله أطراف متخاصمين متقاتلين (حكومة السودان وحركات المقاومة المسلحة) للتفاوض المباشر وصولاً لحل مكتوب في وثيقة (اتفاق)، وضمان تنفيذ ما أتفق عليه الأطراف علي الأرض، ومعالجة آثار الحرب وجبر الضرر وإعادة رتق النسيج الاجتماعي مما لحق به من فتوق بسبب الحرب..

   لن يكون المنهج الذي سأتبعه بالتالي، تناول المبادرات التي طُرحت في السابق أو المطروحة الآن مبادرةً تِلو الأُخرى، ولكني سأستعرض ما أعتقد أنها بنيات أساسية وقواعد واجبة وأرضيات ثابتة لقيام المنظومة المؤهلة للقيام بدور المُستضيف والوسيط والراعي للمفاوضات وصولاً إلي إبرام اتفاق سلام، ثم الضامن لتنفيذ الاتفاق المُبرم علي الأرض وذلك بإلزام أطرافه لتنفيذ التزاماتهم المنصوص عليها بين سطور الاتفاق.

   والعملية هي سلسلة مستمرة من الإجراءات (prosses) تبدأُ عادة في دولة أخري غير الدولة التي يتفاوض أطرافها كما كان الحال في (كينيا/نيجيريا/إرتريا) في المفاوضات التي أفضت في محصلتها النهائية إلي إبرام  اتفاقيات السلام رهن التنفيذ وهي: اتفاق السلام الشامل نيفاشا/كينيا 2005م، واتفاق سلام دارفور أبوجا/ نيجيريا 2006م ، واتفاق سلام الشرق أسمرا/ إرتريا 2007م وإجراءات الوصول لسلام دارفور التكميلي المزمع البدء فيها اليوم قبل الغد، وهي بالطبع لن تكون داخل السودان وسيتم استضافتها بواسطة دولة أخري من مجموع الدول التي أبدت رغبتها في ذلك.

     وعلية يجمُل ويفيد تناول ما يشترط توافرها من مقومات في الهيئة أو الدولة أو مجموع الدول التي تنهض بأعباء أي من المراحل التي تمر عليها العملية التفاوضية المفضية لاتفاق سلام واجب التنفيذ، والمراحل هي:

 1) الدولة المضيفة(Host country)

 2) الوسيط (The Midiator) وغالباً ما ينقلب دورة إلي الضامن لتنفيذ الاتفاق(Grantor) في مرحلة تنفيذ الاتفاق الذي يتم التوصل إليه، حيث تختلف مهامه وتتضاءل قوته الملزمة (Power of Compelability) لأسباب سأوضحها لاحقاً عند التفصيل،

3) الشركاء والمسهلين والمراقبين (Parteners, facilitators and Observers

4) الإعلام (Media).

    وسأجتهد في تفصيل ما يجب أن يتوفر من مقومات وشرائط لكل ركن من أركان وعناصر ومراحل العملية التفاوضية علي النحو التالي:

 

أولاً- الجهة المُضِيفة:

 مهما تكن الجهة المُضِيفة(دولة أو مجموعة دول أو هيئة أو منظمة)، فيجب عليها أن تكون:

1- محايدة، بمعني إنها، لم، ولن يسبق لها مساندة أو دعم مواقف أي من الأطراف في فترة النزاع خصماً علي الطرف الآخر،

2- أن يتفق عليها الأطراف المتفاوضة صراحة، لأن الموافقة تضمن حضور الأطراف واستمرارهم في التفاوض حتى الوصول لاتفاق نهائي.

3- أن تكون من الدول أو المنظمات التي تتمتع بقدر واسع من إتاحة الحريات العامة وحقوق الإنسان وخاصة حرية التعبير والتنظيم وسيادة حكم القانون وفصل السلطات، وان تتوفر فيها وسائل إعلام حرة ومتعددة الوسائط  دون حجرٍ للرأي والرأي الآخر.

4- أن يكون الموقع الجغرافي للجهة المضيفة معقولاً من كافة النواحي، وأن تتمتع بشبكة واسعة للمواصلات وخاصة خطوط الطيران، وان يكون نظام منح تأشيرات السفر سهلاً بلا قيود أو موانع قانونية أو أمنية معقدة،

5- أن تتمتع الجهة المضيفة بظروف أمنية مستقرة ومعقولة، وأن تكون من الدول ذات العلاقات المتميزة بالدول الكبرى وخاصة تلك التي تحرك بوصلة السياسة الدولية من خلال مجلس الأمن بالأمم المتحدة.

6- أن تلتزم بعدم التدخل في العملية التفاوضية موضوعياً، وأن لا تستخدم نفوذ الدولة أو نظامها القانوني أو علاقاتها الدبلوماسية للتأثير علي سير العملية التفاوضية أو التضييق علي حرية الأطراف في اتخاذ المواقف التي يرونها أو التعبير عن آراءهم بحرية كاملة.

7- معاملة الأطراف في العملية التفاوضية علي قدم المساواة في جميع الأحوال دون الاعتبار لكون احد الأطراف يمثل نظام الحكم في دولته والآخرين متمردون، ذلك لأن الأطراف متساوون كأعضاء في منبر تفاوضي.. وتعريف التمرُد في فقه الحكومات الدكتاتورية غير دقيق ولا يعترف به الثوار، ويسألون: من هو المتمرد؟ أو المارد، وهل هو من يستأثر بمقدَّرات البلد من سلطة وثروة وجهاز دولة وسيادتها وقمع الآخرين وإجبارهم لسلوك طريق المقاومة لإعادة بناء الدولة علي أسس وقواعد العدالة والمعايير المتعارف عليها للحكم الرشيد؟ أم أن المتمردون هم الذين اختاروا طريق المقاومة والكفاح بكافة الأشكال لمناهضة الحكومات التي تقيم أنظمة حكم خارج مظلة القانون وبالمخالفة لبنود العقد الاجتماعي لقيام الدولة؟ لا يوجد تعريف دقيق للتمرد، ولكن حتماً المتمرد هو الظالم وليس المظلوم، لأن الظالم متاح له أكل الغَلّة كلها، فهو بالتالي يسمن ويورم ويصير مارداً، أما المظلوم المُعدَم فهو نحيل نحيف ضارب في الأحراش والفيافي يفترش الأرض ويلتحف السماء، فلا يستساغ أن يُنعتََ بالمارد لانتفاء أوصاف المردة في حقه.. إذاً، من يُسمّون متمردين في اللغة اليومية التي تفرضها الحكومات الباطشة وتأمر وسائل الإعلام المحلية المملوكة والمحتكرة لها بترديدها ونشرها ليثبت في لغة التثاقف اليومي ويرسخ في الوجدان الجمعي للشعب، هم في الحقيقة ثوار وحركات مقاومة وكفاح، أما المارد والمتمرد الحقيقي فهو الطرف الذي يستأثر بالسلطة وموارد الدولة و جهازها، وينفرد بإدارتها بسوءٍ وحِيف وفساد، فتأتي المقاومة ومنظوماتها كنتيجة حتمية خروجاً علي الطرف المستأثر وتقاومه لاسترداد النظام والعدالة واستخلاص الحق العام من مغتصبه ليكون مِلكاً مُشاعاً لعامةِ الشعب.

 

ثانياً: الوسيط والضامن:

   يتدرج حجم وإمكانيات الوسيط مع حجم الأزمة التي يتم التوسط فيها وتفاقمها والآثار المترتبة عن الصراع والجهة ذات الاختصاص الحقيقي لمعالجتها، وفي ذلك يختلف التوسط لحل إشكال عائلي بين زوجين اختلفا حول ما يجب عليهما من حقوق وواجبات، إذ يقتصر الوساطة علي القاعدة الشرعية(حَكَمٌ من أهله وحكم من أهلها، إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما)، وبين الوساطة لحل أزمة مُعقدة مثل التي أفرزها الحرب في دارفور من فظائع ارتكبت وترتكب يومياً ودمار شامل للنسل والحرث امتد لخمسة أعوام ولم يوفق الخصوم في التوصل لاتفاق شامل يوقف أواره، بل ظل يشتعل ويزداد، فالوسيط المطلوب ينبغي أن يكون بحجم المشكلة القائمة، علماً بأن دوره لن ينتهي بتوصيل الأطراف المتفاوضة إلي صيغة اتفاق يوقعوا عليها أمام كاميرات الإعلام البرَّاقة ثم النهوض للمصافحة والابتسام وسط حضور كثيف للوسيط والشركاء والمسهلين والمراقبين ووسائل الإعلام، بل يمتد دوره إلي ما هو أصعب وأشق، ضمان تنفيذ ما أشتمل عليه وثيقة الاتفاق من بنود دون انتقاء أو تبعيض أو تأخير.

   وطالما أننا نتخذ من مشكلة دارفور نموذجاً لهذه المعالجة، فهنالك وقائع وإشكالات اعتورت المعالجات السابقة للوساطة الإفريقية فيجب إيجاد الحلول لها وتطويرها وصولاً للكمال، وهي:

1- فشل الوسيط الأفريقي في النهوض بدور وساطة فاعلة لضعف موارده المالية والبشرية ولافتقاره لمستوي الحياد المطلوب وإلي الخبرة العملية في هذا المجال، كما يساور البعض شكٌوك معقولة في توفر الإرادة والرغبة اللازمة للوسيط الإفريقي للوصول إلي صيغة مقبولة ومُرضِية للأطراف وخاصة حركات المقاومة المسلحة، ويرجع ضعف الوسيط الإفريقي إلي افتقاره لقوة الدفع المطلوبة لأن منشأه ضعيف بسبب ضعف معظم الحكومات الإفريقية المكونة للاتحاد وافتقارها للسند الشعبي الملتزم باحترام والتزام حكم القانون وحقوق الإنسان وأحكام الوثائق والمصفوفات الدولية التي تمنع وتُجرِّم الإتيان بأفعال تخالف القوانين الدولية والمحلية والمعاهدات الدولية، وتلك التي تقرر إتباع وسائل ديمقراطية محددة للوصول إلي الحكم، وتركن معظم الأنظمة الإفريقية إلي انتزاع الحكم وتقنين مزاجها ومصالحها الشخصية وتجبر شعوبها للخضوع لما تري وتأمر.         

2- عدم توافر الاتحاد الإفريقي علي منهج محدد للتفاوض عبر جداول زمنية مرسومة، واعتمادها علي ضغوط وظروف الأطراف، لذلك يجد المتتبع للعملية التفاوضية بين الأطراف السودانية/ السودانية في أبوجا/ نيجيريا حول مشكلة دارفور أنها تفتقر إلي المنهج والجداول الزمنية المحددة وتترك الأمر في معظم الأحوال للظروف وأمزجة الأطراف،

3- افتقار فريق الوساطة التابع للاتحاد الإفريقي إلي الحياد الواجب وميله الواضح للطرف الحكومي في كافة الإجراءات، ولو لا وجود الشركاء الأقوياء مثل الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوربي لصار فريق الوساطة جزءاً لا يتجزأ من الوفد المفاوض لحكومة السودان.

4- افتقار فريق وساطة الإتحاد الإفريقي إلي قوة الإجبار المُلزِمة لحسم القضايا المتفاوض عليها لصالح طرف من الأطراف، أو التوصل إلي صيغة وسطية مقبولة، وتُعدُّ هذه نقطة الضعف الأساسية في الوساطة الإفريقية وتنطوي علي قتل للوقت دون تقدم في المفاوضات، وقد فشل الوسيط في حسم أي نقطة لمصلحة طرف من الأطراف أو صياغة نص وسطي ومقبول للأطراف بشأنها، كما كان يحدث في مفاوضات نيفاشا بين الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان وحكومة الإنقاذ، حيث طفق الوسيط يُنفِذ جدوله التفاوضي بِدِقَّة متناهية وذلك بحسم الملف الأول وإصدار بروتوكول حوله يوقِّع عليه الأطراف، ثم الانتقال إلي الملف الذي يليه وبالانتهاء من آخر الملفات والتوقيع علي البروتوكول الخاص به تم تجميع البروتوكولات الموقَّعة في اتفاق سلام شامل وتم التوقيع عليه في الحفل التاريخي المشهود داخل القصر الرئاسي الكيني بنيروبي. بينما في مفاوضات أبوجا تم الالتفاف علي هذا المنهج السليم والعملي بمنهج ملتوٍ قوامه فتح التفاوض في جميع الملفات في وقت واحد مع انعدام قوة الإجبار لدي الوساطة، الأمر الذي أدي إلي عدم حسم التفاوض في جميع الملفات والمحاور وهو منهج عقيم، يشبه ما يعرف في مجال القانون بالتقاضي المستمر (endless litigation) وهو أمر سخيف ومُمل لا طائل منه، فظل الأطراف في منبر أبوجا يقدمون الحُجة تلو الحُجة في المحور المعروض للتفاوض دون أن يجرؤ الوسيط علي إعلان أن النقطة المحددة قد حُسِمَت لمصلحة طرف من الأطراف لقوة حُجتِه ورجحانه، وبالتالي عندما تَقَدَم الوسيط عشية/30/04/2006م بوثيقته التي يفترض أن تشتمل علي صيغة المشروع النهائي لما يجب أن يكون اتفاق السلام لدارفور 2006م جاءت مشوَّهة وغريبة لا تمُت إلي ما تم التفاوض عليه بصلة، ولم يُعتمد في صياغة محتوياته علي محاضر المفاوضات التي جرت لعامين كاملين، وأدي ذلك إلي إنكارها ورفضها من طرف الحركات المسلحة بينما وافق عليها الطرف الحكومي لشيء في نفسه، وتقدمت الحركات المسلحة بطعن موضوعي في الوثيقة المطروحة من الوساطة وصفوا فيه الوسيط بالانحياز وعدم الحياد وبالتآمر لمصلحة الطرف الحكومي، الأمر الذي جعل الحادبين علي أزمة السودان في دارفور من أعضاء المجتمع الدولي يرسلون وفود عاجلة رفيعة المستوي إلي أبوجا لإنقاذ الموقف وكانت حصيلة الإصلاح الجزئي للمشروع المُقدم، بإدخال التعديلات والرُقع في مقترح الوساطة الإفريقية فصار فيما بعد اتفاق السلام لدارفور2006م الذي تم توقيعه داخل القصر الرئاسي النيجيري عشية الجمعة/05/05/2006م.. ويجب أن أذكر هنا، أن الأيام الخمسة الأولي من مايو2006م  كانت أيام عسيرة في حياة القيادة السياسية والعسكرية والوفد المفاوض لحركة/جيش تحرير السودان.. وقد ساعد في التوصل إلي قرار التوقيع لأسبابه المعروفة لمؤسسات حركتنا، التواجد الكثيف لشاغلي المواقع القيادية للأجهزة الدستورية للحركة في أبوجا، وكان رئيس الحركة قد طلب إلي الوسيط المساعدة في ترحيلهم إلي أبوجا في منتصف مارس 2006م للمتابعة واتخاذ المواقف والقرارات المناسبة وفق المعطيات، وكان الغموض الذي اكتنف سلوك الوساطة وقطعها لإجراءات التفاوض المباشر وتعليق اجتماعاتها توحي بأمر يُدبَّرُ بليل، ووضح لنا لاحقاً أن قرار رئيس الحركة بإحضار قيادات أجهزة الحركة قد ساعد كثيراُ في التوصل إلي قرار سليم بتوقيت دقيق، وأثبت لنا بذلك انه كان يري ما لا يري الآخرون.. والشاهد أن كل الدمار الذي حدث في إقليم دارفور بعد اتفاق السلام هو بسبب ضعف الوسيط الإفريقي وعدم حياده وعوزِه للأهلية والإرادة والمنهج في جميع مراحل إدارته لأزمة دارفور، فضلاً عن خنوع وتسيب آليات المراقبة والحماية التابعة له علي الأرض، أقصد قوته العسكرية في الإقليم.

    الآن وقد تم ترقية الوسيط إلي وساطة مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وهذا أمر جيد، ولكنه يحتاج إلي تنقية وتنشيط وحماية ودعم.. وأما التنقية فمن العناصر الضعيفة الفاسدة والمنحازة، والتنشيط نعني به الوصول إلي الفاعلية والقيام بالواجب دون وجل أو تردد، ثم ضرورة توفير الحماية من المنظمة الدولية من قمع وإرهاب الطرف الحكومي، ثم يأتي الدعم من شعوب العالم المحبة للسلام والعدالة وعدم الإفلات من العقاب، كما يجب علي الأطراف توقير الوسيط والانصياع لما يأمر به والنأي عما يعكر صفو العملية من البداية إلي النهاية.

 

 ملاحظات خاصة بصعوبة دور الوسيط عندما يتحول إلي ضامن لتنفيذ الاتفاق:

   معلوم أن أية مفاوضات ستنتهي حتماً إلي اتفاق ملزم للأطراف والوسيط والشركاء، وواجب التنفيذ، والتنفيذ مرحلة أخري أصعب وأشق من التفاوض نفسه وذلك للظروف التي تَمثُل في مرحلة التنفيذ، ونجملها في الآتي:

1) التنفيذ يتم داخل البلد الذي تفاوض أطرافه المتنازعة خارجه، وخطورة ذلك تكمن في الانقلاب الخطير في المناخ والبيئة بصيرورة جميع مكونات العملية التفاوضية تحت رحمة وضيافة وحماية أحد الأطراف وهو الطرف الحكومي، وينتفي بذلك المناخ المحايد الذي تم فيه التفاوض وتنتفي تبعاً له الميزة الأساسية المتمثلة في تساوي الخصوم في منبر التفاوض وأمام الوسيط والشركاء والإعلام، ويفاجأ الجميع أنهم تحت رحمة طرف مفاوض كان بالأمس القريب خصماً ظالماً لا يؤتمن علي شيء ولا يستجير به الطرف الآخر.

2) تتلاشى قوة الوسيط (الضامن) وتنتفي قوته الإجبارية وسيادته لمنبر التفاوض بسبب أن السيادة ومنح الحقوق في مرحلة التنفيذ تنتقل وفق دستور وقانون وجهاز الدولة السودانية إلي الطرف الحكومي وتتحكم فيها وتمنحها لمن تشاء، ومن لا يملك قُوُتَه لا يملك قراره، وبالنتيجة تلاشي وفناء دور الوسيط الإفريقي واختفاءه من المشهد تماماً في مرحلة تنفيذ اتفاق سلام دارفور، وساعده علي الفناء ضعفه الملازم له منذ البداية واستعداده الفطري للتطويع والقهر والابتزاز من قِبل الأنظمة الدكتاتورية الباطشة، ووجدانه المُشكَّل علي الركون إلي السلامة وعدم المناهضة.

3) تنفيذ الاتفاقيات المبرمة هي سلسلة إجراءات قوامها، تقاسم وتنازل وتراجع عن مكاسب الطرف الحكومي المُسيطِر علي كل شئ، لمصلحة وحساب الطرف الآخر للاتفاق، وبالتالي فهي تعتمد علي أحد أمرين: الأول، إرادة قوية ووعي بأهمية الوفاء بالالتزامات المبرمة من الطرف الحكومي، وهو أمر نظري ومثالي صعب الوجود والتحقق، والتجارب الماثلة خير دليل، والأمر الثاني هو توافر قوة إجبار فعلية للوسيط والشركاء من خلال آليات دولية سامية، بالإضافة إلي محفزات تعين الطرف الحكومي علي الالتزام والوفاء بمستحقات الطرف الآخر، وتجارب تنفيذ الاتفاق ماثلة والعوائق ظاهرة للعيان وغياب دور الضامن ذو القوة الجبرية تجربة معاشة، لذلك يجب أن يكون الوسيط/ الضامن آلة كونية ضخمة تتمتع بشرعية واسعة تُمكِّنه من إدارة هذه العملية المستمرة والصعبة في جميع مراحله بنجاح.

 ثالثاً: الشركاء والمُسهِلين والمراقبين:

أ) الشركاء: هي الدول الكبرى، وتحديداً الأعضاء دائمي العضوية بمجلس الأمن الدولي والإتحاد الأوربي، وهم شركاء لأنهم يرعون الوسيط مالياً وفنياً وعسكرياً من خلال القوة المشتركة (الهجين) لحماية السلام والمدنين من بطش أطراف النزاع وتوفير الحياة الكريمة لهم، ويساعدون الوسيط في تقريب المواقف والضغط في الاتجاه الإيجابي للوصول إلي اتفاق بأسرع ما يكون وفق سقف زمني معلوم، ثم إنهم القوة الجبرية المُلزمة للوساطة في مرحلة التنفيذ.

 ب) المسهلين: هي دول ذات صلة واهتمام بالأزمة منذ بدايتها وهدفهم هو الحل السلمي للأزمة دون ربط  ذلك بمصالح وأهداف خاصة من خلال دعم طرف علي حساب الآخر وهي تحديداً، ليبيا ومصر وتشاد وإرتريا وكندا ونيجيريا وغانا وإفريقيا الوسطي دون سواهم ، لأن بقية الدول والمنظمات الدولية وخاصة تلك القائمة علي رابطة العِرق والدين، أثرها سالب، وهي منحازة لأحد أطراف النزاع، ولهم مردود منحاز ومعوق لمسيرة التفاوض والتنفيذ.. فيكفيها أنها  مُمثلة في الوسيط المشترك بين الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي. وتجربة أبوجا أثبتت ما ذهبتُ إليه وسأتناول الدور المُضلِل والسلبي والضار لممثل جامعة الدول العربية بعد أن وثق به الشركاء والمسهلين ونصبوه مقرراً وناطقاً باسمهم.    

ج) المراقبون: هم منظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان والمهتمين بها ويأتي إسهامهم جوهرياً في تبصير الأطراف بضرورة مراعاة الجانب الإنساني وتوفير واجب الحماية للمدنين وعدم الزج بهم في أتون الحرب وضرورة تقصير أمد النزاع. ولهم دور آخر بالضغط علي الوسيط والشركاء والمسهلين لدفع الأطراف نحو مفاهيم مدنية متقدمة، وتضمين الاتفاق الذي سيبرم بين الأطراف فحوي وثائق الحقوق والحريات والدفع نحو تحقيق مجتمع مدني يسوده القانون تحقيقاً لأهداف الألفية في الرفاهية والتقدم والنماء.

رابعاً:  الإعلام:

   يقع علي عاتق وسائل الإعلام المختلفة دور كبير في عرض وتحليل المواقف التفاوضية ومنهج الوسيط ودور الشركاء واستنهاضهم وإظهار ردود أفعال الرأي العام المحلي والدولي لسير التفاوض واستقطاب الدعم الجماهيري للدفع نحو السير حثيثاً نحو التسوية السليمة، وإظهار آثار الحرب علي المدنيين ورفع الوعي بمخاطره.

 

ظاهرة تعدد المبادرات مقروءة مع ما تقدم من مقومات:

 مع الشكر الواجب لكل الدول والمنظمات التي تقدمت بطلبات للوساطة في حل مشكلة دارفور، ولكني مقتنع بأن شرائط ومقومات التوسط لحل أزمة دارفور صارت أكبر من أن تتوفر لدولة فرد أو لمنظمة قومية أو عرقية أو حتى إقليمية بعد تجربة الإتحاد الإفريقي الذي لعب دور الوسيط والضامن في اتفاق سلام دارفور 2006م، فالمشكلة في دارفور صارت أكبر وأعقد، والوسيط يجب أن يكون بعِظَم المشكلة وحجمها، وعليه يأتي دور المنظمة الدولية(الأمم المتحدة) بكل مشروعيتها وسيادتها الكونية وقوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية لتقوم بواجبها لحل مشكلة دارفور متعددة الجوانب والمحاور، هذه واحدة.. أما بالنسبة للدولة المضيفة فهي مسألة سهلة تتم معالجتها عبر الوسيط وموافقة الأطراف، شريطة استيفاء الشرائط الضرورية لأهلية الضيافة كما أوضحنا بإسهاب في الفقرة التي عالجنا فيها رؤيتنا للجهة المُضيفة.

 

مرتكزات التفاوض لاستكمال السلام بإقليم دارفور:

تسهيلاً للأطراف والوسيط والشركاء للسير قدماً بإجراءات التفاوض، يكون عملياً أن تبدأ العملية التفاوضية من حيث توقفت ليلة30 أبريل 2006م بالقاعة الكبرى لفندق شيدا بمدينة أبوجا/ نيجيريا، عندما عرض الوسيط الإفريقي وثيقته لمشروع الاتفاق للاجتماع العام للمنبر(plenary) فاعترض عليها الحركات وتقدموا برؤيتهم المشتركة النهائية لما ينبغي أن يُضِمَّن في الوثيقة، ورفض الوسيط اعتراض الحركات وتمسك بوثيقته، فتدخل المبعوث الأمريكي فأوقف عقارب الساعة عن الدوران عند الساعة 11:30 مساءً، ودخل في اجتماعات مكثفة مع الوسيط والأطراف لتقريب وجهات النظر فانفض سامر المنبر علي ذلك المشهد الدرامي.. وعليه، أجد أن المنطق والحصافة يقتضيان البداية من نقطة التوقف، توفيراً للوقت والجهد للوسيط والشركاء والأطراف، وإن فعلوا ذلك أجزم أنهم سيتمكنون من الوصول إلي اتفاق نهائي وعادل وشامل ودائم خلال شهر واحد، وما دون ذلك تطويل ضار بجميع الأطراف ومُدمِّر للوضع الإنساني علي الأرض وبالمدنين الذين فقدوا الحماية لنصف عقد من الزمان وعانوا ويلات الحرب والدمار والفظائع حتى داخل معسكرات النزوح، وتقف المجزرة التي وقعت قبل حوالي الشهر داخل معسكر(كلمة) للنازحين بولاية جنوب دارفور شاهدة علي ذلك.

   واختم بالقول، أن تقديرنا للجهود والمبادرات الوطنية والإقليمية والدولية لا يتعارض مع رسم خارطة عملية للسير بالعملية السلمية نحو غاياتها بأقصر الطرق عبر منبر يتمتع بالمشروعية والأهلية الكاملة للقيام بدور الوساطة وضمان تنفيذ الاتفاق الذي يتم التوصل إليه، مع الوضع في الاعتبار المشهد كاملاً.

  وتأسيساً علي ما تقدم، نري أن البدء من حيث توقف مسيرة التفاوض في أبريل 2006م وقد تراكم ذلك المنبر علي تجربة وخبرة عملية لمدة عامين،    وإجراء عمليات تحديث جوهرية للمنبر لتطويره وتفعيلة وإزالة العقبات ومحاولات الالتفاف والحماية والمناصرة. سيشكل ذلك قفزة هائلة بالقضية والمأساة إلي الجانب الآخر من السياج حيث العشب فيه أكثر اخضراراً.

 

(وإلي عشب آخر حول: استغلال المركز لأبناء دارفور لتقويض الإقليم وتعميق مأساته.)     

  

 

 

 


© Copyright by SudaneseOnline.com


ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

أعلى الصفحة



الأخبار و الاراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات و تحليلات
  • تشارلز تيلور يكتب من لاهاي هاشم بانقا الريح*
  • تنامي ظاهرة اغتصاب الاطفال ...! بقلم / ايـليـــا أرومــي كــوكــو
  • مؤتمر تمويل التنمية/د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
  • بين مكي بلايل والعنصرية والحركة الشعبية /الطيب مصطفى
  • قالوا "تحت تحت" الميرغنى ماااااا "داير الوحدة"/عبد العزيز سليمان
  • الصراع الخفي بين إدارة السدود والمؤتمر الوطني (4-12) بقلم: محمد العامري
  • قواعد القانون الدولى المتعلق بحصانات رؤساء وقادة الدول/حماد وادى سند الكرتى
  • هل يصبح السيد مو ابراهيم حريرى السودان بقلم: المهندس /مطفى مكى
  • حسن ساتي و سيناريو الموت.. بقلم - ايـليـا أرومـي كـوكـو
  • الجدوي من تعديل حدود اقليم دارفور لصالح الشمالية/محمد ادم فاشر
  • صلاح قوش , اختراقات سياسية ودبلوماسية !!؟؟/حـــــــــاج علي
  • أبكيك حسن ساتي وأبكيك/جمال عنقرة
  • نظامنا التعليمي: الإستثمار في العقول أم في رأس المال؟!/مجتبى عرمان
  • صندوق إعادة بناء وتنمية شرق السودان .. إنعدام للشفافية وغياب للمحاسبة /محمد عبد الله سيد أحمد
  • )3 مفكرة القاهرة (/مصطفى عبد العزيز البطل
  • صاحب الإنتباهة ينفث حار أنفاسه علي باقان: الصادق حمدين
  • جامعة الخرطوم على موعد مع التاريخ/سليمان الأمين
  • ما المطلوب لإنجاح المبادرة القطرية !؟/ آدم خاطر
  • الجزء الخامس: لرواية للماضي ضحايا/ الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
  • مبارك حسين والصادق الصديق الحلقة الأولى (1-3) /ثروت قاسم
  • ماذا كسبت دارفور من هذه الحرب اللعينة !!/آدم الهلباوى
  • الأجيال في السودان تصالح و وئام أم صراع و صدام؟؟؟ 1/2/الفاضل إحيمر/ أوتاوا
  • النمـرة غـلط !!/عبدالله علقم
  • العودة وحقها ومنظمة التحرير الفلسطينية بقلم نقولا ناصر*
  • المختصر الى الزواج المرتقب بين حركتى العدل والمساواة والحركة الشعبية لتحرير السودان /ادم على/هولندا
  • سوداني او امريكي؟ (1): واشنطن: محمد علي صالح
  • بحث في ظاهـرة الوقوقـة!/فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر
  • سقوط المارد إلى الهاوية : الأزمة مستمرة : عزيز العرباوي-كاتب مغربي
  • قمة العشرين وترعة أبو عشرين ومقابر أخرى وسُخرية معاذ..!!/حـــــــــــاج علي
  • لهفي على جنوب السودان..!! مكي المغربي
  • تعليق على مقالات الدكتور امين حامد زين العابدين عن مشكلة ابيي/جبريل حسن احمد
  • طلاب دارفور... /خالد تارس
  • سوق المقل أ شهر أسواق الشايقية بقلم : محمدعثمان محمد.
  • الجزء الخامس لرواية: للماضي ضحايا الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
  • صاحب الإنتباهة ينفث حار أنفاسه علي باقان أموم/ الصادق حمدين
  • رحم الله أمناء الأمة/محجوب التجاني
  • قصة قصيرة " قتل في الضاحية الغربية" بقلم: بقادى الحاج أحمد
  • وما أدراك ما الهرمجدون ؟! !/توفيق عبدا لرحيم منصور
  • الرائحة الكريهة للإستراتيجي بائتة وليست جديدة !!! /الأمين أوهاج – بورتسودان
  • المتسللون عبر الحدود والقادمون من الكهوف وتجار القوت ماشأنهم بطوكر /الامين أوهاج