قانون الانتخابات السودانية لسنة 2008
النصوص الغائبة!
إبراهيم علي إبراهيم المحامي
واشنطن،
[email protected]
سريان القانون:
لابد من تسجيل ملاحظات في غاية الأهمية وهي أن مشروع القانون الجديد لسنة 2008 قد اغفل العديد من النصوص القانونية التي تتعلق بتنظيم العملية الانتخابية وصيانة حقوق الناخبين، وتمثل كل من هذه النصوص المنسية حمولات قانونية ودستورية تتعلق بالفقه الدستوري للانتخابات، سيؤدي إغفالها إلى خلل في التفسيرات، وفتح الأبواب واسعة للتلاعب بحقوق الناخبين والمرشحين على السواء.
في البداية لابد من ملاحظة أن مشروع القانون الجديد قد اغفل أن ينص على نطاق سريانه بصورة واضحة وجلية، حيث لم يفرد لذلك نصاً مرقماً قائماً بذاته شأنه في ذلك شأن كل القوانين. ويفرض هذا النوع من الصياغة القانونية مراجعة كافة النصوص للوقوف على نطاق سريانه بصورة واضحة. ولعل السبب وراء هذا الإغفال يرجع إلى تضمين قانون مفوضية الانتخابات ضمن قانون الانتخابات، وهذا خطأ في حد ذاته، حيث كان الأجدى والأنفع أن يفرد لها قانوناً منفصلا تفادياً لمثل هذا الخلط بين اختصاص قانون الانتخابات واختصاص المفوضية.
وبقراءة نصوص القانون نجد أن المادة 10/أ/ب حددت اختصاصات مفوضية الانتخابات بالآتي:
" (أ) تنظيم انتخابات رئيس الجمهورية ورئيس حكومة جنوب السودان والولاة والمجالس التشريعية والإشراف على تلك الانتخابات"
ويفهم من سياق هذه المادة وبعض النصوص الأخرى المتفرقة حسب أبواب القانون انه يسري على الآتي:
1/ انتخابات رئيس الجمهورية.
2/ انتخابات رئيس حكومة الجنوب.
3/ انتخابات ولاة الولايات
4/ انتخابات مجلس الولايات
5/ انتخابات المجلس التشريعي الوطني
6/ انتخابات المجلس التشريعي لجنوب السودان
7/ انتخابات مجالس الولايات التشريعية
8/ لولاية أي منصب أو لعضوية أي جهة مما تتولى المفوضية أخذ الرأي فيها.
9/ إجراء أي استفتاء يطلبه رئيس الجمهورية أو المجلس الوطني.
ويقصد بالاستفتاء إحالة أي مسألة تتعلق بالمصلحة الوطنية أو المصلحة العامة من قبل رئيس الجمهورية، أو المجلس الوطني بأغلبية أكثر من نصف أعضائه وفق أحكام المادة 217 من الدستور. و لا يسري مشروع القانون الحالي على الاستفتاء الخاص بمنطقة أبيي المنصوص عليه في المادة 183 واستفتاء تقرير المصير لجنوب السودان المنصوص عليه في المادة 220 من دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005م".
وبمقارنة بسيطة نجد أن مشروع قانون سنة 2007 أفضل من مشروع قانون 2008 الحالي من حيث تحديد الاختصاص، حيث نص على نطاق سريانه في الباب الأول الخاص بالأحكام التمهيدية والتعريفات والتفسيرات، رغم أن ذلك أيضا يخالف المتعارف عليه من حيث التبويب، حيث ورد في الفقرة 4 منه تحت بند "تفسير" ما يأتي:
"الانتخابات: يقصد بها أخذ رأي الناخبين وفق أحكام الدستور والقانون لاختيار رئيس الجمهورية أو رئيس حكومة جنوب السودان أو الولاة أو لعضوية المجلس الوطني أو مجلس جنوب السودان أو مجلس الولايات أو مجلس الولاية أو لولاية أي منصب أو لعضوية أي جهة مما تتولى المفوضية أخذ الرأي فيها".
وكان الأصح أن ينص مشروع القانون الحالي على نطاق سريانه صراحة في الفصل الأول منه حتى يفهم مجال اختصاصه الإجرائي والموضوعي بمجرد الاطلاععلى الفصل الاول منه، وذلك منعاً لأي لبس قد يحدث مستقبلا، وتماشياً مع الطرق المعروفة في صياغة القوانين حيث تتصدرها دائماً المواد المتعلقة بتحديد اختصاصها و سريانها. فمثلا نص قانون الانتخابات العراقي لسنة 2005 والمعمول به حالياً في المادة (1) على الآتي: " يسري هذا القانون على انتخابات مجلس النواب، وانتخابات المجالس الوطنية للأقاليم، ومجالس المحافظات، والمجالس المحلية ما لم يوجد نص خاص". فمثل هذا النص غائب عن القانون السوداني، ونأمل أن يعمل المشرع على تلافي هذا الخلل ومعالجته بالنص عليه.
كذلك اغفل مشروع القانون الحالي النص صراحة على التأكيد على حق الانتخاب باعتباره من الحقوق السياسية الأساسية للأفراد التي أكدت عليها جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها السودان، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966. كما اغفل النص على الكيفية التي يجري بها الاقتراع أو إدلاء الفرد بصوته، وذلك من حيث السرية والمباشرة. وهذا النص رغم بساطته إلا انه من البديهيات التي تحمل شحنات قانونية عالية تتعلق بحق الانتخاب لا يمكن أن يعني تفريغها إلا إجهاضاً لأسس العملية الانتخابية كلها. فقد درجت معظم القوانين على النص على "أن تجرى الانتخابات عن طريق الاقتراع العام والسري والمباشر. فمن الضروري أن ينص القانون على أن يكون الاقتراع عام وشامل لكل المواطنين السودانيين دون استثناء، حيث أن تعبير اقتراعاً عاماً يعني السماح لجميع السودانيين في كافة أنحاء العالم المسجلين في سجل الناخبين المؤهلين للتصويت بالمشاركة في التصويت دون قيود على أي منطقة أو إقليم أو طائفة من الناس. ويقصد بالاقتراع السري تمكين الناخبين من التصويت كل على انفراد بشكل سري تام دون مراقبة أو متابعة من أي جهة، حيث يتم ذلك في غرفة أو كابينة معزولة من دون مشاهدة من الآخرين له، ومن دون أن يذكر اسمه على بطاقة الاقتراع التي يستخدمها، وهذا ما باب ضمان وصيانة حرية الاختيار للناخب. أما أن يكون الاقتراع مباشراً فتعني أن يتم التصويت من قبل الناخب نفسه، أي حضوره بذاته لمركز التصويت، حيث يختار المرشحين ويضع البطاقة بنفسه في الصندوق. وهذه النصوص غابت تماماً من مشروع القانون الحالي، ونأمل في أن ينتبه لها المشرع قبل إجازة القانون بشكله الحالي.
كيف ينتخب نائب الرئيس؟
كذلك لا نجد في نصوص مشروع قانون سنة 2008 أي نص أو إشارة إلى الكيفية التي يتم بها انتخاب أو اختيار نائب رئيس الجمهورية رغم أن القانون نص على أن نظام الحكم رئاسياً جمهورياً، مما يثير الكثير من الأسئلة لدى المطلع حول الكيفية التي يراد بها تطبيق النظام الرئاسي نفسه.
صحيح أن مسألة اختيار نائب الرئيس قد تم تنظيمها وترتيبها في نصوص الدستور الانتقالي لسنة 2005، حسبما وردت في اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل، والتي جاء ترتيبها على أسس شمال- جنوب. حيث نص الدستور على انه إذا انتخب الرئيس من الشمال فإن الشخص الذي يتم انتخابه لرئاسة حكومة الجنوب سيتم تعيينه نائباً للرئيس السوداني. وإذا تم انتخاب الرئيس من الجنوب فانه سيقوم بتعيين شخص من الشمال نائباً للرئيس. أما نيفاشا فقد نصت على أن للرئيس نائبين واحد من الجنوب وآخر من الشمال (المادة 2.3.7) وقد تم شرح ذلك في المادة 62/1 من الدستور التي نصت على انه إذا فاز الرئيس من الجنوب فعليه تعيين نائب رئيس من حزب الأغلبية في الشمال. وهذا النص منفردا يمكنه ان يحدث تغييرات جذرية في ما تبقى من سنوات من عمر نيفاشا واطرافها، حيث يمكن عن طريقه ان ترث اطارف اخرى مسئوليات اتفاقية السلام ومستحقاتها.
أما الوضع بعد تنفيذ الاستفتاء فقد تم ترتيبه في المادة 69/1 التي نصت على أن يكمل الرئيس ونائبه الفترة الانتخابية إذا اختار الجوب الوحدة. أما في حالة اختيار الجنوب للانفصال والاستقلال بدولته فعلى رئيس الجمهورية مواصلة الفترة الرئاسية إذا كان من الشمال، أما إذا كان من الجنوب فيعتبر منصب رئيس الجمهورية شاغراً بالاستقالة وحينها يتولى نائب الرئيس منصب الرئيس ليكمل الفترة الانتخابية.
وكان الأجدر بمشروع القانون تضمين هذه النصوص في صلبه، خاصة وأنها تتعلق بتوضيح الكيفية التي يتم بها اختيار نائب رئيس الجمهورية خاصة وانه المنصب التنفيذي الثاني في الدولة، وانه يتولى مهام الرئاسة في حالة تعذر الرئيس القيام بها. كما ان من مهام القانون النص على التفاصيل التي لا يمكن ايرادها في صلب الدستور، باعتباره مكملا له.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة