زفرات حرى
الطيب مصطفى
ثقافة الاستسلام مرة أخرى (1-2)
أحسن د. خالد التجاني حين قال في معرض رده على مقالي حول ثقافة الاستسلام بأن استخدامه لعبارة »99٪ من أوراق اللعبة بيد أمريكا« في عنوان مقاله لا يعدو أن يكون استخداماً »مجازياً« بما يعني أنه لم يكن يقصد بذلك العنوان ما توحي به تلك العبارة الخطيرة وما كان د. خالد محتاجاً لأكثر من ذلك لفض الاشتباك بيني وبينه وما كنت لأكتب أصلاً لولا ذلك العنوان المستفز الذي لم أرضه من الرئيس السادات قبل عشرات السنين عقب هزيمة حزيران 1967م دعك من أن أرضاه من خالد التجاني الذي ينهل من مرجعية اسلامية جهادية أثبتّها في مقالي السابق لكنه أغفل ذلك لسبب لا أعلمه فقد قلت إن ما أورده د. خالد نبوة سيف وكبوة جواد سرعان ما ينهض منها وينطلق من جديد وفقاً لمرجعيته الاسلامية التي تنبني على قاعدة ان القوة لله جميعاً مسترجعاً قصة عاد وثمود وغزوة الأحزاب ومجاهدات الدبابين التي صدت جحافل الغزاة من أطراف السودان قبل »انبطاحات« نيفاشا ثم هزائم أمريكا في أفغانستان والصومال والعراق وفيتنام.
سأتجاوز عن كثير من الهتر الذي طفح به مقال د. خالد حول اتهامي له بالشرك ولو قرأ نهاية الفقرة الأولى من المقال لبرأني مما اتهمني به لكنها وسيلة جيدة لكسب تعاطف القراء وعندما أوردت عبارة د. الترابي القديمة قبل أن تطيش بوصلته وتجتاحه أعاصير الأحقاد والسخائم التي انتاشت قبله قابيل وهو يقدم على نحر أخيه هابيل وأخوة يوسف وهم يكيدون لأخيهم ويرمونه في غيابة الجب... عبارة الترابي أيام كان يؤصل للشرك السياسي ويقول إن كثيراً من الناس أشركوا أمريكا بالله حتى انه ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهي رابعتهم ولا خمسة إلا وهي سادستهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا وهي معهم أينما كانوا ما كنت أريد إلا أن أربط بين المعنى القرآني للآية التي كان الترابي »القديم« يرددها وبين عبارة التسليم المطلق بولاية أمريكا على العالم وامتلاكها لجميع مفاتيح الحل »99٪« وهو ما تبين للأخ خالد حين أبدى ما يشبه الاعتذار وقال إنه مجرد استخدام مجازي ولعل الفقرة التي رفعت بها د. خالد مكاناً علياً كانت كافية لنفي ما تبادر إلى ذهنه - خاصة واني أومن واعتقد يقيناً أن الله وحده هو المطلع على السرائر لكن فيم نكتب ولماذا إذا لم ننبِّه ونحذِّر ونحض المسلمين على القتال وعلى مقارعة أمريكا ومجاهدتها بأكثر مما جاهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قريشاً وجاهد موسى فرعون وجاهد هود وصالح عاداً وثموداً وجاهد الرسل والصالحون الطغاة في كل العصور والأزمان ولولا خطورة هذه العبارة الانهزامية التي تحض على الاستسلام لأمريكا والخضوع لها لما توقفت عندها ولمررت عليها كما أمر يومياً على كثير من الكتابات التافهة التي تفُت في عضد الأمة وترهنها لأمريكا ولحلفائها داخل السودان وعلى امتداد العالم الاسلامي لكنها معركة بين خير وشر وحق وباطل لا تجدي معها الكتابات الملساء ولا شعر الحب والحنين وإنما تجدي الأقلام التي تكتب بالسكين أو كما يقول الشاعر نزار قباني !!
لقد أجهد خالد نفسه كثيراً لإثبات أن الحكومة تحرص على التعاطي مع أمريكا ولم أفهم البتة ما قصده بذلك القول وأود أن أقول للأخ خالد انني لم أذكر البتة في مقالي انني أرفض مبدأ التفاوض مع أمريكا رغم عدائي الشديد والمبدئي لها بسبب الحرب الصليبية التي تشنها على الاسلام والمسلمين في السودان وفي العالم أجمع »لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم....« مما أثار دهشتي كذلك أن د. خالد قال إنه »لا توجد خلافات دينية أو أيديولجية بين الخرطوم وواشنطن«... مصدر عجبي أن خالد التجاني يتجاهل كل الضغوط التي كانت أمريكا تمارسها على الحكومة والشمال بصفة عامة خلال مفاوضات نيفاشا وأبوجا ويتغافل عن كل الحب الذي كانت ولا تزال تغدقه على جنوب السودان والحركة الشعبية بل انه يتجاهل حتى الاجتماعات التي تنعقد اليوم في واشنطن مع الحركة الشعبية والحركات الدارفورية المسلحة خاصة تلك المتحالفة مع الحركة الشعبية والمتعاونة مع اسرائيل ويتغافل عن العقوبات المفروضة على الشمال دون الجنوب وعن مشروع الحركة الشعبية الذي تسانده أمريكا ويتعامى عن كل ما كتبه وفعله روجر ونتر ووليامسون وما أوضحه المبعوث الأمريكي السابق اندروناتسيوس كتابة من إصرار إدارة الرئيس بوش على إسقاط الحكومة خلال الفترة المتبقية من حكمه بالتعاون مع الحركة الشعبية وحلفائها وعلى إقامة مشروع السودان الجديد الافريقاني العلماني المعادي لهوية السودان الشمالي العربية الاسلامية بل إني لأعجب أن لا يرى د.خالد أي دور للمحافظين الجدد في أمريكا ولحلفائها بمن فيهم اسرائيل وبريطانيا وفرنسا فيما يجري في السودان في اطار إعادة رسم وتشكيل خريطة المنطقة كما لا يرى ما تفعله أمريكا وحلفاؤها في العراق وافغانستان وفلسطين والصومال وما تضمره من كيد وما تشنه من حرب على الاسلام والمسلمين الذين قتلت منهم أكثرمن مليوني عراقي في وقت تذرف فيه دموع التماسيح على شعب دارفور الذي يعلم راعي الضأن في الخلاء أنها تتخذه مبرراً وسبباً لتنفيذ استراتيجيتها في السودان ولا أظن أن د. خالد يحتاج إلى كل هذا البيان الذي يعلمه تماماً الأمر الذي يحيرني بحق ولست أدري والله كيف أقنع الرجل إذا لم يقتنع بكل ما قرأه وشاهده من أحداث يمور بها السودان والعالم الاسلامي!
كما توقعت فقد لجأ د. خالد إلى صلح الحديبية... تلك »الحيطة القصيرة« التي استهلكها دعاة ثقافة الاستسلام في بحثهم الدؤوب عن مبرر للانبطاح أمام أمريكا لكنها لا تسعفهم ذلك أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما أبرم صلح الحديبية كان يعتزم دخول مكة »أرض العدو حينها« لأداء العمرة وكانت المدينة المنورة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقيمون فيها ويتخذونها موطناً مؤمّنة تماماً بينما نحن اليوم إزاء تهديد لموطننا وتحرّش يستهدفنا في عقر دارنا ويحرض علينا الدنيا بما رحبت ويسعى لاستئصال ديننا وهويتنا.
لكن ما بال د. خالد يذكر الحديبية ويتجاهل واقعة أخرى يعلمها تماماً لكنه يتعامى عنها لأسباب معلومة رغم أنها الأقرب لواقعنا اليوم.. تلك الواقعة تتمثل في غزوة الخندق التي وصفها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يعرض على أصحابه أن يدفع للغزاة ثلث ثمار المدينة في مقابل أن ينصرفوا عنها... وصفها بقوله »رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة« فقال السعدان »سعد بن معاذ وسعد بن عبادة« زعيما الأوس والخزرج »إن كان الله أمرك بهذا فسمعاً لك وطاعة وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه... لقد كنا وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعاً فحين أكرمنا الله بالاسلام وهدانا له وأعزنا بك نعطيهم أموالنا، والله لا نعطيهم إلا السيف« فما كان من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلا أن وافقهما على رأيهما وجاء النصر من عند الله العزيز وفي القصة عظات وعِبَر أولها وأهمها الشورى وثانيها نوعية المستشارين الذين يحيطون بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذين لم يكونوا من المنبطحين ودعاة ثقافة الاستسلام وثالث العظات أنهم لم يعطوا الأحزاب حتى الثلث دعك من 99٪ !!
ونواصل
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة