البحرين وعراقة تاريخها ورقي شعبها
بقلم: سليمان ابوداؤد
هناك شعوب ممعنة في العراقة ولكن لا يعرفهم إلا القليلون من الناس أصحاب الأفكار المستنيرة الذين يهتمون بدراسة الحضارات الإنسانية التي غيرت مجرى حياة المجتمعات على مر العصور وشكلت منعطف تاريخي ومفصلي في طريقة معيشتها وتفكيرها وقديما قال الشاعر:
أرقى الشعوب تمدنا وحضارة من كان منهم في الفنون عريقا.
والفنون المقصودة هنا هي العلوم بانوعها المختلفة وإذا أخذنا الجزيرة العربية كواحدة من المناطق التي تعاقبت عليها حضارات عريقة كالحضارة الآشورية والبابلية وسبأ وتدمر وغيرها من الحضارات نجد هذه الحضارات خلفت ارث ثقافي واجتماعي أثرى الحياة الفكرية للاجيال اللاحقة حيث استمدت علومها من تلك الشعوب التي أسست حضارات ذات أبعاد إنسانية في شتى المجالات، ولكن الجيل الحالي الذي يعيش عصر العولمة لا يفقه شيء عن الماضي وكأن الحياة عنده بدأت مع بداية العصر الحديث أي عصر النهضة الصناعية متناسيا الحصيلة المعرفية المتراكمة التي أوصلته إلى هذا العصر، والسبب وراء هذا الجهل هو عدم اطلاعه على ماضي أسلافه بعلاته وخير دليل على ذلك جهل معظم شعوب الخليج بتاريخ مملكة البحرين، فالدول الخليجية مجتمعاتها متشابه من حيث العادات والتقاليد والموروث الثقافي لان الشعب الخليجي في معظمه مجتمع بدوي أساس بنائه الاجتماعي القبيلة ، فالقبائل الخليجية البدوية جميعها ترجع إلى أصل واحد لذا نجد القبيلة الواحدة موزعة بين هذه الدول، ولما كانت الأمية هي المسيطرة على هذه المجتمعات لذا من الطبيعي أن لا نجد من يهتم بمعرفة الحضارات الإنسانية التي نشأت في هذه المنطقة سوى القليلون من أبناء المنطقة الذين نالوا حظا من التعليم. وإذا ما أخذنا الشعب البحريني وتمعنا في دراسة هذا الشعب من حيث الجوانب الفكرية نجده شعب مثقف ومتحضر إلى الدرجة التي قد لا يتوقعها احد بان يجد في وسط البيئة البدوية مجتمع على هذا القدر من الوعي الفكري والسبب وراء ذلك يعود إلى تاريخ هذه المملكة وهذا ما جعلني استهل حديثي بالحضارات الإنسانية التي ظهرت في الجزيرة العربية، فالبحرين بلد له تاريخ عريق وواحد من الدول التي شهدت ميلاد الحضارات فإذا رجعنا إلى تاريخها نجد حضارة دلمون شاهد على دورها الريادي في المنطقة فهذه الحضارة تركت آثار على شعبها الذي نهل من عبق تاريخ أجداده التي أوصلته إلى المكانة الرفيعة التي هو عليها اليوم، فمملكة دلمون التي نشأت في الجزيرة أرست قواعد الحياة المدنية التي انتظمت المملكة حيث أنشئت المؤسسات التي تعنى بإدارة شئون الدولة كالمؤسسات الاجتماعية والثقافية والنظم المالية والإدارية، ونتيجة لهذا التطور أن انتشر التعليم وسط المجتمع الذي أبدع في شتى فنون المعرفة الأمر الذي مكنه من بناء حضارة غيرت في مجرى حياته وأسهمت في بناء الحضارة الإنسانية، فالزائر للبحرين لأول مرة يندهش للوعي الذي
يتمتع به المجتمع مقارنة بشعوب المنطقة الخليجية المجاورة له ويعود ذلك إلى نسبة التعليم المرتفعة في المجتمع البحريني، فهذا الشعب يفرض عليك أن تحترمه لأدبه الرفيع وللطريقة التي يتعامل معك بها فالزائر للبلاد يجد أسلوب راقي ومتحضر من التعامل، لقد عشت سنين طويلة في منطقة الخليج وتعرفت على معظم شعوب هذه المنطقة إلا إنني اندهشت عندما حطيت الرحال بأرض البحرين حين استقبلني موظف الجوازات ببشاشة وترحاب وقدم لي كل التسهيلات مما جعلني انظر إليه بإعجاب وامتنان شديدين هذا أول انطباع أخذته عن شعب البحرين ثم جأت المفاجأة الثانية عندما اصطحبني صديقي إلى منزل ممثل دائرتهم في البرلمان لنجد شقيقه يستقبلنا بحفاوة ويرحب بنا أجمل ترحيب ووجدنا مجلسه عامر بأبناء دائرته يستمع إلى مشاكلهم وهمومهم في إنصات تام مما يوحي لأي شخص لا يعرف شيء عن الحياة السياسية في البحرين بان هناك ديمقراطية ترقى إلى مستوى رفيع لا يقل عن درجة عن مستوى الديمقراطيات المتقدمة في الدول ذات النظم الديمقراطية العريقة. والموقف الأخير عندما ذهبت إلى إحدى وكالات السفر لشراء تذكرة طيران لأعود بها إلى البلد الذي قدمت منه فإذا بي أجد فتاة في العقد الثاني من عمرها والحياء بادي على وجهها فأول ما لمسته منها هو سعة افقها ورحابتها فوجدتها فتاة مثقفة مستنيرة مهذبة إلى الدرجة التي تجعلك تستحي عن سؤالها فعندما أخبرتها بوجهتي التي ارغب في الذهاب إليها بدأت تبحث لي عن جميع شركات الطيران التي لها رحلات إلى تلك البلاد من اجل أن تجد لي أفضل الشركات خدمة وأقربهن موعد دون ملل أو كلل وكلما سألتها عن شيء تجيبني بأسلوب رفيع يوحي لي بأنها إنسانة على درجة عالية من الفهم والإدراك وذات فكر مستنير وأنها سليلة قوم عريق في الحضارة. هذا الانطباع الذي تولد لي خلال زيارتي القصيرة للمملكة أكده لي أصدقائي المقيمين هناك حيث أوضحوا لي بان الإنسان في البحرين له قيمته الإنسانية بصرف النظر عن جنسه أو لونه مما يشير إلى أن الحياة المدنية متجزرة في هذه البلاد منذ قديم الزمان وهي نتاج للحضارة القديمة التي شهدتها الجزيرة من زمن بعيد ، فالمعاملة التي يجدها المقيمين في هذه المملكة لا يجدها أي شخص يقيم في دول الخليج الأخرى وليس المعاملة فحسب بل الحقوق التي يتمتع بها فهناك قانون للتجنس يكفل لكل شخص يقيم في البحرين لمدة خمسة عشر سنة أن يحصل على الجنسية بخلاف بقية الدول الخليجية الأخرى التي يقيم فيها الشخص لمدة تصل إلى نصف القرن ولا يحصل على جنسيتها بل ترحله إلى بلاده عندما يقل عطاؤه متناسية أنه أفنى زهرة شبابه في خدمتها ليعود إلى وطنه هرم يكون عبئا عليها لتتحمل مسئؤلية رعايته في الوقت الذي لم يكن فيه قد قدم أية خدمة لوطنه فهذه الطريقة التي تتعامل بها هذه الدول مع الوافدين تتنافى مع ابسط حقوق الإنسان وتتعارض أيضا مع قيم الدين الإسلامي النبيلة ومع الاخلاق الانسانية ولكننا نجد هذه الحقوق محفوظة عند شعب البحرين صاحب التاريخ العريق.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة