صوت من لا صوت له وطن من لا وطن له
الصفحة الرئيسية  English
المنبر العام
اخر الاخبار
اخبار الجاليات
اخبار رياضية و فنية
تقارير
حـــوار
أعلن معنا
بيانات صحفية
 
مقالات و تحليلات
بريـد القــراء
ترجمات
قصة و شعر
البوم صور
دليل الخريجين
  أغانى سودانية
صور مختارة
  منتدى الانترنت
  دليل الأصدقاء
  اجتماعيات
  نادى القلم السودانى
  الارشيف و المكتبات
  الجرائد العربية
  مواقع سودانية
  مواضيع توثيقية
  ارشيف الاخبار 2006
  ارشيف بيانات 2006
  ارشيف مقالات 2006
  ارشيف اخبار 2005
  ارشيف بيانات 2005
  ارشيف مقالات 2005
  ارشيف الاخبار 2004
  Sudanese News
  Sudanese Music
  اتصل بنا
ابحث

مقالات و تحليلات English Page Last Updated: Jul 11th, 2011 - 15:37:55


كيف يُعين المجتمع الدولي إنتخابات السُودان القادمة؟/محجوب التجانى
Sep 23, 2008, 02:51

سودانيزاونلاين.كوم Sudaneseonline.com

ارسل الموضوع لصديق
 نسخة سهلة الطبع

كيف يُعين المجتمع الدولي إنتخابات السُودان القادمة؟

محجوب التجانى

النسخة الانجليزية http://www.sudantribune.com/spip.php?article28685

19 سبتمبر 2008 - في عون الديمقراطية حول العالم، عقدت منظمة Endowment for Democracy الأمريكية مؤتمرا هاما في العاصمة واشنطن "نحو انتخابات ديمقراطية في السودان" (18 سبتمبر 2008).

والي جانب حضور مميز من عضو الكنغرس دون باين والسفير ريج ويليامسن وبونا ملوال المستشار الخاص لرئيس حكومة السودان، حضر المؤتمر أكثر من 30 ممثلاً لجماعات أمريكية وعالمية معنية بالسياسات العامة، بما فيها وزارة الخارجية الأمريكية، ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، ووكالة التنمية الدولية، والمعهد الدولى الجمهوري، والمعهد الوطنى جنباً الي جنب مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ومعهد الولايات المتحدة للسلام، واتحاد المعلمين الأمريكى، ومبادرة برنستون - الصين، ومنظمتي بيت الحرية وأمنستي انترناشونال (الولايات المتحدة)، وجماعات غوث دارفور ومنع الابادة، والإغاثة الكاثوليكية، وجهات معنية عديدة، حضر المؤتمر حضوراً كثيفاً أعضاء سفارة السودان وبعثة حكومة جنوب السودان في الولايات المتحدة، إضافة إلى ممثل لبرلمان حكومة الوحدة الوطنية (المجلس الوطنى).

جماعة المجتمع المدني التي شاركت في المؤتمر شملت متحدثين يمثلان المركز القومي للسلام والتنمية (الخرطوم)، والمنظمة السودانية لحقوق الانسان - القاهرة (بالمنفى).

أكدت المناقشات علي الحاجة الداعية لزيادة الوعي، ودعم السكان المهمشين، في تأييد قوي لعزم السودانيين علي التمتع الكامل بممارسة كل الحقوق المرعية في الانتخابات القومية، وفتح كل منافذ الحريات العامة لتمكين كل المواطنين من المشاركة النشطة في القطاعات الحضرية والريفية في القطر. وتناول المؤتمر في حوارٍ صافٍ المعوقات السياسية والادارية والقانونية التي يتعين إزالتها فوراً من قبل السلطات السودانية لتأكيد التطبيق الناجز للعملية الديمقراطية في انتخابات 2009.

إتفاقية السلام الشامل

إتفق المؤتمرون علي أن اتفاقية السلام الشامل الموقع عليها من حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها في يناير 2005 فتحت أفقاً لا سابق له لتحويل سنوات الدمار، والنزوح، وانعدام التنمية بالحرب الأهلية الي عهد جديد من السلام والنماء.

توفر الاتفاقية سانحة لا تعوض لمخاطبة القضايا الأساسية، العدالة وحكم القانون، وإعادة اللاجئين والنازحين الي أوطانهم، وتحقيق الشفافية والمحاسبة في الحكم. علاوة عليه، تهيئ تدابير السلام والحكم انفتاحاً عظيماً لبث النظم الحمائية لحقوق الانسان في البني السياسية والقانونية والمجتمعية للقطر.

إن جماعات كثيرة من العاملين في حقوق الانسان والديمقراطية ظلت معنية كل العناء، مع ذلك، بما شاب الاتفاقية من عيوب، في مقدمتها سيطرة الحكومة بالفعل علي القضاء، ومؤسسات التشريع، والقوات المسلحة، وأجهزة الشرطة والأمن، والمليشيات بلا رقيب. في هذا الخصوص، صدرت إدانات قوية من متحدثين عديدين للهجوم المريع الذي شنته قوات الحكومة مؤخرا علي معسكر كلمة للنازحين في دارفور، وشدد السفير وليامسن وعضو الكونغرس باين الادانة. ثم ردد باين ملاحظات سديدة تؤيد اتهام المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية للرئيس عمر البشير.

حكومة الوحدة الوطنية وحكومة جنوب السودان تواجهان مسئوليات جسيمة بتكليف مباشر من بنود الاتفاقية. وبالرغم من حدوث اخفاقات متوالية في سير الاتفاقية، أقر بعض المتحدثين بان انجازات هامة تم إكتمالها الي مدى معقول. فالاصرار علي السلام وانسياب نصيب الحكومة من عوائد البترول لا تنكر مع ازدياد حصيلة جنوب السودان منها، فيما قال بونا ملوال المستشار الخاص للرئيس. إلا أن عدداً طاغياً من المشاركين شددوا في مداخلاتهم علي أن أهم دور نافذ في تطبيق الاتفاقية يتأتى علي جماعات المجتمع المدني السوداني في القيام بانجازه في عملية السلام، وتفعيل الديمقراطية، والانتخابات القادمة. ولم يفت علي المؤتمرين المجاهرة بالرأى أن هذا الدور الخطير مشلول تماماً بسبب ترسانة الحكومة المحصنة بقوانين الاكراه والقمع.

موقف جماعات المجتمع المدنى

لاحظ المؤتمرون في تعاقب أن تطبيق حكومة الوحدة الوطنية لاتفاقية السلام الشامل فشل تماماً في حماية حقوق المجتمع المدني واستنهاضه ودعمه بقوة وثبات لينشئ في حرية كاملة أنشطته الجماهيرية ومنظماته المستقلة عن الحكومة واتحاداته الخاصة به في الداخل والخارج، حرةً من كل شرط أو قيد من أجهزة السلطة والأمن ومضايقات الحزب الحاكم والشرطة، والرقابة علي الصحافة والاعلام، والتدخل الرئاسى المخالف للدستور. عليه، فان إمضاء اتفاقية السلام لم ينهى بعد النزاعات الجارية علي مستوى القطر: فلم يحل الصراعات العرقية - الاقليمية المتصاعدة في أبيي، أو دارفور، وأقاليم شمالية أخري. تواصل خروقات صارخة لحقوق الانسان آثارها الضارة من طرف الحكومة ومليشياتها في دارفور، مهددةً بالوعيد التحضيرات الواعدة من جماعات المجتمع المدني، أحزاباً ومنظمات، لممارسة انتخابات حرة، منصفة، وسلمية في العام القادم.

ان التزام شريكي السلام مُجهد، علي الأفضل. وخلال 38 عاماً من الحرب الأهلية كان السودانيون معرضين باستمرار للتعذيب والاغتصاب، والاختطاف، والسخرة، والعبودية. صودرت الحريات المدنية مراراً وتكراراً واستقر حال الحكومة الراهنة عليها. واليوم، بعد مضى 20 عاماً تكاد علي ديكتاتورية الجبهة القومية الاسلامية ومؤتمرها تعمل القضائية كياناً تبعياً غير مستقل عن سلطات الرئاسة التنفيذية والتشريعية.

أما الاعلام، فهو موضع لاحتكار السلطة ورقابة الشعب "قانونا"، في حين ترهب الحكومة المطلوقة من كل رقابة شعبية عامة الجماهير بفرض الطوارئ " ما دعت إليها حاجة"، وتكبيل حرية التنظيم والاجتماع، ومن ثم يستمر الافتقاد الظاهر لسريان قوانين ديمقراطية لتوقير الشعب وكرامة حياته العامة والخاصة شأن كل الشعوب الحرة بازدهارالأنشطة الديمقراطية، وانتشار المنظمات الجماهيرية ذات الاساس المجتمعى الراسخ كجماعات غير حكومية، سيما النقابات والاتحادات المهنية.

أما المرأة، فتواجه التمييز علي أساس الجنس في العمل والسياسة، وشئون الأسرة الخاصة بالزواج، والطلاق، والوراثة فيما استأثرت بصياغته الحزبية الجبهة ومؤتمرها من تشريعات ناقصة باسم الشرع الاسلامي الحنيف، وهو براء منها، ومثلها النص القاطع علي اخضاع حركة المرأة لوصاية الرجال، وهو ما سيقيد ممارستها الديمقراطية في الانتخابات.

قانون الانتخابات 2008، إضافة إليه، صادر حق النساء في الترشيح بقوائم حزبية إذ أن المرشحات: يجمعن في قائمة موحدة يمكن أن تسقط كلها في حوبة الحزب الحاكم. هذه الوصاية القانونية إنتهاك صريح لحق المرأة السياسى في خوض الانتخابات باختيارها الحزبي أو المستقل وبكل حرية عن أي قيدٍ أو شرط علي قدم المساواة مع الرجل. والأبعد ضرراً، أن قائمة النساء الموحدة، التي أجازتها الحكومة ضد اعتراضات المعارضة، اعتمدت من شريكي الاتفاقية علي حساب مبدأ التمثيل النسبي الذي يهدف لتطمين المشاركة النشطة لكل الأطراف في الانتخابات.

في أدبيات المنظمة السودانية لحقوق الإنسان بالقاهرة، لاحظ محمد حسن داؤد، الأمين العام للمنظمة في دورية حقوق الانسان السودانى (العدد 27، 2008): "يضاعف من القلق أن اتفاق السلام يضع نفسه فوق الدستور الانتقالي إذ ينص علي أنه في حالة وجود تعارض بين ما يرد في الدستور وما هو منصوص عليه في الاتفاق فان المرجعية للاتفاق، "وأثبت البحث إثارة منظمات المجتمع المدني المختلفة (بما فيها الاحزاب السياسية والنقابات والاتحادات المهنية) للمخاوف العميقة من قيام انتخابات غير نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية التي ينعم خلالها حزب الجبهة وحده بهامش يعلو علي كل الأحزاب المنافسة.

ترسانة القمع الحكومي بالقانون

بالصوت العالي، رددت جنبات المؤتمر تأكيد كلٍ من جماعات المجتمع المدني السوداني والأجنبي علي الحاجة لضمان الحريات الكاملة للشعب قبل انتخابات 2009 واثناءها وبعدها. إن الحريات السودانية للتحرر والحقوق الديمقراطية لا يمكن تسميتها "بالغوريلا" كما وصفها عضو المجلس الوطني لدى مخاطبته جلسة المؤتمر: "الغوريلا الحقيقية هي حكومة الجبهة القومية الاسلامية/ المؤتمر الوطنى الاضطهادية" في كليمات أحد ممثلى منظمات المجتمع المدنى في المؤتمر.

رغماً عن كل الصعوبات والمعوقات القانونية، يملك المجتمع المدني السوداني قدرات كامنة سيمكنه تفجيرها من أن يلعب دوراً أساسياً في تطبيق اتفاقية السلام وديمقراطية الحياة العامة ورفع الوعي الانتخابي ورصد العملية الانتخابية في تعاون وثيق مع الجماعات الدولية النظيرة. ولانجاز هذا الهدف، أياً كان الحال عليه، لابد من تغيير قانون المنظمات الطوعية الصادر عام 2006 تغييراً جذرياً في نفس واحدة مع القوانين النافذة الأخرى من شاكلة قانون النظام العام، والشرطة، والصحافة والمطبوعات والاحوال الشخصية، وقانون العقوبات والاجراءات الجنائية.

علي مدى يتعدى 19 عاماً من البحوث، والتوثيق، وبرامج التدريب في كل ميادين حقوق الانسان وأنشطتها النظرية والتطبيقية، اجتهد نشطاء حقوق الانسان السودانى وهيئاتهم التنسيقية في المنفي مع الجماعات العاملة داخل القطر صحبةً أو انفراداً في استقلال تام عن حكومة السودان وتعاونٍ خلاق مع منظمة المنح الديمقراطية وغيرها من منمظات حقوق الانسان الديمقراطية، وطنية كانت أم دولية أو اقليمية، لحماية حقوق المواطنين، ورفع حسهم الديمقراطى، ونشر المعلومات الصحيحة عن تجاوزات السلطة وخروقات المعايير الدولية لحقوق الانسان.

خلال الفترة نفسها، أصدرت المنظمة السودانية لحقوق الانسان القاهرة ، كمثال، أعمالاً كثيرة تخاطب فيها جماهير الشعب السودانى الكريم، وحكومة السودان، والمجتمع الدولى - داعية في تماسك كافة الأطراف المعنية، وبخاصة حكومة الوحدة الوطنية التي تسيطر عليها الجبهة وحزبها، كي تتخذ الخطوات الضرورية لالغاء ترسانة الدولة من القوانين القمعية، والمراعاة الشاملة لوثيقة الحقوق والمعايير الدولية المرعية. كل هذه المناشدات، مع ذلك، استقبلت دون اكتراث من الطغمة الحاكمة.

في عام 1997، نشرت المنظمة نقداً شاملاً لقوانين السودان، كجزءٍ من حملاتها القانونية ضد انتهاك الحقوق، وأصدرت اعداداً خاصة من دورية حقوق الانسان السودانى لحث أحزاب الخرطوم الحاكمة تحقيق اصلاحات عاجلة في قوانين السودان. مثالاً عليه، بادرت الدورية في عددها التاسع باثارة مناقشة موسعة عن أزمة دارفور المحتدمة منذ التسعينات الباكرة، بقيادة مفكري دارفور الذين نادوا في صحة واستقامة بالاعتراف الكامل بجماعات مجتمعهم المدنى وحركاتهم القائمة في الاقليم من أجل الوصول إلى تسوية نهائية سوية للأزمة.

أما العدد 18 من الدورية (2004)، فقد أكد من خلال تقارير مواكبة علي ان الحكومة مسئولة بالدرجة الأولى عن أزمة دارفور، مثلما أن الحكومة نفسها مسئولة كاملة عن الحرب الأهلية المهلكة في جنوب السودان. وتناولت الدورية 19 (2006) إتخاذ تدابير عملية لفرص الانتقال للسلام ديمقراطيا. أما العدد 21 (2006) فسلط الضوء علي الحاجة الماسة لعقد مؤتمر دستورى لكل السودانيين لانهاء القضايا الرئيسة لمنظمات المجتمع المدني، والوصول من خلال حوار حر صريح لاتفاق قومي راسخ. وتحدث العدد 22 بتفاصيل وافية عن موقف حريات التعبير والصحافة ما بعد اتفاقية السلام.

في شراكة لقدرٍ كافٍ من أدبيات حقوق الانسان المتراكمة في كل انحاء العالم لتحسين حالة حقوق الانسان في السودان، توجهت منظمات غير حكومية وطنية ودولية عاملة في مضمار الحقوق وساحات الديمقراطية بالنقد اللاذع لهيمنة جهاز أمن الدولة بالارهاب والعنف علي أنشطة الحياة العامة الجوهرية وسياساتها العلنية. لقد توصل مؤتمر واشنطن الي أن ترسانة النظام الحاكم الاكراهية لا بد من الغائها إلغاءاً تاماً جملة وتفصيلاً وبلا رجعة، وتبديلها في صفاءٍ بأحكام قانونية ديمقراطية تضمن التطبيق السليم للقانون في حياة الناس اليومية في اتساق شامل مع وثيقة الحقوق والمعايير الدولية التي أقرتها اتفاقية السلام وأودعت نصوص الدستور الانتقالى في وضوح.

خُروقات الحكومة لتسجيل المنظمات الطوعية تسجيلاً قانونياً نشرتها دورية حقوق الانسان السوداني في أكثر من عدد . وفي الدورية 24 دراسة لأمين مكى مدنى، رئيساً مؤسساً للمنظمة السودانية لحقوق الانسان في المنفى، توثق خروقات الحكومة لقواعد التسجيل القانونى للمنظمات الطوعية. وكما شرح: " ألغى المرسوم الدستورى رقم 2 (1989) في المادة 5 منه تسجيل كل الجمعيات والمنظمات خلاف الدينية. وشملت المنظمات الملغية إتحاد الشباب السوداني، وجمعيات الرعاية والاحسان ، واتحاد الكتاب السودانيين والمنظمة السودانية لحقوق الانسان ، وغيرهم".

وفي عام 1990، نشرت الحكومة قائمة بالمنظمات الطوعية التي أعلنت ان بوسعها ان تطلب إعادة التسجيل. إن قبول الجمعيات الجديدة تم علي اساس متحيز، يعتمد علي الاهداف وهوية الاشخاص. ولم تحظر الحكومة المنظمة السودانية لحقوق الانسان (التي أسسها البرفسور الراحل محمد عمر بشير وزرفقائه عام 1984) وتصادر ملكيتها وحسب ؛ لكن قادة المنظمة وضعوا قيد شروط مطولة وتعرضوا للمضايقة أو الحبس الاحتياطى منذ انقلاب الجبهة القومية الاسلامية العسكري في يونيو 1989".

"وعندما تقدمت المنظمة بطلب لإعادة التسجيل" يؤرخ مدني "رفض طلبها. وبدلاً منه، أنشأت الحكومة منظمة - جديدة بنفس الاسم، وعينت لجنتها التنفيذية من كوادر معروفة للجبهة القومية الاسلامية. ولقد أثبتت المنظمة الجديدة أنها مدافع مخلص عن النظام الحاكم لأنها الي اليوم لم ترفع شكوى واحدة ضد أي انتهاك لحقوق الانسان ارتكبه النظام".

هذا التدوين القاطع لخروقات الحقوق الي جانب الأزمة الدائراة في عنف في دارفور، تكني عن هشاشة السلم والحكم القائمين في السودان - والمطاردة الدولية لهيئة الرئاسة ومديري الدولة في أجهزة الأمن والاقتصاد الوطني، والشئون الخارجية الي مستوي اتهام رئيس الدولة المارشال عمر البشير من المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم الابادة والجرائم ضد الانسانية في دارفور (2005 - 2008).

القوانين غير الدستورية المضادة للعمل الطوعى ما بعد الاتفاقية

احتوت دورية حقوق الانسان السوداني (24 : 2007) نقداً مفصلاً يدعو "لتحرير القانون من السلطات الاستبدادية" خَطّة يراع محامي حقوق الانسان طه إبراهيم بشأن لا دستورية قوانين الحكومة الخاصة بمنظمات المجتمع المدني. ونتناول في الفقرات التالية نقاطاً رئيسة من هذا النقد الضليع، الذي رددت صداه في مؤتمر واشنطن عدة جهات مشاركة.

من أهم اهداف منظمات المجتمع المدنى كفالة حقوق الانسان ومنع انتهاكها أو التغول عليها، ولهذا درجت الانظمة الاستبدادية علي التضييق علي هذه المنظمات وتكبيلها بقوانين صارمة لتعجيزها عن النهوض بمهامها؛ ونظام الانقاذ في السودان نموذج لهذه الممارسات.

بموجب المادة (3) من المرسوم الدستورى الثانى (1989) حلت جميع النقابات، مع إلغاء الباب الخاص بإنشاء النقابة في قانون المحاماة ولم يعيدوا هذا الباب حتي الآن.

توجد الآن أربعة قوانين رئيسة تحكم منظمات المجتع المدنى وهي: قانون نقابات العمال لسنة 2001م، قانون تنظيم الاتحادات المهنية لسنة 2004م، قانون تنظيم العمل الطوعى لسنة 2006م، وقانون تنظيم الجماعات الثقافية لسنة 1996م.

الهدف الاساسي للقوانين أن تحكم سيطرة الحكومة علي المنظمات الاهلية بحيث تتحكم في نشاطها وفي عضويتها وتنظيمها وتمويلها، واستغلوا في هذا دستورهم لسنة 1998م الذي وضع لنظام شمولى سلطوى استبدادى.

صادق السودان في عام 1986م على العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية وعهد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وصارت نصوص هذين العهدين جزءاً لا يتجزأ من وثيقة الحقوق. جاءت اتفاقية السلام الشامل، وصدر الدستور الانتقالى لسنة 2005م وتبنى وثيقة متقدمة للحقوق والحريات. كان المفترض وما يزال أن تلغى أو تعدل كل القوانين التي تنظم نشاط منظمات المجتمع المدنى بغرض أن تعبر عن الحقوق والحريات كما نص عليها الدستور الانتقالى.

حكومة الانقاذ ما تزال مصرة علي الابقاء علي هذه القوانين، واصدرت قانون تنظيم العمل الطوعى لسنة 2006م متضمناً ترتيبات غير دستورية ومهدراً للحق في حرية التنظيم )المادة (22) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.(

علي أن "لكل انسان الحق في حرية التجمع السلمى والتنظيم ولا يجوز اجبار أحد لأن ينضم الي تنظيم". تقرر المادة (40) من وثيقة الحقوق بالدستور الانتقالى بان يكفل الحق في التجمع السلمي، ولكل فرد الحق في حرية التنظيم مع آخرين بما في ذلك الحق في تكوين الاحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية أو الانظمام اليها حماية لمصالحه، وينظم القانون تكوين وتسجيل الاحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية وفقاً لما يتطلبه المجتمع الديمقراطي.

قانون نقابات العمال يصادر كل الحقوق والحريات. المادة الخامسة فرضت اهدافاً محددة لنقابات العمال، وهو أمر محظور ، وينكشف سوء هذا التدبيرمن قراءة البند (أ) الذى يقرر أن يدافع العمال عن حقوقهم ومصالحهم (في ضوء القوانين السارية)، بينما قد يقتضى الدفاع عن مصالح النقابة مقاومة هذه القوانين والمطالبة باسقاطها.

وأكثر نكراً البند (هـ) الذى يقرر (التعاون مع أجهزة الدولة... لدفع مسيرة الامة نحو مثلها العليا وبسط علاقتها العالمية). المثل العليا للأمة وعلاقاتها العالمية سوف تحدد بواسطة المؤتمر الوطنى وحكومة الانقاذ التى تمثل إستغلالاً وإرهاباً مرفوضاً من غالبية السودانيين. القانون قرر في مادته السادسة ان نشاط النقابة لا يكون مشروعاً إلا إذا كان متفقاً مع احكام هذا القانون أو أى قانون آخر سارى المفعول.

تقرر المادة التاسعة من القانون ان الوزير بناء على توصية المسجل هو الذى يحدد القطاعات والمنشئات التي يجوز للعمال تكوين نقابات بها، بل الوزير هو الذى سيحدد اسمائها وعددها وانواعها، وتضيف الفقرة (3) من المادة انه لا يجوز تكوين اكثر من نقابة واحدة في أى من تلك القطاعات والمنشئات التي يحددها الوزير. وللاستهانة بحرية التنظيم، قررت الفقرة (7) من نفس المادة ان المسجل هو الذى يحدد النقابة التي يراها مناسبة لتنضم اليها أى فئة من العمال لا يشملها التصنيف الوارد في اللائحة!

في مادته العاشرة يفرض القانون أجهزة نقابية علي التنظيمات النقابية فصادر بذلك حق العمال في تحديد أجهزتهم النقابية حسب خياراتهم وما يتفق مع مصالحهم. ثم يقوم بتحديد النظام الاساسى للنقابات ويقرر في المادة 11(ب) إن هذا النظام يجب أن يتضمن الأهداف الواردة في المادة الخامسة التى أشرنا إليها. ويمضى في فرض تصور محدد لإدارة النقابات ومخالفته تستوجب حل النقابة،ومن ترتيباته ان حدد خمس سنوات للدورة النقابية، وهذا يصادر حق العمال في تحديد مدة الدورة النقابية.

لم يعرف القانون المقصود "بالعامل" بينما عرف المقصود "بصاحب العمل"، وقصد بهذا تبرير منع العمال من الانضمام الي أى اتحاد مهنى بتقريره في المادة 15 أنه لا يجوز لأى شخص ان يجمع بين عضوية أكثر من نقاب واحدة. ان أى مهنى حسب المادة 34، مع ذلك، يمكن ان ينضم الي أى تنظيم نقابى للعمال أى يجمع بين عضوية النقابة العمالية والاتحاد المهنى، ولكن العامل بحكم انه لا يملك المؤهلات المهنية للاتحاد المهنى فإنه لن يتمكن من الحصول على عضوية الاتحاد المهنى. والهدف تمكين المهنيين من السيطرة علي نقابات العمال لأن حكومة الانقاذ لا تملك كوادر عمالية فاعلة، ولكنها تملك كوادر من حَمّلة الشهادات الأكاديمية والمهنية.

المسجل العام هو سيد النقابات

لابد من ملاحظة الصياغة، فالمادة 27 جعلت قرارات مسجل النقابات (قرارات قضائية ملزمة... ويطعن فيها أمام المحكمة العليا) بالرغم من أن المادة 27(1) تقرر ان رئيس الجمهورية بتوصية من الوزير يعين مسجل النقابات. من ناحية دستورية، هذا التعيين لا يجعل المسجل عضواً بالهيئة القضائية التي اناط بها الدستور الفصل في المنازعات. والاصل أن قرارات المسجل قرارات إدارية كان ينبغى اخضاعها للطعون الإدارية امام محكمة القضاء الإدارى، ولكنهم أرادوا حماية قرارات المسجل الذى يعين تعيينا سياسياً، وقراراته تنطلق من وجوب حماية السلطة وتمكينها من رقاب النقابيين، بأن جعلوها قرارات قضائية للتمويه بغرض تفادى النص الدولى الذى يحظر حل أو وقف نشاط النقابات بقرارات إدارية.

المسجل له سلطة رفض تسجيل النقابات: أعطوا في المادة 31 للمسجل سلطة رفض التسجيل في الحالات الآتية:- (1) إذا تعارض تكوين النقابة (مع احكام هذا القانون)، رغم أنه من حق العاملين تكوين نقابة من أهدافها مقاومة هذا القانون الذى يصادر حقوقهم في الحرية النقابية. (2) تشابه اسم النقابة مع اسم نقابة قائمة مما يؤدى الى اللبس، والطريف أن هذا المعيار يستخدم في اسماء الاعمال التجارية، وليس في النقابات. والعلاج ليس رفض التسجيل، وإنما تنبيه مقدمى طلب التسجيل لتحوير أو تغيير الاسم حتى لا يتشابه مع أسم آخر. (3) وجود نقابة قائمة تخدم بدرجة كافية تلك الاغراض التي تسعى الي تحقيقها النقابة المقترحة . وهذا ابشع المنكرات حتى من وجهة نظر القانون لأنه حدد اهدافاً واغراضاً محددة لكافة النقابات والزمها بتبنى هذه الأغراض والأهداف.

والمسجل من سلطته إلغاء الانتخابات أو وقفها: تحظر المواثيق الدولي تدخل السلطة في عمل النقابات أو تكوينها. أو انتخاباتها جاء قانون النقابات ينتهك هذا الحظر بأن نص في المادة 32 بأنه يجوز للمسجل ان يلغى إجراءات الانتخابات التي تجرى في أى من التنظيمات النقابية اذا تأكد له عدم سلامة إجراءاتها، بل وله أن يأمر بإجراء انتخابات جديدة، كما للمسجل بموجب نفس المادة سلطة وقف إجراءات الانتخابات.

والمسجل له سلطة حل النقابات: تقرر المادة 33 أن المسجل له سلطة حل أى نقابة أو اتحاد رغم أن هذا محظور دولياً. ولكن الإهدار الأخطر في هذا النص هو الأسباب التي ذكرت للحل وهى: أ- اذا خالفت النقابة احكام هذا القانون أو اللوائح الصادرة بموجبه. ب- ان لجنة النقابة تكونت بالمخالفة لاحكام هذا القانون أو اللوائح الصادرة بموجبه. ج- ان اللجنة عجزت عن تنفيذ الاغراض التى انشئت من اجلها النقابة. د- ان اللجنة ارتكبت مخالفة لأحكام أى قانون ينظم علاقات العمل أو أى قانون سارى فى البلاد.

للعمال الحق ليس مخالفة هذا القانون بل ومقاومته والسعى لإسقاطه و محاسبة اللجنة التي تفشل أو تعجز عن تنفيذ اغراض النقابة هو حق مطلق لاعضاء النقابة وحدهم. الوزير يقهر ويجبر العمال علي الخضوع لنقابات من تأليفه. تقرر المادة 36 من القانون أنه يجوز للوزير أن يصدر اللوائح اللازمة لتطبيق القانون بما في ذلك لائحة تنظيم النقابات والنشاط النقابى تدخلاً سافراً ومصادرة للحق في حرية العمل النقابي والحق في التنظيم.

لائحة تكوين نقابات العمال لسنة 2001م تكشف بوضوح هذا القانون غير دستورى وواجب الإلغاء فوراً. تبدأ اللائحة بفرض نقابات عامة من تأليف الوزير. ولم تأت بإرادة العمال. عند تحديد ضوابط الهيئات النقابية والفرعية والوحدات التى ألفها الوزير قرر أن تتكون الهيئات النقابية حسب المنشأة أو القطاع أو الصناعة أو المخدم أو المحافظة أو الولاية، وهذا يعنى وجوب أن يشترك كل العاملين في المنشأة في هيئة نقابية واحدة. فلو افترضنا ان المنشأة هى مستشفى فإنه إن انشأ هيئة نقابية فعليه أن يضم إليها الاطباء والممرضين والسسترات والفراشين وعمال النظافة وعمال المطبخ والصيادلة الموجودين بصيدلية المستشفي والحراس والبوابين وكافة أنواع الموظفين والعمال.

فوضت سلطات تأليف النقابات العامة والعبث بمصائر العاملين بإدخال فئات جديدة من العاملين في النقابات العامة. أو إخراج فئات منها، أو تأليف نقابات عامة جديدة للمسجل العام حيث يقرر النص أنه (يجوز للسجل العام بناء على توصية الاتحاد العام أن يعدل في الجدول المرفق بالحذف أو الاضافة متى ما رأى ذلك ضروريا). قانون تنظيمات الاتحادات المهنية يلعب نفس الدور الاضطهادي لقانون نقابات العمال ولوائحه، ويضع إستقلال الاتحادات قيد الوزير ومسجل النقابات في إنتهاك صارخ للدستور الانتقالى والقانون الدولى.

قانون تنظيم العمل الطوعى تضمن انتهاكات جسيمة للدستور الانتقالى: أ- تعريف العمل الطوعى: تعرف المادة (4) للعمل الطوعى والانسانى بأنه (العمل الذى يهدف إلى تقديم المساعدات الإنسانية أو الإغاثة أو الخدمات العامة أو خدمات حقوق الإنسان أو حماية البيئة أو تحسين المستويات الاقتصادية والاجتماعية للمستفيدين، وتقوم بتقديم عمل طوعى إنسانى فى المجالات المذكورة).

إن تحديد أهداف العمل الطوعى حصرياً هو إهدار للحق في حرية التنظيم، فأصحاب التنظيم لهم كل الحرية في تحديد مجالات عملهم واغراضه حسب تعريف الحق في حرية التنظيم. ولهذا، وللوهلة الأولى، نلاحظ أن النص أهدر حق من يريدون تكوين منظمة للجندرأو منظمة لمكافحة العادات الضارة أو منظمة لمكافحة والقضاء علي السل في شرق السودان.

المادة السابعة (2) من القانون تقرر بأنه (لا يجوز لاي منظمة مجتمع مدنى مسجلة وفقاً لاحكام هذا القانون تلقى أموال أو منح من الخارج أو من شخص أجنبى بالداخل أو من أى جهة أخرى إلا بموافقة الوزير على ذلك). هذا القيد لا يشكل فقط انتقاصاً من الحق في حرية التنظيم بل إنه يصادر حرية التنظيم مما يتعارض مع المادة 27 (4) من الدستور، كما أن هذا القيد لا يستند علي أي من الأسباب التي وردت في المادة (22) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، اللهم إلا إذا كانت المنظمات متهمة بأنها ستستخدم هذه الأموال لأغراض جنائية، وهو اتهام يتعارض مع مبادئ المحاكمة العادلة الواردة في المادة (34) من الدستور.

الواضح ان السلطة تريد ان تهيمن علي المنظمات، وتحدد مجالات عملها، ومع مَنْ تتعاون، كما تسعى لأن تتعرف علي مقادير ما تحصل عليه المنظمات من المال، بل وصار للوزير سلطة حرمان المنظمات من المنح والمساعدات، وكل هذا يشكل مصادرة للحق في حرية التنظيم التى تعنى أنه لا يحق لأحد من خارج المنظمة أن يتحكم فيها. ربط الحصول علي المال بموافقة الوزير يعنى أن المال لن يأتى إذا رفض الوزير، وهذا يعنى تدمير المنظمة لأنها لا تستطيع ان تعمل بدون مال لتسييرنشاطها، ومن ثم فهو سحق كامل للحق في التنظيم وليس فقط في حرية التنظيم.

وإذا كان الدستور الانتقالى قد سمح (المواد 139، 194، 195) للحكم المركزى وحكومة الجنوب وللولايات ان تحصل علي منح ومساعدات خارجية، فكيف يأتى القانون ويحرم منظمات المجتمع المدنى من الحصول على هذه المنح والمساعدات بإذن الوزير؟ هل هو أكثر وطنية ومسئولية من قيادات المجتمع المدنى؟ هذا القيد لا يستند على أى من الاسباب المعترف بها دولي لتنظيم ممارسة الحق.

النص أطلق يد الوزير في رفض أو قبول الحصول علي المنح دون أن يشير إلى أي معايير موضوعية للموافقة أو الرفض، مما يهدر الحق في المساواة أمام القانون. قرار الوزير بالموافقة أو الرفض في الأصل قرار إداري يحق لمن صدر ضده ممارسة حقه في التقاضي في القرار الإداري بموجب المادة 35 من الدستور الانتقالي، ولكن القانون جعل الرفض أو الموافقة أمراً مطلقاً، وبذلك جرد المضرور من بيان مخالفة القرار الإدارى للقانون، أو بيان وجود خطأ في تطبيقه أو أن هناك إساءة استعمال للسلطة؛ فالقانون لم يلزم الوزير بأن يبين أسباب الرفض لأنه لم يضع معايير للرفض.

نتسأل: هل يجوز للسلطة التنفيذية السيطرة على حق منظمات المجتمع المدنى في حرية التنظيم؟ وكيف يكون حقا إذا رهن بقرارمن الجهة المقابلة لمنظمات المجتمع المدنى، ونعنى بها السلطة التنفيذية؟ إن الحصول علي المنح والمساعدات الخارجية يشكل الوقود الذى تسير به المنظمات، بل أن الدستور كما رأينا جعل هذه المنح والمساعدات الخارجية امراً أساسياً لتمويل الحكومة القومية وحكومة الجنوب وحكومات الولايات مما يعنى أنها وسيلة مشروعة ودستورية للتمويل. ومن ثم، فإن رهن الحصول علي هذه المنح بقرار الوزير امراً غير دستورى لأنه انتهاك لحق المنظمات في حقها في حرية تنظيمها.

طريق المجتمع الدولي للمعاونة

الطبيعة العدائية لحكم الجبهة القومية الاسلامية ومؤتمرها اللاديمقراطى السلطوى هي الحقيقة الكامنة وراء كيان حكومة الوحدة الوطنية وأدائها اليومي. ولا عجب، أن معظم المشاركين في المؤتمر انضمت آراؤهم الي معاناة منظمات المجتمع المدني السوداني علي مدار عشرين عاماً منذ أن أعلنت المنظمات رفضها التام لسياسات الحكومة الازدرائية ومن ثم هموم الشعب الثقيلة من مسلك الجبهة الحاكمة السلبي وهو موقف يشكل تهديداً كارثياً لعملية الانتخابات القادمة في عام 2009.

بغض النظر عن إدراك المؤتمرين لامكانية تأخير الانتخابات الي ما بعد يوليو 2009 بسبب موسم الامطار في الجنوب، وعلي حد سواء تقديرا للحرص القومى والعالمي علي انهاء أزمة دارفور والصراعات الناشبة في الشمال (مثال رفض المناصير والنوبة لتشييد خزانات الحكومة وخططها التوطينية)، فان نزعة الجبهة القومية الاسلامية/ المؤتمر الوطنى الحاكم لاحتكار الانتخابات بكل ما يقع تحت يديه حالياً من سلطات الدولة، وقوانين الخزانة العامة ومقدراتها، يجعل من المستحيل للغالية العظمى من الناجين السودانيين القيام بتأمين تنافس صحيح في الانتخابات القادمة وهم علي ما هم عليه من إفلاس مالي، وحجر علي الحريات بسطوة القانون، والتهميش السياسي المخطط.

كثير من الكتاب رصدوا في تحذير ما انطوت عليه مواد اتفاقية السلام من ترخيص تشريعي لصانع القرار في حزب الجبهة بوضع اليد العليا علي مصالح الوطن العليا والتقويض "قانوناً" لكل أشخاص المجتمع وجماعاته المستقلة عن السلطة وأفكارها وممارستها طوال الفترة الانتقالية، نحو الديمقراطية (2005 - 2009).

ولسوء الحظ، فقد نبذت الجبهة في وحشية كل المقترحات الهادفة لاصلاح مسيرة البلاد من الأحزاب وغيرها من منظمات المجتمع المدني ومنها منح الأراضى لتشييد دور الأحزاب والمنظمات، وتيسير الاعلام، والغاء قوانين الاستبداد لتعبيد الطريق للانتقال الديمقراطى السليم، مما أكد عليه المركز القومى للسلام والتنمية في الخرطوم.

ولقد نبذت الأغلبية الساحقة من جماعات المجتمع المدني، بما فيها منظمات كثيرة غير حكومية حظرت الحكومة تسجيلها القانوني، عرضاً حكومياً لتمويلها من المال العام في انتخابات 2009. وكان الرفض مؤسسا علي ادراك المجتمع المدني لتيسطر الحكومة المتحررة من كل رقيب علي مصادر الخزانة المالية التي يجري تجاوزها في انتظام تام منذ عام 1989 الي اللحظة من عناصر الحزب الحاكم علي مدي واسع من الأنشطة التحضيرية لانتخابات 2009 داخل السودان وخارجه عبر الوكالات الاسلامية ومنظماتها الطوعية المظاهرة للحكم.

اعترف الأمين العام لمجلس أحزاب الوحدة الوطنية في المجلس الوطني، مضوى الترابى، في مؤتمر واشنطن بالحقائق الصعبة المتعلقة بالنقاش المعقد والمداولات المطولة حول قضايا الغاء ترسانة الجبهة القومية الاسلامية ومؤتمرها الحاكم قبل حلول الانتخابات، بما يجعل من انجاز الاصلاحات القانونية المرجوة" ضرباً يكاد من المستحيلات". إن هذه العبارة عالجها انتقادياً معلقون كثرمعينين بالانتخابات في النطاق الافريقى والأمريكى والدولي:

"اجراءات مجلسكم بجمع بحوث أكاديمية عن كل قانون مطروح للاصلاح ليعاينها كل حزب ينتمى لمجلسكم، ومن ثم تقديم آراء الجميع للمجلس الوطنى لاتخاذ القرار، الأصح في رأينا عملياً كما نفعل في مجتمعنا، مع تقديرنا لما تقومون به في مجتمعكم، أن يتوجه بالقانون موضع المناقشة مباشرة للجمهور العريض في اجتماعات مفتوحة حول القانون في مجالس المدن وغيرها من التجمعات الشعبية." كان ذلك أحد آراء المعقبين ، وهو مراقب ينتمي لاحدى لجان الكنغرس الأمريكي.

وفي مؤتمر واشنطن أيضاً أكدت زينب عبدالكريم مديرة البرنامج الافريقي في المؤسسة الدولية (أمريكية المنشأ) لنظم الانتخاب  أنه "بالرغم من تجربته التاريخية واعتزازه بمنظماته الشعبية، يحتاج المجتمع المدني حاجة ماسة للبرامج الحديثة والأنشطة التدريبية حتي يشارك في نشاط في انتخابات 2009".

وفي رأي هذا الكاتب ، في ضوء سياسات حكومة الجبهة المراوغة في سبيل إخضاعها للمجتمع المدني، دون جدوى، أن علي المجتمع الدولى أن يتدخل بكل عونٍ ممكن ليعين جماعات المجتمع المدني غير الحكومية في الانتخابات. إن هذه المناشدة لجماعات المانحين الديمقراطية تحث المجتمع الدولى لينشئ علاقات مباشرة مع المجتمع المدني السوداني، وعلي وجه التحديد الأحزاب السياسية، والنقابات، والاتحادات المهنية، وجماعات حقوق الانسان والديمقراطية.

الحقيقية باهرة جلية، أن جماعة الجبهة القومية الاسلامية، ومؤتمرها الحاكم مصممون علي الحكم بمفردهم لحساب حزبهم الخاص الي الأبد، بدلاً من التخطيط والعمل كحكومة انتقالية بحق، فلا يعدو دورها الدستورى، بتحديد منصوص عليه في اتفاقية السلام والدستور الانتقالي، التحضير المحايد لأجواء انتخابات نزيه ينتقل بحكم البلاد الي نظام ديمقراطى منتخب.

وبالرغم من الضغوط القوية من الشعب السوداني والمجتمع الدولي لاجبار الحكومة علي عقد مؤتمر قومي لكل السودانيين لحل أزمة دارفور، وتصحيح مسيرة الوطن للديمقراطية الدائمة والسلام المقيم، واضح أن رئاسة البشير غير مهتمة حقيقةً بانجاز الاهداف موضع الاتفاق الدولي باستقامة. فالمراوغة والانفلات من الالتزامات الوطنية والدولية، ومسلسل التعهدات والوعود المبرمجة لتحقيق المصالحة الوطنية تتري في حركة الحكومة وروتين رئيسها دون أثر محسوس.

الشرعية الشعبية في مواجهة السلطوية القانونية

مطلوب من المجتمع الدولي أن يشتغل باجراء اتصالات نشطة مع جماعات المجتمع المدني السوداني بما فيه الصادق المهدي وحزب الأمة، ومحمد عثمان الميرغني والاتحادي الديمقراطي، ومحمد ابراهيم نقد والحزب الشيوعي، علي قدم المساواة مع كل قيادات المنظمات غير الحكومية لغرض اعانتها الي أعلى درجة ممكنة من برامج التدريب وغيرها من التحضيرات الضرورية التي تحتاج لها هذه الجماهير الكاسحة من مجتمعنا للمشاركة في انتخابات 2009، لتنافس، إنصافا لها، مع حكومة الجبهة المحتكرة للثروة والسلطة بالقمع والارهاب.

من المعلوم جيداً في إرث السودانيين القائم علي احترام أنشطة المجتمع المدني والانتخابات القومية، أن الحكومة التي لا ترغب في التوصل الي اتفاق يوقر ارادة الشعب وحقوقه الطبيعية في ممارسة التمتع الكامل بحرياته الكاملة، لا تستحق شيئاً سوي النبذ من عامة الشعب.

"إن منظمة حقوق الانسان تملك كل الحرية لتعمل من أى مكان في الأرض، مع احترام قوانين المضيف وواجبات الشفافية والمحاسبة، لصالح شعبنا المكلوم" يؤكد نور الدين منان رئيس المنظمة السودانية لحقوق الانسان بأمريكا القائمة علي عونها الذاتي.

 لقد طبقت قائمة طويلة، من منظمات المجتمع المدنى السودانى آنفاً هذه القاعدة الخاصة بالشرعية الشعبية إزاء تعنت السلطوية القانونية الاكراهية لحكومة الوحدة الوطنية بجبهتها ومؤتمرها الاحتكاريين. وفي مباشرتهم العمل مع الحركة الجماهيرية للوطن (في رفض مطلق لأي اتصال بالحكومة المنتهكة، أو خضوع لوزيرها ومسجلها(، ظلت هذه المنظمات دافعة في تدافع لقضية السلام والديمقراطية والحرية الي الأمام، علي أرضية صلبة من اللجان الراصدة، والبرامج التدريبية، والأداء المنتظم لجمعياتها العمومية ولجانها التنفيذية العاملة داخل البلاد، يعينها وينسق مع هيئاتها القائدة نشطاء يكرسون جهدهم لخدمة الشعب، ويزدرون بترسانة الجبهة القومية ومؤتمرها الاكراهى وقمعه الادارى، وتكبيلها سئ الذكر للحقوق المدنية والحريات الأساسية.

 

 

 


© Copyright by SudaneseOnline.com


ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

أعلى الصفحة



الأخبار و الاراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات و تحليلات
  • تشارلز تيلور يكتب من لاهاي هاشم بانقا الريح*
  • تنامي ظاهرة اغتصاب الاطفال ...! بقلم / ايـليـــا أرومــي كــوكــو
  • مؤتمر تمويل التنمية/د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
  • بين مكي بلايل والعنصرية والحركة الشعبية /الطيب مصطفى
  • قالوا "تحت تحت" الميرغنى ماااااا "داير الوحدة"/عبد العزيز سليمان
  • الصراع الخفي بين إدارة السدود والمؤتمر الوطني (4-12) بقلم: محمد العامري
  • قواعد القانون الدولى المتعلق بحصانات رؤساء وقادة الدول/حماد وادى سند الكرتى
  • هل يصبح السيد مو ابراهيم حريرى السودان بقلم: المهندس /مطفى مكى
  • حسن ساتي و سيناريو الموت.. بقلم - ايـليـا أرومـي كـوكـو
  • الجدوي من تعديل حدود اقليم دارفور لصالح الشمالية/محمد ادم فاشر
  • صلاح قوش , اختراقات سياسية ودبلوماسية !!؟؟/حـــــــــاج علي
  • أبكيك حسن ساتي وأبكيك/جمال عنقرة
  • نظامنا التعليمي: الإستثمار في العقول أم في رأس المال؟!/مجتبى عرمان
  • صندوق إعادة بناء وتنمية شرق السودان .. إنعدام للشفافية وغياب للمحاسبة /محمد عبد الله سيد أحمد
  • )3 مفكرة القاهرة (/مصطفى عبد العزيز البطل
  • صاحب الإنتباهة ينفث حار أنفاسه علي باقان: الصادق حمدين
  • جامعة الخرطوم على موعد مع التاريخ/سليمان الأمين
  • ما المطلوب لإنجاح المبادرة القطرية !؟/ آدم خاطر
  • الجزء الخامس: لرواية للماضي ضحايا/ الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
  • مبارك حسين والصادق الصديق الحلقة الأولى (1-3) /ثروت قاسم
  • ماذا كسبت دارفور من هذه الحرب اللعينة !!/آدم الهلباوى
  • الأجيال في السودان تصالح و وئام أم صراع و صدام؟؟؟ 1/2/الفاضل إحيمر/ أوتاوا
  • النمـرة غـلط !!/عبدالله علقم
  • العودة وحقها ومنظمة التحرير الفلسطينية بقلم نقولا ناصر*
  • المختصر الى الزواج المرتقب بين حركتى العدل والمساواة والحركة الشعبية لتحرير السودان /ادم على/هولندا
  • سوداني او امريكي؟ (1): واشنطن: محمد علي صالح
  • بحث في ظاهـرة الوقوقـة!/فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر
  • سقوط المارد إلى الهاوية : الأزمة مستمرة : عزيز العرباوي-كاتب مغربي
  • قمة العشرين وترعة أبو عشرين ومقابر أخرى وسُخرية معاذ..!!/حـــــــــــاج علي
  • لهفي على جنوب السودان..!! مكي المغربي
  • تعليق على مقالات الدكتور امين حامد زين العابدين عن مشكلة ابيي/جبريل حسن احمد
  • طلاب دارفور... /خالد تارس
  • سوق المقل أ شهر أسواق الشايقية بقلم : محمدعثمان محمد.
  • الجزء الخامس لرواية: للماضي ضحايا الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
  • صاحب الإنتباهة ينفث حار أنفاسه علي باقان أموم/ الصادق حمدين
  • رحم الله أمناء الأمة/محجوب التجاني
  • قصة قصيرة " قتل في الضاحية الغربية" بقلم: بقادى الحاج أحمد
  • وما أدراك ما الهرمجدون ؟! !/توفيق عبدا لرحيم منصور
  • الرائحة الكريهة للإستراتيجي بائتة وليست جديدة !!! /الأمين أوهاج – بورتسودان
  • المتسللون عبر الحدود والقادمون من الكهوف وتجار القوت ماشأنهم بطوكر /الامين أوهاج